منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - التسريع التعسفي
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-02-05, 16:32   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 اضافة

الفـرع الثـانـي: المقـتضيات المـوضـوعـيـة
بالإضافة إلى الحدود القانونية التي تقيد من سلطة قاضي الموضوع في تقدير أسباب التسريح، فانه في أحيان أخرى يجد نفسه مقيدا في تقدير التسريح التعسفي، مقتضيات موضوعية تجعل تنفيذ عقد العمل مستحيلا مما يبرر للمستخدم إنهاء علاقة العمل بالاستناد إلى تلك الظروف الموضوعية و في هذه الحالة يكون على القاضي فقط التأكد من توافر هذه الظروف التي تحول دون تنفيذ عقد العمل.
و طالما أن عقد العمل يخضع للقواعد العامة المتعلقة بالعقد في القانون المدني، فانه ينتهي عند تعذر تنفيذه أما بسبب قوة قاهرة أو أمر طارئ، و قد حاول الفقه وضع شروط لنظرية الظروف الطارئة أو القوة القاهرة و أجملوها في ثلاثة شروط(52).
يتعلق الشرط الأول باستحالة التوقع، وهذا يعني أن الواقعة التي يعتد بها كقوة قاهرة هي تلك الواقعة التي لم يكن من الممكن توقعها أثناء إبرام العقد، أما إذا كان بالإمكان توقعها فإنه يكون من المفروض على المستخدم القيام بما يكفي لمنع وقوعها، و يقدر القاضي تلك الواقعة تقديرا موضوعيا، فلا يكفي اعتبارها غير متوقعة، أن تكون كذلك بالنسبة للمستخدم، بل يجب أن لا يتوقعها الشخص العادي، طبقا للمادة 107/2 من القانون المدني.
أما الشرط الثاني فهو استحالة دفع تلك الواقعة، فالقوة القاهرة هي كل شيء لا يستطيع الإنسان دفعه
فلا يعتبر الأمر قوة قاهرة إذا كان باستطاعة العامل تنفيذ التزاماته، ولو كان بتضحيات كبيرة، لأنه لا يكفي أن تصبح مواصلة تنفيذ التزاماته مرهقا، بل يجب أن ترتبط استحالة التنفيذ باستحالة الدفع.
و الشرط الثالث أن لا تنسب الواقعة إلى خطأ العامل، فلا تعتبر الواقعة قوة قاهرة إذا سبقها أو اقترنت بخطئه. و هنا يكون على القاضي التأكد من توافر عناصر القوة القاهرة، فقد يدعي المستخدم أن واقعة معينة مثل الحريق أصاب المؤسسة فاستحال معه تنفيذ عقد العمل، و استمرار نشاط المؤسسة، و بالتالي الإبقاء على عقود العمل التي تربطه بمستخدميه، فإن قاضي الموضوع له سلطة تقدير تلك الواقعة ما إذا كانت قوة قاهرة تحول دون تنفيذ عقد العمل أم مجرد حادث عرضي كان بالمكان توقعه أو دفعه، وفي هذه الحالة يكون قرار التسريح تعسفيا.
(52) - جورج سيوفي- النظرية العامة للموجبات و العقود- بيروت1994 – ص 346
فإذا كانت القوة القاهرة ظرفا موضوعيا يستحيل معه تنفيذ عقد العمل و يترتب عليه تسريح العامل، فإن هناك ظروف أخرى موضوعية تتعلق بعدم القدرة الصحية للعامل على تنفيذ التزاماته تجاه المؤسسة المستخدمة، مما يجعل عجزه الجسمي مبررا لتسريحه من منصب عمله.
و يقصد بعدم القدرة الجسمية أو الجسدية عجز العامل عن العمل بسبب المرض، أو بسبب حادث عمل بحيث تصبح حالته الصحية لا تسمح باستمراره في العمل الذي كان يمارسه(53). والمرض هو فساد المزاج أو تغيير الصحة بعد اعتدالها، وهو غالبا ما يكون مانعا مؤقتا أو مؤبدا من العمل، لأنه يؤثر على تنفيذ عقد العمل في أهم خصائصه القائمة على تقديم العامل لخدماته لفائدة المستخدم.
و مثلما ينقسم العمل إلى عمل ذهني و عمل بدني فإن المرض كذلك يمكن أن يؤثر على قدرة العامل البدنية كما يمكن أن يؤثر على مداركه العقلية، إلا أنه ليس كل مرض مانع من العمل و مبرر لتسريح العامل، فقد استقر القضاء الفرنسي على مبدأ يقضي بأن المرض يجعل العقد موقوفا دون إنهائه، ولا يبرر إنهاء العقد بسبب المرض إلا في الحالات التالية:
- المرض الخطير.
- المرض المستمر.
- عندما تستدعي الضرورة استخلاف العامل المريض بعامل آخر.
وإذا كان المرض خطيرا أو مستمرا، فإنه يكون من شأنه أن يؤثر على حسن سير المؤسسة بما يجعله غير متلائم مع فكرة توقيف عقد العمل، و إنما يفرض على المستخدم إنهاء علاقة العمل بتسريح العامل، لأن مرضه يجعله غير قادر على تأدية مهامه و التزاماته، لعدم توافر المؤهلات البدنية فيه.
وهذه الحالة تحد من سلطة قاضي الموضوع في تقدير مدى وجود سبب حقيقي و جدي يبرر التسريح، و ما على القاضي إلا الاستجابة إلى طلب صاحب العمل المتعلق بالتسريح، و يبقي عليه فقط التأكد من خطورة المرض بالالتجاء إلى خبرة أهل الاختصاص، و رغم أن القاضي غير ملزم بتقرير الخبرة، فإنه في مثل هذه الحالات يجد نفسه ملزما واقعيا و موضوعيا و فنيا بتقرير الخبير الطبي، لأن الطبيب هو الوحيد المؤهل لتحديد ما إذا كان مرض العامل خطيرا أم لا، و ما إذا كان مستمرا و يحتاج إلى فترة طويلة من العلاج أم قصيرة، وهو الوحيد الذي يمكن أن يحدد نسبة عجز العامل و قدرته على العمل.




