منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الديمقراطية من اليونان الى ديمقراطية الانترنت
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-11-07, 10:43   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
المثابر120
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية المثابر120
 

 

 
إحصائية العضو










B18

الديمقراطية والعولمة
في بحث نشره عبر الإنترنت بعنوان –كيف نتفاعل مع العولمة –يقول الدكتور محمد حسن رسمي عميد كلية الحاسبات والمعلومات في جامعة القاهرة ( لو أدرك فاقد معنى ومغزى العولمة ما تحمله العولمة لمات هربا وفزعا من ويلاتها ، إنها فيضان النيل في وقت غدره لمن هو غير مستعد له …وخيره لمن بنى السدود واستعد لملاقاته بالعقل والعلم والإخلاص والإصرار على تحقيق الذات ) علما انه كان قد بدأ مقاله بوصف العولمة بأنها ( طوفان كاسح لمن يقف في طريقها رافضا ان يتفهم فكرها وفلسفتها وآلياتها ، اذا كان يملك سدا منيعا يهزم ويلاتها ويسخر لنفسه ، ونظام العولمة في حد ذاته يدعم الأقوياء ويطحن الضعفاء ويضحك الأصحاب ويبكي الضعفاء بل يمكن صانعها من التحكم والسيطرة وامتلاك مقررات ومستقبل المتفرجين المذهولين الصامتين المنتظرين لمعجزات السماء ) .
أما تأثير العولمة على الديمقراطية فيقول عنه بان من سمات العولمة ونظامها انه ( يتسم بتحرير الحرية والديمقراطية من قيودهما سواء كان الحديث عن السياسة او الاجتماع او المعلومات او الاقتصاد او التعليم ،انهما اصبحا مطلبا أساسيا لكل شعوب العالم المتطلع للتقدم ) وفي إطار كيفية التفاعل مع هذه العولمة في الإطار الديمقراطي للمجتمع يطالب الدكتور محمد حسن بتعميم فكر الانتماء والولاء للامة ويعده أمرا لازما ومعرفة تاريخ وجذور الأمة أمر ضروري والإيمان بالعطاء والتضحية من اجل قيمة العمل أمر واضح حتميا وكل هذه المفاهيم لن تحدث الا لو شعر واقتنع الفرد انه جزء من الكل وله حق ودور مثله مثل من يقود المركب ، إن ذلك هو جوهر الديمقراطية شمس هذا العالم الجديد .
وزيادة في إيضاح معنى العولمة وخطورتها نعرض لبحث آخر أعده مركز الائتلاف للبحوث والدراسات بعنوان ( العولمة تجلياتها الثقافية والنفسية ومؤشرات التعامل معها عربيا) نشر على الإنترنت جاء فيه ان أول من تبنى مفهوم العولمة في أمريكا هو بريجنسكي الذي كان مستشارا للرئيس الأمريكي في 1977-1980الذي أراد من العولمة ان تطرح النموذج الأمريكي للحداثة والقيم الأمريكية للحرية وحقوق الإنسان أي ان طرح العولمة كان لخلق توجهات( لتجانس سياسي واقامة الديمقراطية وتجانس اجتماعي وحرية التنقل وتأمين حقوق الإنسان وتجانس ثقافي أي المعلومة لمن يريدها ، وهي تجانسات سترتكز في بعض جوانبها على فن الإقناع (نفسيا) بالوسائل والأدوات المتاحة وبينها استخدام القوة ( الردع النفسي ) عند الضرورة بهدف فرض قناعات بديلة لعموم المجتمعات البشرية التي باتت قريبة من بعضها بحكم وسائل الاتصال عالية الجودة كما حصل للعراق عام 1991 ويوغسلافيا عام 1999)

