منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - طلباتكم اوامر لأي بحث تريدونه بقدر المستطاع
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-03-11, 16:43   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
محب بلاده
مراقب منتديات التعليم المتوسط
 
الصورة الرمزية محب بلاده
 

 

 
الأوسمة
وسام التميز وسام المسابقة اليومية 
إحصائية العضو










افتراضي


تسـويـة المنــازعــات في الــقـانـون
الجـــزائــــري للإستثمـــــارات

رسالة لنيل شهادة دكتوراه دولة في القانون الخاص

لجنة المناقشة
1- الأستاذ الدكتور: …………………………….. رئيسا
2- الأستاذ الدكتور: محمـد بوسـمـاح مقررا
3- الأستاذ الدكتور: …………………………….. عضوا
4- الأستاذ الدكتور: …………………………….. عضوا
5- الأستاذ الدكتور: …………………………….. عضوا

إعداد : تحت إشراف الأستاذ :
حسن طالبي محمد بوسماح
السنة الجامعية: 2005/2006

مقـــدمــة عـامـــة


إن التقدم الإقتصادي والتكنولوجي كان ولا يزال من صميم إنشغالات البلدان السائرة في طريق النمو. ولتحقيق هذا الهدف، كان على هذه البلدان اللجوء إلى الإستثمارات الأجنبية. وهذه الأخيرة كانت عمومية ونصف عمومية (1). إلا أنها كانت في مراحلها الأولى شحيحة، نظرا لكونها أنجزت في ظروف مالية صعبة، خاصة بعد الحربين العالميتين، الأولى والثانية. ولذا، فقد وقع تدعيمها من قبل رؤوس الأموال الخاصة. ولكن الإستثمارات التي تعود إلى مستثمرين خواص قد عرفت هي أيضا ظروفا صعبة، نظرا لتعرضها لأولى التأميمات (2). ولكن ولتحفيز هؤلاء المستثمرين على الإستثمار وإزالة تخوفاتهم، ظهرت إلى الوجود قوانين إستثمارية في الكثير من البلدان السائرة في طريق النمو بهدف تشجيع هؤلاء على الإستثمار وحمايتهم.
وعلى غرار هذه البلدان، سعت الجزائر من جهتها إلى وضع قوانين للإستثمار، غايتها جلب المستثمرين الأجانب. ولكن تشجيع رؤوس الأموال الأجنبية على الإستثمار في الجزائر كان نتيجة تطور تشريعي عكس بدوره إختيارات سياسية وإقتصادية قادت الجزائر طيلة عقدين من الزمن. وبالمناسبة، فقد صدر أول قانون للإستثمار في الجزائر غداة الإستقلال وكان ذلك في 23 جويلية 1963 (3). وكان هذا القانون موجها خاصة نحو المستثمرين الأجانب. فقد نصت المادة 3 منه على حرية الإستثمار "مع عدم الإخلال بالأحكام ذات العلاقة بالنظام العام وبقواعد الإقامة". ولكن بالرغم من إجراءات التشجيع الجبائية والمالية التي جاء بها هذا القانون، إلا أنه لم يثمر عن نتائج إجابية تذكر.
ولإستخلاص الدروس مما آلى إليه هذا القانون، إرتأى المشرع على إثره إصدار قانون جديد، وكان ذلك سنة 1966 (4) لجذب رؤوس الأموال الخاصة المحلية أولا وبصفة لاحقة رؤوس الأموال الأجنبية. و من وظائف هذا القانون بإعتباره يشكل في تلك
(1) Luchaire. F, « L’aide internationale aux pays sous-développés », Rec.Penant, 1964, pp. 21-295 et 423.
(2) Kopelmanas. L, « La protection des investissements privés à l’étranger », in DPCI, 1987, pp. 3-12.
(3) أنظر قانون رقم 63-277 المؤرخ في 26 جويلية سنة 1963، ج ر عدد 53، 2 أوت 1963، ص. 774.
Voir aussi, Borella. F, « Le droit public économique algérien » in R.A.S.J.E.P 1966, p. 38. La ggoune W, Le contrôle de l’Etat sur les entreprises privées en Algérie, thèse, Institut de droit, Alger, 1997.
(4) راجع الأمر رقم 66-248 المؤرخ في 15 سبتمبر سنة 1966، ج ر، 17 سبتمبر 1966، ص. 901.
Borella. F, op cit ; Laggoune. W, op cit.
الفترة أداة للتخطيط الإقتصادي، أنه خص تدخل المستثمر الأجنبي في قطاعات محددة وأقصاه من الإستثمار في قطاعات أخرى يعتبرها المشرع حيوية إلا بالإشتراك مع الطرف الوطني. وهكذا، فطبقا لقانون رقم 82-13 المؤرخ في 28 أوت سنة 1982 المتعلق بإنشاء الشركات المختلطة الإقتصاد في قطاعي الصناعة والخدمات (بإستثناء قطاع المحروقات الذي عرف إنشاء شركات مختلطة عن طريق إتفاقيات دولية)، فإن هذا القانون كان يسمح للمستثمرين الأجانب بالإستثمار في الجزائر شريطة أن يأخذ هذا الإستثمار شكل شركة ذات إقتصاد مختلط، لأن الهدف من هذا القانون، كان إلى جانب إشراك الطرف الأجنبي في رأسمال الشركة وفي النشاط العام لها، هو حمله على المساهمة في نقل التكنولوجيا (5). بيد أن النتائج المسجلة بعد صدور هذا القانون لم تكن ترقى إلى الأهداف التي كانت قد سطرتها الحكومة أنذاك. ومما زاد الأمر سوءا هو الهبوط الحر لمداخيل البترول إبتداء من سنة 1986 (6)، الشيء الذي دفع بالبلاد إلى الإستدانة الخارجية والإستعانة برؤوس الأموال الأجنبية لتجاوز قلة الموارد المالية. إلا أن هذا القانون لم يعمر بدوره طويلا، بما أنه قد عدل واستبدل في نفس السنة بقانون آخر (7). ولإقناع المستثمرين الأجانب، فإن واضعي هذا القانون إقترحوا أحكاما جديدة كانت تهدف إلى حماية أكبر لمصالح الشريك الأجنبي بإعتباره شريك أقلية un associé minoritaire. ومقابل هذه الحماية، فإن إنشاء شركة مختلطة الإقتصاد في ظل هذا القانون، كان لا بد أن تخضع في نشاطها إلى قواعد المردودية الإقتصادية والمالية وصولا إلى تحقيق ترقية للصادرات (8). ولكن شيئا لم يحدث منذ ذاك التعديل، ذلك أن النتائج المنتظرة من هذا القانون كانت جد هزيلة (9). بالإضافة إلى أن طيلة تلك الفترة، فقد شهد الإقتصاد قلة في
(5) راجع المادة 6 من قانون 82-13 المؤرخ في 28 أوت سنة 1982 والمتعلق بتأسيس الشركات المختلطة الإقتصاد وسيرها المعدل والمتمم بالقانون رقم 86-13.
(6) La moyenne annuelle du prix du baril de brut algérien est tombé de U.S.D 21,07 en 1991 à U.S.D 20 en 1992, puis U.S.D 17,65 en 1993, cités par Belhimer. A, La dette extérieure de l’Algérie, thèse, Paris V, éd Casbah, 1997, p. 10.
(7) راجع قانون رقم 86-13 المؤرخ في 19 أوت سنة 1986، ج ر 27 أوت 1986، ص. 1016.
(8) أنظر المادة 4 فقرة 8 من قانون 19 أوت سنة 1986، نفس المرجع.
(9) Seules huit sociétés d’économie mixte avaient été constituées entre 1986 et 1989 dans les domaines et avec les partenaires suivants : automobile (société mixte avec Fiat), Télécom (société suédoise), hydraulique (Firme Yougoslave), tourisme, partenaires du Canada, d’Italie, de Chine et de la Corée du Sud, audio-visuel (Koweït), cités par Belhimer. A, op cit, p. 340.

