منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - تعرفوا على البطلة "جميلة بوحيرد"
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-10-02, 13:23   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
فتحي خشايمية
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










Hot News1 قراءة في قصيدة: لن تموتي يا جميلة

مشكورة الأخت على الموضوع ولك مني هاته الإضافة تقبلي تحياتي

قراءة في قصيدة: لن تموتي يا جميلة

للشاعر: صالح خرفي
٢٠ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٧بقلم حسين عتروس


1- جدلية الموت وجميلة:
هنا القصيدة و كأنها من وجع الآه…جاءت كالميلاد في ثانيةٍ و كالوحي في دفعةٍ واحدة من أولها إلى آخرها. قد جاءت في تماسكها كالجسد الواحد..حتى القافية جاءت متواترة على نسق واحد، مقيدةٌ إلى اسم جميلة، فذلك المد من الياء غالبا أو الواو المربوطين باللام وهاء جميلة في آخر كل بيت من القصيدة، وكأنها ترفض أن تخرج من عالم جميلة اللفظي و المعنوي… خاصة ونحن نعلم أن القصيدة جاءت من الشعر الحر الذي غالبا ما يتجاوز نظام القافية الواحدة.
القصيدة هنا نوع من قدر الميلاد و هذا النوع يولد في تناسق رهيب و ترابط لا فرجة بين أجزائه، وهذا ما يمنع الخيال الرحب أن يسبح في ملكوتها، فهي تولد دفعة واحدة مكتملة الأجزاء مغلق الجوانب، تكبت أسرارها داخل ملكوتها، وحركتها غالبا ما تكون داخلية، لا تفتح أبوابها إلاّ للذي يدق المرة و الثلاث ، حتى إذا أذنت و كان الولوج لعالمها كانت رؤية سر الملكوت "سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم…" إن ميلاد القصائد من هذا النوع يفقد منطق الأشياء أمامها قوته و جبروته.
هنا المنطق منطق آخر من سحر السر و سر المستور.. تتحرك القصيدة في نسق اللغة و عبر نسيجها مع جدلية الموت و جميلة
لن تموتي يا جميله
الموت المسبوق بالنفي المطلق الذي يولد من رماد الرفض. و جميلة الإسم الذي خرج من الوصف إلى العلمية، مسبوق بياء النداء المحملة بكل لوعات العشق و الشوق، و الحميمية الغارقة في ألوان من العشق الصوفي… و من هنا تبدأ جدلية الموت و الجمال… جدلية الرفض و العشق… جدلية الموت و جميلة…
فالردى في وهج القسوة أنسام عليلة
هنا جمال يولد من قوة الإصطدام و التناقض بين الردى الذي هو أعنف أشكال الموت، و الأنسام العليلة التي تنعش في الصباح و المساء، منطق الإستيقاظ و الصحو و لحظات العشق و الشهود… هنا نصطدم و في أول بدايات النص مع الأمل المعلن في موت جميلة… فالموت هنا استراحة من وهج القسوة… جميلة تتعذب و تُعذب بكل أشكال و فنون التعذيب الذي جاءت به مدنية القرن العشرين . هنا نقع في صميم التناقض فبعد
" لن تموتي يا جميلة"
" قالها الناس…" هذا المقطع المعلن من عز الرفض و جبروت الثورة، نجد أن هناك إعلانا آخر ينا قضه؛ و هو الصوت الناطق في صميم الفؤاد و عالم الإحساس
"…ولم أقلها يا جميلة
أملي أن تستريحي يا جميلة
فالردى في وهج القسوة أنسام عليلة"

