منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الدين والسياسة
الموضوع: الدين والسياسة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-11-07, 14:27   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
المثابر120
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية المثابر120
 

 

 
إحصائية العضو










B18

السياسة عند فيلسوف الاجتماع ابن خلدون:

ولا بد لنا هنا أن نُعرِّج على رأي فيلسوف الاجتماع، بل مؤسس علم الاجتماع في الحقيقة: عبد الرحمن بن خلدون (ت808هـ)، الذي أثبته في مقدمته، وهو أثر الدِّين عند العرب في إقامة المُلك وتثبيته، مع سوء رأيه في العرب، وأنهم أقرب إلى التَّوحش منهم إلى العمران والحضارة [7]، ومع هذا قرَّر: أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصفة دينية، من نبوة أو ولاية (لله) أو أثر عظيم من الدِّين على الجملة.
قال: (والسبب في ذلك: أنهم لخُلُق التَّوحش الذي فيهم، أصعبُ الأمم انقيادًا بعضهم لبعض للغلظة والأَنَفَة، وبُعد الهمَّة والمنافسة في الرِّياسة؛ فقلَّما تجتمع أهواؤهم. فإذا كان الدِّين بالنبوة أو الولاية (أي الولاية لله بالتقوى)، كان الوازع لهم من أنفسهم، وذهب خُلُق الكِبر والمنافسة منهم، فسهُل انقيادهم واجتماعهم، وذلك بما يشملهم من الدِّين المُذْهِب للغِلظة والأَنَفَة، والوازع عن التَّحاسد والتَّنافس. فإذا كان فيهم النَّبي أو الوَلِي الذي يبعثهم على القيام بأمر الله، ويُذهب عنهم مذمومات الأخلاق ويأخذهم بمحمودها، ويؤلِّف كلمتهم لإظهار الحق، تمَّ اجتماعهم، وحصل لهم التَّغلب والمُلك. وهم مع ذلك أسرع الناس قَبولا للحق والهُدى لسلامة طباعهم من عِوَج المَلَكات، وبراءتها من ذميم الأخلاق، إلا ما كان من خُلُق التَّوحش القريب المعاناة، المُتهيِّئ لقَبول الخير، ببقائه على الفطرة الأولى، وبُعده عمَّا ينطبع في النفوس من قبيح العوائد وسوء المَلَكات فإن كل مولود يولد على الفطرة [8]، كما ورد في الحديث) [9].
كما عقد ابن خلدون فصلا أكَّد فيه: أن الدعوة الدينية تزيد الدولة في أصلها قوة على قوة العصبية التي كانت لها من عددها. قال: (والسبب في ذلك -كما قدمناه: أن الصبغة الدِّينية تذهب بالتَّنافس والتَّحاسد الذي في أهل العصبية، وتُفرد الوجهة إلى الحق. فإذا حصل لهم الاستبصار في أمرهم: لم يقف لهم شيء؛ لأن الوجهة واحدة، والمطلوب متساوٍ عندهم، وهم مستميتون عليه، وأهل الدَّولة التي هم طالبوها -إن كانوا أضعافهم- فأغراضهم متباينة بالباطل، وتخاذلهم لِتَقيَّة الموت حاصل، فلا يُقاومونهم وإن كانوا أكثر منهم، بل يغلبون عليهم، ويُعاجلهم الفناء بما فيهم من الترف والذُّل كما قدمناه.
وهذا كما وقع للعرب صدر الإسلام في الفتوحات. فكانت جيوش المسلمين بالقادسية واليرموك بضعة وثلاثين ألفا في كل معسكر، وجموع فارس مائة وعشرين ألفا بالقادسية، وجموع هِرَقل -على ما قاله الواقدي- أربعمائة ألف! فلم يقف للعرب أحد من الجانبين، وهزموهم وغلبوهم على ما بأيديهم.