الموارد العمومية وفي المداخيل البترولية التي ضاعفت بدورها من الوضعية المتدهورة للإقتصاد الوطني، مما عجل بالتطهير المالي للمؤسسات الذي أصبح أكثر من ضرورة. ولم يكن لدى السلطات العمومية من خيار أنذاك إلا اللجوء إلى ميكانزمات جديدة لتمويل الإقتصاد الوطني وإلى العمل بقواعد الإستقلالية وكان ذلك منذ سنة 1988 (10).
أما على مستوى النقد، فقد شهد القطاع الإقتصادي إستقلالية أكبر بعد أن ألغى دستور سنة 1989 إحتكار الدولة وأعاد للملكية الخاصة المكانة الطبيعية التي تعود إليها. وهو نفس التوجه الذي تأكد فيما بعد في دستور سنة 1996 (11). ومن ثمة، فقد صدر سنة 1991 قانون النقد والقرض (12) الذي منح الإستثمار الأجنبي نظاما قانونيا جديدا وأعطى للمستثمر الأجنبي مركزا جديدا. ولكن بالرغم من الإنفتاح الذي عبر عنه هذا القانون في إتجاه الإستثمار الأجنبي إلا أنه وبالنتيجة، لم تسجل البلاد ضخا لرؤوس الأموال الأجنبية بالقدر الكافي الذي كان ينتظر من هذا الإنفتاح.
إلا أنه إبتداء من سنة 1993، مرحلة جديدة تمر بها الجزائر من أجل جذب رؤوس الأموال الأجنبية. وهكذا، ففي نفس الفترة، ثلاث نصوص قانونية صدرت من بينها إثنان عدلا واستكملا كلا من القانونين، القانون التجاري (13) وقانون الإجراءات المدنية (14). أما القانون الثالث، فكان القانون المتعلق بترقية الإستثمارات (15) وهو القانون الذي ألغى لاحقا

(10) أنظر قانون رقم 88-01 المؤرخ في 12 جانفي سنة 1988 المتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات العمومية الإقتصادية، ج ر عدد 01، 13 جانفي 1988. Voir Boussoumah. M, "La notion d'entreprise publique en droit algérien", RASJEP, n° 1, 1989, pp 29-87.
(11) راجع المادة 52 من دستور 28 نوفمبر 1996، ج ر عدد 61 (ملحق)، 16 أكتوبر 1996، ص. 9.
(12) أنظر قانون رقم 90-10 المؤرخ في 14 أفريل سنة 1990 ج ر عدد 16 لـ 18 أفريل سنة 1990، ص. 520 وهو القانون الذي ألغى فيما بعد بمقتضى أمر رقم 03-11 المؤرخ في 26 أوت سنة 2003 ج ر عدد 52 لـ 27 أوت 2003، ص. 3 وما بعدها.
(13) راجع المرسوم التشريعي رقم 93-08 المؤرخ في 25 أفريل سنة 1993 والمعدل والمتمم للأمر رقم 75-59 المؤرخ في 26 سبتمبر 1976 المتضمن القانون التجاري، ج ر عدد 27 لـ 27 أفريل سنة 1993، ص. 3 وما بعدها.
(14) راجع أيضا المرسوم التشريعي رقم 93-09 المؤرخ في 25 أفريل سنة 1997 المعدل والمتمم للأمر رقم 66-154 لـ 08 جوان سنة 1966 والمتضمن قانون الإجراءات المدنية، ج ر عدد 27 لـ 27 أفريل سنة 1993، ص 42 وما بعدها.
(15) أنظر المرسوم التشريعي رقم 93-12 المؤرخ في 5 أكتوبر سنة 1993 المتعلق بترقية الإستثمار، ج ر عدد 64 لـ 10 أكتوبر سنة 1993، ص. 2.

واستبدل بالأمر 01-03 المتعلق بتطوير الإستثمار (16).
وقد كان من بين المزايا اللصيقة بقانون ترقية الإستثمار لسنة 1993 بإعتباره يأتي في مرحلة إعادة هيكلة الإقتصاد هو وضع الجزائر في مسار البلدان السائرة في طريق النمو التي تتمتع بتشريعات متطورة تهدف إلى تحفيز رؤوس الأموال الأجنبية. وإحدى الخصوصيات التي يتميز بها هذا القانون هو أنه فتح الباب أمام أي شكل من أشكال الإستثمار وهي عديدة – كما نعلم – سواء تعلق منها بإستحداث مشاريع جديدة أو بإعادة تجديدها أو إعادة هيكلتها أو توسعة ما هو منجز وقائم فعلا. وبعبارة أخرى، فقد كرس هذا القانون ما يعرف بمبدأ جذب الإستثمار الدولي بدون حدود بإستثناء إلتزام المستثمر الذي يرغب في الإستثمار بالجزائر بأن يودع تصريحا بالإستثمار المزمع إنجازه لدى وكالة الترقية ودعم ومتابعة الإستثمار والتي أصبحت تسمى فيما بعد بالوكالة الوطنية لتطوير الإستثمار. ميزة أخرى للقانون السالف الذكر، هو تمتيع المستثمر الأجنبي بضمانات قانونية وحوافز ضريبية وشبه ضريبية إلى جانب مزايا أخرى مالية متعددة. كما أنه سوى ولأول مرة بين الأشخاص الطبيعيين والمعنويين الجزائريين الخواص والأجانب وكذلك بين المستثمرين الأجانب أنفسهم مع مراعاة الأحكام التي تنص عليها الإتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر.
بقي أن نشير إلى أنه أثناء وضع الإستثمارات حيز التنفيذ، من غير المستبعد أن تنشأ نزاعات بين الدولة المانحة لهذه المزايا والضمانات والمستثمر الأجنبي. وإذا رجعنا إلى الوراء، فإننا نلاحظ بالنسبة لقانون الإستثمار لسنة 1963، فقد نص هذا الأخير في المادة 22 منه على حل النزاعات الناتجة عن تطبيق أو تفسير الإتفاقية الملحقة بقرار الإعتماد بواسطة التحكيم. أما قانون سنة 1966، فلم ينص على أي طريقة للتسوية القضائية. وقد فسر هذا السكوت على أن الحل لا يمكن أن يكون إلا عبر اللجوء إلى المحاكم المحلية. وهذا يعني ضمنيا الرفض الكلي للتحكيم كطريقة لتسوية النزاعات التي
(16) راجع الأمر رقم 01-03 المؤرخ في 20 أوت سنة 2001 والمتعلق بتطوير الإستثمار ج ر عدد 47 لـ 22 أوت سنة 2001، ص. 4.

