منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - شرح متن العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-10-29, 13:41   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

قول شيخ الإسلام ابن تيمية
(وَقَدْ دَخَلَ فِي هِذِهِ الْجُمْلَةِ مَا وَصَفَ الله بِهِ نَفْسَهُ فِي سُورَةِ الإِخْلاَصِ الَّتِي تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، حَيثُ يَقُولُ: (قُلْ هُوَاللَّهُ أَحَدٌ*اللَّهُ الصَّمَدُ*لَمْ يَلِدْوَلَمْ يُولَدْ*وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًاأَحَدٌ )

/ش/ قوله:((وقد دخل… إلخ))؛ شروعٌ في إيراد النصوص من الكتاب والسنة المتضمِّنة لما يجب الإيمان به من الأسماء والصفات في النفي والإثبات.
وابتدأ بتلك السورة العظيمة؛ لأنها اشتملت من ذلك على ما لم يشتمل عليه غيرها، ولهذا سُمِّيَتْ سُورة الإخلاص؛ لتجريدها التوحيد من شوائب الشرك والوثنية.
روى الإمام أحمد في ((مسنده)) عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه في سبب نزولها: أن المشركين قالوا: يا محمد! انسب لنا ربك. فأنزل الله تبارك وتعالى: (قُلْ هُوَاللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ )إلخ السورة([1]).
........................................
([1]) (حسن). رواه الترمذي في التفسير، (باب: ومن سورة الإخلاص) (تحفة 9/299)، وأحمد في ((المسند)) (5/133)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (1/297).
وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2680).
وانظر كتاب ((العظمة)) لأبي الشيخ (1/375) ، وكتاب ((شعب الإيمان)) للبيهقي (1/276).
...............................
.وقد ثبت في الصحيح أنها تعدل ثلث القرآن([1]).
وقد اختلف العلماء في تأويل ذلك على أقوال؛ أقربها [ما نقله شيخ الإسلام عن أبي العباس]([2])، وحاصله أن القرآن الكريم اشتمل على ثلاثة مقاصد أساسية:
أولها: الأوامر والنواهي المتضمِّنة للأحكام والشرائع العملية التي هي موضوع علم الفقه والأخلاق.
ثانيها: القصص والأخبار المتضمنة لأحوال الرسل عليهم الصلاة والسلام مع أممهم، وأنواع الهلاك التي حاقت بالمكذِّبين لهم، وأحوال الوعد والوعيد، وتفاصيل الثواب والعقاب.
ثالثها: علم التوحيد، وما يجب على العباد من معرفة الله بأسمائه وصفاته، وهذا هو أشرف الثلاثة.
.................................................. ..........................................
([1])((البخاري)) في التوحيد، (باب: ما جاء في دعاء النبي e أمته إلى التوحيد) قول النبي e: ((والذي نفسي بيده؛ إنها لَتَعدِل ثلث القرآن)).

([2]) في طبعة الجامعة الإسلامية: [ما نقله شيخ الإسلام أبو العباس]. والصواب ما هو مثبت هنا، وكذا في طبعة ((الإفتاء))، وأبو العباس هو أبو العباس بن سريج.
انظر: ((مجموع الفتاوى)) (17/103).
.................................................. ........

