في سنة 1950م، أقامت الأمم المتحدة أول منظمة عالمية تستخدم القوة لوقف العدوان. فقد غزت قوات شيوعية من كوريا الشمالية جمهورية كوريا الجنوبية في يونيو سنة 1950م. ووافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على اتخاذ تدابير بوليسية، فأرسلت ست عشرة دولة من الدول الأعضاء بالأمم المتحدة قوات مسلحة لمساندة كوريا الجنوبية. واضطلعت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بتقديم الجانب الأكبر من المقاتلين والإمدادات. وبعد أن تمكنت قوات الأمم المتحدة من صد الشيوعيين وإجبارهم على التراجع إلى كوريا الشمالية، تم التوقيع على إتفاق للهدنة في يوليو سنة 1953م.
واصلت الأمم المتحدة جهودها في حل النزاعات الناشبة في المناطق المضطربة، كالشرق الأدنى وجنوب شرقي آسيا، إلا أن دولاً كثيرة اتجهت إلى تفضيل التفاوض المباشر فيما بينها، بدلاً من إجراء المناقشات في الأمم المتحدة. ففي سنة 1969م، على سبيل المثال، بدأت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي (سابقًا) محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية. وأفضت تلك المحادثات، في سنة 1972م، إلى إبرام اتفاقيات مهمة حدّت من الصواريخ النووية الدفاعية والهجومية لكل من الدولتين.
ساعدت مجهودات الأمم المتحدة، والمفاوضات المباشرة بين الدول في التقليل من خطر الحرب. غير أن الحكومات فشلت في إقامة نظام للقانون الدولي يحرِّم على الدول استخدام القوة في تحقيق غاياتها. فقد استخدمت دول كثيرة مثل هذه القوة. فمثلاً، بعث الاتحاد السوفييتي (سابقًا) بقوات إلى المجر في سنة 1956م، وإلى تشيكوسلوفاكيا (سابقًا) في سنة 1968م، لضمان بقاء الدولتين معًا في حظيرة الشيوعية. وإبان حرب فيتنام (1957 - 1975م)، قاتلت الولايات المتحدة في محاولة فاشلة لمنع الشيوعيين من السيطرة على فيتنام الجنوبية. وفي حرب الخليج الثانية (1991م)، تمكن تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة من طرد القوات العراقية من دولة الكويت، بعد اجتياح قوات النظام العراقي لتلك الدولة في سنة 1990م. واستندت العمليات العسكرية للتحالف إلى عدد من قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة
القانــون العـام
القانون الجنائي القانون الدولي
الحرق المتعمد الرقابة على التسلح
التزوير حقوق الإنسان
الاختطاف المياه الإقليميـة
الرشوة تسليم المتهم الفار
القتل الخطأ استخدامــــات
القتل الفضاء الخارجي
السطو استخدام المحيطات
الحنث بالقسم جرائــم الحرب
الاغتصاب خطف الطائرات
جريمة السرقة والقرصنة البحرية
الابتزاز
السرقة بالتهديد
القانون الدستوري القانـــون الإداري
الحقوق المدنية حماية المستهلك
سلطات الحكومة الرعاية الاجتماعية
الفصل بين السلطات: جباية الضرائب
التنفيذية، والقضائية، حماية البيئة
والتشريعية السلامة العامة
أجور العاملين
وساعات العمل
النظم القانونية
لكل دولة مستقلة نظامها القانوني. وتختلف النظم باختلاف التقاليد الاجتماعية، وشكل الحكومة في كل دولة. ويمكن أن تصنف معظم النظم على أساس أنها نظم القانون العرفي كأستراليا، وأيرلندا، ونيوزيلندا، وبريطانيا ـ باستثناء أسكتلندا ـ والولايات المتحدة، ودول أخرى ناطقة بالإنجليزية،.اونظم القانون المدني كمعظم الدول الأخرى او دول جمعت بين خصائص النظامين
1 - نظم القانون العرفي.