قد تنشأ بين الدولة والمستثمرين الأجانب، بينما الممارسة كانت تعكس في الواقع غير هذا التوجه الرافض للتحكيم. إلا أن الذي يؤكد فعلا تمسك المشرع في تلك الفترة بالإختصاص القضائي للمحاكم الوطنية هو – حسب أحد الفقهاء (17) وجود دلائل عدة، من بينها تطبيق مبدأ المساواة أمام القانون في المجال الجبائي وعدم مصادقة الجزائر أنذاك على إتفاقية واشنطن والطبيعة القانونية للإعتماد بإعتباره عملا إداريا يخضع في منحه وسحبه إلى السلطة التقديرية للإدارة.
إلا أنه بالرغم من وجود هذه المؤشرات التي سبق وأن أشرنا إليها والتي تؤكد اللجوء المبدئي طوال فترة السبعينات وبداية الثمانينات إلى إختصاص المحاكم المحلية، غير أن الإجراء التحكيمي كان يعمل به أيضا عندما تشارك المؤسسة الأجنبية في رأسمال الشركة المختلطة الإقتصاد. بالإضافة إلى أن الشركات الوطنية غالبا ما كانت تقبل بإخضاع نزاعاتها مع المؤسسات الأجنبية إلى هيئة تحكيم خاصة (18)، في حين كان يعتبر هذا النوع من التحكيم في نفس الفترة غير قانوني لأنه ببساطة كان يتناقض والمادة 442 فقرة 3 من قانون الإجراءات المدنية.
يجب الإعتراف من جهة أخرى، أنه منذ التصديق على الأمر 71-80 المؤرخ في 19 ديسمبر سنة 1971، فإن النزاعات التي تضع وجها لوجه المؤسسات الإشتراكية (19) فيما بينها كانت تخضع وجوبا إلى إختصاص محكمة تحكيمية. ثم جاء الأمر رقم 75-44 المؤرخ في 17 جوان سنة 1975 الذي لم يقم فقط بتعديل نظام التحكيم بل وأيضا بتوسيع نطاقه إلى النزاعات الناشئة عن نشاط الشركة المختلطة الإقتصاد. ثم في سنة 1982 وطبقا للمادة 53 من القانون المؤرخ في 28 أوت سنة 1982 والمتعلق بالشركات المختلطة الإقتصاد. تخضع النزاعات الناشئة بين الشركة المختلطة الإقتصاد والمؤسسات الإشتراكية إلى التحكيم مثلما هو منصوص عليه في الأمر المؤرخ في17 جوان سنة 1975. أما النزاعات التي قد تثور بين الأعضاء المؤسسين أي بين المؤسسة الإشتراكية
(17) Terki. N, les sociétés étrangères en Algérie, OPU Alger, 1976, p. 252 et s.
(18) C’est la solution qui avait été consacrée par le protocole d’accord conclu entre la société nationale des matériaux de construction et la firme américaine Inter Kilin Fritz Corporation en vue de la construction d’une entreprise d’économie mixte, cité par Terki. N, op cit, p. 255.
(19) Boussoumah. M, L’entreprise socialiste en Algérie, OPU et Economica, 1982.
والطرف الأجنبي، فإنها تعد من إختصاص المحاكم الوطنية "تطبيقا للقانون الجزائري" (20). وفي نفس السنة أي في سنة 1982، ظهر عنصر جديد ألا وهو المنشور الصادر عن الوزير الأول في 18 نوفمبر سنة 1982 الذي أجاب فيه بشأن من بإمكانه أن يلجأ إلى التحكيم على "أن المؤسسات العمومية الوطنية أو المحلية يمكن لها أن تلجأ إلى التحكيم ما دام لا تعتبر هذه المؤسسات من الأشخاص المعنوية للقانون العام".
إن هذه النزعة الإيجابية نحو الأخذ بالإجراء التحكيمي قد تأكدت أكثر مع لائحة التحكيم الجزائرية الفرنسية المؤرخة في 27 ماي سنة 1983 (21). وبمقتضى هذه اللائحة، فقد أصبح بإمكان المستثمرين الفرنسيين في علاقاتهم مع المؤسسات الجزائرية أن يستندوا في دعاويهم إلى هذه اللائحة لتجنب إخضاع نزاعاتهم مع الطرف الوطني إلى إختصاص المحاكم الوطنية.
ولكن ومنذ سنة 1986 وعلى إثر التدهور الذي عرفه سعر البترول كما سبق وأن ذكرنا وبروز البوادر الأولى لإقتصاد دولي معولم بعد تفكك الإتحاد السوفياتي، شرعت السلطات العمومية في الجزائر في التفكير في وضع إصلاحات إقتصادية تؤدي إلى التخلي وبصفة مطلقة عن تدخل الدولة عن ممارسة إحتكار لا حدود له على كل القطاعات وعن ترددها إزاء الإستثمار الأجنبي (22). وهذا التمشي الجديد للسلطات العمومية برز خاصة في قانون النقد والقرض. وهكذا، فطبقا لأحكام المادتين 183 و185 من هذا القانون، فإن مجلس النقد والقرض الذي أنشئ بمقتضاه هو الذي يحدد طرق تمويل الإستثمارات وهو الوحيد المخول منح "رأي في المطابقة قبل أي إنجاز للإستثمار" بالنسبة للأشخاص الغير مقيمين باعتباره جهازا إداريا يتمتع بالشخصية المعنوية (23) ولكن وبقطع النظر عن مدى إختصاص هذا الجهاز (مراقبة المشروعية أو تقدير ملائمة الإستثمار
(20) Voir Issad. M, « La loi du 27 août 1982 sur les sociétés d’économie mixte », in R.A.S.J.E.P, 1984, n° 2,, pp. 263-278.
(21) Sur ce règlement, voir Mebroukine. A, « Le règlement d’arbitrage algéro-français du 27 mai 1983 », Rev.arb, 1986, pp. 191-232.
(22) Voir Bekhechi.M.A, « L’investissement et le droit en Algérie, lecture d’une mutation vers le libéralisme économique », in Lettre juridique n° 26, 1995, pp. 3-10.
(23) راجع قانون رقم 90-10 المتعلق بالنقد والقرض والذي كما سبق وأن أشرنا، قد ألغى بمقتضى أمر رقم 03-11 هذا الأخير كرس نفس الإتجاه بالنسبة للتراخيص التي تعود لمجلس النقد والقرض كفائدة البنوك التي تريد فتح مكاتب لها في الجزائر في إطار تمويل الإستثمارات الأجنبية.
بالنظر إلى الحوافز المقدمة)، فإن الأعمال التي يتخذها هذا المجلس كانت تعد من الأعمال الإدارية الأحادية الجانب. ومثل هذا التكييف كان له إنعكاس على مستوى مشروعية هذه الأعمال.
فمثلا، نصت المادة 50 من نفس القانون على أن قرارات الرفض تكون قابلة للطعن عن طريق الإبطال أمام الغرفة الإدارية للمحكمة العليا خلال 60 يوما إبتداء من تاريخ التبليغ. وهو ما شكل ضمانا يمنحه القانون السالف الذكر لفائدة المستثمر الأجنبي.
ثم حتى تلقى الجزائر دعواتها لدى المستثمرين الأجانب صدى لها، فقد توج المشرع حركة الإصلاح القانوني الذي شرع فيها منذ سنة 1988 أي منذ القانون المتعلق بتوجيه المؤسسات (24) بإصداره سنة 1993 مرسوما تشريعيا يتعلق بترقية الإستثمار. وهو المرسوم الذي – كما قلنا – قد ألغي سنة 2001 بمقتضى الأمر 01-03 السالف الذكر والذي أصبح يحمل عنوانا جديدا "تطوير الإستثمار". وهذا الأمر الأخير قد نزع كل شك حول مسألة تسوية النزاعات فيما يتعلق بالإستثمارات ثم تأكد إنفتاح الدولة بقوة على الإستثمار الأجنبي من خلال تعديل قانون الإجراءات المدنية. فقد جاء هذا القانون ليكرس بصفة واضحة وجلية التحكيم التجاري الدولي، خاصة وأن مسألة تسوية المنازعات بين الدولة والمستثمرين الأجانب الذي هو موضوع رسالتنا، تثير العديد من الأسئلة لا سيما وأن هؤلاء المستثمرين لا يقبلون وبسهولة اللجوء إلى المحاكم الوطنية لدولة مضيفة مثل الدولة الجزائرية.
وقد إرتأينا قبل أن نتعرض إلى الموضوع في جميع تفاصيله أن نقدم إستعراضا للتطور التاريخي للإستثمارات في الجزائر ولطرق تسوية النزاعات الناشئة عنها لأن مثل هذا الإستعراض التاريخي القانوني من شأنه أن يساعدنا على رصد معنى وأبعاد المنهجية التي إتبعتها الدولة الجزائرية منذ الإستقلال إلى يومنا هذا في خصوص الحوافز والضمانات القانونية التي كانت الدولة تمنحها للمستثمر الأجنبي. فقد تمكنا من أن نسجل
(24) أنظر قانون رقم 88-01 المؤرخ في 12 جانفي سنة 1988 والمتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات العمومية الإقتصادية. ج ر عدد 1، لـ 13 جانفي سنة 1988.

تناقضا في موقف الدولة الجزائرية فيما يتعلق بموضوع التحكيم التجاري الدولي. رفض مبدئي له من جهة وممارسة له في الواقع من جهة أخرى. وقد كان لهذا الموقف مبرراته تمثلت خاصة في تشبث الجزائر أنذاك بالإختيار الإشتراكي وبما يسمى بالسيادة القضائية لبلد هو في طريق النمو مثل الجزائر في مواجهة شركات أجنبية تحرص فقط على تحقيق الربح. ولكن هذا الموقف المتردد من التحكيم التجاري، قد شهد تغيرا بالتدريج تحت ضغط عاملين، الأزمة الإقتصادية والعولمة. مما إنعكس إيجابا على علاقات الدولة الجزائرية بالمستثمرين الأجانب، فتحولت هذه العلاقات من علاقات سوء تفاهم وتخوف إلى علاقات ثقة متبادلة. وقد برزت هذه الثقة أكبر – كما نعلم – وترسخت مع إنضمام الجزائر سنة 1988 إلى إتفاقية نيويورك (25).
من جهة أخرى، سعت الحكومة الجزائرية إلى حماية الإستثمارات الأجنبية من خلال الإتفاقيات الثنائية التي أبرمتها مع حكومات أخرى. أما على مستوى العلاقات المتعددة الأطراف، فالنزعة إلى توحيد الحماية الممنوحة من قبل العديد من البلدان لفائدة المستثمرين الأجانب بغض النظر عن المزايا المعروضة عليهم لم تكن لتترك الجزائر مكتوفة الأيدي. وهكذا، ثلاث إتفاقيات دولية وإتفاقيات عربية وأخرى مغاربية بإعتبارها إتفاقيات إقليمية ستلعب دورا هاما في الحد من الأخطار التي يتصدى لها المستثمرون الأجانب وفي توفير قدر من الحماية القضائية لهم. ويتعلق الأمر بالإتفاقية الدولية لضمان الإستثمارات لسنة 1985 (26) والإتفاقية العربية المنشأة للوكالة العربية لضمان الإستثمارات لسنة 1971 (27). وكذلك على المستويين الدولي و العربي في خصوص

