منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - أسماء الله الحسنى وصفاته
عرض مشاركة واحدة
قديم 2020-03-12, 17:12   رقم المشاركة : 106
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










B18


ثالثا :

من الأخطاء الشهيرة التي يقع فيها الناس كثيرا ، المثبت منهم

والنافي : أنه إذا اعتقد إثبات صفة ، ظن أن كل نص ورد فيه " لفظ " هذه الصفة ، يلزم تفسيره بمعنى هذه الصفة ، والاستدلال به على إثباتها .

وعكس ذلك النافي : إذا رأى في قول قائل من أهل العلم ، تفسير نص ، بما لا يدل على إثبات الصفة بهذا النص

ظن منه أن هناك تلازما بين ذلك ، وبين نفي الصفة ، واستدل بذلك التفسير على أن القائل المعين من السلف : ينفي هذه الصفة المعينة ، أو ربما انتقل من ذلك إلى دعواه : أن يتأول باب الصفات بعامة .

وكلا الأمرين خطأ واضح في الاستدلال ؛ فإنه لا يلزم من بطلان الدليل ، بطلان المدلول ، ولا يلزم من تأويل النص المعين ، تأويل الباب كله ، بل ولا نفي الصفة المعينة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

وَأَمَّا قُرْبُهُ بِنَفْسِهِ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ " قُرْبًا لَازِمًا فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ؛ وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ شَيْءٌ: فَهَذَا فِيهِ لِلنَّاسِ قَوْلَانِ. فَمَنْ يَقُولُ هُوَ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَقُولُ بِهَذَا .

وَمَنْ لَا يَقُولُ بِهَذَا : لَهُمْ أَيْضًا فِيهِ قَوْلَانِ :

أَحَدُهُمَا إثْبَاتُ هَذَا الْقُرْبِ ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالصُّوفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ ، يَقُولُونَ: هُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ ، وَيُثْبِتُونَ هَذَا الْقُرْبَ.

وَقَوْمٌ يُثْبِتُونَ هَذَا الْقُرْبَ؛ دُونَ كَوْنِهِ عَلَى الْعَرْشِ.

وَإِذَا كَانَ قُرْبُ عِبَادِهِ مِنْهُ نَفْسَهُ ، وَقُرْبُهُ مِنْهُمْ : لَيْسَ مُمْتَنِعًا عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ مِنْ السَّلَفِ وَأَتْبَاعِهِمْ، مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ وَأَهْلِ الْكَلَامِ : لَمْ يَجِبْ أَنْ يُتَأَوَّلَ كُلُّ نَصٍّ فِيهِ ذِكْرُ قُرْبِهِ ، مِنْ جِهَةِ امْتِنَاعِ الْقُرْبِ عَلَيْهِ .

وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الْقُرْبِ عَلَيْهِ : أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فِيهِ قُرْبُهُ ، يُرَادُ بِهِ قُرْبُهُ بِنَفْسِهِ ؛ بَلْ يَبْقَى هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الْجَائِزَةِ ، وَيُنْظَرُ فِي النَّصِّ الْوَارِدِ ؛ فَإِنْ دَلَّ عَلَى هَذَا ، حُمِلَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ دَلَّ عَلَى هَذَا حُمِلَ عَلَيْهِ .

وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي لَفْظِ الْإِتْيَانِ وَالْمَجِيءِ ؛ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ قَدْ دَلَّ عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّهُ هُوَ يَأْتِي

فَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَأْتِي بِعَذَابِهِ

كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ وقَوْله تَعَالَى فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا .

فَتَدَبَّرْ هَذَا ؛ فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَغْلَطُ النَّاسُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ

إذَا تَنَازَعَ الْنُّفَاةِ وَالْمُثْبِتَةُ فِي صِفَةٍ وَدَلَالَةٍ نُصَّ عَلَيْهَا ؛ يُرِيدُ الْمُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ اللَّفْظَ - حَيْثُ وَرَدَ - دَالًّا عَلَى الصِّفَةِ ، وَظَاهِرًا فِيهَا ، ثُمَّ يَقُولُ النَّافِي

: وَهُنَاكَ لَمْ تَدُلَّ عَلَى الصِّفَةِ ، فَلَا تَدُلُّ هُنَا. وَقَدْ يَقُولُ بَعْضُ الْمُثْبِتَةِ: دَلَّتْ هُنَا عَلَى الصِّفَةِ ، فَتَكُونُ دَالَّةً هُنَاكَ .