هنا كأن الصوت المخبوء يصيح راجيا جميلة أن تموت… لأن كل سياط العدوّ و كل صنوف عذابه التي سلطها على ذلك الجسم الرّقيق قد كانت تقع ألما يتوجع أنينا… لكن التناقض يندفع إلى أبعد حدوده حين يجيء في الأخير؛
"غير أنّ الموت له أحيانا كفٌ بخيله"
فالصوت الأول هو صوت جموع الناس و ليس بالضرورة صوت دواخلهم، أو على الأقل ليس صوت كل الناس، وقد لا يكون حتى صوت جميلة حين ينفجر النص في هذا المقطع…
"أنا أدرى الناس كم تهوين موتا يا جميلة" _منطق الثورة يرفض موتها وهو أول إعلان في النص، لكن منطق الإنسان يطلب لها الموت لتستريح من وهج القسوة، و تدخل سكناها الأخرى فرحة مع الشهداء فالنص هنا يتفهم الجدلية التي تسكن الإنسان ذلك الأخذ و الرد بين الرضى بالموت لتكون الإستراحة من العذاب… أو الإستماتة كي لا تكون خسارة للنضال و الثورة، فالثوار يأبون دائما أن يغادروا عالم ثورتهم و يعدون ذلك نوع من الخيانة … يتفجر النص هنا في تعابير من الرقة و القوة العجيبة التي لا يمكن أن تكون إلاّ لغة للروح حين تتحرك بداخلها جدليات طبيعية
" احقني بها دمع يتامى شردوهم يا جميلة
و دما حرا مزج الغدر سيوله
صوّحي يا زهرة العز ذوبي كالفتيله
إن في تصويتك المأمول إيراق الخميله"

فبين جميلة والفتيلة، و الخميلة يكون للموت معنى آخر غير الهلاك الذي يكون عادة بلا إشعاع … فالموت هنا نوع من ميلاد آخر، ميلاد حياة تملأ الدنيا بالأنوار.
"إن يكن موتك هذا فاطلبيه يا جميلة"
وكأن النص هنا يرتفع بجميلة إلى مقامات الأولياء ليقع التوسل بها، بعذابها، بموتها ليكف العذاب عن الآخرين. تموت هي لتولد للناس حياة أخرى أفضل.
هنا النص تتبرج منه صورة أخرى هي صورة المسيح الذي ذهب فداء لسعادة البشرية.. يتكشف داخل هذا التوالي للصور و تداخلها حد التناقض، توسّل و رجاء قوي بأن ترضى جميلة بالموت…
" صوّحي يا زهرة العز ذوبي كالفتيله"
و كأنه يترجاها لتموت، و يغريها به و يسلي عنها بأنه ليس من الخيانة في شيء، بل ستنير الشموع الطريق… وسيبقى الدرب محفوظا و محفوفا بشعب وفيّ يواصل الثورة أكثر إيمان و بصيرة…
و يترقى النص بالإحساس بالشفقة على جميلة، ليقتطع سبعة أبيات تتوالى في تحبيب الموت إلى جميلة المناضلة الثائرة بنفس منطق الثوار الحالمين بسقوط كل أصنام الإستعمار، و الحق في حياة عزيزة… فهو لا يرضى أن تبقى جميلة تحت سياط العدو ليمارس عليها صنوف قذاراته و مهاناته المدنية فالموت أحلى و الموت أولى لهذه الجميلة..
"أي موت لم يذيقوك أساه، أي حيله
ما هو الموت و قد جرعته دنيا طويله
أ هو الغفوة في نومة عز مستطيله
أهو اليقظة في خلد كأحلام الطفوله
أهو الهزة تهوي بالتماثيل الدخيله
أهو النشوة تسري في شرايين الفضيله
إن يكن موتك هذا فاطلبيه يا جميله"

الموت قدر هذه الدنيا منذ القدم، و هو جزء من الحياة و هو هنا خلود في مقام العز و الشرف، و صحوٌ على عالم من السحر طفولي… الموت هنا ثورة أنبياء تهوي بهذه الأصنام من الاستعمار… إذا كان هذا هو الموت فاطلبيه يا جميله…
إذا كان الموت بكل هذه الأوصاف التي تحببه للنفس، و بكل الأوصاف التي سبقت تجعل منه مطلوبا محبوبا، فإننا في الأخير يتوقف النص بنا توقفا مقرفا.
"غير أن الموت له أحيانا كف بخيله"
يتفجر الموت هنا على وصف آخر هو ’البخل’ وقد قال خالد ابن الوليد:" و الله ما بجسدي جزء إلاّ و به ضربة من سيف أو سهم، وها أنا أموت موت الأباعر". فالنص وقع في هذه الجدلية أو بالأحرى الجدليات لأنه الصوت المستور للضمير المجروح… فالثابت الوحيد داخل النص هو ذلك الإحساس الرهيب بأن جميلة بين يدي العدو تتعذب، والنص يرفض الإعلان عنه لأنه يرفض الإقرار به…ولا يتصور أن تبقى جميلة فيه…

يتبع ...










رد مع اقتباس