(25) راجع المرسوم رقم 88-233 المؤرخ في 05 نوفمبر سنة 1988 والمتضمن الإنضمام بتحفظ إلى الإتفاقية التي صادق عليها مؤتمر الأمم المتحدة في نيويورك بتاريخ 10 يونيو سنة 1958. ج ر عدد 48 المؤرخ في 23 نوفمبر 1988.
(26) راجع مرسوم رئاسي رقم 95-345 مؤرخ في 30 أكتوبر سنة 1995 المتضمن المصادقة على الإتفاقية المنشأة للوكالة الدولية لضمان الإستثمار وعلى ملحقيها والمحررة بسيول في 11 أكتوبر سنة 1985، ج ر عدد 66 سنة 1995، ص. 03-24.
(27) أنظر أمر رقم 72-16 مؤرخ في 07 يونيو سنة 1972 المتضمن المصادقة على الإتفاقية المتعلقة بإنشاء الوكالة العربية لضمان الإستثمار، ج ر عدد 53 سنة 1972، ص. 812.
حماية المستثمرين الأجانب قضائيا، فقد حرصت الدولة الجزائرية على المصادقة على إتفاقية واشنطن الدولية لسنة 1965 والتي أنشأت المركز الدولي لتسوية المنازعات في مجال الإستثمارات بين الدول المضيفة للإستثمار ورعايا الدول الأخرى (28) وعلى إتفاقية نيويورك الدولية لسنة 1985 التي سبق وأن أشرنا إليها، والمتعلقة بالإعتراف وتنفيذ القرارات التحكيمية الأجنبية (29). أما عربيا، لا بد وأن نشير إلى الإتفاقية العربية الموحدة لسنة 1980 والمتعلقة بنقل رؤوس الأموال العربية من وإلى البلدان العربية (30) وكذلك إلى الإتفاقية العربية للتعاون القضائي لسنة 1983 (31). أما مغاربيا، فقد إنضمت الجزائر إلى إتفاقيتين مغاربتين، الأولى وهي الإتفاقية المغاربية لتشجيع وضمان الإستثمار بين دول إتحاد المغرب العربي لسنة 1990 (32). أما الثانية فهي الإتفاقية المغاربية للتعاون القانوني والقضائي لدول الإتحاد المغرب العربي لسنة 1991 (33). وكل هذه الإتفاقيات التي أشرنا إليها قد خصصت بابا خاصا بتسوية النزاعات الناشئة عن الإستثمار إن لم نقل قد نظمت طرق تسويتها في أدق تفاصيلها. إلى جانب تنصيصها على الحلول الودية، سواء أكانت مفاوضات أو توفيق أو مفاوضات وتوفيق معا.
وهكذا وكما نرى، فإن مسألة تسوية النزاعات المرتبطة بالإستثمارات شكلت وما زالت تشكل أهمية قصوى بالنسبة لعلاقات الدولة الجزائرية بالمستثمرين الأجانب. وهذه
(28) راجع مرسوم رئاسي رقم 95-346 مؤرخ في 30 أكتوبر سنة 1995 المتضمن المصادقة علىإتفاقية تسوية المنازعات المتعلقة بالإستثمارات بين الدول ورعايا الدول الأخرى والموقعة في 18 مارس سنة 1965 بواشنطن، ج ر عدد 66 سنة 1995، ص. 24-36.
(29) راجع المرسوم رقم 88-233، المرجع السابق.
(30) أنظر مرسوم رئاسي رقم 95-306 المؤرخ في 07 أكتوبر سنة 1995 والمتضمن المصادقة على الإتفاقية الموحدة لإستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية الموقعة بتونس سنة 1982، ج ر عدد 59، سنة 1995، ص. 04-14.
(31) راجع مرسوم رئاسي رقم 01-47 المؤرخ في 11 فيفري 2001، ج ر عدد 11 الصادر في 12 فيفري سنة 2001.
(32) أنظر مرسوم رئاسي رقم 90-420 المؤرخ في 22 ديسمبر سنة 1990 المتضمن المصادقة على الإتفاقية لتشجيع وضمان الإستثمار بين دول إتحاد المغرب العربي الموقعة في الجزائر في 23 يوليو سنة 1990، ج ر عدد 69، ص. 203-207.
(33) راجع المرسوم الرئاسي رقم 81-94 لـ 27 جوان سنة 1994 المتضمن المصادقةعلى إتفاقية التعاون القانوني والقضائي بين دول إتحاد المغرب العربي والموقعة في رأس لعنوف (ليبيا). ج ر عدد 43 والمؤرخة في 3 جويلية سنة 1994، ص. 06-19.
الأهمية قد وجدت مبررا لها في الأسباب التي دفعتنا إلى إختيار هذا الموضوع.
أولا، هذا الإهتمام المتزايد والمتجدد لموضوع تسوية النزاعات الناشئة عن الإستثمار خاصة ما تعلق منها بالحماية الدولية للإستثمارات ضد أي إجراء قد تقدم عليه الدول المضيفة للإستثمار بصفة إنفرادية أو بسبب المستثمر، في ظل تنامي حاجة هذه الدول إلى رؤوس الأموال الأجنبية. وتعتبر المنازعات البترولية التي شهدتها السنوات الماضية خير مثال للنزاعات التي كانت التأميمات التي أقدمت عليها الدول الحديثة الإستقلال السبب الرئيسي في نشوبها إلى جانب الأسباب الأخرى كالحروب والإظطرابات السياسية. يكفي أن نذكر في هذا الإطار بالتوترات التي ميزت العلاقات الجزائرية الفرنسية على إثر تأميمات سنة 1971.
ثانيا، يتعلق الأمر بمنازعة لها خصوصياتها، سواء من حيث إنعكاساتها على إقتصاد بلد نامي مثل الجزائر أو من حيث نوعية الأطراف المتنازعة.
ثالثا، حالية L’actualité المشاكل المرتبطة بالإستثمارات التي ما إنفكت تعرف إتساعا بعد الإنهيار التدريجي للحدود الإقتصادية بين الدول تحت تأثير العولمة. مما منح الموضوعات المتعلقة بتسوية المنازعات بين الدولة والمستثمرين الأجانب بعد آخر.
رابعا، إن موضوع تسوية المنازعات المتعلقة بالإستثمار يبقى دائم الحالية demeure d’actualité بالنسبة للجزائر التي هي بصدد الإنتقال من الإقتصاد الموجه إلى إقتصاد السوق. ولكن الشيء الذي يجب التأكيد عليه هنا، هو أنه لا توجد دراسة معمقة بالنسبة للجزائر – على علمنا – تناولت فيه نظام المنازعات المتعلقة بالإستثمارات إلا بعض الكتابات أو الدروس هنا وهناك، والتي تناول فيها كاتبوها التحكيم التجاري الدولي بوجه عام أو تلك التي لها علاقة بالقانون البترولي لإعتبار وحيد وهو أن هذه الطريقة في التسوية كانت دائما ولا تزال مصاحبة لتاريخ البترول في الجزائر (34) ومزاوجة لعلاقات الجزائر البترولية بفرنسا تحديدا وبعلاقات الثأر والقوة بين الدول الغنية من جهة والدول السائرة في طريق النمو من جهة أخرى (35).
(34) Bouzana. B, Le *******ieux des hydrocarbures entre l’Algérie et les sociétés étrangères, OPU-Publisud, Alger, 1985.
(35) Bouhacène. M, Droit international de la coopération industrielle, OPU, 1982.
ولدراسة هذا الموضوع، فقد تمكنا من الإطلاع على بعض العقود الإستثمارية التي أبرمتها الشركات الوطنية مع المستثمرين الأجانب ولكن بصعوبة جدا، نظرا للسرية التي تحيط بهذه العقود. وربما كان لبعض المسؤولين على هذه الشركات حجتهم في ذلك، وهو إدراج الطرفين داخل هذه العقود لبند يتعلق بسرية المعلومات. وبالتالي، فإنه يمنع منعا باتا تسريب أو نشر أي من هذه المعلومات حتى تحت ذريعة إستعمالها لأهداف علمية.
ولكن ومهما يكن من أمر، فلا يجب أن ننسى أن اللجوء إلى التحكيم في العلاقات التعاقدية للجزائر مع المستثمرين الأجانب يدخل في السياق الحالي للتطور الذي تشهده العلاقات الإقتصادية الدولية والتي يميزها التدويل المتزايد للعلاقات التعاقدية والذي أصبح هو القاعدة. ودليلنا على ذلك، هو هذا الحكم الهائل من العقود الدولية التي أبرمتها الجزائر أين يقع الإختيار فيها على لائحة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية مثلما سنرى لاحقا (36).
ولكن بالرغم من هذا التوجه القديم الحديث نحو الأخذ بهذا التحكيم، فلا شك أن إخضاع بعض من المنازعات المتعلقة بالإستثمار في علاقة الدولة بالمستثمرين الأجانب إلى المحاكم الوطنية يبقى ممكنا. والبرهان على ذلك هو ما جاء في المادة 17 من أنه "يخضع كل خلاف بين المستثمر الأجنبي والدولة الجزائرية يكون بسبب المستثمر أو بسبب إجراء إتخذته الدولة الجزائرية ضده، للجهات القضائية المختصة، إلا في حالة وجود إتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف أبرمتها الدولة الجزائرية، تتعلق بالمصالحة والتحكيم، أو في حالة وجود إتفاق خاص ينص على بند تسوية أو بند يسمح للطرفين بالتوصل إلى إتفاق بناء على تحكيم خاص". وإن كان من الفقهاء من يرى أن قراءة متأنية للإصلاحات الإقتصادية والقانونية التي شرعت فيها السلطات العمومية منذ سنة 1988، سواء على مستوى الإصلاحـات ذاتها أو على مستوى إنعكاسها على المنازعات المتعلقة
(36) Issad. M, cite que « sur un échantillon de dix-sept contrats examinés, il y a dix fois une clause CCI et deux fois une clause d’arbitrage ad hoc quatre fois seulement compétence est donnée à des juridictions étatiques (trois fois aux juridictions algériennes et une fois à une juridiction étrangère), in L’arbitrage en Algérie, Rev.arb, 1977, p. 248.

