العهد الروماني.
الجزائر في عهد الاحتلال الروماني (146 ق.م – 429 م).
الرومان أمة آرية متكونة من شعوب وأمم مختلفة، منها أمة ألغال والأتروسك والإغريق واللاتين، ومركز شعبها إيطاليا، ومؤسسها رومولوس حفيد بوروكاش ملك اللاتين، حيث يعود تاريخ بناءها 754 ق.م وظلت كذلك عاصمة لهذه الدولة طيلة عشرة قرون ونصف فتحت فيها العالم المعمور يومئذ كله.
لقد ذكرنا سابقا أن روما ضربة حصارا على قرطاجنة، ودخلت البلاد لتعلن إفريقيا عاصمة رومانية إلا أن روما لم تستطع أن تستولي على الجزائر إلا بعد سنة 297م. وجعلوا عاصمتها بلدة جمعة صهريج. والملاحظ أن عدم تمكن الرومان من بسط سيطرتها على الجزائر إلا بعد هذا التاريخ، راجع لعدم قبول الجزائريين بالنظام الروماني المستبد الفاسد الذي كان يضغط على حرية الأفكار، ويفرض طوقا على الأهالي، مما جعلهم ينهضون نهضة رجل واحد لدحر هذا المستعمر المستبد، وكانت أولى الثورات بزعامة القائد يوغرطة وذلك في سنة 110 ق.م، الذي وحدة صفوف البربر ضد الروم، وقد انتصر هذا القائد في معركته التي كانت تسمى سوتول من مدينة قالمة.
وبعد عدة جوالات انتصر فيها هذا القائد البطل يوغرطة، اعتلى عرش سيرتا – قسنطينة سنة 112 ق.م. معلنا استقلال الجزائر التام، إلا أن روما لم تتوقف عند هذا الحد، حيث لجأت إلى حيلة فرق تسد كما رئين سابقا في الحرب البونية الثانية 218 – 202 ق.م، واستعانت في ذلك ببعض رؤوس البربر مثل يوبا الثاني وبوكس ملك مريطانيا، وفعلا تغلب بوكس على يغرطة وهو والد زوجته، فقبض عليه وسلمه إلى الرومان سنة 106 ق.م حيث توفي في سجنه في سنة 104 ق.م، ليسيطر الرومان بعد ذلك على معظم الترابي الجزائري بعد محاولات عديدة، ولم تكن ثورة يغرطة هي آخر الثورات، فقد تلتها ثورة طاكفاريناس سنة 17م، والتي انتصرا فيها عدة مرات، ولم تتوقف الثورات، إلا بعد انتهاء الاحتلال الروماني للجزائر، ولقد بقية عدة مناطق لم تستطع روما السيطرة عليها واحتفظت هذه المناطق باستقلالها، ومن بين هذه المناطق نجد جبال الونشريس وأوراس وصحراء عمالة الجزائر ووهران وجبال جرجرة وزواوة.
المجتمع الجزائري على عهد روما.
لقد كان يبلغ تعداد سكان شمال إفريقيا على عهد الرومان حسب ما ذهب إليه المؤرخون إلى نحو سبعة ملايين، وكان الناس في المعاملة أمام القانون ثلاث طبقات:
1. الطبقة الأولى: هي طبقة رجال الحكم وولاة والإدارة الرومانية.
1. الطبقة الثانية: هي طبقة بقية الأمة اللاتينية.
2. الطبقة الثالثة: هي طبقة الشعب من الأهالي الوطنيين، وليس لهذه الطبقة أدنى اعتبار.
وهذا التقسيم شمل كذلك البلاد نفسها، حيث تم تقسيم البلاد على النحو التالي:
1. مدن رومانية: ويحق لأهل هذه المدن التمتع بجميع حقوق الرومان، فهي معفوه من الضرائب ومن الانتخابات العامة.
2. مدن بربرية: وهذه المدن ليس لها امتيازات، وهي تحت إمرة رئيس بربري وهو تحت إشراف ومراقبة رومه.
الحياة الاقتصادية الجزائرية على عهد روما.
لقد كانت الحالة الاقتصادية في عهد روما مزدهرة وذلك بفضل أبناء الجزائر، حيث استغلتهم روما في بناء هذه العمارات الضخمة والمؤسسات الفخمة ومشاركتهم الفعالة في تضخيم الخزينة، بأداء المغارم الباهظة، وتمويل روما بمختلف الضروريات الاقتصادية مثل: الحبوب والفواكه والخضر وبقول وخمور وأخشاب وصوف وغيرها من الضروريات، وكذا جلبهم الماء وهذا ما دلت عليه آثارهم، كل هذا كان يدل على الرخاء الاقتصادي الذي عرفته الجزائر في عهد روما، إلى درجة أن الرومان كانوا يعتبرون إفريقيا خزينة روما، بل أكثر من ذلك كان الذي لديه في مخازنه قمح إفريقيا يوصف بالثراء، ويقدر إجمالي صادرات روما من إفريقيا 348000 طن من مختلف المنتجات، كل هذا كان بسواعد جزائرية لكن المستفيد الوحيد منها هو الاحتلال الروماني.
الثقافة والحضارة والعمران.
لقد كانت السيطرة الرومانية على إفريقيا عموما وعلى الجزائريين خصوصا واضحة في كل المجالات، حتى التعليم كان إجباريا بلغته، إلا أن الأهالي لم يفرطوا في لغتهم فبرعوا في لغتين معا، وهذا ما أتاح الفرصة للكثير من أبناء الشعب للوصول إلى أرقى درجات الخطابة والكتابة والعلوم والحكمة والفلسفة.
كما انتشرت بين الأهالي في ذلك العهد صناعة الأقمشة الغليظة وأواني الطين على اختلافها، ولقد كانت صناعة المصابيح والفنون الجميلة مزدهرة آنذاك، وما يشهد على ما بلغته إفريقيا الرومانية من الرقي والثراء أن تشاهد آثار ما خلفه الرومان من أسواق وهياكل وقنوات لجر المياه الشرب للمدن، ودور التمثيل، فانظر إلى أطلال مدينة تيمقاد التي أنشأها الفيلق الروماني الثالث بقرب مدينة سيرتا(قسنطينة) حوالي سنة 117م، وما كانت تحتويه من مباني ضخمة وما كان فيها من الشوارع المرصوفة المعمدة والمجاري المسقفة وما كان بها
من أقواس وسوق عامة، وبناء مجلس الشيوخ وهياكل وحمامة وغيرها من الآثار الموجودة هنا وهناك في كل من قسنطينة وعنابه، وميله وسكيكده والقل وخنشله.
وإذا أمعنت النظر ودققنا في هذه الحضارة والثقافة الرومانية لوجدناها مقتبسة عن الإغريق والفينيقيين، فهي عن تقليد محض، ولقد ساعدهم هذا التقليد في رفع لواء الجند لتحتل به معظم بلاد المعمورة.