منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - كلام الحكيم المنان و علماء شريعة الإسلام في حكم اتخاذ الحكام قوانين أهل الكفر شريعة في بلاد الإسلام
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-05-14, 20:47   رقم المشاركة : 120
معلومات العضو
جمال البليدي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية جمال البليدي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مقدمة فضيلة الشيخ
الدكتور صالـح بن غانم السدلان

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعـد:
فإنَّ مسألة: "الحكم بغير ما أنزل الله" من مهمات المسائل العلمية الواقعية، كُتِبَ فيها ركام من الكُتَيِّبَات والرسائل، أغلبها الأعم انتصار لتصورات سابقة، أو استجابة لحماسة طاغية، وإنَّ مسألة خطيرة كهذه، دعت الحاجة الْمُلِحَّة للكتابة فيها، يجب أنْ تبحث بإخلاص وتجرد وموضوعية على منهاج سلف الأمة في فهم نصوص القرآن والسُّنَّة.
وليس فهم النصوص بفهم السلف الصالح نافلة أو أمرًا اختياريًّا، بل هو أمر واجب يعصم من الزيغ والضلال، قال تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى الآية [النساء:115].
وقال ابن عباس رضي الله عنه محتجًّا على الخوارج: إنَّ مع عليٍّ أصحابَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وهم أفهم للقرآن منكم.
وإذا كان هؤلاء الذين كتبوا في هذه المسألة الخطيرة لا يَحْكُمُون بِمَا أنزل الله في فهم النصوص، فكيف يطالبون غيرهم بالحكم بِمَا أنزل الله، ويُكَفِّرُونَه إذا حكم بغيره: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [البقرة:44].
إنَّ الذي يقبل من سَلَفِه المزكين من رَبِّهِم ونبيهم s نصوص دينهم، ويرد عليهم فهمهم لهذه النصوص، ولسان حاله يقول: إنَّ لدي من الفَهْم الصواب ما لَمْ يكن لديهم لا بد أنْ يراجع نفسه، ويتقي ربه، وأَنَّى للذي يكتب في هذه القضية الخطيرة التوفيق والسَّدَاد، وهو يرفض فهم سلفه الصالح لقوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ [المائدة:44].
ولقد ألفيتُ كتاب الأخ الشيخ خالد بن علي بن محمد العنبري: "الحكم بغير ما أنزل الله وأصول التكفير في ضوء الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة" قد وافق عنوانه مخبره في التزام منهاج النبوة وفهم سلف الأمة في جميع مسائله وقضاياه، فأجزل الله له المثوبة جزاء ما بحث ونقب، وفتش ورتب، ونفع بِمَا كتبه وسطره أهل الإسلام في كل مكان: علماء ومفكرين، مشايخ وطلابًا، دعاة ومدعوين.
وقد مَهَّدَ لكتابه ببيان أنواع الكفر الأكبر المخرج من الملة: كفر التكذيب، والجحود، والعناد، والإعراض، والشك، والنفاق، وأنَّ الكفر يكون بالاعتقاد، والقول، والعمل، وألمح إلى الكفر عند غلاة المرجئة الذين حصروه في التكذيب بالقلب فقط.
ثم فصَّل القول في بيان أهم أصول التكفير وضوابطه وشروطه، فأجاد وأفاد فأوضح أنَّ التكفير حكم شرعي، وحق محض للرَّبِّ سبحانه، لا يملكه أحد غيره، وأنَّه لا يُكَفَّر إلا من قام على تكفيره دليل لا معارض له من الكتاب السُّنَّة، أو اتفق أهل السُّنَّة على تكفيره، وأنَّ المسلم لا يكفر بقول، أو فعل، أو اعتقاد حتى تقام عليه الحجة، وتُزَال عنه الشبهة، وأنَّ التكفير يختلف بحسب اختلاف حال الشخص والزمان والمكان، وأنَّه يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين، وأن الكفر ذو أصل وشعب، وأنه لا يلزم من قيام شعبة من شعب الكفر بالمسلم أن يكون كافرًا، وأنه قد يجتمع في الرجل كفر وإيمان، وهذا من أعظم أصول أهل السنة، وأن جاحد الحكم المجمع عليه إنَّمَا يكفر إذا كان معلومًا من الدين بالضرورة، والمعلوم بالضرورة أمر نسبي، فقد يكون معلومًا عند شخص دون آخر، وأنه لا تكفير بما يلزم من المذاهب والأقوال.
وأطال النفس بعد ذلك -أثابه الله- في مسألة العصر: "مسألة الحكم بغير ما أنزل الله" فَوُفِّقَ في عرضها وبيانِهَا غاية التوفيق، فأصَّلَ وقَعَّد، وحشد أقوال أهل العلم في هذه المسألة في القديْم والحديث، وبَيَّنَ أنَّهَا تخرج من مشكاة واحدة، وأنَّهُم لا يكفرون من الحكام إلا من استحل الحكم بالقوانين الوضعية، أو جحد الحكم بالشريعة الإسلامية، أو زعم أنَّهَا لا تناسب الأعصار المتأخرة، أو أنَّ الحكم بِهَا وبغيرها سِيَّان، ونحو ذلك.
ثم أثبت -جزاه الله خيرًا- إجماع السلف والخلف على عدم كفر من حكم بغير ما أنزل الله من غير جحود أو عناد من طرق ثلاث، فكان مطلبًا فريدًا بحق.
وكشف عقب ذلك شبهات المخالفين، وأقام الحجة عليهم، أنَّ فهمهم لظواهر الآيات التي تعلقوا بِهَا فهم يضاهي فهم الخوارج، ولَمْ يكن ذلك من كيسه، بل بشهادات أهل العلم والتفسير، وتتبع كتب المخالفين الذين يُكَفِّرُون جميع مَنْ لَمْ يحكم بما أنزل الله من غير تفصيل، فَوَقَعَ على خصلة تُدْمِي القلوب، وتُبْكِي العيون، فقد رآهم يَلْوون أقوال أهل العلم، ويحملونَهَا ما لا تحتمل، ويبترون بعضها بِمَا يتوافق مع ما يذهبون إليه.
كل هذا بأسلوب علمي رصين، لا سَبَّ فيه ولا تجريح، فجاء هذا الكتاب فريدًا في بابه، وقد وافق فيما ذهب إليه من تفصيل في قضية الحكم بغير ما أنزل الله رأي سماحة الوالد مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز( ).
وفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين( )، والشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني.
والمرجو من كل قارئ في هذا الكتاب أن يتسم بالإنصاف والتجرد والموضوعية وفهم سلف الأمة، والحق أحق أن يتبع، والله أسأل أنْ يُوَفِّق المسلمين حُكَّامًا ومحكومين للعمل بالكتاب والسنة وفق منهج سلف الأمة، وأنْ يجمع كلمتهم ويؤلف بين قلوبِهِم، ويجعلهم هداة مهتدين، والله حسبنا ونعم الوكيل.



وكتبه
د . صالـح بن غانم السـدلان
الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة الإمام
الرياض 22/1/117هـ










رد مع اقتباس