بالإستثمارات تؤكد مما لا شك فيه أن عبارة "محاكم مختصة" التي جاءت بها المادة 41 من مرسوم 93-12 (37) لا يمكن أن تعني إلا الهيئات التحكيمية الدولية مثل هيئة التحكيم التابعة للمركز الدولي لتسوية المنازعات المتعلقة بالإستثمارات خاصة مثلما أوضح نفس الفقيه (وهو يشير دائما إلى المرسوم التشريعي القديم المتعلق بترقية الإستثمار) أن هذا المرسوم قد تمت المصادقة عليه ستة أشهر بعد دخول المرسوم التشريعي الذي أتم وعدل قانون الإجراءات المدنية حيز التنفيذ.
إنها ملاحظة أولية أردنا أن نسوقها في خصوص المادة 41 السالفة الذكر وإن كانت هذه المادة لا تبتعد في الواقع من حيث الصياغة عن المادة 17 من الأمر 01 / 02 الحالية إذ هي أيضا تتكلم "عن الجهات القضائية المختصة" دون تحديد نوع هذه الهيئات. إلا أنه لا أحد ينكر – مثلما سنرى فيما بعد – أن اللجوء إلى المحاكم الوطنية لم يكن غائبا على الإطلاق حتى وإن كانت التفسيرات المعطاة غالبا ما تصب في إتجاه القضاء التحكيمي.
من جهة أخرى، يجب أن نعلم أن الدولة الجزائرية قد أبرمت مع حكومات أجنبية أخرى العديد من الإتفاقيات الثنائية هدفها ترقية وتشجيع وحماية الإستثمارات في كلا البلدين وبإتجاه رعايا البلدين من المستثمرين الخواص(38) . كما أبرمت وبصفة مباشرة عقودا إستثمارية مع شركات أجنبية مستثمرة(39) . وقد برهنت الجزائر بعد تردد أنها تريد أن تستعمل الميكانزمات الدولية في حل نزاعاتها مع المستثمرين الأجانب. وهذا التوجه قد فرض نفسه في الحقيقة على الدولة الجزائرية بفعل عاملين – كما قلنا – عامل الأزمة الإقتصادية و عامل العولمة. و هو ما دفع بالجزائر أيضا إلى الإنضمام إلى العديد من
(37) لقد جاء في نص المادة 41 حرفيا ما يلي: "يعرض أي نزاع يطرأ بين المستثمر الأجنبي والدولة الجزائرية، إما بفعل المستثمر وإما نتيجة إجراء إتخذته الدولة الجزائرية ضده، على المحاكم المختصة …"
(38) نذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر، الإتفاقية الجزائرية البلجيكية اللكسومبرغية الموقعة سنة 1991 والجزائرية الفرنسية سنة 1994 والتي سنتعرض إليها بالتفصيل في الصفحات اللاحقة من رسالتنا.
(39) نشير هنا مثلا إلى العقد التأسيسي للشركة المختلطة والتي جمعت شركتي سوناطراك ونافتال مع الشركة الأنقليزية "Browen Rouk Condor " وعقد البحث والإستغلال البترولي التي أبرمته شركة سوناطراك مع الشركة الإيطالية "AGIP". سنتعرض إلى هذين النموذجين لدى تناولنا للعقود الإستثمارية التي أبرمتها شركة سوناطراك وغيرها من الشركات الوطنية الأخرى مع شركاء أجانب.
الإتفاقيات المتعددة الأطراف الدولية منها والجهوية (40). بالنسبة للإتفاقيات الثنائية، لم تركز هذه الأخيرة على طريقة واحدة لحل النزاعات الناشئة عن الإستثمار بين الدولة والمستثمرين الأجانب. إلا أنه مع تكريسها لحلول متعددة تتراوح بين الحلول الودية والقضائية، فإن هذه الخيارات تثير بالرغم من ذلك كله، مشاكل تتعلق بالغموض الذي يحيط بالحل الودي وبالمفاضلة بين طريقة قضائية وأخرى في إطار ما يسمى بالتسوية القضائية. وبعبارة أخرى، بين القضاء الرسمي للدولة والتحكيم التجاري الدولي بإعتباره قضاء خاصا. ولكن أي من الخيارين ستأخذه الدولة من أجل جذب المستثمر، الطرق الدولية أم اللجوء وبصفة آلية إلى إختصاص المحاكم الوطنية؟ أم أن إختيار إحداها عوضا عن الأخرى يخضع إلى إرادة الطرفين أولا وأخيرا تجسيدا لمبدأ سلطان الإرادة في إختيار هذه الطريقة أو تلك؟ أم أن الكلمة الأخيرة تعود في هذا الإختيار إلى المستثمر الأجنبي؟ خاصة ونحن نعلم أن الدول المصدرة لرؤوس الأموال تبحث قبل كل شيء على حماية رعاياها من الأخطار التي يمكن أن تمس الإستثمارات التي يقدم هؤلاء على إنجازها في إقليم الدولة المضيفة. ولن تكون هذه الحماية إلا عن طريق إلتزام الدولة المضيفة بإخضاع النزاعات التي من الممكن أن تنشأ بينها وبين رعايا دولة متعاقدة أخرى إلى التحكيم. وهو الإختيار الذي وقع عليه في أغلب العقود الإستثمارية التي أبرمتها الشركات الوطنية مع شركائها الأجانب.
ثم لأن الدولة المضيفة ليست إلا متخيل fiction، فإن مشكلا يطرح على مستوى تحديد هذا الشخص الذي سيختار بين القضاء الرسمي للدولة أو التحكيم بنوعيه المؤسساتي والحر، خاصة عندما يكون الطرف في النزاع ليس هو الدولة ذاتها وإنما جهاز آخر تابع لها ويعمل لحسابها. وهو ما يطرح إشكالية مدى تبعية هذا الجهاز للدولة والمعايير المتبعة والتي بتوافرها يمكن إعتبار الجهاز المتعاقد هو جهاز تابع للدولة ومنبثق عنها. إلى جانب مصطلح "مستثمر أجنبي" الذي هو الآخر لا يخلو من مشاكل، سواء على مستوى تعريفه
(40) دوليا، نذكر خصوصا بإتفاقية واشنطن لسنة 1965. أما عربيا ومغاربيا، فنشير إلى الإتفاقية العربية لنقل رؤوس الأموال من وإلى البلدان العربية لسنة 1980 وكذلك بالإتفاقية المغاربية للتشجيع وضمان الإستثمارين دول إتحاد المغرب العربي والموقعة سنة 1990. وهاتان الإتفاقيتان سنأتي على ذكرهما بالتحليل إلى جانب إتفاقات أخرى عندما نتعرض إلى طرق تسوية النزاعات الناشئة عن الإستثمار في إطار الإتفاقيات المتعددة الأطراف التي صادقت عليها الجزائر.
أو على مستوى العلاقة بينه وبين الدولة المضيفة أو بينه وبين دولته الأصلية أو دولة أجنبية أخرى.
ثم إلى جانب التحكيم كأحد الخيارات المفتوحة في إطار الإتفاقيات الثنائية أو كأحد الخيارات التي إعتمده الطرفان، الدولة والمستثمر الأجنبي. فإن طريقا آخر قد فرض نفسه بقوة في بعض العقود الإستثمارية التي أبرمتها الدولة مع المستثمرين الأجانب وهو اللجوء إلى المحاكم الداخلية لدولة مضيفة مثل الجزائر، لإرتباط هذا الإختصاص بنوع معين من النزاعات. وهو ما يطرح سؤالا حول نوع هذه النزاعات ونطاقها والطرف الوطني بإعتباره طرفا في هذا النوع من النزاعات.
وخارج الطرق القضائية، لم تسقط الإتفاقيات الثنائية من إهتماماتها الحلول الودية كالمفاوضات أو التوفيق. إلا أنها بالمقابل لم تحدد أي طريق ودي من الممكن أن يأخذ به الطرفان حتى يفسح المجال لهما، فيختاران من الطرق الودية ما قد يريانه مناسبا وإن كان الأكثر إستعمالا في العلاقة بين الدولة المضيفة والمستثمر الأجنبي هو التوفيق. ولكن، حتى هذه الطريقة فهي تثير إشكاليات عديدة تتعلق بطبيعة الإلتزام بالتوفيق الذي يقع على عاتق من يلتزم بالتوفيق وإجراءات التوفيق وخاصة المدة التي سيعمد خلالها الموفق على إيجاد حل ودي يرتضيه الطرفان، الدولة من جهة والمستثمر الأجنبي من جهة أخرى.
وعلى صعيد آخر، ومن أجل طمأنة الرأسمال الأجنبي إنضمت الجزائر بعد عزوف دام طويلا إلى العديد من الإتفاقيات المتعددة الأطراف، سواء أكانت دولية أم جهوية. وقد نصت هذه الإتفاقيات في إطار النزاعات التي يمكن أن تنشب بين الدولة المضيفة للإستثمار ومستثمر تابع لدولة متعاقدة أخرى على طريقتين من الطرق الودية المعروفة وهي المفاوضات والتوفيق باعتبارهما مرحلة قبلية قبل اللجوء إلى التحكيم. وحتى على مستوى هذه الإتفاقيات فإن المشاكل التي تتعلق بالمفاوضات مثلا تثير إشكالية نطاق هذه المفاوضات من حيث الإلتزام بالمفاوضات وكذلك النزاعات التي تشملها هذه المفاوضات. ثم يأتي التوفيق ليجسد هو الآخر المسار الثاني في هذه الإتفاقيات والذي يطرح إشكالية الإتفاق على التوفيق بإعتباره مرحلة إختيارية في الغالب وتتطلب رضاء متبادلا للطرفين. إلا أنه لا يمكن الحديث عن التوفيق بدون التعرض إلى السلطات الممنوحة للموفق قصد إيجاد حل مقبول من قبل الطرفين. وما تطرحه من إشكاليات تتعلق بإختصاص الموفق وبالنتائج القانونية التي تترتب عن هذا الإختصاص. إلا أن ما يميز التوفيق هو محاولة الموفق تقريب وجهات النظر بين الطرفين ومحاولة دفعهما إلى حل وسط. وهذا العمل بطبيعة الحال، يطرح مشاكل ترتبط بالمدة وبطبيعة مهمة الموفق التي تعتمد على عرض إقتراحات للحل تقوم على العدل والإنصاف وليس على القانون. ولا شك أن مسعاه هذا سيكون مشفوعا بتقرير وما يرافق هذا التقرير من إشكاليات تتعلق بمحتوى التقرير وبالصفة الإلزامية له إزاء الطرفين المتنازعين.
ثم تأتي مرحلة بعدية هي مرحلة التحكيم وما تثير هذه الطريقة من إشكاليات تتعلق بالرضاء بالتحكيم وبالشكل الذي يأخذه هذا الرضاء.
وكما لا يخفى على أحد ونحن بصدد التعرض إلى موضوع يتعلق بالتحكيم في مجال خاص ألا وهو مجال الإستثمار (41)، فإن مصطلح إستثمار ليس من السهل تحديده وكذلك الأشكال التي يأخذها مثل هذا الإستثمار، فعلاقته بالنزاع الذي يجب أن يكون قانونيا. وبما أن الرضاء بالتحكيم يجد مصدره في إتفاقية واشنطن، فإن المشاكل تتعلق خاصة بشروط تطبيق هذه الإتفاقية. ومن بين هذه الشروط إلى جانب الرضاء بالتحكيم صفة أحد الطرفين الذي يقبل بإختصاص المركز الدولي لتسوية النزاعات الناشئة عن الإستثمار. لأن إتفاقية واشنطن لسنة 1965 تشترط أن يكون المستثمر رعية تابعة لدولة أخرى متعاقدة. وقد أثار هذا الشرط ومازال يثير مشكلة تحديد جنسية المستثمر من حيث كونه شخصا إعتباريا، خاصة وأنها تطرح وبالتبعية مشكلة في غاية من الأهمية ألا وهي مشكلة الرقابة الممارسة على الشركة الأجنبية.
وسنحاول التعرض إلى كل هذه الجوانب في إطار جهوي أيضا، وتحديدا على مستوى العالم العربي والمنطقة المغاربية من خلال الإتفاقيات العربية و المغاربية المنظمة
(41) راجع على سبيل المثال، أحمد الورفلي، "خصوصيات التحكيم في ميدان الإستثمار"، المجلة التونسية لتحكيم، عدد خاص، أعمال ملتقى التحكيم والإستثمار، تونس 28-29 أفريل 2000، العدد 1 السنة 2001 ص. 57-94.

