( قال الخلال ) : وأخبرنا الخضر بن المثنى الكندي قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال : قال أبي لا بأس بأكل ذبيحة المرتد إذا كان ارتداده إلى يهودية أو نصرانية ولم يكن إلى مجوسية ، قلت : والمشهور في مذهبه خلاف هذه الرواية وأن ذبيحة المرتد حرام ، رواها عنه جمهور أصحابه ، ولم يذكر أكثر أصحابه غيرها .
ومما يدل على صحة هذا الكتاب ما ذكره القاضي أبو الحسين بن القاضي أبي يعلى ، فقال : قرأت في كتاب أبي جعفر محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد بن حنبل قال : قرأت على أبي صالح بن أحمد هذا الكتاب ، وقال : هذا كتاب عمله أبي في [ ص: 211 ] مجلسه ردا على من احتج بظاهر القرآن وترك ما فسره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما يلزم اتباعه .
( وقال الخلال ) في كتاب السنة : أخبرني عبيد الله بن حنبل أخبرني أبي حنبل بن إسحاق قال : قال عمي : يعني : أحمد بن حنبل نحن نؤمن أن الله تعالى على العرش استوى كيف شاء وكما يشاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد فصفات الله له ومنه وهو كما وصف نفسه لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية ، وهو يدرك الأبصار وهو عالم الغيب والشهادة وعلام الغيوب .
( قال الخلال ) : وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلا حدثهم قال : سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروى أن الله سبحانه ينزل إلى سماء الدنيا ، وأن الله يرى ، وأن الله يضع قدمه وما أشبه هذه الأحاديث ، فقال أبو عبد الله : نؤمن بها ، ونصدق بها . . . ، ولا نرد منها شيئا ، ونعلم أن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حق إذا كانت بأسانيد صحاح ولا نرد على الله قوله ولا يوصف بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) [ ص: 212 ] ( وقال حنبل ) في موضع آخر عن أحمد : ليس كمثله شيء في ذاته كما وصف به نفسه ، قد أجمل الله تبارك وتعالى الصفة لنفسه فحد لنفسه صفة ليس يشبهه شيء ، وصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف به نفسه . قال تعالى : ( وهو السميع البصير ) فهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير ، ولا يبلغ الواصفون صفته ، ولا نتعدى القرآن والحديث فنقول كما قال ، ونصفه بما وصف ( به ) نفسه ولا نتعدى ذلك ولا يبلغ صفته الواصفون . نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت ، وما وصف به نفسه من كلام ونزول وخلوة بعبده يوم القيامة ووضعه كنفه عليه ، فهذا كله يدل على أن الله سبحانه وتعالى يرى في الآخرة ، والتحديد في هذا كله بدعة والتسليم فيه لله بغير صفة ولا حد إلا ما وصف به نفسه سميع بصير ، لم يزل متكلما عالما غفورا عالم الغيب والشهادة علام الغيوب فهذه صفات وصف بها نفسه لا تدفع ولا ترد وهو على العرش بلا حد كما قال تعالى : ( ثم استوى على العرش ) كيف شاء ، المشيئة إليه والاستطاعة إليه ليس كمثله شيء وهو خالق كل شيء وهو كما ( وصف نفسه ) سميع بصير بلا حد ولا تقدير لا نتعدى القرآن والحديث . . . تعالى عما يقول الجهمية ، والمشبهة ، قلت ( له ) : والمشبه ما تقول ؟ قال : من قال : بصر كبصري ويد كيدي وقدم كقدمي فقد شبه الله سبحانه بخلقه . وكلام أحمد في [ ص: 213 ] هذا كثير فإنه امتحن بالجهمية ، وجميع المتقدمين من أصحابه على مثل منهاجه في ذلك ، وإن كان بعض المتأخرين منهم دخل في نوع من البدعة التي أنكرها الإمام أحمد ولكن الرعيل الأول من أصحابه كلهم وجميع أئمة الحديث قولهم قوله .
فمعنى قول السلف: "بائن من خلقه" أي غير مماس لهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقد اتفق سلف الأمة، وأئمتها على أن الخالق تعالى بائن من مخلوقاته ليس في ذاته شيء من مخلوقاته، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته. انتهى
فالواجب على المسلم أن يعتقد أن الله تعالى مستو على عرشه ، وعرشه فوق سماواته ، وأنه بائن من خلقه جل وعلا ليس حاّلاً فيهم ، فهو العلي الأعلى ، فوق جميع مخلوقاته سبحانه وتعالى وتقدس. وهذا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة ، وإجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل القرون المفضلة.
منقول الشبكة الإسلامية