منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - آداب طالب العلم
عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-09-24, 11:24   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

آداب زيارة العلماء

السؤال:

ما هي آداب زيارة العلماء ؟

الجواب :

الحمد لله

للعلماء في شريعتنا منزلة عالية ، ومكانة رفيعة ، فهم ورثة الأنبياء ، وحملة الشريعة ، وهم روح الأمة وحياتها وفيهم – بعدَ الله – أملها ورجاؤها .

لذلك كان من الواجب على جميع المسلمين توقيرهم ، واحترامهم ، وإكرامهم ، والتأدب معهم في جميع شؤونهم

يجمع ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :( لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ ) رواه أحمد (5/323) وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (5442) .

ولزيارة العلماء آداب خاصة ، وآداب مشتركة مع كل زيارة ، ونحن نذكر هنا أهم الآداب التي تكفي لتحقيق الأدب والتوقير والإجلال اللائق بأهل العلم والفضل :

1- استحضار النية الصالحة قبل زيارتهم ، كي يكتب الله تعالى هذه الزيارة في كتاب الحسنات ، ويثيب عليها في الآخرة الأجر العظيم الجزيل

وخير ما يمكن أن يحتسبه المرء في زيارة أهل العلم هو التعلم وطلب التفقه في الدين ، وتحصيل الفهم وتقويم الفكر ، والاستفادة من الفرصة المتاحة في الزيارة للسؤال عن المسائل المشكلة والقضايا المشتبهة

فإذا جمع الزائر إلى هذه النية الحب في الله ، وحب العلماء والفقهاء والصالحين ، والرغبة في بلوغ منزلتهم ، فقد جمع خيراً كثيراً ، ورجع بالأجر والفضل ، وكانت زيارته عبادة يرجو برها وذخرها عند الله تعالى
.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى ، فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ – أي : طريقه - مَلَكًا ، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟

قَالَ : أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ . قَالَ : هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا – أي : تقوم بإصلاحها وتنهض إليه بسبب ذلك - ؟ قَالَ : لَا ، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .

قَالَ : فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ ) رواه مسلم (2567) .

وأسوأ ما يمكن أن يحتسبه من يزور أهل العلم بلوغ حظ من حظوظ الدنيا ، من شهرة أو رياء أو سمعة ، ليقال إنه من أصحاب الإمام الفلاني ، أو العالم الفلاني

أو لينال من تزكيته وثنائه ما يبلغ به شيئا من الدنيا ، أو طمع في مال أو جاه أو منصب ، أو غير ذلك من السفاسف الزائلة ، وأي قبح أعظم من أن تقصد الدنيا بأمور الآخرة

فتصير المكارم والمحاسن مطامع لذوي النفوس المريضة .

2- التحضير للزيارة بالموعد المسبق مع العالم المقصود ، فأوقات العلماء وأعمارهم موقوفة في سبيل الله ، فقد تسبب الزيارة المفاجئة الكثير من الحرج والضيق ، فتفسد على العالم عمله وجهده ، وقد يستحي من رد المزور .

وحبذا لو استغلت فرص الزيارة المفتوحة التي يخصصها كثير من العلماء ، وتكون معروفة لدى من حوله من طلبة العلم ، فلا ينبغي للطلبة التضييق عليه باضطراره إلى اقتطاع أوقات زائدة لزيارة خاصة إلا لحاجة أو ضرورة طارئة .

3- العناية بالنظافة والأناقة وأخذ الزينة المناسبة للزيارة ، توقيرا وإكراما لمجالس العلم ومنازل العلماء .

4- اصطحاب أهل الفضل والخير والجادين من طلبة العلم ، الذين يعرفون للزيارة آدابها وحرمتها ، لا المعاندين المغرضين الذين يتصيدون الزلات

ولا يتورعون عن الولوغ في أعراض المسلمين ، وكذلك تجنب اصطحاب الأطفال والأولاد المزعجين ، كي لا يتسبب الزائر بالأذى لأهل البيت

كما ينبغي مراعاة حال المنزل من حيث الضيق والسعة ، فيقدر الزوار العدد الذي لا يسبب الحرج إن ضاق بهم المكان .