للتحكيم مثلما سنرى لاحقا.
من جهة أخرى، يجب أن نعلم، أن تنظيم التحكيم من حيث تشكيل المحكمة التحكيمية والإجراءات المتبعة أمامها تطرح أكثر من سؤال حول من يتولى تشكيل المحكمة وكيف؟ وما هو القانون الواجب التطبيق على الإجراءات ومن يحدد هذه الإجراءات وكيف؟ وماذا عن الحالات التي يغيب فيها مثل هذا الإختيار، إلى جانب النقطة المتعلقة بالقانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع والمشاكل اللصيقة بهذا الجانب والتي تدور بالأساس حول من يحدد هذا القانون؟ وبعبارة أخرى، هل الطرفان الدولة والمستثمر الأجنبي هما اللذان يختاران هذا القانون أم المحكم؟ ثم بالرجوع إلى أي قانون، القانون الوطني لأحد الطرفين أم إلى قانون آخر محايد أو العودة إلى قواعد أخرى تستمد قوتها من الأعراف التجارية؟
يجب أن نعلم أيضا أن الإتفاقيات المتعددة الأطراف، الدولية منها والعربية، لا تمنح فقط طرفي النزاع إمكانية اللجوء إلى التحكيم بل وتمنحهما أيضا فرصة اللجوء، سواء إلى القضاء المحلي – مثلما سنرى لاحقا – في ضوء إتفاقية واشنطن الدولية أو إلى القضاء الجهوي طبقا للإتفاقيتين، العربية لسنة 1980 والمغاربية لسنة 1990 والتي تمخضت عنهما كل من الهيئتين القضائيتين، المحكمة العربية للإستثمار والهيئة القضائية المغاربية. وهو ما يطرح إشكالية إختصاص كل منهما مقارنة بإختصاص المركز الدولي لتسوية النزاعات الناشئة عن الإستثمار طبقا لإتفاقية واشنطن. إلا أن المحكمة التحكيمية التي يعهد إليها الفصل في النزاع يجب أن تصدر قرارا تحكيميا في الموضوع ولكن بما أن الأمر يتعلق بقرار أجنبي صادر خارج إقليم الدولة التي يراد التنفيذ فيها فإنه يطرح موضوع الشروط المتعلقة بالإعتراف وتنفيذ القرارات التحكيمية، الشكلية منها والموضوعية. في جانبها الشكلي، يثير موضوع الإعتراف وتنفيذ القرارات التحكيمية إشكالية الإجراءات المتبعة في الدولة المطلوب فيها التنفيذ والترابط بين هذه الإجراءات وتلك الموجودة في الدولة الأصل. وإن كان للإعتراف بأي قرار تحكيمي لا بد أن يكون هذا القرار قد حاز على حجية الشيء المقضي فيه في الدولة الأصل أولا، حتى يصبح قابلا للتنفيذ في دولة التنفيذ. وهو ما إستدعى النظر في إلزامية القرار التحكيمي في الإتفاقيات المتعددة الأطراف التي سنتعرض إليها، الدولية منها والعربية وموقف الإجتهاد القضائي منها.
أما عن الشروط الموضوعية للإعتراف والتنفيذ، فهي تثير إشكاليتين، الحالة التي يرفض فيها الإعتراف وتنفيذ القرار التحكيمي بناء على طلب أحد الطرفين. أما الحالة الأخرى وهي عندما ترفض المحكمة المختصة من تلقاء نفسها لعلة كون النزاع هو غير قابل للتحكيم أو أن القرار الصادر عن المحكمة التحكيمية يتعارض مع النظام العام. علما أن مصطلح نظام عام كان ولا يزال موضوع نقاش على مستوى الفقه والإجتهاد القضائي، لا من حيث المصطلح في حد ذاته وإنما أيضا من حيث وظيفته على مستوى هذه الإتفاقيات.
ونحن نعالج كل هذه الإشكاليات التي تثيرها الإتفاقيات المتعددة الأطراف، كان لا بد من أن نلقي الضوء على جانب آخر وبالتوازي معها، وهو مدى تأثر قانون التحكيم الدولي في الجزائر بالحلول التي جاءت بها هذه الإتفاقيات، سواء على مستوى تنظيم التحكيم أو الإعتراف وتنفيذ القرارات التحكيمية.
ثم ولدراسة كل هذه النقاط المتعلقة بطرق تسوية النزاعات الناشئة عن الإستثمار، سواء على مستوى الإتفاقيات الثنائية أو المتعددة الأطراف، فقد إعتمدنا في ذلك على المنهج التحليلي. وحاولنا أن نقارن بين الإتفاقيات الثنائية السابقة واللاحقة. كما حاولنا أن نجري مقارنة بين ما هو منظم في إطار الحل التحكيمي على مستوى الإتفاقيات المتعددة الأطراف وما جاء به المرسوم التشريعي 93-09 من أحكام تنظم التحكيم في جميع مراحله.
من جهة أخرى، حرصنا قدر الإمكان على إدماج بعض القرارات التحكيمية الدولية التي رجعنا إليها ونحن بصدد تحليل الإتفاقيات المتعددة الأطراف في غياب أية قرارات تحكيمية أخرى تخص الدولة الجزائرية تحديدا والتي لم نستطع الحصول عليها لسبب بسيط هو عدم نشر واو جزء من هذه القرارات في المجلات المتخصصة. نذكر من بينها على سبيل المثال، مجلة القانون الدولي الفرنسي JDI.
وبناء على ما تقدم ذكره، فإن بحثنا سيرتكز على محورين أساسيين موزعين إلى جزئين:
الجزء الأول: طرق تسوية النزاعات المتعلقة بالإستثمارات الأجنبية في الإتفاقيات الثنائية للجزائر.
الجزء الثاني: طرق تسوية النزاعات المتعلقة بالإستثمارات الأجنبية في الإتفاقيات المتعددة الأطراف التي صادقت عليها الجزائر.