(53) - بلخيضر عبد الحفيظ – المرجع السابق- ص 258.
و قضت محكمة النقض الفرنسية في العديد من أحكامها بأن المرض الدائم و المستمر يبرر إنهاء علاقة العمل، مؤكدة على أن << عدم القدرة الجسمية المؤدية إلى غياب غير محددة المدة يمكن اعتباره كقوة قاهرة مؤدية إلى إنهاء عقد العمل>>، إلا أنه إذا كان المرض قصيرا، فإن التسريح يعد تعسفيا، غير أنه يقع على العامل واجب إعلام المستخدم من استفادته من العطلة المرضية التي يمنحها له طبيب الضمان الاجتماعي، و حسب محكمة النقض الفرنسية فإنه لا يمكن تطبيق أحكام المادة 4-24-122 L إلا إذا قرر الطبيب المختص عدم قدرة العامل على مواصلة العمل في منصبه أو في أي منصب آخر يتلاءم مع مؤهلات البدنية و المهنية(54).
و يعد كذلك من مبررات التسريح بسبب المرض حالة عدم استغناء صاحب العمل عن العامل، إذا كان غياب هذا العامل بسبب مرضه يقتضي لضرورة سير المؤسسة استخلافه بعامل آخر، إلا أن تسريح العامل دون أن يؤثر غيابه بسبب حالته الصحية على المؤسسة يعتبر تسريحا تعسفيا، و هو ما أكدته محكمة النقض الفرنسية في حكم جاء فيه << أنه إذا كان مرض العامل يبرر تسريحه، فيجب أن يخضع هذا التسريح لغياب العامل، وأن يؤثر هذا الغياب بصفة قوية على المشروع حتى يستطيع صاحب العمل أن يحل محله عاملا آخر>>(55).
و هكذا فإنه يتعين على قاضي الموضوع أن يأخذ بعين الاعتبار مدى تأثير مرض العامل على نشاط المؤسسة، ليقرر إن كان المستخدم قد تعسف في قرار التسريح أم لا.
وهو ما أخذت به المحكمة العليا في أحد قراراتها، عندما قضت بنقض قرار صادر عن مجلس قضاء الجزائر في 11 أفريل 1990 القاضي بتأييد الحكم المستأنف الصادر عن محكمة بئر مراد رايس في 29-12-1988 على أساس أنه << مادام المدعية- الهيئة المستخدمة- تزعم أن المدعي كان مريضا وقت اجتماع لجنة التأديب، كان عليها أن تأمر بإجراء فحص طبي عليه للتأكد من مرضه، و اتخاذ الإجراءات
الضرورية في حالة إثبات المرض العقلي المزعوم، و هذا وفقا لنص المادة 24 من المرسوم رقم 74-254 في 28 ديسمبر 1974، و بالتالي المدعية قد خالفت تشريع العمل>>(56).





