الأصل الثاني:
قال الشيخ رحمه الله : (أمر الله بالاجتماع في الدين ونهى عن التفرق
,فبين الله هذا بيانا شافيا تفهمه العوام. ونهانا أن نكون كالذين تفرقوا واختلفوا قبلنا فهلكوا. وذكر أنه أمر المسلمين بالاجتماع في الدين ونهاهم عن التفرق فيه):
السؤال (1): ما هو هذا الأصل؟
الجواب:من أعظم أصول الدين الإسلامي التي دل عليها كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام الاجتماع على حبل الله المتين وصراطه المستقيم في آيات كثيرة منها ما يأمر بالاجتماع وما ينهى عن التفرق وهي كالتالي : قال تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)(آل عمران: من الآية103) ، وقال تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران:105)
ï‚،ï€*وقال تعالى : وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) (الشورى:14) , وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ )(النساء: من الآية150) ، وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء)(الأنعام: من الآية159) ، وقال تعالى : (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (الروم:32) ، وقال تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) (الشورى:13) .
ويدخل في معنى التفرق الاختلاف فإنه مذموم شرعا ، وإن كان التفرق والاختلاف مرا قدريا لابد منه . قال تعالى : ( وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)(118)إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّك)(هود: من الآية119) ، وقال عليه الصلاة والسلام : " لتتبعن سنن من كان قبلكم " الحديث . ومن أعظم سنن من كان قبلنا الافتراق والاختلاف , وتقدمت الإشارة إلى حديث سعيد في مسلم . إلا أن المسلمين مطالبون شرعا بتسويته وإزالته . والآيات في ذم الاختلاف كالتالي : قال تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ) (البقرة:176)
ï‚،ï€*وقال تعالى : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة:213) ، وقال تعالى : (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (النحل:64) ، وقال تعالى : (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيه)(النحل: من الآية124) ، وقال تعالى : (وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُم)(الجاثـية: من الآية17) ، وقال تعالى : (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (يونس:19)
إذا يتبين من الآيات السابقة أن الافتراق والاختلاف في الدين أمران مذمومان في شرعا مطلقا لا على الإطلاق
السؤال (2): إلى كم قسم ينقسم الإفتراق أو الإختلاف؟
الجواب: يحسن بنا أن نقسمها إلى قسمين :
القسم الأول : الافتراق في أصول الدين التي لا مجال للاجتهاد فيها ، كافتراق الشيعة عن أهل السنة .وافتراق الجهمية والمعتزلة والأشاعرة واختلافهم مع أهل السنة .
ومن أنواعه : اختلاف بعض الفقهاء في فروع جاء الشرع بها كلها ، واختلافها لا يضر بل هو من الدين . كالاختلاف في صفات الأذان ، والاختلاف في أنواع التشهد وأنواع الاستفتاح . لأنها كلها جاء الشرع بها فلا يحسن اختلافها حينئذٍ بل يكون من نزغات الشيطان . وقد يكون الاختلاف في مسألة يتجاذبها دليلان كمسألة نقض الوضوء من لحوم الإبل فإن لزوم كل أحد منهما برأيه المبني على الدليل الشرعي من السنة الصحيحة لا يذم عليه وإنما يذم إذا وصل الخلاف إلى القلوب . فقد كان بعض السلف يصلي خلف رجل يعتقد أن لحوم الجزور لا ينقض مع اعتقاده هو أنه ينقض لأن الإمام مجتهد وله دليله . وهكذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يختلفون ولكن هذا الاختلاف لا يؤدي إلى نفرة في القلوب وتقاطع وتدابر.
القسم الثاني : الافتراق والاختلاف المحمود : فإن إصرار أهل السنة على مخالفة أهل البدع والضلالة محمود في حقهم بل هو واجب عليهم ، وأنه من الظلم العظيم والجناية على الدين أن يقال للمسلمين توحدوا على اختلاف مناهجكم بل عقائدكم . وهذا أعظم ما يزيل الدين ويمحو أثره ويصادم الأدلة الشرعية . فإن موسى عليه السلام لم يعذر هارون عليه السلام في عدم إتباعه لما رأى أن بني إسرائيل ضلوا . وقد قال هارون : ( إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي)(طـه: من الآية94)، فالفرقة المحمودة إذا كان القصد منها الدفاع عن الكتاب والسنة على بصيرة ومنهج السلف الصالح .
فالواجب على علماء الإسلام أن يتناصحوا ويبين بعضهم لبعض الحق الدليل الشرعي قال تعالى : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول)(النساء: من الآية59)، وقال تعالى : وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّه)(الشورى: من الآية10).
السؤال (3): ما عقوبة من رفض الحق بعد بيانه؟
الجواب: من رفض الحق بعد بيانه اتباعا لهواه فإن الله عز وجل يعاقبه بتقليب قلبه فلا يعلم الحق وإن أراده وطلبه . وإن من أعظم أسباب رد الحق هو تعظيم الرجال ، بل هو من أعظم أسباب الوقوع في الشرك كما في البخاري عن ابن عباس في قصة قوم نوح مع الرجال الصالحين . فتجد بعض الناس يعتقد أن الحق في كل ما قاله فلان ، فإذا جاء الدليل من الكتاب والسنة بخلافه رفضه وتمحل في رده وتأويله . ومن تأمل أحوال الفرق الضالة وجدهم أشد الناس تعلقاً بالأشخاص كما يفعل الشيعة ، وكما هو موجود في كثير من الجماعات الإسلامية ، فتجدهم يعظمون الشخص لأنه عذب مثلا ، أو جاهد . وعقيدة أهل السنة والجماعة أن المعصوم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده وأما من سواه فيؤخذ من قوله ما وافق الكتاب والسنة ويرد ما خالفهم . ولذلك فإن الواجب هو ربط المسلمين برسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن ربطهم بغيره من أعظم أسباب اختلافهم
(فبين الله هذا بيانا شافيا تفهمه العوام, ونهانا أن نكون كالذين تفرقوا واختلفوا قبلنا فهلكوا, وذكر أنه أمر المسلمين بالاجتماع في الدين ونهاهم عن التفرق فيه):
السؤال (4): كيف بين الله عز وجل هذا؟
الجواب: أي أن الله عز وجل لم يأمر المسلمين أمرا مطلقا بالاجتماع في الدين . فليس المقصود من الاجتماع تكثير سواد المسلمين وإنما المقصود بالاجتماع الاعتصام بحبل الله المتين . قال تعالى : (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه)(الأنعام: من الآية116) ، وقال تعالى : (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (يوسف:103) ï€* فالكثرة لا تنفع إذا لم تكن معتصمة بحبل الله المتين . فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن المسلمين سيكثرون في آخر الزمان ولكنه قال عنهم : ( غثاء كغثاء السيل ) ، وأخبر أن القليل منهم الذي يلتزم بهذا الدين التزاما كاملا فقال : " لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خالفهم إلى قيام الساعة".
إنتهى الأصل الثاني.