كَـــسـكـيـن
ولاشك أن الايجاز عندما يكون في موضوعه، يكون أبلغ وحادا في شوكته كسكين قضى صاحبه ردحا من الزمن في إمضائه قبل استعماله، ولعل لأجل ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجز في خطبة الجمعة، عندما يجتمع أكبر عدد من الناس فيستمعون القول، فيوجز في القول، ولايقول إلا مايترسب في العقول، ويطول بقاؤه في أذهانهم لأكبر فترة ممكنة، ومن الأئمة الذين اقتدوا بذلك وقالوا ما لايعلى عليه في موضعه، الإمام الطاهر بن عاشور عندما خطب في الناس يوم جمعة فقال:«نساء شكون إلي في لسواق»؟ فلم يتكلم المصلون، ثم قالها مرة ثانية: «نساء شكون إلي في لسواق»؟ فلم يتكلم المصلون، فجلس الشيخ ثم قام وقال: «لا خير في صلاتكم ونساؤكم عرايا» ثم قال أقم الصلاة.
ومثل هذه القذائف لاينحصر استعمالها في خطبة الجمعة فقط، ولكن أينما ادعت الضرورة لذلك وكانت في موضعها، ألم تر إلى المناضل تشي جيفارا عندما خطب في الأمم المتحدة فلم يطل في الكلام فختمها بقوله: "الوطن أو الموت!" ولو أنه ما قال إلا ذلك لكان أبلغ!
وإني ماحدثتكم عن كل ذلك إلا لأن نفسي (مما يحدث في غزة) لو تقلدت منصبا حساسا أمتلك فيه السلطة، لوقفت وقلت: "نوضوا إلى الجهاد يعطيكم ضربة" وقمت بعد ذلك فتوضأت.