(54)-CASS.SOC.18JUILL1996.n°95.45.246- LAMY. SA.1997p596.
(55)-CASS.SOC.05OCT1978.n°77.40.445-LAMY. S.A .1997.P597.
(56)- قرار رقم 88717 بتاريخ 23-11-1992 – الموسوعة القضائية 2000 – C.D

فقرار تسريح العامل من منصب عمله بسبب حالته الصحية يكون تعسفيا إذا لم يثبت عجز العامل عن أداء مهامه بعد فحص طبي، و تقرير خبرة طبية يؤكد عدم قدرة العامل على ممارسة مهامه المسند إليه، أو ممارسة أي مهام أخرى تخوله مؤهلاته المهنية القيام بها، لأنه جاء في قرار آخر للمحكمة العليا أنه يتعين على المستخدم قبل أن يتخذ قرار تسريح العامل بسبب حالته الصحية، أن يتأكد من عدم وجود أي منصب مماثل لمستوى تصنيف المنصب الذي يشغله العامل و يطابق مؤهلاته و كفاءته، و يمكن تعينه فيه(57).
وعلى قاضي الموضوع في كل هذه الحالات الأخذ بعين الاعتبار الحدود القانونية و الموضوعية التي تحد من سلطته التقديرية في تكييف السبب الحقيقي و الجدي لتسريح العامل، و إن كانت له سلطة واسعة في تكييف الأسباب و تقدير الوقائع بما يتلاءم مع الواقع و القانون، فإنه مع ذلك يخضع لرقابة المحكمة العليا من حيث تطبيق القانون، وهو ما سنتطرق إليه في المطلب الثاني.

















(57)- قرار رقم 58789 بتاريخ 09-07-1990 – الموسوعة القضائية 2000 - C.D

المطلب الثاني: خضوع قاضي الموضوع لرقابة المحكمة العليا

إذا كان دور القاضي في الخصومة هو وضع حد للمنازعة التي تطرح عليه بما خوله القانون من سلطة في تكييف الوقائع موضوع النزاع، و تطبيق القاعدة القانونية التي في إطارها وضع الخصومة، و بمقتضاها فصل في النزاع، فإن هذه المسألة تفرض عليه أن يتولى تحديد الوقائع بدقة، و المجال القانوني الذي تصنف فيه و تخضع له، ثم عليه أن يستخلص النتائج المنطقية المطابقة لروح القانون ويكون ذلك على بناء منطقي، وأسباب قانونية تؤدي حتما و بالضرورة إلى النتيجة القانونية التي توصل إليها في حسم النزاع المعروض عليه.
و إن كان قاضي الموضوع يتمتع بهذه السلطة فإنه يخضع في ذلك لرقابة المحكمة العليا التي تبسط رقابتها على أحكامه من حيث تكييف الوقائع و تطبيق القانون, و لذلك سنتناول في هذا المطلب رقابة المحكمة العليا على تكييف قاضي الموضوع للوقائع ( الفرع الأول )، ثم رقابتها على تسبيب الحكم ( الفرع الثاني ).