ويستشهد البحث بنص من كتاب ديناميكية العولمة للمؤلف –جيمس روزنار-الذي يتحدث عن تأثير العولمة قائلا ( وتأسيسا على ذلك كان للمجال الثقافي ذو الصلة بالجوانب النفسية للعولمة أسبقية تزامنت مع بعض مجالاتها الاقتصادية وتداخلت مع أخرى او تقدمت عليها –السياسية والاجتماعية-بقصد التهيئة لتقبلها جميعا وفي ضوئها تم تكييف الثقافة وهي المنتج الاجتماعي سلعة مثل السلع المادية تتداول في سوق يسودها الأقوى ثقافيا وبوسائل إيصال للمستهلكين ميسورة –القنوات الفضائية والإلكترونيات والحواسيب والإنترنت وغيرها بقصد نقل الأفكار والمبادئ ونشر المعلومات لمستوى الشيوع بين جميع الناس ومن ثم صياغة ثقافة عالمية لها قيمها ومعاييرها لزيادة معدلات التشابه او التجانس بين الجماعات والمجتمعات والمؤسسات في محصلة تبرز في إطارها وعلى مستوى النفسي إمكانية تشكيل وعي وإدراك ومفاهيم وقناعات عالمية الطابع )

ومن هنا نرى ان وسائل العولمة وادواتها لم تترك المجال واسعا للاختيار بين الرفض والقبول كما كان سائدا في زمن الأيديولوجيات او عصر ما قبل العولمة لان الآراء والتوجهات وأساليب الحياة يمكن إيصالها إلى الجميع في كل الظروف والأوقات ودونما اية تحديدات ، وبمعنى آخر بالإمكان إبقائها ماثلة في وعي المستهدفين بصورة شبه مستمرة .
لقد أصبحت العلاقة بين العولمة والديمقراطية مسألة أكيدة بل مسالة مسلم بها عند جميع الباحثين والعلماء ولعل من اكثر الذين ركزوا على طابع المجتمع في القرن الحادي والعشرين في ظل العولمة هما المؤلفان –جون ميكلويت و ادريان وودريج- في كتابهما (تحدي العولمة ووعدها الخفي) وسنعرض لبعض أفكارهما فيه من خلال ما جاء على صفحة عروض الكتب على الإنترنت .
يؤكد العالمان على ان العولمة المتسارعة بعد نهاية الحرب الباردة قد تقود العالم إلى الازدهار او الدمار ويؤكدان ان العالم اليوم أمام منعطف تاريخي سوف تحدد فيه العولمة في السنوات القليلة القادمة مسار البشرية في القرن الحادي والعشرين إما الدمار وإما الازدهار ،

وفيما يخص الديمقراطية والعولمة يقولان بان العولمة تساعد على انتشار الديمقراطية في العالم وان ثمة تلازما بين الاثنتين سيما ان الظاهرتين اكتسبتا زخما متزامنا في العقد الأخير وبعد نهاية الحرب الباردة لأن العولمة اليوم حطمت –استبداد المكان-أي أتاحت المجال للناس لمزيد من التنقل والتواصل وتجاوز الحدود التي حشرتهم لعشرات السنين وأجبرتهم على نمط واحد من المعيشة وطريقة واحدة للاستثمار وفي مكان واحد وحدت آفاق قراءاتهم ورؤيتهم للعالم ،وأبعد من ذلك فان العولمة –كما يقول المؤلفان-وفرت للناس إمكانية إعادة تشكيل هوياتهم بشكل مستقل عن الآخر وهي الهويات التقليدية التي توارثوها عن أجدادهم ، على ان العولمة حدت من خيارات البشر اقتصاديا وسياسيا وثقافيا فالنموذج المعولم هي الليبرالية والديمقراطية الغربية والثقافة الغربية وهي النموذج السائد الآن والمروج له في الدول والمجتمعات .
على ان العولمة الإعلامية هي التي لها تأثير كبير مباشر جدا لان فيها تأثير إيجابي في الانفتاح السياسي وتعزيز التحول البطيء نحو الديمقراطية في الدول الدكتاتورية والمقصود هنا بالعولمة الإعلامية هو الانفتاح المذهل على المعلومات وكسر الاحتكار الرسمي لها إم عن طريق البث التلفزيوني العابر للحدود او شبكة الإنترنت التي اخذ تنتشر بسرعة .
