القيود على الحرية الاجتماعية.
تمنع القيود على الحرية الاجتماعية الناس من استخدام حرياتهم بطرق قد تكون ضارة بصحة الآخرين، أو سلامتهم أو رفاهيتهم. فمثلاً، لا يشمل حق الكلام حق الصياح كأن يصيح شخص مثلاً قائلاً: حريق في مسرح مزدحم إذا لم يشب حريق بالفعل. وحرية التعبير، وحرية الصحافة لا تتيحان لشخص إطلاق الأكاذيب الضارة بسمعة طرف آخر. وتسمى مثل هذه التصريحات قذفًا إذا صدرت لفظًا، وتشهيرًا إذا صدرت كتابة.
كما تمنع القوانين في الدول المتحضرة، عادة، الخطب والمطبوعات التي تُعَرِّض سلام وأمن البلاد للخطر. ويحرم القانون الكتابة التي تدعو الناس إلى الشغب والفتنة. بالإضافة إلى ذلك، فإن كثيرًا من الحكومات تضع قيوداً خاصة من أجل حماية الآداب العامة، ولدى كثير من البلاد قوانين مناهضة للإباحية ـ الصور والكتابة الفاحشة.
القيود على الحريات الاقتصادية.
كانت أغلبية الحكومات في الماضي تضع قليلا من القيود على الحرية الاقتصادية، وتتبع سياسة عدم التدخل في الشؤون الاقتصادية. على أنه منذ بداية القرن التاسع عشر الميلادي، أدى نمو الرأسمالية الضخم إلى تركيز الثروة في أيدي عدد قليل نسبيًا من الناس. وقد أدخل هذا التطور في اعتقاد الكثير من الناس أن من واجب الحكومة التدخل لحماية المجموعات الفقيرة، ولمراعاة المساواة في الأغراض الاقتصادية المتاحة. وأسفرت هذه الاعتقادات عن مزيد من القيود على الأعمال التجارية الكبرى والدوائر الاقتصادية القوية. وفي الوقت الحاضر، تنظم القوانين، في كثير من البلاد، الأجور وساعات العمل، وتحرم تشغيل الأطفال وتتكفل بضمانات ضد البطالة. ويرى كثير من الناس أن هذه القوانين إنما تحمي الحرية الاقتصادية ولا تنتهكها.
والحرية الاقتصادية مقيدة، أيضًا، عندما تتعارض مع حقوق الآخرين، فمثلاً، لاحرية لأحد في أن يغش الآخرين. وحق أصحاب الفنادق في أن يفعلوا ما يشاءون بملكيتهم لا يبيح لهم رفض إعطاء غرفة لشخص ينتمي لعِرق أو دين معين. وحرية أصحاب المصانع في إدارة مصانعهم لا تبيح لهم إلقاء النفايات الصناعية في مياه يشربها الناس.
نبذة تاريخية
في ظل اليونان وروما القديمتين.
نالت الطبقات العليا، دون سواها، حرية واسعة. وفي حوالي عام 500 ق.م، نشأت حكومات ديمقراطية في أثينا وعدد من دول المدن الإغريقية. وكان يجوز للمواطنين اختيار المسؤولين عن السلطة وتولي مناصب فيها. غير أنهم كانوا يشكلون أقلية بين السكان، إذ لم تكن للنساء والعبيد والأجانب هذه الحقوق.
وفي روما، بعد أن تحولت إلى جمهورية من سنة 509 إلى سنة 27 ق.م، نالت الطبقات العليا العديد من الحريات. إلا أنه لم يكن باستطاعة الطبقات الدنيا تولي وظيفة عامة أو الزواج من أسر الطبقات العليا. وكان العبيد هم أدنى الطبقات وكانوا يُعْتَبَرون نوعًا من الملكية وليست لهم حقوق قانونية.
العصور الوسطى.
أفرزت هذه العصور في أوروبا نظامًا سياسيًا واقتصادًيا أُطلق عليه النظام الإقطاعي. في ظل الإقطاعية، أعطي الفلاحون المعروفون باسم رقيق الأرض حرية محدودة، بينما حظي النبلاء بالكثير منها. وكان نبلاء المرتبة الدنيا يزوّدون نبلاء المرتبة العليا (الأسياد أو اللوردات) بالجنود، ويدفعون لهم الضرائب. ويُعْرف هؤلاء النبلاء الأقل مرتبة بأتباع السيد. حصل الأتباع على كثيرٍ من الحقوق المهمة، منها مثلاً، أن على السيد أن يستدعي أتباعه لأخذ موافقتهم قبل أن يجمع ضرائب إضافية. وكان هناك تقليد آخر يقضي بتسوية الخلافات بين تابع وسيده في محكمة تتكون من نظراء التابع؛ أي رجال من نفس المرتبة.