ترتكـــز إلى حد كبير على أساس قانون السابقة القضائية؛ أي على قرارات المحاكم. وقد ظهر نظام القانون العرفي في إنجلترا منذ مئات السنين. وسمى الإنجليز نظامهم اسم القانون العرفي؛ لأنه كان مطبقًا في جميع أرجاء البلاد.
وتطور القانون العرفي الإنجليزي من واقع القواعد والمبادئ التي كان القضاة يتقيدون بها تقليديًا عند فصلهم في القضايا أمام المحاكم. فكان القضاة يؤسسون أحكامهم على السوابق القضائية أي على قرارات المحاكم السابقة الصادرة في قضايا مشابهة. غير أنه كان باستطاعة القضاة توسيع نطاق السوابق القضائية على نحوٍ يناسب قضايا بعينها. وكان باستطاعتهم، أيضًا، نقض، أي رفض، أية سوابق قضائية يعدونها قائمة على خطأ أوتجاوزها الزمن. وبهذه الطريقة، تمكن القضاة من تعديل كثير من القوانين على مَرِّ السنين، فأصبح القانون العرفي، قانونًا من صنع القضاة.
ورغم ما تقدم، فقد أثبتت بعض مبادئ القانون العرفي أهميتها القصوى، فاستعصت على التعديل. من ذلك مثلاً: السلسلة الطويلة من السوابق القضائية التي كانت تدافع عن حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة مباشرة سلطات الحكومة بصورة غير عادلة. وقد حافظت إنجلترا، والدول الأخرى التي طبقت نظام القانون العرفي، على هذه المبادئ غالبًا دون تغيير. وأرست أستراليا، وكندا، ونيوزيلندا، والولايات المتحدة، ودول أخرى كانت خاضعة للاستعمار البريطاني، نظمها القانونية على أساس القانون العرفي.
ومازال نظام السابقة القضائية من النظم المهمة في الدول التي تأخذ بنظام القانون العرفي. وبالرغم من ذلك، تزايد دور السلطة التشريعية في إصدار القوانين في تلك الدول تزايدًا كبيرًا خلال القرن العشرين. وقد نجم عن ذلك تعديلات مسَّت موضوعات مثل: العلاقات بين المستخدمين والإدارة، وأجور العاملين وساعات العمل، وحماية البيئة. وعلى رغم ذلك، فقد حافظت الدول التي تطبق القانون العرفي على الملامح الرئيسية للنظام القانوني الإنجليزي، أي النظام الذي يعترف للقضاة بسلطة عمل إصدار القوانين. وفضلاً عما تقدم، ساير القانون الدستوري في هذه الدول التقليد الذي سنه القانون العرفي بشأن الدفاع عن حقوق الأفراد وحرياتهم.
2- نظم القانون المدني.
ترتكز أساسًا على التشريع أي الأعمال التشريعية. وقد جمعت غالبية الدول التي تأخذ بنظام القانون المدني قوانينها التشريعية في مجموعة أو أكثر من المجموعات التي نُظِّمت بعناية وأطلــق عليها اسم المدوّنات أو مجموعات القوانين. ويمكن إرجاع أصول معظم مجموعات القوانين الحديثة إلى المجموعة الشهيرة التي أمر الإمبراطور الروماني جستنيان بإعدادها في القرن السادس الميلادي. وقد تولت مدونة جستنيان تحديث جميع القوانين الرومانية وتلخيصها. وكانت تسمى كُوْرْبَسْ جُوْرِسْ سِيْفِيلِيسْ، ومعناها مجموعة القانون المدني. ولهذا السبب عُرفت النظم القانونية التي استنبطت أحكامها من القانون الروماني القـــائـــم على التشريع والتقنين باسم نظـم القانون المدني، ويتعين عدم الخلط بين هذا الاستعمال لمصطلح القانون المدني واستعماله للتمييز بينه وبين مصطلح القانون الجنائي.
و الدول التي تطبق نظام القانون المدني، كفرنسا، وألمانيا، والمكسيك، وكذلك معظم الدول العربية والإسلامية يقدِّم التشريع، وليس المحاكم، الإجابة الفاصلة لأية مسألة من مسائل القانون. ومن الجائز للقضاة الإشارة إلى السوابق القضائية عند إصدار قراراتهم. لكن يجب عليهم تأسيس أي قرار يصدرونه على تشريع محدد وليس على السابقة القضائية وحدها.
