(وَقولـه: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّأَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُوَقُضِيَ الأَمْرُ )
، (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّأَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُأَوْيَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْيَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ (كَلاَّإِذَادُكَّتِالأَرْضُ دَكًّادَكًّا *وَجَاءرَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّاصَفًّا) (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءبِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلاً )
/ش/ قولـه: (هَل ْيَنظُرُونَ.. )في هذه الآيات إثبات صفتين من صفات الفعل لـه سبحانه، وهما صفتا الإتيان والمجيء، والذي عليه أهل السنة والجماعة الإيمان بذلك على حقيقته، والابتعاد عن التأويل الذي هو في الحقيقة إلحادٌ وتعطيل.
ولعلَّ من المناسب أن ننقل إلى القارئ هنا ما كتبه حامل لواء التجهُّم والتعطيل في هذا العصر، وهو المدعو بزاهد الكوثري؛ قال في حاشيته على كتاب ((الأسماء والصفات)) للبيهقي ما نصه:
((قال الزمخشري ما معناه: إن الله يأتي بعذابٍ في الغمام الذي يُنْتَظَرُ منه الرحمة، فيكون مجيء العذاب من حيث تُنتظر الرحمة أفظع وأهول.
وقال إمام الحرمين في معنى الباء كما سبق.
وقال الفخر الرازي: أن يأتيهم أمر الله)). اهـ
فأنت ترى من نقل هذا الرجل عن أسلافه في التعطيل مدى اضطرابهم في التخريج والتأويل.
على أن الآيات صريحة في بابها، لا تقبل شيئًا من تلك التأويلات..
فالآية الأولى تتوعَّد هؤلاء المصِرِّين على كفرهم وعنادهم واتباعهم للشيطان بأنهم ما ينتظرون إلا أن يأتيهم الله عزَّ وجلَّ في ظلَلٍ من الغمام لفصل القضاء بينهم، وذلك يوم القيامة، ولهذا قال بعد ذلك: (وَقُضِيَ الأَمْرُ )والآية الثانية أشد صراحة؛ إذ لا يمكن تأويل الإتيان فيها بأنه إتيان الأمر أو العذاب؛ لأنه ردَّد فيها بين إتيان الملائكة وإتيان الرب، وإتيان بعض آيات الرب سبحانه.
وقولـه في الآية التي بعدها : (وَجَاءرَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّاصَفًّا )لا يمكن حملها على مجيء العذاب؛ لأن المراد مجيئه سبحانه يوم القيامة لفصل
القضاء، والملائكة صفوف؛ إجلالاً وتعظيمًا له، وعند مجيئه تنشق السماء بالغمام؛ كما أفادته الآية الأخيرة.
وهو سبحانه يجيء ويأتي وينزل ويدنو وهو فوق عرشه بائن من خلقه.
فهذه كلها أفعال له سبحانه على الحقيقة، ودعوى المجاز تعطيلٌ له عن فعله، واعتقادُ أن ذلك المجيء والإتيان من جنس مجيء المخلوقين وإتيانهم نزوعٌ إلى التشبيه يفضي إلى الإنكار والتعطيل.