ان العالم اليوم يسعى إلى توسيع مفهوم الديمقراطية وتأصيله بما يتفق ومطالب عصر المعلومات ووسائله وأخذت رايات الديمقراطية تتسع لتشمل أفريقيا وجنوب شرق آسيا وأوربا الشرقية كل ذلك يعكس حقيقة التفاعل بين المعلوماتية والديمقراطية هو تفاعل حقيقي حيث ان وفرة المعلومات تسهل ممارسة الديمقراطية على كافة الأصعدة وتروج لها على مستوى الكرة الأرضية .ويعبر دكتور نبيل علي عن العلاقة بين المعلوماتية والديمقراطية بقوله (من ابرز ملامح العلاقة المعلوماتية –السياسية هو ما يتعلق بالديمقراطية مفهوما وممارسة حيث يزعم الكثيرون ان الإنترنت ستفضي إلى إعادة النظر في مفهوم الديمقراطية من أساسه لقد وفرت الإنترنت ساحة جديدة للرأي العام تسمح بظهور أشكال جديدة للممارسات الديمقراطية سواء في عمليات اتخاذ القرارات او متابعة ما ينجم عنها من نتائج إيجابية او سلبية وعلى مستوى السياسة العالمية فمن المتوقع ان تناصر القوى السياسية الكبرى مؤسساتها الاقتصادية بممارسة ضغوط هائلة على منافسيها على مستوى المحافل الدولية –87 الثقافة العربية وعصر المعلومات)
ويؤكد الباحث على القول ( هل لنا ان نتفاءل مع من يزعمون ان الإنترنت سوف تسقط الحلقات الوسيطة ومواطنيهم محققة بذلك نوعا جديدا من الديمقراطية المباشرة التي يشارك فيها الجميع في عملية اتخاذ القرار من دون حاجة الى تمثيل نيابي يوكل اليه هذه المهمة ؟ أم هل لنا ان نقلق اشد القلق مع من يرى في ديمقراطية الإنترنت هذه ضربا من الفوضى سيؤدي الى مزيد من تدخل الحكومة من اجل السيطرة على جماهيرنا خاصة ان الإنترنت توفر الوسائل العملية الفعالة لاحكام هذه السيطرة حيث تسجل للمواطنين مواقعهم وافعالهم لتكشف –بالتالي- عن أهوائهم السياسية والفكرية مما يجعلهم اكثر عرضة لهذه الرقابة الإلكترونية التي لا تغفو لها عين –ن م ).

من جهة أخرى نرى ان هناك استلابا لاختيار الإنسان عبر إغراقه بسيل جارف من المعلومات عبر وسائل الاتصال الحديثة وشبكة الإنترنت وكل ما يدعى بالعولمة الإعلامية حتى انه لا يستطيع ان يفرز ما يجب ان يختاره لمصلحته وما يوهمه به، هذه الحقيقة جعلت الرئيس الإيراني خاتمي يتحدث في كتابه عن الإسلام والعالم عن اثر قنوات الإعلام بحقوق الشعب وسلامة ممارستها فيكتب قائلا –نقلا عن الإنترنت-(لقد باتت هجمات المعلوماتية تسلب الإنسان إمكانية الاختيار الواعي فهو يقف اليوم مثل كائن متأثر سلبي عاجز حيال موجات المعلوماتية وأعاصيرها التي تلتف حوله من كل حدب وصوب، ان الحصول على مقدرة الاختيار الواعي في ظروف كهذه يتطلب إعدادا وسرعة في استلاب الهوية لا في مجتمعاتنا وحسب بل في العالم بأسره) ويؤكد خاتمي ان هذه المسألة ليست على مستوى محلي فقط بل في العالم الغربي أيضا (ان عولمة المعلوماتية تسبب قي قلق البلدان الغربية أيضا ولذلك نلمح في الساحة الدولية مساعي للحصول على حقوق في الفضاء الخارجي وفيما يتصل بأمواج الإرسال والبث والاتصالات في سبيل الدفاع عن حقوق الأشخاص والشعوب أمام هجمات المعلوماتية التي تركب موجة التكنولوجيا اهتماما بأزمة الهوية لدى الشعوب ) وهو يؤكد أيضا انه ( لا يريد طبعا بالتمسك بالهوية ان تعمد الأمم الى إغلاق حدودها في وجه الآخرين وتضع حدا لصلتها بالعالم بل ينبغي للمرء ان يتمكن من الاقتباس من الآخرين وهو ما لا يتحقق بشكل صحيح الا بعد ان يمتلك المرء وعيا بهويته ) .