وتصدر القوانين في الدول العربية والإسلامية بصفة عامة، وفي المملكة العربية السعودية بصفة خاصة على أساس الشريعة الإسلامية ابتداءً فيما عليه نص، وبناء ما ليس عليه نص وفقًا لأرجح الآراء الفقهية، مع حفظ الثوابت، وتطوير المتغيرات مع اختلاف الزمان والمكان.
نظم أخرى.
صاغت كثير من الدول نظمها القانونية على منوال نظام القانون المدني ونظام القانون العرفي كليهما. فمثلاً جمعت اليابان ومعظم دول أمريكا اللاتينية كل قوانينها الخاصة في تقنين واحد. غير أن القانون العام، في هذه الدول تأثر تأثرًا كبيرًا بمبادئ القانون العرفي، وبخاصة تلك المبادئ التي تضمن حقوق الشعب وحرياته.
وقد ألغت معظم الحكومات الشيوعية النظم القانونية التي كانت قائمة عند توليها السلطة. وكانت غالبية هذه النظم تأخذ بنظام القانون المدني. وقد أقامت الحكومات الشيوعية، وقتئذ، نظمًا قانونيةً تستند، أيضًا، إلى تشريعات وتقنينات. فالاتحاد السوفييتي (سابقا) ودول الكومنولث الروسي التي استقلت عنه حاليًا مثلاً لديها مدونة قانون خاص ترتكز على نماذج أوروبية غربية وروسية سابقة. ولكن خلافًا للتقنينات السابقة، أباحت المدونة السوفييتية تدخل الحكومة المباشر في مسائل القانون الخاص. ورغم ذلك، ركّزت الإصلاحات القانونية في تلك الدول في أواخر ثمانينيات القرن العشرين على تقوية حقوق الفرد، والحد من سلطة الدولة ومطالبها.
تعديل القوانين
يوجب تغيير الأحوال الاجتماعية بشكلٍ مستمر تغيير القانون أيضًا، وإلا صار مهجورًا. وتعمل كل أمة على تعديل قوانينها بالطريقة التي يحددها نظامها السياسي. ففي نظام مستبد، يمكن فقط للزعماء الذين يتسنَّمون قمة السلطة تعديل القانون. ومن ناحية أخرى طوَّرت الديمقراطيات أربع وسائل رئيسية لتعديل القانون، وهي:
1 - بقرار المحكمة،
في الدول ذات القانون العرفي، يعدِّل القضاة القوانين بتوسيع نطاق السوابق القضائية أو بإلغائها. ورغم ذلك، لا يمكن إلغاء السابقة القضائية عادة إلا بوساطة محكمة أعلى. وإذا لم تَرُق لحكومة ما الطريقة التي سلكتها إحدى المحاكم في تفسير القانون، فإنه يمكنها تعديل هذا القانون بطريق التشريع.
2 - بطريق التشريع،
يجوز للسلطات التشريعية تعديل القوانين مثلما يجوز لها إصدارها. وتستطيع السلطة التشريعية تغيير قانون تشريعي بتعديله، أو إلغائه، أو بإجازة قانون جديد في الموضوع نفسه. وفي معظم الدول التي لديها دستور مكتوب، يستلزم تعديل هذا الدستور اتخاذ إجراء تشريعي من نوع خاص.
3 - بإجراء إداري.
يجوز تفويض مرافق الحكومة بإصدار لوائح، أو تعديلها، أو إلغائها، أو استبدالها. وتُعرف هذه اللوائح باسم التشريع بالتفويض
4 - بإجراء مباشر من الشعب.
