الدليل الثاني :
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :
( جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بموت خديجة فقال : إن الله يقرئها السلام ، ويبشرها ببيت في الجنة من قَصَب ، بعيد من اللهب ، لا نَصَب فيه ولا صَخَب ، من لؤلؤة جوفاء ، بين بيت مريم بنت عمران ، وبيت آسية بنت مزاحم )
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (70/117)
قال : أخبرنا أبو المظفر بن القشيري وأبو القاسم زاهر بن طاهر ، قالا أنا محمد بن عبد الرحمن ، أنا أبو سعيد محمد بن بشر بن العباس التميمي ، أنا أبو الوليد محمد بن إدريس الشامي السرخسي ، نا سويد بن سعيد ، نا محمد بن صالح بن عمر ، عن الضحاك ومجاهد، عن ابن عمر به .
وهذا إسناد منكر أيضا ، فيه عدة علل :
1- محمد بن صالح بن عمر، قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (3/581): مجهول.
2- سويد بن سعيد الحدثاني: ترجمته في "تهذيب التهذيب" (4/275)
وفيها تضعيف كثير من أهل العلم له، وأنه كان يقبل التلقين.
3- أبو سعيد محمد بن بشر بن العباس (378هـ) :
ترجم له الذهبي في "تاريخ الإسلام" (26/633)
وقال: شيخ صالح مسند.
الدليل الثالث :
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة وهي في الموت فقال :
( يا خديجة ! إذا لقيت ضرائرك فأقرئيهن مني السلام . فقالت : يا رسول الله ، وهل تزوجت قبلي ؟ قال : لا ، ولكن الله زوجني مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وكلثم أخت موسى )
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (70/118)
قال : أخبرنا أبو غالب محمد بن عمرو بن محمد الشيرازي بأصبهان ، أنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب المقرئ ، نا القاضي أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد البردي إملاء
أنا أبو بكر هلال بن محمد بن محمد بالبصرة ، نا محمد ابن زكريا الغلابي ، نا العباس بن بكار ، نا أبو بكر الهذلي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس به .
وهذا إسناد منكر أيضا .
أبو بكر الهذلي : ترجمته في "تهذيب التهذيب" (12/46)
وفيها اتفاق المحدثين على تضعيفه جدا ، وأنه أخباري متروك الحديث .
وقال ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (8/166) :
ضعيف أيضا .
الدليل الرابع :
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( أُعْلِمتُ أن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران ، وكلثم أخت موسى ، وآسية امرأة فرعون . فقلت : هنيئًا لك يا رسول الله )
رواه أبو يعلى – ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (70/118)
والطبراني في "المعجم الكبير" (8/258)
والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (4/459)
وأبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان" (4/113)
وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (رقم/1460)
وابن عدي في "الكامل" (7/180) جميعهم من طريق :
عبد النور بن عبد الله ، حدثنا يونس بن شعيب ، عن أبي أمامة به .
وهذا إسناد موضوع .
عبد النور كذاب
قال العقيلي : " كان غالياً في الرفض ، ويضع الحديث خبيثاً "
وقال الذهبي : " كذاب " انتهى.
ويونس بن شعيب : قال فيه البخاري : "منكر الحديث"
وقال العقيلي : "حديثه غير محفوظ"
وقال ابن حبان في "المجروحين" (3/139) :
"لست أعرف له من أبي أمامة سماعا ، على مناكير ما يرويه في قلتها ، كأنه كان المتعمد لذلك ، لا يجوز الاحتجاج به بحال"
. وانظر "لسان الميزان" (6/332)
قال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (7053) :
" وهذا إسناد موضوع " انتهى.
الدليل الخامس :
عن عائشة رضي الله عنها قالت :
( دخل علي رسول الله مسرورا ، فقال : يا عائشة ! إن الله عز وجل زوجني مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم في الجنة .
قالت : قلت : بالرفاء والبنين يا رسول الله )
رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (2/683-684/604-
عجالة الراغب المتمني) والديلمي في "مسند الفردوس" (8620) ، قال ابن السني :
أخبرنا أحمد بن إبراهيم المديني بعمان ، حدثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا حفص بن غياث ، عن الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن عبد خير ، عن مسروق ، عن عائشة رضي الله عنها به. قال أبو بكر بن السني : كذا كتبته من كتابه .
وهذا إسناد ضعيف ؛ فيه تدليس أبي إسحاق السبيعي ، وهو من أهل المرتبة الثالثة من المدلسين في تصنيف الحافظ ابن حجر ، فلا يقبل حديثه إلا إذا صرح بالتحديث ، كما لم نقف على ترجمة لشيخ ابن السني : أحمد بن إبراهيم المديني .
الدليل السادس :
عن سعد بن جنادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( إن الله عز وجل قد زوجني في الجنة مريم بنت عمران ، وامرأة فرعون ، وأخت موسى )
رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/52)
ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (70/118)
قال الطبراني : حدثنا عبدالله بن ناجية ، ثنا محمد بن سعد العوفي ، ثنا أبي ، ثنا عمي ، ثنا يونس بن نفيع ، عن سعد بن جنادة به .
وهذا إسناد ضعيف جدا .
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/218) :
" رواه الطبراني ، وفيه من لم أعرفهم " انتهى.
وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (7053) :
" فيه من يعرف بالضعف... محمد بن سعد - هو: ابن محمد بن الحسن بن عطية -: قاضي بغداد ، وفيه لين ، وأبوه سعد مثل يونس بن نفيع ؛ لم أجد لهما ترجمة . وعمه هو : الحسين بن الحسن بن عطية ؛ قال الذهبي في " المغني " : " ضعفوه ". انتهى.
الدليل السابع :
عن ابن أبي رواد ، قال :
( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خديجة وهي في مرضها الذي توفيت فيه ، فقال لها : بالكره مني ما أرى منك يا خديجة ، وقد يجعل الله في الكره خيرا كثيرا
أما علمت أن الله قد زوجني معك في الجنة مريم بنت عمران ، وكلثم أخت موسى ، وآسية امرأة فرعون ؟ قالت : وقد فعل الله بك ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم . قالت : بالرفاء والبنين )
رواه الطبراني (22/451)
ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (70/119)
وأبو نعيم الأصبهاني في "معجم الصحابة" (رقم/6738)
ورواه ابن الجوزي في "المنتظم في التاريخ" (1/267/
ترجمة خديجة) من طريق ثنا الزبير بن بكار ، حدثني محمد بن حسن ، عن يعلى بن المغيرة ، عن بن أبي رواد به .
وهذا سند منقطع معضل .
فإن ابن أبي رواد هو عبد العزيز بن عبد المجيد بن أبي رواد من كبار أتباع التابعين ، توفي سنة (159هـ)
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/218) :
" منقطع الإسناد ، وفيه محمد بن الحسن بن زبالة وهو ضعيف " انتهى.
والخلاصة أن الأحاديث الواردة في هذا الباب كلها ضعيفة منكرة ، لا يصح منها شيء ، ولا تجوز نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، كما لا يجوز الخوض بما جاء فيها ، فذلك من الغيب الذي لم يطلعنا الله عليه ، ويجب أن نكل أمره إلى الله عز وجل .
يقول ابن كثير في "البداية والنهاية" (2/75)
بعد أن ساق مجموعة من أحاديث الباب :
" وكل من هذه الأحاديث في أسانيدها نظر " انتهى.
والله أعلم .