واعتبرْ ذلك أيضا في دولة لَمْتُونة ودولة الموحدين. فقد كان بالمغرب من القبائل كثير ممَّن يقاومهم في العدد والعصبية أو يَشِف [10] عليهم، إلا أن الاجتماع الدِّيني (عند الموحدين) ضاعف قوة عصبيتهم بالاستبصار والاستماتة كما قلناه، فلم يقف لهم شيء) [11].
شغل ابن خلدون بالسياسة الواقعية، ولم يحلق وراء الطوبويات كجمهورية أفلاطون أو مدينة الفارابي، وعني باكتشاف القوانين الطبيعية التي تحكم الأمم والمجتمعات، والتي سماها (طبائع العمران)، فهو أبو علم (العمران السياسي) أو علم (الاجتماع السياسي)، وهو باعتراف الغربيين أنفسهم أول من كتب في هذا العلم، حتى ذكر الشيخ رفاعة الطهطاوي في كتابه (تخليص الإبريز إلى تلخيص باريز) أنه سمع العلماء في فرنسا حين إقامته في النصف الأول من القرن التاسع عشر يدعون ابن خلدون (منتسكيو الشرق أو الإسلام) ويسمون منتسكيو (ابن خلدون الفرنج)، ولا غرو أن أُطلق عليه: رائد علم الاجتماع السياسي الحديث [12].
_______________________________________
[1]- كان المسلمون قديما يعبرون عن الفلسفة بالحكمة، وعن الفلاسفة بالحكماء، وقد قالوا: الفلسفة معناها: حب الحكمة، ولهذا ألَّف الفارابي كتابا يوفق فيه بين آراء الحكيمين: أفلاطون وأرسطو.
[2]- انظر: علم السياسة: د. حسن صعب دار العلم للملايين بيروت صـ84 وما بعدها.
[3]- انظر: ما كتبته (موسوعة العلوم السياسية) الكويتية عن هؤلاء الثلاثة: الفارابي وابن سينا وابن رشد في الفقرات: 122 صـ180 – 182، و123 صـ182 – 184، 136 صـ204 – 207، وانظر: علم السياسة لحسن صعب صـ84- 87.
[4]- انظر: تهذيب الأخلاق صـ129 من منشورات مكتبة الحياة. بيروت. طبعة ثانية، ويلاحظ أن عبارة أزدشير: قد اقتبسها الإمام الغزالي وأودعها كتابه إحياء علوم الدين (1/17) طبعة دار المعرفة. بيروت.
[5]- رواه البخاري معلقا بصيغة الجزم في العلم باب الاغتباط في العلم والحكمة عن عمر موقوفا، وابن أبي شيبة في المصنف كتاب الأدب (5/284)، والدارمي في المقدمة (250)، والبيهقي في الشعب (2/253).
[6]- انظر: (الذريعة إلى مكارم الشريعة) للراغب الأصفهاني بتحقيق د. أبو اليزيد العجمي صـ92، 93 طبعة دار الوفاء. مصر.
[7]- يرى البحَّاثة الكبير د. علي عبد الواحد وافي رحمه الله في تحقيقه للمقدمة، وتقديمه لها: أن المراد بالعرب عند ابن خلدون، هم: البدو، ودلَّل على ذلك من أقوال ابن خلدون نفسه في المقدمة، فليراجع. المقدمة طبعة دار البيان العربي.
[8]- إشارة إلى حديث: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه، كما تَنْتِجُون البهيمة، هل تجدون فيها من جدعاء؟ ..."، وقد رواه البخاري في القدر (6599) عن أبي هريرة، ومسلم في القدر (2658)، وأحمد في المسند (8179)، والترمذي في القدر (2138)، وأبو داود في السنة (4714).
[9]- مقدمة ابن خلدون صـ160 طبع مؤسسة الرسالة ناشرون. دمشق – بيروت.
[10]- يشفُّ: يزيد (القاموس المحيط: صـ1066): شَفَفَ.
[11]- المقدمة صـ167.
[12]- انظر: علم السياسة لحسن صعب صـ87 – 90.