تمنح بعض الحكومات القومية وكثيرٌ من الحكومات المحلية الشعب سلطة مباشرة لتعديل القانون بطريق الاستفتاء العام وبطريق الاقتراح. وفي حالة الاستفتاء العام، يُعرض القانون أو مشروع القانون على المقترعين لأخذ رأيهم فيه بالموافقة أو بالرفض. أما في حالة الاقتراح، فإن مجموعة من المواطنين تُعدُّ مشروع قانون ثم ترفعه إلى السلطة التشريعية أو تطرحه على استفتاء عام. وللسلطة التشريعية أو المطروح عليهم الاستفتاء، حينئذ، الموافقة عليه أو رفضه. وقد ألغت كثير من الدول دساتيرها مرة أو أكثر من مرة، واستبدلت بها دساتير أخرى جديدة. وفي معظم هذه الحالات، لا يُعمل بالدستور الجديد إلا بعد الموافقة عليه في استفتاء عام.
تطور القانون
المجتمعات المتحضرة شديدة التعقيد إلى الحد الذي لا تستطيع فيه البقاء، مالم يكن لديها نظام قانوني متطور. لذلك، استنتج العلماء أن الناس كانوا قد شرعوا في صياغة القوانين في عصور ما قبل التاريخ، وقبل نشوء الحضارات الأولى. ولم يكن للناس في عصور ما قبل التاريخ نظامٌ للكتابة، ولذا لم يتركوا مدونات لقوانينهم. فقد كانت القوانين الأولى قوانين عرفية، أي قوانين نشأت عن طريق العرف، وانتقلت من جيل إلى جيل بصورة شفوية.
ظهرت الحضارات ونظم الكتابة الأولى في الفترة مابين 3500 و 3000 ق.م تقريبًا. وقد مكّن اختراع الكتابة الناس من تجميع المدونات أو المجموعات القانونية. وكان من نتيجة تطور المدونات المكتوبة أن أصبح القانون أمرًا معلومًا لدى الجميع، مما ساعد على ترسيخ حكم القانون في المجتمع. وأُنشِئت أولى المدونات القانونية بمنطقة الشرق الأوسط في كنف الحضارات القديمة.
التطورات الأولى في الشرق.
ظهرت أولى المدونات القانونية المعروفة في بلاد بابل بأرض العراق. وقد جمع أحد ملوك بابل، ويدعى أُوْر نامُو، في حوالي سنة 2100ق.م، أقدم مجموعات القوانين المعروفة. وأنشأ حكام بابليون آخرون مجموعات خلال القرون التالية. وصاغ الملك حَمُوْرَابِي، خلال القرن الثامن عشر قبل الميلاد أكثر هذه المدونات أو المجموعات القانونية شهرةً واكتمالاً. وشأنها شأن المدونات الأولى التي سبقتها، حَوَت قائمة طويلة بالقواعد التي تفصل في نوع محدد من القضايا. فقد تضمنت أحكامًا تختص بمسائل، مثل: عدم وفاء الزوجة، وسرقة حيوان من مزرعة، وإقامة البناء لمنزل بطريقةً معيبة. وكان كثير من العقوبات قاسيًا إذا قيس بالمعايير السائدة في عالم اليوم. فمثلاً،كانت تقطع يد الابن إذا أُدين بضرب والده.
وبحلول عام 500ق.م. تقريبًا، أنشأت حضارتا الهند والصين مجموعات قانونية أيضا. وقد ركزت المجموعات في كلا البلدين على الالتزامات الأخلاقية للقانون. وبالرغم من ذلك، لم يكن للموروثات القانونية للحضارات الشرقية سوى تأثير ضئيل مباشر في النظم القانونية الكبرى في الوقت الحاضر. ومازال كثير من الشعوب الشرقية، وحتى من تأثر منها بالتقاليد الغربية، يركز على الالتزامات الأخلاقية للقانون. فلدى الأشخاص المتهمين فرصة محدودة في الدفاع عن أنفسهم. ويرى معظم المفكرين أن قدماء الإغريق هم الذين وضعوا اللبنات الأولى لصرح القانون الغربي والحضارة الغربية.
تأثيرات بلاد الإغريق القديمة.