بَلْ لَمَّا رَأَوْا بَعْضَ النُّصُوصِ تَدُلُّ عَلَى الصِّفَةِ

جَعَلُوا كُلَّ آيَةٍ فِيهَا مَا يَتَوَهَّمُونَ أَنَّهُ يُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى - إضَافَةَ صِفَةٍ - مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ

كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ؛ وَهَذَا يَقَعُ فِيهِ طَوَائِفُ مِنْ الْمُثْبِتَةِ والْنُّفَاةِ ، وَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ الْغَلَطِ .

فَإِنَّ الدَّلَالَةَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِحَسَبِ سِيَاقِهِ ، وَمَا يُحَفُّ بِهِ مِنْ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ وَالْحَالِيَّةِ .

وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي أَمْرِ الْمَخْلُوقِينَ : يُرَادُ بِأَلْفَاظِ الصِّفَاتِ مِنْهُمْ ، فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ : غَيْرُ الصِّفَاتِ.

وَأَنَا أَذْكُرُ لِهَذَا مِثَالَيْنِ نَافِعَيْنِ :

أَحَدُهُمَا : صِفَةُ الْوَجْهِ ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ إثْبَاتُ هَذِهِ الصِّفَةِ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْمُتَكَلِّمَةِ الصفاتية، مِنْ الْكُلَّابِيَة وَالْأَشْعَرِيَّةِ والكَرَّامِيَة ، وَكَانَ نَفْيُهَا مَذْهَبَ الْجَهْمِيَّة ، مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ

وَمَذْهَبَ بَعْضِ الصفاتية مِنْ الْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ =

صَارَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ : كُلَّمَا قَرَأَ آيَةً فِيهَا ذِكْرُ الْوَجْهِ ، جَعَلَهَا مِنْ مَوَارِدِ النِّزَاعِ

فَالْمُثْبِتُ يَجْعَلُهَا مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي لَا تُتَأَوَّلُ بِالصَّرْفِ ، وَالنَّافِي يَرَى أَنَّهُ إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ صِفَةً ، فَكَذَلِكَ غَيْرُهَا.

مِثَالُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ

أَدْخَلَهَا فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ طَوَائِفُ مِنْ الْمُثْبِتَةِ والْنُّفَاةِ حَتَّى عَدَّهَا " أُولَئِكَ " كَابْنِ خُزَيْمَة مِمَّا يُقَرِّرُ إثْبَاتَ الصِّفَةِ وَجَعَلَ " النَّافِيَةَ " تَفْسِيرَهَا بِغَيْرِ الصِّفَةِ حُجَّةً لَهُمْ فِي مَوَارِدِ النِّزَاعِ.

وَلِهَذَا لَمَّا اجْتَمَعْنَا فِي الْمَجْلِسِ الْمَعْقُودِ ، وَكُنْت قَدْ قُلْت: أَمْهَلْت كُلَّ مَنْ خَالَفَنِي ثَلَاثَ سِنِينَ إنْ جَاءَ بِحَرْفِ وَاحِدٍ عَنْ السَّلَفِ يُخَالِفُ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْته ، كَانَتْ لَهُ الْحُجَّةُ ، وَفَعَلْت وَفَعَلْت

. وَجَعَلَ الْمُعَارِضُونَ يُفَتِّشُونَ الْكُتُبَ ، فَظَفِرُوا بِمَا ذَكَرَهُ البيهقي فِي كِتَابِ " الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ "

فِي قَوْله تَعَالَى وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالشَّافِعِيِّ

: أَنَّ الْمُرَادَ قِبْلَةُ اللَّهِ فَقَالَ أَحَدُ كُبَرَائِهِمْ - فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي - قَدْ أَحْضَرْت نَقْلًا عَنْ السَّلَفِ بِالتَّأْوِيلِ ؟

فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا أَعَدَّ ، فَقُلْت: لَعَلَّك قَدْ ذَكَرْت مَا رُوِيَ فِي قَوْله تَعَالَى وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قُلْت: الْمُرَادُ بِهَا : قِبْلَةُ اللَّهِ !!