5- التأدب بآداب الاستئذان : كالتعريف بالاسم ، والاستئذان ثلاثا بالطريقة اللائقة اللينة من غير إحداث أصوات مزعجة ، وعدم الوقوف أمام الباب مباشرة

والرجوع إن لم يحصل الإذن من غير صخب ولا ضجر ، وغير ذلك من الآداب العامة التي يستعملها الناس اليوم .

قال ابن جماعة في "تذكرة السامع والمتكلم" (ص/143) معددا آداب الطالب مع شيخه :

" ألا يدخل على الشيخ في غير المجلس العام إلا باستئذان ، سواء كان الشيخ وحده أو كان معه غيره ، فإن استأذن بحيث يعلم الشيخ ولم يأذن له انصرف

ولا يكرر الاستئذان ، وإن شك في علم الشيخ به فلا يزيد في الاستئذان فوق ثلاث مرات ، أو ثلاث طرقات بالباب أو الحلقة ، وليكن طرق الباب خفيا بأدب بأظفار الأصابع ، ثم بالأصابع ثم بالحلقة قليلا قليلا

فإن كان الموضع بعيدا عن الباب والحلقة فلا بأس برفع ذلك بقدر ما يسمع لا غير ، وإذا أذن وكانوا جماعة ، يقدم أفضلهم وأسنهم بالدخول والسلام عليه ، ثم سلم عليه الأفضل فالأفضل .

وينبغي أن يدخل على الشيخ كامل الهيئة ، متطهر البدن والثياب ، نظيفهما ، بعد ما يحتاج إليه من أخذ ظفر وشعر ، وقطع رائحة كريهة لا سيما إن كان يقصد مجلس العلم ، فإنه مجلس ذكر واجتماع في عبادة .

ومتى دخل على الشيخ في غير المجلس العام وعنده من يتحدث معه فسكتوا عن الحديث ، أو دخل والشيخ وحده يصلي أو يذكر أو يكتب أو يطالع ، فترك ذلك أو سكت ولم يبدأ بكلام أو بسط حديث

فليسلم وليخرج سريعا ، إلا أن يحثه الشيخ على المكث ، وإذا مكث فلا يطيل إلا أن يأمره بذلك " انتهى .

6- التأدب في مجلسه بآداب المجالس ، ويحاول أن يبلغ بها الغاية والكمال ، فهي كلها خير وخلق وأدب : فلا يرفع صوته ، ويحرص على خدمة الشيخ وتلبية طلبه

ويحترمه في أسلوب الخطاب والحديث ، ولا يزعجه بالمكالمات الهاتفية المزعجة ، وينبغي " أن يكون مجلسه دون العالم ، وأن لا يكون بعيداً عن العالم ولا قريباً جداً منه في مجلسه

وأن يتفسح للطلاب الذين يريدون الجلوس ، وأن لا يشغب بالكلام في مجلسه ، ولا يماري ولا يجادل ، وأن لا يبدأ الحديث حتى يبدأ الشيخ ، وأن لا يفرض على مجلس الشيخ حديثاً بدون إذن الشيخ

وأن لا يتكلم بعد كلام الشيخ إلا بإذنه ، وأن لا يغتاب عنده أحداً ، وأن لا يشعره بتململ أو تضجر ، وأن لا يجلس جلسة تنبئ عن عدم الاكتراث أو قلة الاهتمام

وأن يتحمل من شيخه ما قد يعتريه من وعورة خلق أو شدة ، فإنما هو بَشَر " انتهى .

نقلا عن "معاملة العلماء" للشيخ محمد بازمول (ص/39) .

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( إن من حق العالم ألا تكثر عليه السؤال ، ولا تعنته في الجواب ، وأن لا تلح عليه إذا كسل ، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض

ولا تفشين له سرا ، ولا تغتابن عنده أحدا ، وإن زل قبلت معذرته ، وعليك أن توقره وتعظمه لله ما دام يحفظ أمر الله ، ولا تجلس أمامه ، وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته ) .

وقال أيضا : ( من حق العالم عليك إذا أتيته أن تسلم عليه خاصة ، وعلى القوم عامة ، وتجلس قدامه ، ولا تشر بيديك ، ولا تغمز بعينيك ، ولا تقل قال فلان خلاف قولك

ولا تأخذ بثوبه ، ولا تلح عليه في السؤال ، فإنه بمنزلة النخلة المرطبة لا يزال يسقط عليك منها شيء).