الفرع الأول: رقابة تكيف الوقائع
تتمتع المحكمة العليا بصفتها محكمة للنقض بمهمة مراقبة قضاة الموضوع في تكييفهم للوقائع لمعرفة مدى تطابقها مع الواقع، و إن كانت المحكمة العليا هي محكمة قانون لا تنظر في أصل النزاع، فإن معيار التفرقة بين الوقائع التي يستقل قضاة الموضوع بتقديرها، و بين القانون الذي هو من اختصاص المحكمة العليا، قد يبدوا سهلا من الناحية النظرية، و لكنه في الواقع يثير عددا من المسائل التطبيقية، و ذلك لأن المحكمة العليا إذا تصدت لمعرفة ما إذا كان قضاة الموضوع قد قاموا بتطبيق القانون تطبيقا سليما، فإن عليها أن تنظر في الوقائع، و تتفحص كيفية تقديريها من طرف القضاة و من ثم فإن الحدود الفاصلة بين المجالين تبدوا صعبة التمييز(58).
ومن باب قيام المحكمة العليا بضمان تطبيق القانون، و احترامه فإنها تنظر في تقدير و تكييف الوقائع التي بُنيّ عليها الحكم، لا كمحكمة أصل، وإنما للتأكد من صلاحية تلك الوقائع لتكون مستندا واقعيا للحكم.





(58) - يحي بكوش – الأحكام القضائية و صياغتها الفنية- ص 55.
و الرقابة على التكييف القانوني للوقائع بما يتطابق مع الواقع، و يتلاءم مع القانون، تجد مدى أوسع في مجال منازعات العمل، نظرا لتضارب مصالح الأطراف، واختلاف موازين القوى بينهما، و إثبات وجود سبب حقيقي و جدي لإنهاء علاقة العمل، أو إثبات تعسف قرار التسريح، يستمد من واقعة العلاقة التعاقدية في حد ذاتها، فيكون للأطراف عدد كبير من الأدلة و الوقائع التي تدعم ادعاءاتهم، و غالبا ما يكون للتسريح عدة أسباب، تعطي للمستخدم الخيار في اعتماد السبب الذي يراه أكثر إقناعا للقاضي، ولو كان هذا السبب ليس هو في حد ذاته الذي دفع في الواقع المستخدم إلى تسريح العامل، وفي هذه الحالة يتعين على قاضي الموضوع أن يحدد أصل النزاع، ثم يستخلص الأسباب الحقيقية التي كانت دافعا للمستخدم في إنهاء علاقة العمل، و من جهة أخرى فإن عليه أن يسبب حكمه تسبيبا مقبولا من الناحية الواقعية، وخاضعا لمقتضيات القانون من الناحية المنطقية، بحيث يمكن للمحكمة العليا أن تتأكد من فهم قاضي الموضوع للوقائع انطلاقا مما هو ثابت بأوراق القضية.
و قد قضت المحكمة العليا بأنها ليست درجة من درجات التقاضي التي تعني بالوقائع، وليس من شأنها أن تعرض للظروف الخاصة بكل قضية عليها، فالمحاكم هي وحدها التي تتمتع بالفصل في الوقائع
حيث جاء في أحد قراراتها << حيث لكن أن الطاعن لم يوضح كيف تم خرق القانون لما كيف رب العمل نوم المدعي أثناء تأدية عمله كحارس بخطأ جسيم، و على كل حال أن تقدير الخطأ هو من تقدير الوقائع، وهو في ذلك من اختصاص قضاة الموضوع، و لا رقابة عنه من المحكمة العليا مادام أن تكييفه يتماشي و التصنيف الشرعي للعقوبات التأديبية >>(59).
و يفهم من ذلك أن النظر في الوقائع من حيث هي من اختصاص قضاة الموضوع، إلا أن المحكمة العليا تبسط رقابتها على بيان تكييف تلك الوقائع و كيف توصل قاضي الموضوع إلى قناعته التي جعلته يتجه في حكمه الاتجاه السليم، و ذلك من خلال تقدير الأسباب و الحجج القانونية، و الأدلة الواقعية التي بنى عليها حكمه، ومدى تفسير قاضي الموضوع لإدعاءات الأطراف، وفهم ما أحاط بها من مسائل قانونية، و هي الوسيلة القانونية التي من خلالها تتمكن المحكمة العليا من مراقبة تقدير قاضي الموضوع الوقائع، لأن القانون يلزمه بذكر الأسباب و الوقائع التي استخلص من ثبوتها النتيجة القانونية التي توصل إليها، و القواعد القانونية التي وضعت في إطارها تلك النتيجة.