ان خطورة المعلوماتية الإعلامية على الديمقراطية تظهر اكثر حينما نعلم ان السبب يعود (( نتيجة لتخلخل في الحدود التي تميز بين المعلوماتية وموجات الدعاية والإعلانات ، فالعديد من قنوات الإعلام التي تمتلك قدرة كبيرة على الهيمنة تتجاوز الجو الحقيقي للمعلوماتية وتأخذ بنحو مباشر او غير مباشر بالترويج لما يحقق مصالحها ) وهكذا نرى ان ( الدعاية الخفية من خلال مهارات في التكتيك وصناعة الخبر والجانب المعلوماتي تسلب المرء فرصة الموقف الواعي فيقع دونما وعي تحت تأثير أفكار يتلقاها بوصفها أخبارا ومعلومات ، وبالطبع فان من يمتلك تقنيات متقدمة في الإعلام والتكنولوجيا سيهيمن على الرأي العام أكثر من الآخرين ، ان من يحمل فكرة او يعتنق تصوراً ما سيعمل ولا شك على ترويجها ، قصارى ما هنالك ان امتزاج المعلوماتية بأنشطة الدعاية واختلاطها جعلا الإنسانية في مواجهة تعقيدات جادة ولا بد من فرز تلك الحدود والتمييز بين المعلوماتية والنشاط الدعائي)
وخلاصة القول هنا ان ممارسة الديمقراطية ستتأثر سلباً وفي محاولات الترويج الدعائي على حساب صدق المعلوماتية :.
على ان من احدث النظريات في إطار المعلوماتية والديمقراطية ومستقبل العالم هي النظرية التي طرحها الكاتبان السويديان الكساندر بيرد المحاضر الجامعي والخبير في مجال الاتصالات الصوتية بواسطة الإنترنت وجان سودير الكاتب والمنتج والمذيع التلفزيوني حيث يتحدثان عما يسمى النتوقراطية منطلقين من رفض نظرية ان الإنترنت سيعزز موقف الرأسمالية والديمقراطية عبر إشاعة المزيد من الحرية للتجارة والاقتصاد والأفراد عموماً في مختلف نواحي الحياة ومن رفض نظرية ان بالإمكان السيطرة على الإنترنت من قبل الدول وانه سيتحول لأداة كبت وسيطرة طارحين بدل هاتين النظريتين نظريتهما الجديدة عن النتوقراطية في كتابهما بالعنوان ذاته– النتوقراطية : نخبة القوة الجديدة وحياة ما بعد الرأسمالية . وكلمة النتوقراطية هي نحت لغوي من قبل المؤلفين حيث يعني الجزء الأول من الكلمة نت أي الشبكة والثاني قراطية ليخرج مصطلح جديد يعبر في رأيهما عن حقبة جديدة في تاريخ الإنسانية تأتي فوق حطام الرأسمالية والديمقراطية ، ويربطان كلمة النتوقراطية بعبارة عصر المعلوماتية الذي يأخذونه منطلقا لنظريتهم المستقبلية للعالم . وبمقدار ما يخص موضوعنا في علاقة الديمقراطية بالمعلوماتية وعولمتها عبر العولمة الاقتصادية للمعلومات نرى انهما يركزان على القول من ان المعلومة ومن يسيطر عليها يمتلك قوة هائلة وان الاقتصاد يعتمد على بيع المعلومة وأصبحت تكنولوجيا المعلومات هي التسلية والإعلام والسلعة الجديدة وباتت شيئاً فشيئاً تحل محل كثير من مؤسسات المجتمع الرأسمالي السياسية والتعليمية وبات الحديث عن حرية التجارة وانتقال رؤوس الأموال لا معنى له مع تزايد التجارة الإلكترونية الواقعة تحت سيطرة النخب المتحكمة بشبكات الاتصال والمعلومات . ويرى الكاتبان ان أهم مزايا اقتصاد المعلومة أنه لا يقوم على بيع المعلومة او حتى تحويلها لمورد دخل مالي بل ان النتوقراطية – كما يقولان – ستمتاز بنوع من الاستثمار او الاستهلاك غير الاستغلالي بمعنى