فَقَالَ: قَدْ تَأَوَّلَهَا مُجَاهِدٌ وَالشَّافِعِيُّ ، وَهُمَا مِنْ السَّلَفِ ...

قُلْت هَذِهِ الْآيَةُ : لَيْسَتْ مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ أَصْلًا ، وَلَا تَنْدَرِجُ فِي عُمُومِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: لَا تُؤَوَّلُ آيَاتُ الصِّفَاتِ.

قَالَ: أَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْوَجْهِ ؟

فَلَمَّا قُلْت: الْمُرَادُ بِهَا قِبْلَةُ اللَّهِ ، قَالَ: أَلَيْسَتْ هَذِهِ مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ؟

قُلْت: لَا ؛ لَيْسَتْ مِنْ مَوَارِدِ النِّزَاعِ ، فَإِنِّي إنَّمَا أُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَجْهِ - هُنَا - الْقِبْلَةُ ، فَإِنَّ " الْوَجْهَ "

: هُوَ الْجِهَةُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ ، يُقَالُ: قَصَدْت هَذَا الْوَجْهَ ، وَسَافَرْت إلَى هَذَا " الْوَجْهِ "

أَيْ: إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ ؛ وَهَذَا كَثِيرٌ مَشْهُورٌ .

فَالْوَجْهُ : هُوَ الْجِهَةُ. وَهُوَ الْوِجْهة .

كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ، أَيْ مُتَوَلِّيهَا

فَقَوْلُهُ تَعَالَى: وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا كَقَوْلِهِ: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ، كِلْتَا الْآيَتَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبَتَانِ

وَكِلَاهُمَا فِي شَأْنِ الْقِبْلَةِ ، وَالْوَجْهِ ، وَالْوجِهَةِ : هُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْآيَتَيْنِ: أَنَّا نُوَلِّيهِ: نَسْتَقْبِلُهُ.

قُلْت: وَالسِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا وَأَيْنَ مِنْ الظُّرُوفِ ، وَتُوَلُّوا أَيْ تَسْتَقْبِلُوا. فَالْمَعْنَى: أَيُّ مَوْضِعٍ اسْتَقْبَلْتُمُوهُ

فَهُنَالِكَ وَجْهُ اللَّهِ . فَقَدْ جَعَلَ وَجْهَ اللَّهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَسْتَقْبِلُهُ ، هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ، وَهِيَ الْجِهَاتُ كُلُّهَا ، كَمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .

فَأَخْبَرَ أَنَّ الْجِهَاتِ لَهُ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ : إضَافَةُ تَخْصِيصٍ وَتَشْرِيفٍ؛ كَأَنَّهُ قَالَ : جِهَةُ اللَّهِ ، وَقِبْلَةُ اللَّهِ ...

وَالْغَرَضُ أَنَّهُ إذَا قِيلَ: " فَثَمَّ قِبْلَةُ اللَّهِ " : لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ التَّأْوِيلِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ؛ الَّذِي يُنْكِرُهُ مُنْكِرُو تَأْوِيلِ آيَاتِ الصِّفَاتِ؛ وَلَا هُوَ مِمَّا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَيْهِمْ الْمُثْبِتَةُ ؛ فَإِنَّ هَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ ، وَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَيْهِ .

وَإِنْ كَانَتْ دَالَّةً عَلَى ثُبُوتِ صِفَةٍ ، فَذَاكَ شَيْءٌ آخَرُ .."

انتهى، من "مجموع الفتاوى" (6/15-17)
.
والله أعلم .