(59) – قرار رقم111662 بتاريخ 22-11-1994 – نشرة القضاة. ع 55 ص 120.

و قد ذهبت المحكمة العليا إلى << أن تكييف الوقائع ينبغي أن يستمد من حقيقة الوقائع المطروحة أمام قضاة الموضوع بما لهم من سلطة تقديرية في ذلك، ولذلك فإن الحكم الذي تكون أسبابه غير كافية لمواجهة ما قدم من أدلة و ما أبدى الأطراف من طلبات و دفوع يكون مشوبا بالقصور في التسبيب المساوي لانعدامه>> (60).
و لذلك فإن قاضي الموضوع إذا ما ثبت له وجود السبب الحقيقي و الجدي القائم على خطأ جسيم، أو إذا ما ثبت له الطابع التعسفي لقرار التسريح، فإنه يبني حكمه على الوقائع المعروضة عليه، و التي يعطيها التكييف القانوني الذي يتلاءم مع النتيجة التي توصل إليها، سواء بإضفاء الصبغة التعسفية على قرار تسريح العامل، أو تقرير مشروعيته.
وبينت المحكمة العليا في قرار لها أنه << إذا ثبت وجود الطابع التعسفي للطرد من خلال تقدير قاضي الموضوع لوقائع القضية، فلا شيء يمنع القاضي من استنتاج حتمية رجوع العامل إلى منصب عمله مع إلغاء قرار الفصل وذلك في غياب نظام داخلي للمؤسسة.>>(61).
وهذا يعني أن قضاة الموضوع ملزمون بتقدير الوقائع تقديرا واقعيا يتلاءم مع مقتضيات القانون، و يكون نتيجة منطقية مترابطة مع ما توصل إليه في حسم النزاع.
فإذا كان هناك تحريفا في الوقائع، فإن المحكمة العليا لا تمارس رقابتها بالبحث عن أدلة جديدة، أو تجرى موازنة بينها و بين الأدلة التي قدمها الأطراف، و إنما تقتصر رقابتها عما إذا كان قاضي الموضوع قد التزم بما جاء في أوراق الملف فلم يناقضه أو يتجاوزه، لأن القاضي الاجتماعي يستمد عناصر اجتهاده مما له أصل ثابت بأوراق القضية المعروضة عليه.

الفرع الثاني : الرقابة على التسبيب القانوني:

لا تكتفي المحكمة في بسط رقابتها على أحكام قضاة الموضوع بفحص التكييف القانوني للوقائع، التي يستخلص منها القضاة النتائج التي توصلوا إليها وإنما تتولى مهمة مراقبة تسبيب الحكم تسبيبا منطقيا و قانونيا يتوافق مع وقائع القضية. وطالما كان التسبيب ينطلق من خلال التكييف القانوني للوقائع، فالقاضي يعرض عليه النزاع، وهو الذي يعمل على تحديد طبيعته، و يضعه في إطار القاعدة القانونية الواجبة التطبيق على ذلك النزاع.


(60) - قرار رقم 35213 بتاريخ 21-011986 – الموسوعة القضائيةC.D
(61) - قرار رقم 126057 بتاريخ 21-11-1995 – غير منشور.