خلافًا للحضارات التي سبقتها، تمكنت حضارة بلاد الإغريق القديمة من صياغة القانون كنظام ذي ملامح إنسانية واضحة. فقبل عصر الإغريق، كان أكثر الناس يزعمون أن الآلهة والإلاهات وحدهم هم الذين يملكون سلطة إصدار القوانين، وأنهم سلموا القوانين لطائفة مختارة من الزعماء، وقد سلم أولئك الزعماء تلك القوانين إلى الشعب. وكغيرهم من الشعوب السابقة، زعم قدماء الإغريق أن الآلهة والإلاهات أوجبوا على البشر إطاعة القوانين. غير أن الإغريق كانوا يعتقدون، أيضًا، أن البشر يمتلكون سلطة إصدار القوانين وتعديلها عند الحاجة. وقد أصبحت الدولة ـ المدينة في أثينا المركز الرئيسي لهذا التطور.
وضع سياسي يدعى دراكو في سنة 621ق.م أول مجموعة قوانين في أثينا. واشتهرت هذه المجموعة على وجه الخصوص، بجزاءاتها القاسية التي كانت توقع على من يخالفون أحكامًا. وفي سنة 590ق.م، أصدر المجلس الحاكم في أثينا تفويضًا لموظف رفيع المستوى، يُسمى سولون، لإجراء إصلاحات في النظم القانونية والسياسية للمدينة. فألغى سولون معظم قوانين دراكو الصارمة واستبدل بها مجموعة قوانين أكثر عدلاً.كذلك، جعل سولون الجمعية الأثينية أكثر تمثيلاً، وزاد من سلطاتها في إصدار القوانين. وفي الوقت المناسب، اكتسبت جمعيات المواطنين المنتخبة سلطة تشريعية أكثر فأكثر في أثينا. وبذلك، يكون الإغريق قد أحدثوا تطورًا مهمًَّا آخر في الحضارة الغربية، ونقصد به إرساء دعائم الحكومة الديمقراطية. وبالرغم من ذلك فقد كان ثلث سكان أثينا من المستعبدين. وكغيرهم من الشعوب القديمة الأخرى، أنكر الإغريق على المستعبدين التمتع بالحقوق القانونية المقررة للمواطنين.
كان الإغريق يعتقدون اعتقادًا قويًا بأهمية القانون. فقد كانوا ينظرون إلى من يحترم القانون نظرتهم إلى المواطن الصالح. وقد أضحى الفيلسوف والمعلم الأثيني سقراط مثالاً رائعًا على هذا الاعتقاد. فقد قضت المحكمة على سقراط بالإعدام في سنة 399ق.م. بتهمة إلقاء دروس على الشباب الأثيني تحضهم على عدم احترام القانون.كان سقراط يعلم أنه بريء، ولكنه قَبِلَ بالعقوبة الصادرة ضده ليظهر احترامه للقانون.
القانون الروماني القديم.
بلغ القانون القديم قمة تطوره في عهد الرومان. فقد ضم القانون الروماني كل الفروع الرئيسية للقانون العام والقانون الخاص بصورتها الموجودة في الوقت الحاضر. وفي الواقع، بدأ التصنيف العلمي للقانون مع عهد الرومان. فالرومان صاغوا قوانينهم ليس فقط لحكم شعب روما، ولكن أيضًا لبناء إمبراطورية شاسعة متماسكة وللسيطرة عليها. فعند بداية القرن الثاني الميلادي،كانت الإمبراطورية الرومانية تضم الجانب الأكبر من أوروبا، ومنطقة الشرق الأوسط، ومعظم مناطق إفريقيا الشمالية.
العصور الرومانية القديمة.
كُتِبت مجموعة القوانين الرومانية الأولى التي كانت تعرف باسم قانون الألواح الاثني عشر في حوالي سنة 450ق.م. وتولى قانون الألواح الاثني عشر تدوين القوانين العرفية للشعب الروماني في صيغة يسهل استيعابها. ولمئات السنين، كان على صبية الرومان حفظ مجموعة القوانين عن ظهر قلب جزءًا من واجباتهم المدرسية.
ولقد ظلت المبادئ المنصوص عليها في قانون الألواح الاثني عشر تشكل أساس القانون الروماني لأمدٍ طويلٍ.
