منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - تربية النفس
الموضوع: تربية النفس
عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-10-02, 13:44   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تتساءل عن الحكمة في خلق الشهوة الجنسية وتشكو من تأثير ذلك على عقيدتها

السؤال:

لدي مشكلة عقدية أخفيتها لسنوات ، لكنني أدركت أخيرا أنها تتفاقم ، وستأتي على بنيان العقيدة كاملا إن لم تعالج . لدي نفس تتعشق الكمال

وأحب أن أراه في العقيدة التي أعتنقها ، لكنني - ومنذ أن كبرت وعرفت طبيعة تكوين الإنسان وشهوته - أصبت بخيبة أمل ، وبدأت أسئلة كثيرة تلح علي لا أجد لها جوابا .

لماذا ركب الخالق عز وجل تلك الشهوة لدى البشر ، مع قدرته العظيمة على جعل استمرار البشرية يتم بغير تلك الطريقة البشعة ، التي تحط من شأن الإنسان إلى درك الحيوان ؟

لماذا ركب تلك الشهوة الجامحة لدى الإنسان ثم أمره بجهادها، ونهاه عن ارتكاب الآثام والفواحش بدافع منها ؟

كيف أمر الإنسان بجهاد شهوته وكبح جماحها

وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تتلى في المساجد على الملأ تتحدث عن التمتع بالنساء الأبكار ؟

لماذا ركب الشهوة عند كل البشر ، ثم يحرم الكثير منهم من الزواج ، وهو السبيل الوحيد المباح لإشباعها ؟

الأمر الذي أذهلني ، كيف يحرم الزنا ، ثم يبيح للرجل معاشرة الإماء والسراري دون زواج ، وبأي عدد ، ولو كن متزوجات ؟

أرجو منكم الدعاء بالهداية ، وإجابة سريعة تشفي قلبي المكلوم . ولكم عند الله جزيل الثواب لإنقاذ عقيدة مؤمنة تتداعى .


الجواب :

الحمد لله


لا نكتمك سرا أننا حين نقرأ هذا النوع من الوساوس

نتعجب غاية العجب من المستوى الذي تبلغه النفس البشرية

حين تتكلف إنشاء التساؤلات التي لا تثمر نتائج عملية

ولا تنتج معرفة ينتفع بها

أو على الأقل يمكن البناء عليها .

كلما حدث أمر في هذا الكون

أو تبين وجه في هذا الخلق العظيم

ثار بعض الناس بالسؤال عن الحكمة

وانشغلوا به عن سؤال الرسالة المرادة من سائر العباد .

وإنما مثلهم في ذلك ، كمثل الموظف الذي يقضي يومه منشغل الفكر والبال في تحليل "الأسرار" التي تحمل إدارة شركته على إصدار كل تعميم

وعن الحكمة من كل حركة وسكون ، حتى تغدو كلمة " لماذا " نقمة عليه وعلى أمثاله ، إلى القدر الذي يفقد معه هذا المتسائل أسباب التفكير المنطقي السليم

ثم يعود ليفقد "وظيفته" التي جاء من أجلها ؛ لأنه لو تأمل لعلم أن سؤال " لماذا " سيرد على كل وجه ، حتى لو اتخذت الشركة طريقا غير الطريق الذي تساءل عنه أولا

فإنه سيوجه التساؤل نفسه للمسلك الآخر الذي نهجته شركته ، وهكذا ، إلى ما لا نهاية .

وهو ما تفرضه النفس الأمارة بالسوء أيضا على كثير من البشر : لماذا خلق الله الشهوة الجنسية على هذا الشكل ؟!
ولو أن الله عز وجل خلقها على هيئة أخرى لقالوا : لماذا خلقها الله على هذه الهيئة ؟

ولو خلقها بوجه ثالث لقالوا : ما الحكمة في هذا التركيب ؟

والمشكلة الأعظم حين يغدو سؤال " الحكمة " هذا سببا للشك في العقيدة ، وضعف الإيمان ، والانحدار عن درجة اليقين ، وكأن المبادئ والعقائد والفلسفات الكبرى تقوم على هذا النوع " العامي " من التساؤلات .

