منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - أصول عقيدة أهل السنة والجماعة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-07-27, 17:00   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

فمعنى الحديث:

أن العبد إذا أخلص الطاعة، صارت أفعاله كلها لله عز وجل، فلا يسمع إلا الله، ولا يبصر إلا الله، أي: ما شرعه الله له، ولا يبطش ولا يمشي إلا في طاعة الله عز وجل، مستعينا بالله في ذلك كله؛ ولهذا جاء في بعض رواية الحديث في غير الصحيح، بعد قوله: (ورجله التي يمشي بها): (فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي)؛

ولهذا قال تعالى: {وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون} كما قال في الآية الأخرى: {قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون . قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون} [الملك: 23، 24] "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (4/ 589).

وقال تعالى: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) الإنسان/1-3

وقال الشنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان" (8/ 379):

" وقد ذكر تعالى نعمتين عظيمتين:

الأولى: إيجاد الإنسان من العدم ، بعد أن لم يكن شيئا مذكورا

وهذه نعمة عظمى لا كسب للعبد فيها.

والثانية: الهداية بالبيان والإرشاد إلى سبيل الحق والسعادة، وهذه نعمة إرسال الرسل وإنزال الكتب، ولا كسب للعبد فيها أيضا.

وقد قال العلماء: هناك ثلاث نعم لا كسب للعبد فيها:

الأولى: وجوده بعد العدم.

الثانية: نعمة الإيمان.

الثالثة: دخول الجنة.

وقالوا: الإيجاد من العدم، تفضل من الله تعالى كما قال: (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير) [42 49 - 50] ، ومن جعله الله عقيما فلن ينجب قط.

والثانية: الإنعام بالإيمان، كما في قوله تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) [28 56] .

وقد جاء في الحديث: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه ). الحديث.

وكون المولود يولد بين أبوين مسلمين، لا كسب له في ذلك.

والثالثة: الإنعام بدخول الجنة كما في الحديث: ( لن يدخل أحدكم الجنة بعمله . قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا ; إلا أن يتغمدني الله برحمته ) .

وقد ذكر تعالى نعمتين صراحة، وهما خلق الإنسان بعد العدم، وهدايته السبيل.

والثالثة: تأتي ضمنا في ذكر النتيجة: (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا) [76 5] ;

لأن الأبرار هم الشاكرون بدليل التقسيم: (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا * إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا * إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا) الإنسان/3 - 5 " انتهى.

وقال سبحانه معددا نعمه على عباده: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10) وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) الأعراف/10، 11

قال ابن عاشور رحمه الله

: "عطف على جملة: (ولقد مكناكم في الأرض) [الأعراف: 10] تذكيرا بنعمة إيجاد النوع، وهي نعمة عناية، لأن الوجود أشرف من العدم، بقطع النظر عما قد يعرض للموجود من الأكدار والمتاعب

" انتهى من "التحرير والتنوير" (8ب/ 36).

قال في موضوع آخر:

" وبقطع النظر عن كون الخلق نعمة، لأن الخلق إيجاد والوجود أفضل من العدم، فإن مجرد الخلق موجب للعبادة ؛ لأجل العبودية"

انتهى من "التحرير والتنوير" (8أ/ 206).

وبيان هذا المعنى: أن الإيجاد من العدم، إنما يراد لغاية عظيمة هي أعظم الغايات وأشرفها ، وهي عبادة الله تعالى، وهذه الغاية لا تكون إلا بالإيجاد، فكيف يُشك في أن الإيجاد من العدم نعمة، والنعم والفضائل كلها متوقفة عليه؟!

قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات/56 .

فتبين بهذا أن الإيجاد من العدم نعمة من وجوه:

الأول: أن العدم ليس شيئا، والوجود أفضل منه.

الثاني: أن هذا الإيجاد يراد لأعظم غاية وأجل نعمة، وهي العبودية لله، وما توقفت عليه النعم فهو نعمة.

الثالث: أن هذا الإيجاد لا يعني خلق شيء أيَّ شيء، بل إيجاد إنسان سميع بصير عاقل، فهو إيجاد مصحوب بالنعم.

وأما ما ذكرت من المنغصات والاحتمالات

فهذا من تحقيق العبودية لله تعالى ، أن يجاهد الإنسان نفسه والشيطان ، ويلزم نفسه بطاعة الله تعالى ، والصبر على ذلك ، وبهذا تكتمل النعم بدخول الجنة ، برحمة الله تعالى وفضله .

وأما الكافر، فهذا هو الخاسر حقا، وهو الكافر بنعم الله تعالى، ومنها نعمة الإيجاد، ونعمة السمع والبصر والعقل، ونعمة إرسال الرسل وإنزال الكتب

ولهذا قال تعالى: ( قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ) الزمر/14، 16 .

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الشاكرين لنعمه، المثنين عليه بها.

والله أعلم.









رد مع اقتباس