في سنة 1215م، صادق يوحنا ملك إنجلترا على وثيقة سميت المَاجنَا كَرْتَا ـ وثيقة حقوق الإنسان ـ بموجب هذه الوثيقة، اكتسب كثير من الحريات الإقطاعية التقليدية الصفة القانونية. وقد مهدت تلك الوثيقة السبيل لتطور البرلمان في فرنسا. فضلا عن ذلك، أقرت الوثيقة بعدم جواز سجن رجل حر أو نفيه أو نزع ملكيته إلا بموجب القانون. من هذا المفهوم، نمت الأفكار عن الإجراءات القانونية، والمحاكمة أمام هيئة محلفين.
وفي القرون الوسطى، حظرت الكنيسة حرية الفكر في أوروبا. وشددت الخناق على المسلمين وعلى كل ما خالف معتقداتها. وفرضت قيودًا على الكتابة فيما اعتبرته مناقضا لتعاليم الكنيسة.
عصر العقل.
خلال عصر العقل، أخذ كثير من الناس في النظر إلى الحرية بوصفها حقًا طبيعيًا. وأجاز البرلمان الإنجليزي وثيقة بيان الحقوق الإنجليزية سنة 1689م. وقد أثبتت هذه الوثيقة الحقوق والحريات الأساسية للشعب الإنجليزي.
وفي الوقت نفسه، أعلن الفيلسوف الإنجليزي جُون لوك أن كل فرد ولد وله حقوق طبيعية لا تسلب منه، مثل: حق الحياة، وحق الامتلاك، وحرية الرأي، والدين، والتعبير. وقد ورد تفصيل ذلك في كتابه رسالتان في الحكم (1690م).
بعد انتشار الثورة الصناعية خلال سني القرن الثامن عشر، توطدت دعائم نظام النشاط التجاري الحر. ودافع الاقتصادي الأسكتلندي آدم سميث عن حرية حركة رأس المال والأسواق، وهو ما عُرف بعبارة حرية التعامل الاقتصادية، في كتابه ثروة الأمم (1776م).
خلال القرن الثامن عشر الميلادي،
تحدث مجموعة من الفلاسفة الفرنسيين البارزين في مقدمتهم مونتسكيو، وجان جَاكْ رُوسُو، وفُولْتِير مدافعين عن حقوق الفرد وحرياته. دعا كتاب مونتسكيو روح القوانين (1748م) إلى الفصل بين السلطات، وتقسيمها إلى فروع تنفيذية وتشريعية وقضائية. وأعلن رُوسُو في كتابه العقد الاجتماعي (1762م) أن الحكومة تستمد سلطتها من عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم.
مهدت هذه الكتابات لقيام الثورة الفرنسية التي بدأت سنة 1789م. واشتعلت الثورة بفكرة الحرية والمساواة، ولم تنجح في تحويل فرنسا إلى ديمُقْرَاطِية، إلا أنها أحدثت تغييرات رئيسية في المجتمع الفرنسي.
القرن التاسع عشر.
حفلت أعوام هذا القرن بممارسة كثير من المفاهيم عن الحرية التي كانت قد تطورت في أثناء عصر العقل. ففي عام 1830م، ثم عام 1848م، اكتسحت الثورات أغلب أنحاء أوروبا. وفقد الحكام الكثير من سلطاتهم. وبحلول عام 1848م، نال المواطنون في كثير من البلاد حقوقا مدنية أساسية، من بين هذه البلاد بِلْجِيكَا والدنماركْ وهُولَنْدَا. وخلال القرن التاسع عشر، أنهت البلاد الأوروبية الرقّ. لكن الاستعمار الأوروبي انتشر في إفريقيا وآسيا.
وخلال القرن التاسع عشر، نال العمال كثيرًا من الحقوق المهمة. ووضعت كثيرٌ من البلدان قوانين تنظم ظروف العمل في المصانع وحصل العمال على حق تشكيل النقابات.
القرن العشرون.
بعد نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918م، أقام كثير من البلاد الأوروبية أنظمة ديمقراطية تمثيلية. وتوسع مفهوم الحرية ليشمل حق العمل، والرعاية الصحية، والغذاء المناسب، والسكن.
وفي عام 1948م، تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وقد عدد هذا الإعلان الحقوق والحريات التي رأت الأمم المتحدة أنها يجب أن تكون أهدافاً لكل الدول.