السياسة عند الغربيين
ولا بد لنا هنا لنستكمل الحديث عن السياسة: أن نتحدث -لو بإيجاز- عن السياسة عند الغربيين، فقد أمسى الغرب هو المُهيمن على عالمنا المعاصر، وخصوصًا في عصر التفرُّد الأمريكي، وأضحت ثقافة الغرب هي الثقافة التي تريد أن تفرض نفسها على العالم، وأن تكون هي وحدها (الثقافة الكونية).
ونحن لا نستطيع أن نتجاهل هذا أو نُغفله، وإن كنا نرفض سياسة الهيمنة، وثقافة الهيمنة، ونؤمن بالتنوع والتعدُّدية في كل الأمور: التعدُّدية العِرقية، والتعدُّدية الُلغوية، والتعدُّدية الدِّينية، والتعدُّدية السياسية.
وعلى أية حال، شئنا أم أبينا، لا زالت جامعاتنا ومؤسساتنا الثقافية والفكرية متأثرة بالغرب، ولا زالت مصادر أساتذتنا ومثقفينا غربية في معظمها.
وفي جميع دراساتنا الإنسانية والاجتماعية -ولا سيما السياسية- نأخذ عن الغرب، وقلَّ منا مَن يقف موقف النقد والتحليل، بحيث يأخذ ويَدَع، وينتقي ويترك، تبعًا لمعاييره هو، ومعايير أمته وحضارته، لا معايير الغرب وحضارته.
المُهم هنا، أن نُعرِّف: ما هو مفهوم السياسة عند الغربيين؟
هنا نجد تعريفات كثيرة لكلمة (السياسة) تختلف باختلاف الاتجاهات وزوايا الرؤى: فالسياسة عند الليبراليين، غيرها عند التَدَخُلِيين، والسياسة عند دعاة المذهب الفردي، غيرها عند دعاة المذهب الجماعي، والسياسة عند دعاة الاقتصاد الحر، أو اقتصاد السوق، غيرها عند الماركسيين أو دعاة التخطيط المركزي وسيطرة الدولة على الإنتاج والتوزيع.
السياسة عند رجال الدِّين الجامدين الذين يرون مقاومة الأمراض والأوبئة: مقاومة لإرادة الله، غير السياسة عند الأطباء ورجال الصحة الذين يرون توفير الصحة العامة، والأدوية وما يتصل بها لكل مريض.
السياسة عند دعاة الدِّين والقِيَم الأخلاقية الذين لا يبيحون الإجهاض بإطلاق، ولا يرون إشاعة الفاحشة في المجتمع من الزنى واللواط والسِّحاق، غير السياسة عند الذين يطلقون العنان للشهوات والغرائز الدنيا، لتقود الإنسان، وتَحكُم الحياة، حتى إنهم يباركون الزواج المثلي، ويؤيدون العُري والشذوذ، ممَّا ترفضه كل الأديان الكتابية. ولهذا تفاوتت التعريفات للسياسة عند كل فريق.
نذكر هنا نماذج من هذه التعريفات:
قول هانس مورغنتاو: (السياسة: صراع من أجل القوة والسيطرة [1]!).
قول هارولد لاسويل: (السياسة هي: السلطة أو النفوذ، الذي يحدِّد: مَن يحصل على ماذا؟ ومتى؟ وكيف؟) [2].
وقول وليم روبسون: (إن علم السياسة يقوم على دراسة السُلطة في المجتمع، وعلى دراسة أُسسها، وعملية ممارستها وأهدافها ونتائجها) [3].
صحيح أنه يتكلم عن (علم السياسة) لا عن السياسة، ولكن نفهم من موضوع العلم مفهوم السياسة التي يعالجها.
فكل هذه التعريفات تدور حول (السلطة) والقوة والسيطرة.
ويسأل جان باري دانكان في الفصل الثاني من كتابه (علم السياسة) سؤالا أساسيا: ما هي السياسة؟
ويجيب الكاتب عن السؤال بتفصيل وتحليل وتعميق، استغرق (32) صفحة، وكان مما قاله: (إن هناك استعمالات نوعية لكلمة السياسة، واستعمالات غير نوعية).
ويعني بغير النوعية: تلك التي من السهل أن تستبدل فيه كلمة سياسة بمرادفاتها، ويذكر هنا ثلاثة استعمالات:
(الأول: أن كلمة (سياسة) تعادل تقريبا كلمة (الإدارة)، وخصوصا الأمور الجزئية، مثل سياسة النقل، وسياسة الطاقة، وسياسة صناعة السيارات، ونحوها.
الاستعمال الثاني: كلمة السياسة تُعادل كلمة (الاستراتيجية) مثل: سياسة الحزب، أو سياسة النقابة، أو سياسة الحكومة ... إلخ.