و عليه فإن الأسباب هي الجزء الذي يبين فيه القاضي المبررات التي من أجلها أصدر حكمه، وذلك بتفحص الحل القانوني الذي تتضمنه المادة القانونية، و مدى إنطباقها على الوقائع التي كان قد وضع لها التكييف الملائم، فإذا انطبقت القاعدة القانونية على الواقعة انزل حكم القاعدة القانونية على الواقعة حسما للنزاع، وإن لم يتحقق ذلك، فإنه يتعين عليه البحث عن القاعدة القانونية التي تتضمن الحل القانوني لتلك الواقعة.
فالتسبيب هو الجزء الفني الذي يربط فيه قاضي الموضوع بين الوقائع باعتبارها هي عناصر النزاع، و القاعدة القانونية المتضمنة الحل القانوني المجرد، و بذلك يضع نقطة تلاقي أو انسجام بين الوقائع و القانون، و القصور في التسبيب هو عرض غير كاف للعناصر الواقعية التي تبرر تطبيق القاعدة القانونية، بحيث إذا وضعت تلك العناصر إزاء قواعد قانونية أخرى فلا تؤدي إلى حل مختلف بالنسبة للقضية(62).
فإذا قرر القاضي الاجتماعي أن الوقائع التي ادعى المستخدم ارتكابها من طرف العامل تعتبر خطأ جسيما يبرر تسريحه، فهل بهذا يكون قد قام بتقدير الوقائع غير خاضع لرقابة المحكمة العليا، أم أنه قام بعملية قانونية خاضعة لرقابة هذه الجهة القضائية؟.
الواقع أن الإجابة على هذا السؤال تكمن في تحديد دور كل من قاضي الموضوع، وقاضي القانون، فقاضي الموضوع يراقب تكييف المستخدم لسبب تسريح العامل، و قاضي القانون يراقب تكييف قاضي الموضوع لهذا السبب.
فإذا تناقض قاضي الموضوع في عرضه و تكييفه مع الحل القانوني الذي تفرضه القاعدة القانونية، نكون بصدد قصور في الأسباب، لأن تسبيب الحكم هو إيراد الحجج الواقعية و القانونية التي بنى عليها قاضي الموضوع حكمه. و قد فرض المشرع في المادة 239 من ق.إ.م التسبيب ليحمل القضاة على العناية بتمحيص مزاعم الخصوم، و فحص أدلتهم ووزنها و دراسته جميع نقاط النزاع، سواء اتصلت بالوقائع أو بالقانون دراسة وافية تمكنهم من استخلاص النتائج التي يؤسسون عليها حكمهم.
و يجب أن يكون كل حكم مستوفيا بذاته أسبابه، و أن يكون التسبيب جديا يواجه فيه القاضي جميع نقاط ووقائع النزاع في نطاق القانون و الواقع، فلا يقتصر على أسباب عامة أو ناقصة أو متناقضة، بل يجب أن يكون التسبيب واضحا و كافيا لإسناد الحل القانوني المقرر في الحكم.