ان النتوقراط قد يقررون الاستفادة من معلومة خاصة لمصلحتهم ومصلحة شبكتهم او حتى متعتهم الشخصية حصرياً وتبادلها في إطار نخبة ضيقة من النتوقراط في شبكتهم الخاصة دون ان يبيعوها او يستثمروها على نحو يدر ربحاً مالياً كما هي القاعدة في الرأسمالية ، اما انعكاس هذا الاقتصاد النتوقراطي على النظام الديمقراطي فيتحدث المؤلفان بالقول بأن هناك عدة عوامل تقود النظام الديمقراطي وسيطرة البرجوازية الاقتصادية الى نهايتهما ، فمن جهة يلعب انتشار وشبكات الاتصال الراهنة لصالح جماعات المصالح او ما يسمى المجتمع المدني ، وهذه الجماعات في الواقع تلعب دوراً يفقد الديمقراطية معناها الشائع بصفتها حكم الأغلبية ، فبفضل القوة والتنظيم – كما يقول المؤلفان – الذي تستطيع جماعة صغيرة منظمة ان تمتلكها عبر وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات الحديثة مما يمكنها ان تدفع بمصالحها الى الأمام وتجبر السياسيين على تبني وجهات نظرهم وتقييمها للبرلمانات بغض النظر عن مواقف قطاعات اجتماعية أخرى مما يجعل الحكم حكم أقليات وجماعات مصالح لا حكم الأغلبية ، ولعل من نتائج هذا الوضع انه بينما تنتعش هذه الجماعات المنظمة يتراجع اهتمام الجماهير بالمشاركة في الانتخابات العامة ، فتتناقص هذه المشاركة تدريجياً في علامة على فقدان الاهتمام بالنظام برمته . كما ان الإعلام الجماهيري الرأسمالي قد يسهم في إضعاف النظام الديمقراطي ، فالسياسة والسياسيون يوشكون على التحول الى نوع من التسلية ، فأخبارهم الشخصية وفضائحهم باتت مادة الإعلام المثيرة التي تشبع نهم القارئ لا تفاصيل القوانين والتشريعات وهذا أعطى جماعات المصالح – لا سيما ان تعاملت مع الإعلام على نحو معين –الفرصة لبلورة مشاريعها الخاصة التي تلبي مصالحها وتمررها عبر السياسيين الذي اصبح يقيس تصرفاته بصداها الإعلامي المتوقع ويتوصل المؤلفان إلى القول انه اذا كانت الديمقراطية تقوم في جوهرها على تباين الآراء والدخول في عملية حوار للوصول الى رأي من تلك الآراء ، فان الإنترنت اصبح يسمح بإعادة التجمع بين أصحاب الرأي الواحد داخل الدولة وخارجها وتسيير أمورهم بأنفسهم دون الحاجة للالتقاء بأصحاب الرأي الآخر ، وهذا يتبعه تساقط العديد من أساطير الدولة القومية من مثل احترام شرعية الدولة والقيادة والموت لأجلها ولأجل سيادتها ، كما حلت شبكات إتصالية محل الروابط القائمة على النسب والعائلة والألقاب ، بل ان الإعلام الجماهيري ذاته يتشظى الآن وبدل الشبكات التلفزيونية والراديو الخاص بكل شعب أصبحت تتراجع امام شبكات تبيع برامجها بالاشتراك وتقدم ما تريده شرائح معينة من المستهلكين كل حسب اهتمامه ودون الالتزام بحدود الدول مما يلغي تلك الأطر الإعلامية القومية وكل هذا يعني تراجع قدرات مؤسسات الدولة لصالح شبكات الاتصال والمسيطرين عليها ، وإذا كانت الشركات المتعددة الجنسية السابقة ترفع عادة أعلام دولها وتحتاج لرعايتها والتحالف معها حيث كانت رأ س حربة دولها لاستعمار دول أخرى فان الشبكات لا تحتاج ذلك وتجاوزت حاجتها للدولة وبات من مصلحتها الظهور بمظهر عالمي –غير وطني-غير محلي.