والاستعمال الثالث: تتضمَّن كلمة السياسة قِيمة تحقيرية بشكل واضح، حيث تفكر بفكرة العمل المكيافللي، المراوغ والضال.
فهنا ينظر إلى (السياسة) باعتبارها عالما مثيرا للاشمئزاز. والكلمة تستعمل بشكل شائع من أجل الحط من قيمة من تطلق عليه. فعبارة: (هذا من فعل السياسة) هي عبارة تحقيريَّة، وليست تعريفًا) [4].
أقول: وهذا المعنى معروف أيضا في العرف الغربي؛ أن ينسب العمل إلى دهاليز السياسة وألاعيبها. وهو ما يُحكى عند الإمام محمد عبده أنه قال: أعوذ بالله من السياسة، ومن ساس ويسوس، وساس ومسوس. ولا أدري مدى صحة هذا عنه.
وفي الاستعمال النوعي لكلمة السياسة يذكر دانكان: أنه يجب التفريق جيدًا بين السياسة وبين أمور أخرى تتداخل معها وتختلط بها، ولكنها متميزة عنها، مثل التكنوقراط، ومثل السياسة والاقتصاد، أو السياسي والاقتصادي، ومثل السياسة والأخلاق. وقد تحدث المؤلف بتفصيل مميزًا بين هذه المفاهيم بعضها وبعض، فليرجع إليه [5].
وعلى كل حال، تدور السياسة في الغرب حول محورين أو هدفين أساسيين:
أحدهما: القوة والسيطرة.
وثانيهما: المصلحة والمنفعة.
ولا مانع في نظر الشرع الإسلامي من طلب القوة والحصول عليها، ولكن لتكون أداة في خدمة الحق، لا غاية تُنشد لذاتها، والأمة المسلمة يجب أن تكون أبدًا مع قوة الحق لا مع حق القوة. والقوة إذا انفصلت عن الحق أصبحت خطرًا يُهدِّد الضعفاء، ويبطش بكل مَن لا ظفر له ولا ناب، كما حدثنا القرآن عن عاد قوم هود فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [فصلت:15].
وكان الغرور بالقوة هو الذي صدَّهم عن اتباع نبيهم الذي بعثه الله إليهم، ليُخرجهم من الوثنية إلى التوحيد، ومن طغيان القوة إلى الالتزام بالحق، ولما لم يُجد فيهم النصح، ولم يصغوا إلى إنذار رسولهم: أخذهم الله بعذابه، فأرسل عليهم الريح العقيم، ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم.
وأما المصلحة، فهي مُعتبرة في الشريعة الإسلامية، بل ما شرع الله الأحكام إلا لمصلحة العباد في المعاش والمعاد، وكل مسألة خرجت من المصلحة إلى المفسدة، فليست من الشريعة في شيء وإن أدخلت فيها بالتأويل، كما قال المحققون.
والمصلحة المرسلة، أي التي لم يَرِد في الشرع دليل باعتبارها ولا بإلغائها: تُعدُّ دليلاً من أدلة الشرع، كما صرح بذلك الإمام مالك، وكما هو الحال في المذاهب الأخرى، كما بيَّن ذلك الإمام شهاب الدين القرافي في كتابه (تنقيح الفصول).
ولكن المصلحة التي ترتبط بها السياسة في نظر الإسلام، والتي يتحدث عنها الغربيون وغيرهم، ليست هي كل ما يُحقِّق اللذة للإنسان، أو يجمع بها لنفسه أكبر قدر من حظوظ الدنيا، ولو كان ذلك على حساب غيره، أو على حساب القِيَم والأخلاق.
بل إن الشارع بيَّن المصالح المنشودة، وربطها بمقاصد تحققها في الدين والنفس والنسل والعقل والمال. وسنذكر ذلك في حديثنا عن (النص والمصلحة).
_______________________________________
[1]- انظر: السياسة بين الأمم صـ13 لهانس مورغنتاو. نيويورك 1948م.
[2]- انظر: المنهجية والسياسة صـ44 لملحم قربان. بيروت. الطبعة الأولى 1986م.
[3]- انظر: مدخل إلى علم السياسة صـ86 لجان مينو ترجمة جورج يونس. منشورات عوبدات. بيروت 1983م.
[4]- انظر: كتاب (علم السياسة) تأليف جان ماري دانكان، ترجمة د. محمد عرب صاصيلا. طبعة المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع. بيروت. صـ 23-30.
[5]- المصدر السابق صـ 30 وما بعدها.


يتبع >