خاتــمــة عـامـــة

ما يمكن أن نستنتجه من كل ما سبق تحليله هو النزعة الليبيرالية لقانون الإستثمار وتكريسه للطرق الأكثر إستعمالا على مستوى القانون الإتفاقي ألا وهي الطرق القضائية وعلى رأسها التحكيم التجاري الدولي إلى جانب أخذه بالتسوية الودية. وفي الواقع، فإن السؤال الذي كنا قد طرحناه في بداية بحثنا إذا كان يجب الأخذ بالطرق الدولية وفقا لقانون تطوير الإستثمار أم اللجوء إلى المحاكم الوطنية، خاصة وأن عبارة "جهات قضائية مختصة" مثلما عرضنا في المقدمة تبدو غامضة. وللإجابة عن هذا السؤال كان لا بد من الإنطلاق من الإتفاقيات الثنائية التي أبرمتها الحكومة الجزائرية مع حكومات أخرى. فبعد فحصنا للخيارات المفتوحة التي منحتها هذه الإتفاقيات لفائدة المستثمر بين هذه الطريقة القضائية أو تلك. وبمعنى آخر، بين القضاء الرسمي للدولة والتحكيم تبين لنا بالمحصلة النزعة الليبيرالية لهذه الإتفاقيات التي لم تقتصر فقط على عرض أكثر من حل بل وأكدت من خلال الخيارات المقترحة على تمسكها بمبدأ سلطان الإرادة في اللجوء إلى هذه الطريقة أو تلك. وإن كان هذا المبدأ يبقى – في نظرنا – منقوصا إذ إقتصر على منح حرية الإختيار في النهاية إلى المستثمر الأجنبي على حساب الطرف الآخر في النزاع ألا وهو الدولة. إلا أنه مع منح هذا الإختيار للمستثمر بين هيئة وأخرى، فإن وجود سلم ترتيبي بين الهيئة القضائية للدولة المضيفة والتحكيم كان أيضا يصب في صالح المستثمر بالرغم من العناصر العديدة التي هي في صالح إختصاص المحاكم الوطنية والتي يؤهلها في أن توضع في المرتبة الأولى من السلم.
إلا أنه بالرغم من هذين المثلين، فالفكرة التي يجب أن نؤكد عليها – ونحن نختم هذه الرسالة – هو إنفتاح هذه الإتفاقيات على أكثر من طريقة للحل، القضاء الرسمي للدولة أو التحكيم بنوعه الحر والمؤسساتي. وإن تأكد لنا فيما بعد لدى تعرضنا إلى العديد من العقود الإستثمارية التي أبرمتها المؤسسات العمومية الوطنية مع المستثمرين الأجانب إتجاه هذه العقود إلى تكريس التحكيم المؤسساتي لغرفة التجارة الدولية لأسباب تتعلق – مثلما أشرنا إليه سلفا – بما تتمتع به هذه المؤسسة الدولية من خبرة وسمعة فائقتين، وإن كان إختيار مثل هذا التحكيم يمثل في النهاية بالنسبة للمستثمر الأجنبي الإختيار الأفضل عوضا عن المحاكم الوطنية التي لا يثق فيها بل ويعتبرها محاكم منحازة. أما على مستوى الإتفاقيات المتعددة الأطراف، فتجدر الإشارة إلى أنه إلى جانب تنصيصها على الطرق الودية مثل التوفيق والمفاوضات أو المفاوضات والتوفيق معا. فقد نصت أيضا على التحكيم كطريقة قضائية من أجل تسوية النزاعات التي من الممكن أن تنشب بين الدولة والمستثمر الأجنبي بدون أن تهمل إمكانية اللجوء إلى طرق الطعن الداخلية للدولة المضيفة. وقد رأينا معا أن هذه الإتفاقيات يمكن أن تكون دولية مثل التحكيم التابع للمركز الدولي لتسوية المنازعات الناشئة عن الإستثمار أو جهوية أو شبه جهوية مثل المحكمة العربية للإستثمار أو المحكمة المغاربية. بالنسبة لإتفاقية واشنطن، فقد ركزت هذه الأخيرة على التحكيم كخيار يأتي في المقام الأول والإستثناء هو اللجوء إلى المحاكم الوطنية. ولكن ما يمكن أن ننتهي إليه في المحصلة في هذا الجانب بالذات، هو قيام هذه الإتفاقيات على مبدأ الرضاء في خصوص اللجوء إلى التحكيم، مع وجوب أن يكون هذا الرضاء نهائيا وقطعيا. وهي بذلك تراهن على تفادي تعقيدات تفسير النية المشتركة للطرفين في حالة وجود إلتباس أو غموض يحوم حول مسألة الرضاء. أما على مستوى القانون الواجب التطبيق فقد لاحظنا تدويلا لهذا القانون. ومن ثمة للعلاقات الإقتصادية بين الدولة والمستثمرين الأجانب على مستوى هذه الإتفاقيات من خلال إعمال المحكمين للقواعد المشتركة للتجار Lex mercatoria في نزاع تكون الدولة هي طرف فيه. فبالنسبة لهذه النقطة بالذات فنحن مع رأي الفقيه J.P Jacques الذي جاء في إحدى مقالاته "أن القواعد المشتركة للتجار لا يمكن أن تفرض نفسها في مجال عقود الدولة. وأن الفضاء الذي تتشكل منه الدول والمؤسسات الكبرى الأجنبية هو فضاء غير متجانس وتنازعي hétérogène et conflictuel لأن "الأهداف – كما أضاف – والمصالح ليست في نفس المستوى وحتى وإن وجد توافق بينها، فهو توافق مؤقت" (1127). وتأكيدا لهذه الفكرة الواقعية، فإننا نرى أنه يوجد تعارض بين أهداف الدولة التي تسعى إلى تلبية حاجات وغايات إقتصادية محددة بإعتبارها دولة نامية ومصالح وأهداف المستثمرين الأجانب الذين يسعون إلى تحقيقها.