ان مجتمع النتوقراطية هذا وفي هذا السياق ستكون المعلومة فيه هي عنصر القوة والحراك الاجتماعي داخل الهرم وستكون المعلومة الأهم تلك التي لا تباع بل يستفاد منها فهم سيستثمرون معلوماتهم مباشرة وما سيبيعونه المعرفة الناتجة عنها ، أما المعلومة التي تباع ويشتريها الرأسماليون فهي غالبا ما تكون مستعملة تم الانتهاء من استثمارها .ان المعلوماتية –كما يقول المؤلفان-او مجتمع النتوقراطية ستكون زلزالا تاريخيا لا يقل حدة عن قدوم الرأسمالية في أعقاب الإقطاع ويصلان إلى الاستنتاج بان هناك حقبة عالمية جديدة ستقوم تكنولوجيا المعلومات فيها بتغيير طرق ومبادئ التفكير وسلوك البشر وسنكون أمام اقتصاد وسياسة واسرة وتعليم وحتى أفراد من أنواع مختلفة كليا عما عرفه التاريخ ،ومن جانب أيدلوجي فإذا كانت الفلسفة الشمولية قد غطت مساحة كبيرة من تاريخ الفكر الإنساني منذ سقراط وآدم سمث فان فلسفة الحركية ستغطي المساحة عبر مجتمع النتوقراطية هذا .

ديمقراطية الغد طموحات نظرية وتحديات واقعية

أولا : مستقبل الديمقراطية الليبرالية – نهاية التأريخ
قبل عشر سنوات كان الكاتب الأمريكي من اصل يوناني فرنسيس فوكوياما قد تحدث عن نهاية التأريخ بالنسبة للأنظمة السياسية ما دامت قد وصلت إلى مرحلة الديمقراطية الليبرالية – وقد خضعت هذه النظرية الى انتقادات كبيرة خلال هذه العشر سنوات ولكن المؤلف بقي على إصراره بان نهاية التاريخ هي الديمقراطية الليبرالية فالشيوعية قد سقطت وستسقط الأنظمة الدكتاتورية الأخرى ،
واليوم يعود فوكومايا ليكتب مقالا بعنوان ( عشر سنوات بعد نهاية التأريخ ) ليؤكد الحقائق السابقة ويرد على نقاده ومما قاله في هذا المجال .( طوال السنوات العشر الماضية لم يحدث أي شيء على صعيد السياسة العالمية او الاقتصاد الكوكبي يتحدى الاستنتاج الذي توصلت إليه ، وهو ان الديمقراطية الليبرالية والنظام الاقتصادي المتوجه نحو السوق هما الخياران الحقيقيان والوحيدان المتاحان للمجتمعات المعاصرة ) . ويؤكد انه خلال هذه السنوات العشر لم يحدث ما يجعله يتراجع عن رأيه ويقول بان ( البراهين التي طرحتها لإثبات ان التاريخ أحادى الاتجاه وتقدمي ، وانه يصل لمنتهاه مع الدولة الحديثة الليبرالية ما زالت سابقة سارية ونافذة ، واحد فقط من بين مئات النقاد الذي علقوا على نهاية التأريخ حدد نقطة ضعف حقيقية في الفرضية : لا يمكن ان يصل التأريخ لنهايته ما لم تنته العلوم الطبيعية ، ونحن الآن على حافة تطور مذهل في العلوم الحيوية ، سيؤدي في جوهره الى تغيير صورة الجنس البشري في ذاته ) ويرد على جميع منتقديه أنهم كانوا ينتقدونه بمحاولات لغوية ودلالية سمجة وأنهم لم يستوعبوا انه إنما استخدم التأريخ بمعناه الهيجلي الماركسي