(62) - أحمد هندي - أصول المحاكمات المدنية- الدار الجامعية 1989- ص 440.
و قد بينت المحكمة العليا في العديد من قراراتها أن فقدان الأساس القانوني، و قصور التسبيب يتوفر عندما تطبق المحكمة قاعدة قانونية دون بيان العناصر الواقعية الكافية، و المبررة لتطبيقها، حيث جاء في أحد قراراتها أنه" متى كان من المقرر قانونا أن القرار الذي احتفظ بعدم توضيح الوقائع المنسوب فعلها للعامل، و تشخيص أخطائه وفقا لنظام الطاعنة المطبق عليه، و ذلك بعدم ذكر الأخطاء الجسيمة من طرفه لتبرير فصله، فإن هذا القرار تكون أسبابه غير كافية لمواجهة ما قدم من أدلة في الدعوى و ما أبديّ من طلبات و دفوع أطرافها، و يكون ذلك مشوبا بالقصور في التسبيب و التناقض في المقتضيات"(63).
و جاء في قرار لها آخر أنه " من المقرر قانونا أن عقوبة التسريح من العمل بدون تعويض يكون في حالة ارتكاب العامل لخطأ جسيم، و من ثم فإن القضاء بما يخالف أحكام هذا المبدأ يعد مخالفا للقانون، و لما كان من الثابت في قضية الحال أن المجلس أيد التسريح عن العمل بدون تعويض دون التحقق من الخطأ المنسوب إلى العامل، يكون قد سبب حكمه تسبيبا غير كاف، ومتى كان ذلك استوجب النقض"(64).
و القرارات التي نقضت فيها المحكمة العليا أحكام قضاة الموضوع نظرا للقصور في التسبيب كثيرة، وهو ما يفيد أن التسبيب هو المهمة الأساسية التي تقع على عاتق القضاة، لأنها تتطلب إيصال الفهم الذي توصلوا إليه في النزاع إلى أذهان المتقاضين ليقتنعوا به، و يتمثل غرض المشرع في فرض التسبيب تمكين كل من سيطلع على الحكم، أما بقصد المراقبة أو التحليل لأن يطمئن إلى أنه يمثل قدرا من الصواب، وأنه أقرب ما يكون إلى الحق و مطابقة الواقع والقانون.(65).
و هكذا تمارس المحكمة العليا رقابتها على تسبيب الأحكام من الناحية القانونية، و هي رقابة ضرورية، حتى تتمكن هذه المحكمة من تحقيق مهمتها المتمثلة في السهر على حسن تطبيق القانون، و توحيد الاجتهاد القضائي.








(63) - قرار رقم 36976 بتاريخ 26-03-1994 – الموسوعة القضائية 2000 C.D.
(64) - قرار رقم 45462 بتاريخ 07-03-1988 - الموسوعة القضائية 2000 C.D.
(65) - يحي بكوش – المرجع السابق- ص 33.
الخـــاتـمة
نخلص من هذه الدراسة إلى أن التسريح التعسفي, وإن كان المشرع الجزائري قد نص عليه في نص المادة 73 من القانون المتعلق بعلاقات العمل, وحدد الحالات التي يجب على المستخدم أن يؤسس عليها قرار تسريح العامل, وربط دلك بمجموعة من الأخطاء الجسيمة التي تعد سببا حقيقيا وجديا للتسريح, وهذا يعني أن التسريح التعسفي هو الذي يكون خرقا للقواعد الموضوعية لقانون العمل, وهو ما يعبر عنه في القانون الفرنسي بانعدام السبب الحقيقي والجدي (la cause réelle et sérieuse de licenciement).
وقد خلصنا في البحث إلى أن الأخطاء الجسيمة المذكورة في المادة73 ما هي إلا حالات على سبيل المثال لا الحصر, لأن الأخطاء لا يمكن حصرها لارتباطها بوقائع مادية مختلفة. وبالتالي فإن التسريح لا يكون مبررا إلا إذا كان قائما على سبب حقيقي وجدي, حتى ولو كان الخطأ الذي ارتكبه العامل من غير الأخطاء المنصوص عليها في هذه المادة, على أن يرجع إلى القاضي الاجتماعي سلطة تقدير ذلك السبب تحت رقابة المحكمة العليا لأنه ليس هناك تسريح قائم على أسباب أو وقائع تشبه الأخرى.
وطالما أن القانون يحدد الإطار العام الذي يجب أن يمارس فيه القاضي رقابته على التسريح التعسفي وذلك من خلال تقدير السبب الحقيقي والجدي وبالتالي يرجع له تقدير مدى وجود الصبغة التعسفية لقرار التسريح, بالاستناد على عناصر الإثبات التي يقدمها الأطراف والوسائل التي منحه إياها المشرع لتدعيم اقتناعه, وذلك بالأمر بكل وسيلة تحقيق يراها لازمة لحسم النزاع .
وقد وفق المشرع حينما جعل عبء إثبات السبب الجدي للتسريح يقع على عاتق المستخدم لأنه الطرف القوي في العلاقة التعاقدية, وفي نفس الوقت لم يضع العامل في موقف سلبي من مسالة الإثبات, ثم بعد ذلك أعطى للقاضي سلطة تقدير وسائل الإثبات التي يقدمها الأطراف, لينتقل في المرحلة الثانية بعد التأكد من ثبوت الوقائع ونسبتها إلى العامل, إلى تقدير مدى جدية سبب التسريح ما إذا كان يبرر ذلك معتمدا على معيار موضوعي مستمد من تأثير الخطأ على نشاط المؤسسة, ومعيار ذاتي مستمد من وعي العامل بدرجة الخطأ وجسامته تطبيقا للمادة 73-1.
إلا انه تجدر الإشارة إلى أن القضاة يواجهون إشكالات قانونية في مسألة الرقابة القضائية على التسريح التعسفي القائم على مقتضيات موضوعية وهي انعدام الخطأ الجسيم, والتسريح الذي يكون مخالفا للإجراءات طبقا للمادة73-4 حتى وإن تعلق الأمر بتسريح مبرر من حيث موضوعه. وهو ما جعل القضاة في كثير من المحاكم لا يميزون بين التسريح التعسفي والتسريح المخالف للإجراءات, ويصرحون في كلا الحالتين بإلغاء قرار التسريح رغم اختلافهما من حيث السبب و النتيجة.


