... تابع للتحليل الأولي
ربما انسقنا مباشرة إلى صلب الموضوع و أهملنا العنوان "لا تجني الصحافة على الأدب و لكن على فنيته" , و في هذا رأي أن ما يكتب في الصحف هو إيصال الإفهام المجرد دون تعقيد فني كما سماه الرافعي في القانون الذي أشار إليه في تعريفه للأدب و فنيته بين أدب الصحف و لغتها و الأدب المعروف و طرقه بأنه ذلك "التدقيق الهندسي الذي هو تعقيد فن التناسب" , التناسب بين تلك التراكيب في أبهى و أجود صورها الوجودية الممكنة لها , و الأديب اللامع هو الذي يحسن هذا التدقيق الهندسي ببراعة دون التجرد بالإفهام فقط في لغته و كتابته , و المعنى كذلك أن الروح في الجسد غير الجسد بلا روح , أي أن الإفهام في الأدب و الصحف سيان يؤدى دوره في إيصال فكر الكاتب غير منقوص . و لكنه يفتقد للروح الجمالية في الثانية و إن كان على طبيعته الوجودية و لكن الواجب تهذيبه و تشذيبه ليعجب الناظر أو المستمتع بالطبيعة في بهاء صورتها , كالعروس في يوم زفافها مثلا , و هي التي تجعل ذلك الإيصال للفكرة في صورة تسر النفس و تثير الذائقة الأدبية الفنية فيها , و هذا هو أصل الأدب و جماليته , و إن قالوا فيه التعقيد فذلك مرجع لتلك النفس الذائقة له فهي من ترى أن هذا به التعقيد و الصعوبة و هي من ترى كذلك أن هذا به السهولة و اليسر , ثم أعجبتني الإشارة القوية و الصاروخ المدمر الذي قصف به الرافعي صاحبه و ذلك الشرط الذي رفعه عن الشخص الذي ينقد البيان متى التزم الإلمام بالأصول في الفهم و الذوق , و هذه كذلك نرسلها نحن بدورنا لصاحبنا في صحيفة اللاشروق و الذي أفسدته نزعته الأخرى ... ندخل الآن في صعاليك الصحافة ... مالي أرى القوم راكد مائهم و مبهمة أثارهم في الأرض.