لكن الرومان أخذوا يعدلون في هذه المبادئ القانونية بصورة تدريجية حتى تواكب الأحوال الاجتماعية المتغيرة. فبعد سنة 367ق.م، تولى إجراء التعديلات الجوهرية موظف عام ذو منصب قانوني رفيع يُسمى كبير قضاة البلدية (الربتور). فكان يصدر كل سنة مرسومًا (أمرًا عامًا) يجري بموجبه أية تعديلات ضرورية. وأصبح باستطاعة الإمبراطور الروماني، بعد سنة 27ق.م، إصدار القوانين وتعديلها حسب رغبته. وفي نهاية المطاف، صارت مجموعة القانون الروماني بكاملها شديدة التعقيد. وقد أُسندت مهمة تفسير هذه المجموعة الضخمة من القوانين لطائفة من رجال القانون ذوي المهارة الفائقة، يُطلق عليهم اسم يعني في أصله اللاتيني خبراء القانون.
ولسنوات عديدة،كان الرومان وغير الرومان، داخل حدود الإمبراطورية، يخضعون لمجموعات مختلفة من القوانين، وكان المواطنون الرومان يخضعون للقانون المدني. وقد طوّر الرومــان مجموعــة قوانـــين خاصـة كانت تُسمى قانون الشعوب، أو قانون الأمم، لحكم الشعوب التي أخضعوها. وأقاموا هذا القانون على مبادئ العدالة التي كانوا يعتقدون أنها حق جميع بني البشر، وتعرف هذه المبادئ باسم القانون الطبيعي.
وبالرغم من ذلك، لم يمنح كل من القانون المدني وقانون الشعوب المستعبدة أية حقوق قانونية. فطبقًا للقانون الروماني، يمكن للمواطنين الرومانيين وحدهم تملك الأموال، وإبرام العقود وتحرير الوصايا، والمقاضاة للحصول على تعويض عن الأضرار. ولأن المستعبدين لم يكونوا مواطنين، فإنهم لم يظفروا بشيء من هذه الحقوق. وحيث أن الرومان كانوا قد طوروا فكرة القانون الطبيعي، فإنهم، على الرغم مما تقدم اعترفوا للمستعبدين بحقوق الإنسان، وأوجبوا احترام هذه الحقوق. ونتيجة لذلك، تطلَّب القانون الروماني معاملة المستعبدين بعدل ورحمة.
العصور الرومانية المتأخرة.
أدى الاعتقاد في القانون الطبيعي، إلى الاعتقاد، كذلك، في حق غير الرومان في التمتع بذات الحقوق التي يتمتع بها المواطنون. فقد منح الرومان، في سنة 212م، حقوق المواطنة الرومانية لمعظم الشعوب التي أخضعوها، فيما عدا المستعبدين. وبذلك، أصبح القانون المدني قانون الإمبراطورية بكاملها. وعلى الرغم من ذلك، ظلت مبادئ القانون الطبيعي المضمنة في قانون الشعوب تمثل جزءًا من القانون الروماني. وكانت هذه المبادئ أمرًا مهما لأجيال المستقبل، لأنها قادت إلى الإيمان بالحقوق المتساوية لكل المواطنين. غير أنه مرت مئات السنين قبل أن يفلح الناس تمامًا في تطوير مبادئ المساواة التي وضعها الرومان. وما أن تطورت هذه المبادئ، حتى أسهمت في بناء الحكومات الديمقراطية في أستراليا، وفرنسا، ونيوزيلندا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وفي كثير من الدول الأخرى. ومع ذلك فإنها مازالت وستظل قوانين بشرية قاصرة لا ترقى ولا تقترب من القوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية المنزلة من عند الله.
