في رحلة الصعود ننتهي أحيانا إلى مرحلة من عمرنا تصبح فيها سلة الأمنيات فارغة .. فقد تحقق كل شيء .. فجأة تكتشف أن قلمك يضع خطا على قائمة طويلة من الأحلام .. لقد أصبحت كلها بين يديك .. وها أنت تقف على عتبة عالية في جبل الطموحات .. يبدو الهدوء بعد الفراغ من المعركة لذيذا و جميلا إلى حد يتمكن منك و يسكنك و تخشى أن يغادرك هذا الجمال من السكون .. تلك الراحة مغرية إلى حد يمتد معها المكوث ربما إلى نهاية العمر .. تسترخي معها كلما سمعت أصوات الإعجاب من أولئك الذين ما زالوا في أسفل الجبل أو في بعض السفوح ! .. لكنك في حالة ما ترفض أن ترفع رأسك قليلا لتكتشف أنك في منتصف الجبل و أن الطريق إلى القمة سيبدأ بعد عتبتك تلك ! ... فهناك أقدام تبدو آثارها محفورة في الصخر الصاعد .. تشعر بأنفاسهم التي عرجت عاليا .. كانت سلالهم تحمل أمنية ثقيلة .. أمنية تكفي لبقية الطريق ! .. أمنية تعني حضورا خالدا في الملأ الأعلى .. أمنية احتاجت إلى إعداد ثقيل .. أمنية جاءت بعد أمنياتك الكثيرة .. حتى كأن كل ما مضى إعدادات الرحلة .. كل تلك الأحلام لم تكن سوى تهيئة كي تبدأ ! .. تماما مثلما حدث مع النبي عليه السلام يوم تزوج سيدة المجتمع و استقر وأغناه الله بمالها وسيقت له حياة التأمل الهادئة وانتهى وصبُ الفقد والفقر وامتلك ما كان حلما لشباب قومه .. كان ذلك فقط تهيئة .. إذ كان يراد منه "قولا ثقيلا" .. أن تصبح نبيا .. أن تصبح عالما .. أن تكون لحظة التغيير في مسار الأمة فتلك التي لا يطيقها إلا القليل ... وتلك قرارك الشخصي و لحظتك التي ستكون معها و بعدها حدثا مختلفا في سمع الملأ الأعلى ...