رواهما ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (1/129) ، (1/146) .

وقال ابن جماعة في "تذكرة السامع والمتكلم" (ص/145- 165 ) :

" وينبغي أن يدخل على الشيخ أو يجلس عنده وقلبه فارغ من الشواغل ، وذهنه صاف ، لا في حال نعاس أو غضب أو جوع شديد أو عطش أو نحو ذلك

ليشرح صدره لما يقال ويعي ما يسمع وأن يجلس بين يدي الشيخ جلسة الأدب ، ويصغي إلى الشيخ ناظرا إليه ، ويقبل بكليته عليه ، ولا يلتفت من غير ضرورة ، ولا يعبث بيديه أو رجليه

ولا يضع يده على لحيته أو فمه أو يعبث بها في أنفه ، ولا يعطي الشيخ جنبه أو ظهره ، ولا يعتمد على يده إلى ورائه أو جنبه ، ولا يكثر كلامه من غير حاجة ، ولا يكثر التنحنح من غير حاجة

ولا يبصق ولا يتنخع ما أمكنه ، وإذا عطس خفض صوته جهده ، وستر وجهه بمنديل ، وإذا تثاءب ستر فاه بعد رده جهده " انتهى باختصار .

وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي (في سلسلة دروس مطبوعة الدرس/8، ص/16 ) :

" من حق العالم على طالب العلم إذا كان في مجلس العلم أن يصغي إليه ، كما أخبر الله عن الجن : ( فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا ) الأحقاف/29

وقال الله لنبيه موسى : ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ) طه/12-13

فالواجب الإنصات إليه إذا حدث ، وعدم مقاطعته ، وعدم الاستهانة برأيه ، والاستخفاف بعلمه ، فإن العلم شعيرة من شعائر الله : ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) الحج/32

كذلك أيضاً من حقوقهم : أن الإنسان يحرص كل الحرص على التأدب معهم في المناقشة والسؤال والاستفتاء ، لا يرهقهم ولا يحملهم ما لا يطيقون

ولذلك أمر الله أصحاب نبيه أن يتأدبوا معه حتى في مجالسهم الخاصة ، وأن لا يطيلوا الجلوس عنده ؛ لأنه ربما كان مشغولاً بما هو أهم وأعظم ، فالعالم يحتاج إلى حفظ وقته

وهكذا إمام المسجد والخطيب ونحوهم ممن يوجه الناس ، قد تكون عندهم أمور خاصة يحتاج إلى تفرغ لها ، ويحتاجون أن يتزودوا ، فإذا أصبح الناس لا يبالون بأوقات العلماء

ويرهقونهم بكثرة الزيارات التي لا يصحبها استفادة ، فهذا أمر فيه ضرر عليهم ، بل هو من إساءة الأدب ، ولذلك من الأمور التي شاعت بين الكثير إلا من رحم الله كثرة زيارة العلماء والجلوس معهم دون استفادة .

فتجدهم يسألون عن حاله ، وعن شأنه ، ويسألونه عن أموره الخاصة ، وشئونه الخاصة ، دون أن يسألوا عن علمٍ نافع ، حتى مل العلماء من مجالس الناس وأصبحوا يقولون : نجلس ويضيع الوقت في أمور دنيوية .

وقد يجلسون بالساعات ، فإذا أراد العالم أن يقوم ، قال أحدهم : عندي سؤال ، وقال هذا : عندي مشكلة ، مع أن العالم يجلس بالساعات ، ولا يجد من يسأله .

فينبغي أن نشفق عليهم ، وأن نختار الأوقات المناسبة لزيارتهم ، وكذلك أيضاً إذا رأينا عليهم العناء والتعب نشفق عليهم ، فهذا أيضاً من احترام العلماء ومن الأدب معهم" انتهى باختصار.

7- وأخيرا ، يجب على الزائر أن يحفظ العالِم في غيبته ، فقد أكرمه في بيته ، وفتح له قلبه ، واستقطع له الوقت لمجالسته ،

فلا يجوز أن يقابل ذلك بالإساءة أو النسبة إلى التقصير ، بل الشكر والامتنان ، أو العفو والصفح .

والله أعلم .









رد مع اقتباس