(1127) Jacques. JP, Eléments pour une théorie de l’acte juridique en droit international public, L.G.D.J, Paris, 1965¸p. 201.
أما على مستوى الإتفاقيات المتعددة الأطراف العربية، فهي لم تبتعد كثيرا عن إتفاقية واشنطن الدولية. فقد أخذت هي أيضا بالحلول الودية. والدليل على ذلك، هو ما سبق أن ذكرناه في خصوص المادة 2 من الإتفاقية العربية لسنة 1974 فيما يتعلق بالهدف المعلن من قبل هذه الإتفاقية وهو "حل أي نزاع … بغرض خلق مناح مساعد على تشجيع تدفق الإستثمارات العربية في البلدان العربية". وما لاحظناه أيضا لدى تعرضنا للمادتين 34 و35 من الإتفاقية العربية لسنة 1971 وللمادة 1 فقرة 1 من الإتفاقية العربية الموحدة لسنة 1980. إذن، هي نظرة في إتجاه التكامل الإقتصادي الذي تسعى إلى تحقيقه هذه الإتفاقيات. أما عن الحلول الودية التي نصت عليها فهي إما المفاوضات أما المفاوضات والتوفيق معا. وهذان الإجراءان يعتبران كمرحلة مسبقة عن التحكيم وهي تبقى مبنية على إرادة الطرفين. مما يؤكد لنا في النهاية، أنه حتى الإتفاقيات العربية هي أيضا قد أخذت بمبدأ سلطان الإرادة في تبني هذا الحل الودي أو ذاك بما فيها اللجوء إلى الطريقة القضائية. أما عن هذه الأخيرة بالذات، فقد قضت الإتفاقيات العربية بأن يكون التحكيم هو الحل بل الحل الغالب والذي من غير المستبعد أن يلتقي حوله الطرفان، الدولة والمستثمر العربي رعية الدولة العربية الأخرى. بدون أن تلغي هذه الإتفاقيات إمكانية لجوئهما إلى المحاكم الوطنية للدولة العربية المضيفة.
وقد عثرنا على هذه الإمكانية في الإتفاقية العربية لسنة 1974 وإن كان – كما لاحظنا – لم تقرن هذه الإتفاقية القبول بالتحكيم بشرط الإستنفاذ المسبق للطعون الداخلية. ولكن الأهم في نظرنا هو الإنشاء ولأول مرة من قبل الإتفاقية العربية لسنة 1980 لمحكمة عربية تختص بالنظر في النزاعات الناشئة عن الإستثمار وإن كانت هذه المحكمة ستكون منافسة لهيئات التحكيم الدولية المعروفة مثل هيئة التحكيم التابعة للمركز الدولي لتسوية المنازعات التي قد تنشأ بين الدول المضيفة للإستثمار ورعايا الدول الأخرى، أو المحكمة التحكيمية التابعة للغرفة الدولية للتجارة.
أما عن مدى تأثر التحكيم الدولي في الجزائر بما قدمته الإتفاقيات المتعددة الأطراف من حلول وخاصة منها الدولية، فلا شك أن المشرع الذي ظل لفترة طويلة رافضا من حيث المبدأ للتحكيم التجاري الدولي فقد كرسه اليوم بعد أن أجرى تعديلا على قانون الإجراءات المدنية من خلال المرسوم التشريعي 93/09 الذي – كما نعلم – قد أفرد بابا خاصا بالتحكيم التجاري الدولي. أما عن أحكام هذا المرسوم، فقد جاءت مطابقة للمبادئ المكرسة على المستوى الدولي إلى جانب تبنيها للقواعد الأكثر ليبيرالية والمعتمدة من قبل القوانين الوطنية الأخرى مثل القانونين السويسري والفرنسي. إلا أنه في خصوص التجربة الجزائرية مع المستثمرين الأجانب، نرى أنه حاليا لا يمكن تقييمها بصفة موضوعية إلا بعد مرور الوقت. يبقى أنه ما يمكن قوله في هذا الصدد، هو أنه بالرغم من الجهود التي تبذلها الجزائر من أجل تحرير الإستثمار وإعتماد الطرق الدولية لتسوية نزاعاتها مع المستثمرين الأجانب، سواء على مستوى الإتفاقيات الثنائية التي أبرمتها الحكومة الجزائرية مع حكومات أخرى، أو على مستوى الإتفاقيات المتعددة الأطراف التي صادقت عليها، إلا أن جهدا آخر لا بد أن يبذل في إتجاه محيط الإستثمار، كرفع جميع الحواجز والقيود التي تحد من تدفق الإستثمار مثل مشكل العقار والعراقيل المرتبطة بالإتصالات السلكية واللاسلكية والتي نقرأ عنها في الجزائر ونسمع عنها الكثير إلى جانب وضع حد للسوق الموازية التي سترهن مستقبل الإستثمار في الجزائر إلى فترة زمنية طويلة إذا لم تسارع السلطات العمومية إلى القضاء عليها أو على الأقل الحد منها.
إما إذا إتجهنا إلى المستقبل بنظرة تفاؤلية فيجب الإعتراف بأنه حتى وإن كان المركز الدولي "سيردي" في نظر بعض الفقهاء (1128) فهو يتمتع بقدر محدود من النجاح بالنظر إلى الغرفة الدولية للتجارة، فإنه بعد إنفتاح العديد من الدول على التحكيم في مجال الإستثمار من بينها الجزائر ونظرا للتسهيلات التي يقدمها هذا المركز، فمن غير المستبعد – حسب تقديرنا – أن يشهد التحكيم طبقا للائحته تطور نوعيا. وربما يصبح النموذج الذي يحتذى به لتطوير القانون الدولي للإستثمار. خاصة وأن لائحة تحكيم المركز التي جاءت بها إتفاقية واشنطن تبدو متوازنة. لكونها مع تأكيدها على أن التحكيم هو الأصل في تسوية النزاعات الناشئة عن الإستثمار، فقد أجازت للدولة المضيفة التمسك وبصفة قبلية بالطرق الطعن الداخلية التابعة لها. فضلا عن أن نشاط المركز من حيث التنظيم الذي
(1128) Ouakrat. P, « La pratique du CIRDI », in DPCI 1987 n° 2, p. 273.
يقوم عليه من شأنه أن يساعد على تدفق رؤوس الأموال من الدول الغنية في إتجاه الدول النامية التي تحتاج إلى إستثمارات ضخمة من أجل النهوض بإقتصادياتها.
كما أنه وبعد تحليلنا للائحة المركز أمكن أن نلاحظ تيسير الإعتراف وتنفيذ القرارات التحكيمية في مرحلة ما بعد التصريح بالقرار التحكيمي، عندما قضت بأنه يكفي للإعتراف بالقرار وتنفيذه حصول أي طرف في النزاع على نسخة مصدق عليها من السكرتير العام للمركز وتقديمها إلى المحكمة المختصة حتى يؤذن بتنفيذه حسبما تقتضيه القوانين الخاصة بذلك في الدولة المتعاقدة التي يتم التنفيذ على إقليمها.
أما على مستوى العالم العربي، فنرى أن البلدان العربية بفضل الإتفاقيات الموجودة، سواء على مستوى ضمان الإستثمار، مثل الإتفاقية العربية لسنة 1971 المنشأة للوكالة العربية لضمان الإستثمار أو على مستوى حماية هذا الإستثمار، بفضل الإتفاقية العربية الموحدة لسنة 1980، قد أصبحت هذه البلدان تملك أدوات قانونية تؤهلها لخلق مناخ من الثقة المتبادلة بين الدولة العربية المضيفة للإستثمار والمستثمر العربي رعية الدولة العربية الأخرى، خاصة بعد إستحداث محكمة الإستثمار العربية. إلا أنه ما زالت هنالك عواتق وكم هي عديدة تقف في وجه تطوير الإستثمار في المنطقة العربية، من بينها حرب الخليج الأولى والثانية التي خلفت تصدعا في العلاقات العربية. مما أثر سلبا على تدفق الإستثمارات من وإلى البلدان العربية. ولهذا الغرض، فإننا نرى أنه لا يمكن الخروج من هذه الحالة العربية المتردية إلا بإعادة الثقة بين الدول العربية حتى لا تنعكس أزمة الثقة هذه على نقل رؤوس الأموال فيما بينها. ولكن لا يمكن إعادة الثقة هذه – حسب رأينا – إلا بالرجوع إلى الإتفاقيات العربية المتعددة الأطراف. سواء من أجل حل المشاكل السياسية أو عندما يكون هنالك نزاع بين هذه الدولة العربية المضيفة للإستثمار والمستثمر العربي الرعية التابعة للدولة العربية الأخرى. وإن كنا نعتقد أيضا أن الدور الأول لأي إتفاقية متعددة الأطراف هو قبل كل شيء درء العلاقة التعاقدية بين الدولة العربية المضيفة للإستثمار والمستثمر العربي من النزاعات المحتملة وليس فقط حلها عندما تنشب. إننا لم نشهد إلى حد الآن نزاعات مرفوعة أمام المحكمة العربية للإستثمار. وربما يعزى هذا العزوف إلى العقلية العربية وإلى التقاليد التي تدفع أكثر في إتجاه الحلول الودية على حساب الحلول القضائية. كما وقد نجد تفسيرا لهذه الحالة أيضا في عدم ثقة المستثمرين العرب أنفسهم في الإطار القانوني الذي توفره لهم الإتفاقيات العربية بالرغم من الخطاب الوحدوي الذي أسس لهذه الإتفاقيات. لأنه ببساطة لا توجد إلى حد الآن سياسة عربية واضحة للإستثمار إلا أنه بالرغم من ذلك كله وحتى نكون متفائلين يكفي أنه توجد إتفاقيات عربية متعددة الأطراف كتعبير عن إطار قانوني لتكامل إقتصادي عربي نأمل أن يتحقق يوما ما، أين ترفع فيه عن المستثمر العربي كل القيود والحواجز بمختلف أنواعها، بما فيها الحاجز السياسي والنفسي. ولما لا وضع مدونة سلوك في المستقبل تحكم كلا من الدولة العربية والمستثمر العربي في مجال خاص ألا وهو مجال الإستثمار.
وعموما، يظل التحكيم – كما رأينا – الأفضل في نظر المستثمر إن كان أجنبيا أم عربيا، لكونه يمثل عدالة خاصة ذات صبغة دولية ولا ينتمي إلى أية دولة، مقارنة بعدالة الدولة التي لها منطقها الخاص القائم على مبدأ حماية المصالح الوطنية العليا والدفاع عن النظام العام الوطني بجميع مكوناته. وإن كانت المعضلة تبقى اليوم وستظل في كيف يمكن تحقيق التوازن بين مصلحة الدولة في أن ترى محاكمها هي المختصة وبين رغبة المستثمر الأجنبي في إستعمال التحكيم في جميع الحالات لخشيته الدائمة والمبررة أحيانا، من عدم حياد المحاكم الوطنية. إلا أن ما يشهده العالم في الوقت الراهن من تغير في وضع الدولة ومركزها نحو الإقتراب من أوضاع الخواص banalisation du statut de l’Etat، يجيز لنا أن نقول أن التحكيم في مجال خاص ألا وهو مجال الإستثمار أصبح لا مفر منه، في ظل التنافس الحاد فيما بين الدول النامية من أجل جلب الإستثمارات الأجنبية إليها. زائد تأثير العولمة وثقل المديونية اللذان يفرضان على هذه البلدان مثل هذا الإختيار.
واليوم، جاءت الإتفاقيات الثنائية وكذلك الإتفاقيات المتعددة الأطراف التي صادقت عليها الجزائر، لتعطي الشركات الوطنية إطارا مرنا لتعاملاتها الإقتصادية مع الشركات الأجنبية، بدلا من الأوضاع التي إستقرت عليها في الماضي لما كان محظورا عليها
اللجوء إلى الآليات الدولية لحل نزاعاتها مع المستثمرين الأجانب خاصة بعد أن شهدت الأوضاع الإقتصادية والأمنية تحسنا (1129).
وهذا التوجه الجديد سيساعد بدون شك على سهولة تدفق رؤوس الأموال الدولية إلى الجزائر، خاصة بعد إستجابة الدولة المتطلبات الإستثمار الأجنبي (من حوافز جبائية وضمانات قانونية وقضائية) ووجود تطابق بين المبادئ التي تبناها المشرع الجزائري على مستوى تنظيمه للتحكيم والمبادئ المكرسة دوليا.










رد مع اقتباس