قائمة المراجع
أولا - المراجع باللغة العربية:
آ- المؤلفات :
1- احمد محمد شوقي عبد الرحمان: الخطأ الجسيم للعامل وأثره على حقوقه-المطبعة العربية الحديثة.
2- احمد عبد الرزاق السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني –جزء2 –منشورات الحلبي –بيروت -1989.
3- احمــــد هنـــدي: أصول المحاكمات المدنية-الدار الجامعية 1989.
4- الــسيد محمد عمــران: شرح قانون العمل – دار المطبوعات الجامعية 2000.
5- بلخيضر عبـد الحــفيظ: الإنهاء التعسفي لعقد العمل –دار الحداثة-لبنان 1986.
6- عبد الوهــاب الــبندار: العقوبات التأديبية – دار الفكر.
7- عبد الوهـاب الـــبندار: طرق الطعن في العقوبات التأديبية – دار الفكر.
8- عبد الــسلام ذيـــب: قانون العمل الجزائري والتحولات الإقتصادية – دار القصبة للنشر.
9- يحـــي بكــــوش: الأحكام القضائية وصياغتها الفنبة.

ب-المجلات و الدوريات القانونية

1- المجلة القضائية 1989 العدد الأول.
2- المجلة القضائية 2000 العدد الأول.
3- المجلة القضائية 2001 العدد الأول والثاني.
4- المجلة القضائية 2002 العدد الأول والثاني.
5- المجلة القضائية 2003 العدد الأول.
6- نشرة القضاة 1999 عدد 55.
7- الموسوعة القضائية 2000 – قرص مضغوط.

ثانيا - المراجع باللغة الفرنسية:
A- OUVRAGES :

1- GERARD lyon cafen – JEAN pelissier : droit du travail 16eme edition.DALLOZ.1982.
2- G.H.camerlynch : traité du droit du travail "contrat du travail".DALLOZ.1989.
3- JEAN-PAUL antona : la rupture du contrat du travail.3 eme édition d'organisation.
4- JEAN reviro et J.savatier : droit du travail 6 eme édition DALLOZ.

B- REVUES ET RECEIULS DE JURISPRUDENCE :

1- bulletin civil N°120 mars 1991.
2- revue du droit social N°04 avr 1978 + N°01 jan 1982 + N°12 déc. 1986.
3- droit ouvriers 1982-1987-1991.
4- Lamy social 1997.
5- juris classeur 1998.
6- www.juris travail com.