أي النشوء التطوري للمؤسسات السياسية والاقتصادية والبشرية ، وانه في ضوء ذلك فثمة قاعدتان أساسيتان لتحريك التأريخ : التكنولوجيا واستمرار الاكتشافات العلمية مما يمهد الطريق للتحديث الاقتصادي والكفاح من أجل الحصول على الاعتراف من قبل مختلف القوى الموجودة في المجتمع مما يؤدي في النهاية الى نسق سياسي يعترف بحقوق الإنسان الأساسية ، وعلى عكس الرأي الماركسي – يقول فوكوياما –افترضت ان عملية التطور التاريخي تلك قد وصلت لذروتها في الديمقراطية واقتصاد السوق والواقع انه من الصعب ان نتخيل وجود نقطة لم يتم نقد ( نهاية التأريخ ) من خلالها .
ويشير إلى التحديات التي تعرضت لها هذه النظرية وطرح البدائل عنها في السياسة الدولية مثل الحكم الديني الإسلامي والتسلطية الآسيوية .
وهو يؤكد في رده هذا على أنه لم يقل قط ان كل الدول ستصير إلى ديمقراطية في المدى القريب وان كل ما افترضته هو ان ثمة منطقاً تطورياً يخضع له التاريخ الإنساني وأنه سيؤدي الى وصول الدول الأكثر نمواً إلى السوق كاقتصاد والديمقراطية الليبرالية كنظام سياسي ومن ثم فلا ينبغي الاعتداد بواقعة وجود دول فرادى خارج هذا النسق مثل صربيا وايران .
ويؤكد فوكوياما من جديد على أنه ليس ثمة أي أزمة للرأسمالية الكوكبية لان العولمة أتت لتبقى وذلك لسببين
1- لا وجود لنموذج تنموي كبديل حقيقي يقدم وعوداً بنتائج افضل من نموذج العولمة وحتى بعد أزمة 1997- 1998 وحتى المنافس الرئيسي للعولمة وهو النموذج الآسيوي للتنمية أصيب بنكسة قوية مع أزمة الاقتصاد الأسيوي التي أثبتت خواء السلطة الآسيوية الرخوة والتي حاولت ان تقيم شرعيتها على أساس الأداء الاقتصادي مما أدى الى تعرضها للخطر مع الهزات الاقتصادية .
2- يتعلق السبب الثاني الذي جعل من المستبعد تغيير دفة عجلات الزمان فيما يخص العولمة بالتكنولوجيا ، فالعولمة الحالية قد ترسخت بسبب ثورة الاتصالات التي أدت إلى انتشار الهاتف والفاكس والراديو والتلفزيون والإنترنت إلى كل بقاع الأرض وأدت هذه التغييرات إلى تمكين الأفراد وتقويتهم وكذلك نشرت الديمقراطية على مستويات عدة فلم يعد بوسع أي دولة اليوم ان تفصم نفسها عن وسائل الإعلام العالمية او تبتعد عن مصادر المعلومات الخارجية .
وهكذا يدعم فوكوياما نظريته في نهاية التأريخ عند الديمقراطية الليبرالية مؤكداً على أن ( نقطة ضعف نظرية نهاية التاريخ تكمن في أنه لا نهاية للعلم ، العلم الذي يحرك التاريخ ويدفع العملية التاريخية الى أمام ونحن على أعتاب انفجار تكنولوجي جديد في علوم الحياة والتكنولوجية الحيوية . وينهي قوله ( مع حلول نهاية القرن العشرين ظهرت لنا حدود الهندسة الاجتماعية ، وتبنى هذا النظام على بدهية الطبيعة واله الطبيعة )