ألا تعلمين أن أحد أسرار وجود بني البشر هو " اختبار العبودية لله تعالى "، بمعنى أن يتعرض هذا الإنسان لبواعث الصلاح والفساد في الوقت نفسه

كما قال عز وجل : ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) الإنسان/3

وقال تعالى : ( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) العلق/10:

أي " طريقي الخير والشر ، بيَّنَّا له الهدى من الضلال ، والرشد من الغي

" كما يقول الشيخ السعدي رحمه الله في " تيسير الكريم الرحمن " (ص924).

فيدخل في الاختبار الصعب : هل يختار طريق الخير أم طريق الشر ؟

ثم إذا اختار الخير ، هجمت عليه أيضا نوازع فساد من نوع آخر .

وإذا سلك طريق الهلاك ، لم يُحرم أيضا من حوافز الصلاح بشكل أو بآخر .

وكل هذه " البواعث " أو " المرغبات " في طريقي النجاة والهلاك مركبة في النفس البشرية تركيب جِبِلَّة وخِلقة ، بحيث لا ينفك الإنسان عنها بحال من الأحوال

فيبقى في كل لحظاته وسكناته ، وفي جميع أطواره وأحواله ، في معركة " الاختبار " تلك ، لا يخرج منها إلا إذا أسلم الروح إلى بارئها ، ولهذا قالوا : كل حي ترد عليه الفتنة ، ولا يسلم منها إلا الأموات .

والشهوة واحدة من هذه البواعث المجبولة في طينة النفس البشرية ، تماما كحب المال والجاه والبنين .

وفي الوقت نفسه أيضا خلق الله في كوامن الإنسان معرفة الله سبحانه ، والفقر إليه ، وحب قيم الخير والصلاح ، كالصدق والإحسان والبناء والتعلم ، وحينئذ سيعيش هذا الصراع في حياته

صراع الخير والشر ، فإذا اختار الخير والصلاح والتُّقى ، كان عند الله عز وجل أعظم مكانة من الملائكة المطهرين ؛ لأنه اختار طريق الطهر بعد فتنة وابتلاء .

وأما الملائكة فليس فيهم نوازعُ تدعوهم إلى طريق الشر أصلا ، وفرق بين من يمتحن فيتعرض لمغريات الفساد ، فيتخذ بإرادته الصارمة طريق الحق والسعادة

فهو في أعلى المنازل عند الله سبحانه ، وبين من يتعبد لله تعالى ، لا عن اختيار ، كما هو شأن الملائكة .

وقد جاءت هذه الحكمة واضحة في قول الله عز وجل : ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا

وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ . قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد ) آل عمران/14-15.

ثم إن تساؤلك عن الحكمة من تركيب الشهوة الجنسية على هذه الهيئة المعروفة : يدل على الحكمة نفسها ؛ فمتاع الحياة الدنيا نفسه ،

خلق الله عز وجل فيه من المحسنات والمنفرات ما يحقق التوازن أيضا ، ويضع الإنسان أمام اختبار موضوعي متزن ، لا يضطره إلى الفشل التام ، ولا يفقد قيمته بسهولته ، أو بضمور أسباب الشهوات .

فحب الجاه مثلا شهوة مركبة في الإنسان ، لكنها في الوقت نفسه تنطوي على العديد من المنفرات والتحديات والآفات وأنواع الأذى ، مما هو معلوم لا يخفى .

وحب الأبناء مثلا ، شهوة مركبة في النفس البشرية ، يرغِّبُ فيها جمالُهم وبراءتهم وقدرتهم على جلب السعادة ، وعونهم وبرهم في الكبر أيضا

ولكن في الوقت نفسه فإن إنجابهم وتربيتهم ، وتحمل مسؤولياتهم طريق مليء بالمخاطر والآلام ، الأمر الذي يحقق " الاختبار " نفسه داخل " أدوات الاختبار "

ويخلق التوازن المطلوب في هذا الكون في جميع تفاصيله ، وعلى جميع المستويات .









رد مع اقتباس