ولما كانت سورة الإخلاص قد تضمَّنَت أُصول هذا العلم، واشتملت عليه إجمالاً؛ صحَّ أن يقال: إنها تعدل ثلث القرآن.
وأما كيف اشتملت هذا السورة على علوم التوحيد كلها، وتضمَّنت الأصول التي هي مجامع التوحيد العلمي الاعتقادي؟ فنقول:
إن قوله تعالى: (اللَّهُ أَحَدٌ )دلَّت على نفي الشريك من كل وجهٍ: في الذات، وفي الصفات، وفي الأفعال؛ كما دلَّت على تفرُّده سبحانه بالعظمة والكمال والمجد والجلال والكبرياء ، ولهذا لا يُطلَق لفظ (أَحَدٌ )في الإثبات إلا على الله عز وجل، وهو أبلغ من واحد.
وقوله: (اللَّهُ الصَّمَد )قد فسَّرها ابن عباس رضي الله عنه بقوله:
((السيد الذي كمل في سؤدده، والشريف الذي كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمُل في حلمه، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبَّار الذي قد كمل في جبروته، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمُل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد ، وهو الله عز وجل ، هذه صفته ، لا تنبغي إلا له، ليس له كفءٌ، وليس كمثله شيء))([1]).
....................................
([1]) رواه ابن جرير في تفسير سورة الإخلاص بسنده، فقال:
((حدثنا علي: حدثنا أبو صالح: حدثنا معاوية عن علي عن ابن عباس، به)).
وعلي (الراوي عن ابن عباس): هو ابن أبي طلحة؛ كما في ((تفسير ابن كثير))، وهو صدوق، ولم يَلقَ ابن عباس، وإنما أخذ تفسيره من مجاهد، فروايته عنه منقطعة.
والحديث أخرجه أبو الشيخ في ((العظمة)) (1/383) بالسند نفسه، وقد ضعَّفه محققه المباركفوري.
ولكن قال الحافظ ابن حجر في ((التهذيب)): ((بعد أن عُرفت الواسطة، وهو ثقة ـ يعني مجاهدًا ـ فلا ضير في ذلك)). =
= انظر: ((تفسير ابن عباس ومروياته في التفسير من كتب السنة)) (1/25).
............................
وقد فُسِّر الصمد أيضًا بأنه الذي لا جوف له([1])، وبأنه الذي تصمد إليه الخليقة كلها وتقصده في جميع حاجاتها ومهمَّاتها([2]).
.................................................. ...................................
([1]) صحَّ ذلك عن: مجاهد، والحسن، والضحاك، وورد مرفوعًا، ولكن لا يصحّ.
انظر: ((العظمة)) لأبي الشيخ (1/379)، و((السنة)) لابن أبي عاصم، ومعه ((ظلال الجنة)) للألباني (رقم673، 674، 675، 680، 688، 689).

([2]) صحَّ ذلك عن إبراهيم النخعي. انظر: ((السنة)) لابن أبي عاصم (رقم687).
وورد عن ابن عباس بإسناد ضعيف. انظر ((العظمة)) (1/380).
................................................

فإثبات الأحدية لله تضمَّن نفي المشاركة والمماثلة.
وإثبات الصمديَّة بكل معانيها المتقدمة تتضمن إثبات جميع تفاصيل الأسماء الحسنى والصفات العلى. وهذا هو توحيد الإثبات.
وأما النوع الثاني ـ وهو توحيد التنزيه ـ ؛ فيؤخـذ من قولـه تعالى: (لَمْ يَلِدْوَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًاأَحَدٌ ) كما يؤخذ إجمالاً من قولـه: (اللَّهُ أَحَدٌ ) أي: لم يتفرَّع عنه شيء، ولم يتفرَّع هو عن شيء، وليس لـه مكافئ ولا مماثل ولا نظير.
فانظر كيف تضمَّنت هذه السورة توحيد الاعتقاد والمعرفة، وما يجب إثباته للرَّبِّ تعالى من الأَحَدِيَّة المنافية لمطلق المشاركة، والصمَدِيَّةِ المُثْبِتَة لـه جميع صفات الكمال الذي لا يلحقه نقصٌ بوجه من الوجوه، ونفي الولد والوالد الذي هو من لوازم غناه وصمَدِيَّتِه وأَحدِيَّتِه، ثم نفي الكفء المتضمن لنفي التشبيه والتمثيل والنظير([1])؟
فحُقَّ لسورة تضمَّنت هذه المعارف كلها أن تعدل ثلث القرآن.
.................................................. .......................

([1]) كذا في المطبوع، والأولى أن يقال: ((الكفء المتضمن لنفي الشبيه والمثيل والنظير)).