قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
(لأَنَّهُ سُبْحَانَهُ: لاَ سَمِيَّ لَهُ، وَلاَ كُفْءَ لَهُ، وَلاَ نِدَّ لهُ
/ش/ قوله:((لأنه سبحانه لا سمي لـه… إلخ))؛ تعليل لقوله فيما تقدم إخبارًا عن أهل السنة والجماعة: ((لا يكيِّفون ولا يمثِّلون)).
ومعنى : (( لا سميَّ لـه )) أي : لا نظير لـه يستحقُّ مثل اسمه ، أو لا مسامِيَ له يساميه، وقد دلَّ على نفيه قوله تعالى في سورة مريم:
)ِهَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا(([1]).
فإن الاستفهام هنا إنكاريٌّ، معناه النفي.
وليس المراد من نفي السميِّ أن غيره لا يسمَّى بمثل أسمائه، فإن هناك أسماء مشتركة بينه وبين خلقه، ولكنَّ المقصود أن هذه الأسماء إذا سمِّي الله بها؛ كان معناها مختصًّا به لا يَشْرَكُهُ فيه غيره، فإن الاشتراك إنما هو في مفهوم الاسم الكلِّي، وهذا لا وجود لـه إلاَّ في الذهن، وأما في الخارج؛ فلا يكون المعنى إلا جزئيًّا مختصًّا، وذلك بحسب ما يضاف إليه، فإن أضيف إلى الرَّبِّ؛ كان مختصًّا به، لا يشاركه فيه العبد، وإن أضيف إلى العبد كان مختصًّا به لا يشاركه فيه الرب.
وأما الكفء؛ فهو المكافئ المساوي، وقد دلَّ على نفيه قوله تعالى:
)وَلَمْيَكُنلَّهُكُفُوًاأَحَدٌ (([2]).
وأما النِّدُّ؛ فمعناه المساوي المناوئ؛ قال تعالى:
)فَلاَتَجْعَلُواْلِلّهِأَندَاداًوَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (([3]).
([1]) مريم: (65): (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَابَيْنَهُمَافَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْلِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)
([2]) الإخلاص: (4).
([3]) البقرة: (22).
(ولاَ يُقَاسُ بِخَلْقِهِ سُبْحَانَهَ وَتَعَالَى).
/ش/ وأما قولـه(لا يُقاسُ بخلقه))؛ فالمقصود به أنه لا يجوز استعمال شيءٍ من الأقيسة التي تقتضي المماثلة والمساواة بين المَقِيس والمَقِيس عليه في الشؤون الإلهية.
وذلك مثل قياس التمثيل الذي يعرِّفه علماء الأصول بأنه إلحاق فرع بأصل في حكمٍ جامع؛ كإلحاق النبيذ بالخمر في الحرمة لاشتراكهما في علة الحكم، وهي الإسكار.
فقياس التمثيل مبنيٌّ على وجود مماثلة بين الفرع والأصل، والله عز وجلَّ لا يجوز أن يمثِّل بشيء من خلقه.
ومثل قياس الشمول المعروف عند المناطقة بأنه الاستدلال بكليٍّ على جزئيٍّ بواسطة اندراج ذلك الجزئي مع غيره تحت هذا الكُلِّي.
فهذا القياس مبنيٌّ على استواء الأفراد المُنْدَرِجة تحت هذا الكُلِّي، ولذلك يُحكَم على كل منها بما حُكِمَ به عليه. ومعلومٌ أنه لا مساواة بين الله عز وجل وبين شيء من خلقه.
وإنما يُستعمل في حقه تعالى قياس الأوْلى، ومضمونه أن كلَّ كمال ثبت للمخلوق وأمكن أن يتَّصف به الخالق؛ فالخالق أولى به من المخلوق، وكلَّ نقصٍ تَنَزَّهَ عنه المخلوق؛ فالخالق أحق بالتنزُّه عنه.
وكذلك قاعدة الكمال التي تقول: إنه إذا قُدِّر اثنان: أحدهما موصوف بصفة كمال، والآخر يمتنع عليه أن يتصف بتلك الصفة؛ كان الأول
أكمل من الثاني، فيجب إثبات مثل تلك الصفة لله ما دام وجودها كمالاً وعدمها نقصًا.
. يتبع .