وبدايةً من يوليوس قيصر، حاول حكام رومانيون متتابعون في سلسلة طويلة ترتيب قوانين الإمبراطورية كافة في مدونة منظمة. وقد أكمل الإمبراطور جستنيان الأول هذه المهمة في النهاية. وبــدأت مدونة جستنيان التي اشتـهرت باسم كُوْرْبَسْ جُوْرِسْ سِيفِيلِيس، أي مجموعة القانون المدني، بالسريان في سنة 533 وسنة 534م. وقد شملت كل مجالات القانون بصورة متكاملة ومتقنة إلى الحد الذي جعل منها، في وقت لاحق، نموذجًا احتذته أول تقنينات حديثة. وحتى اليوم، تنهض تقنينات معظم الدول التي تطبق نظام القانون المدني على أساس القانون الروماني.
العصور الوسطى
انشطرت الإمبراطورية الرومانية في سنة 395م إلى قسمين هما: الإمبراطورية الرومانية الغربية، والإمبراطورية الرومانية الشرقية، أو الإمبراطورية البيزنطية. وقد سقطت الإمبراطورية الرومانية الغربية، التي كانت روما عاصمتها، في أيدي القبائل الجرمانية الغازية في أواخر القرن الخامس الميلادي. وحَدَّدت واقعة سقوط الإمبراطورية بداية فترة الألف سنة التي عُرفت بالعصور الوسطى. وقد نجت الإمبراطورية الرومانية الشرقية، التي كانت القسطنطينية (إسطنبول حاليًا) عاصمتها، من الغزو. وفي سنة 527م أصبح جستنيان الأول حاكمًا على الإمبراطورية الشرقية وقد طبقت مجموعته في القانون الروماني بصفةٍ أساسية هناك. وفي أوروبا الغربية، اندثرت، وبصورة تدريجية، معظم النظم القانونية والفكرية التي طوَّرها الرومان.
وبالرغم من ذلك، بقي القانون الروماني في الغرب أساسًا يقوم عليه القانون الكنسي وهو النظام القانوني الذي طورته الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. فقد كان معظم الأوروبيين، إبان القرون الوسطى، على المذهب الكاثوليكي. ولذا، كان للقانون الكنسي تأثير كبير في حياتهم.
كان للقبائل الجرمانية التي أطاحت بالإمبراطورية الرومانية الغربية مجموعاتها القانونية التي جلبتها إلى المناطق التي قامت بفتحها. غير أن هذه المجموعات لم تكن متطورة مقارنة بالقانون الروماني، فقد كانت تتكون أساسًا من قوائم تعدد الغرامات المقررة بالنسبة لجرائم محددة،كسرقة ثور الجار أو كلبه.
خلال القرن التاسع الميلادي طوَّر الأوروبيون نـظامًا سياسيًا عسكريًا عُرِف باسم نظام الإقطاع، وحسب نظام الإقطاع، كان الناس يرتبطون برابطة الولاء للإقطاعي بدلاً من الارتباط بحكومة مركزية. وكان الإقطاعي يطبق القانون في إقليمه ويمنح الحماية للأفراد الذين يخدمون في جيوشه ويعيشون على أرضه ويعملون فيها. وكان النظام القانوني في العصور الوسطى يستند بشكل كبير إلى هذه العلاقة القائمة بين الإقطاعيين والأفراد الذين يعتمدون عليهم.
ويبين القانون الإقطاعي على وجه التحديد الواجبات المفروضة على الناس تجاه الإقطاعي الذي يتبعون له. ولم يكن باستطاعة أي إقطاعي المطالبة بأكثر مما يقره القانون. لذلك،كان من حق الناس رفض أية مطالب يتقدم بها الإقطاعي خارج حدود القانون. وقد استند الأوروبيون، في وقتٍ لاحقٍ، إلى هذا المبدأ في مقاومة الملوك الذين كانوا يطالبون بسلطات واسعة. ومن ثم، فقد أدى هذا المبدأ دورًا مهمًا في النضال من أجل الديمقراطية في أوروبا.
وظل القانون الإقطاعي القانون الأساسي في أوروبا الغربية حتى القرن الرابع عشر الميلادي تقريبًا. وفي هذا التاريخ، بدأ الأوروبيون الغربيون ينشئون أنظمة قانونية أفضل. وبالرغم من ذلك، اختلف هذا التطور اختلافًا كبيرًا بين بلدان القارة الأوروبية والجزر البريطانية.