منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - **ما أعظم النفوس التي لا يمنعها حزنها من مواساة الٱخرين**
عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-04-02, 13:26   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
محمد علي 12
مراقب منتدى الأسرة والمجتمع
 
إحصائية العضو










افتراضي **ما أعظم النفوس التي لا يمنعها حزنها من مواساة الٱخرين**

**ما أعظم النفوس التي لا يمنعها حزنها من مواساة الٱخرين**
دخل مريض عيادة الطبيب وهو يتلوى من شدة الألم، وفي قاعة الانتظار وجد كهلا شاحب الوجه، يبدو وكأنه من شدة هزاله كومة ملابس رثة رتبت على كرسي.. أخذ يتجاذب معه أطراف الحديث في انتظار الدور..
وما هي إلا دقائق حتى دخل الطبيب قاعة الانتظار يرتدي مئزره الناصع البياض، تتدلى من عنقه سماعة زادته أناقة وبهاءً؛ هي والأقلام المرتبة داخل جيبه.. ألقى السلام على الجميع وخصّ بالتحية ذلك الكهل سائلا إياه عن حاله، فما كان من هذا الأخير إلاّ أن أومأ برأسه واضعا يمناه على صدره في إشارة على الحمد والامتنان..
ثم وكعادته قال جملته المعتادة:
ـ الأول يتفضل.
سارع المريض بالدخول إلى غرفة الفحص، ملقيا على الكرسي جسده الذي أنهكه الألم وأوهنه الأرق، وقبل أن يشرع في سرد شكواه ووصف حالته استوقفه الطبيب متسائلا:
ـ ما بال عمي حسان.. هذه أول مرة يتأخر فيها منذ عرفته، لقد كان دوما أول الوافدين إلى عيادتي!!
فرد عليه المريض على مضض، يريد إنهاء ما بدأه الطبيب قائلا:
ـ تقصد الكهل في قاعة الانتظار.. لا عليك دكتور، هو لم يتأخر، بل أنا من شكوت له حالي والألم الذي يمزق ذراعي مستأذنا إياه في تلقي الفحص قبله.
فنظر إليه الطبيب شاخصا وعلامات الحيرة بادية على وجهه قائلا بنبرة المتسائل الحائر:
ـ وماذا قال لك؟
انزعج المريض من هذا الحوار، لكن احترامه للطبيب أجبره على مجاراته فأجابه:
ـ عادي.. استمع لشكواي بشغف ـ على عكس زوجتي ـ واكتفى بأن نصحني بالحفاظ على صحتي وعدم التردد في استشارة الطبيب كلما عرض لي عارض.
حينها قال الطبيب متعجبا:
ـ أتعلم مم يعاني عمي حسان؟؟
رد المريض منزعجا:
ـ أنى لي يا دكتور أن أعرف، هو لم يخبرني، وأنا انشغلت بحالي فلم أكلف نفسي عناء سؤاله رغم اشفاقه عليّ وإيثاره لي على نفسه.
حينها قال الطبيب كلمات وقعت وقع الصاعقة على مسامع مريضه:
ـ عمي حسان مصاب بسرطان العظام في درجته المتأخرة، ويعاني من ألم رهيب لو وزّع على كل سكان المدينة لبلغ صياحهم عنان السماء، حتى أن أقوى المهدئات التي عرفها الإنسان إلى يومنا هذا لم تعد تجدي معه نفعًا..
لا علينا، مم تشكو؟
حينها انتصب المريض واقفا، والخجل يكاد يطبق على أنفاسه، وقد احمر وجهه وشخصت عيناه، وخاطب طبيبه قائلا:
ـ في الحقيقة يا دكتور لم أعد أشعر بأي ألم، وفي المقابل أشعر بالخجل من نفسي ومن أنانيتي.. اسمح لي بالعودة إلى قاعة الانتظار لأنتظر دوري.
وقف الطبيب مبتسما، وصافح مريضه واصطحبه إلى حيث يجلس عمي حسان.. وهناك كانت المفاجأة..
عمي حسان على غير عادته أنارت وجهه الشاحب ابتسامة عريضة رسمت للتو على ثغره، لم يرها الطبيب منذ عرفه لأول مرة..
ولما لمح عمي حسان الدهشة على وجه طبيبه عاجله بقوله:
ـ هل تعلم يا دكتور.. لقد خف الألم كثيرا، حتى أنه يخيل إليّ أنه يمكنني العودة إلى بيتي راكضا.
قال عمي حسان هته الكلمات وهو يستند إلى ذراع طبيبه على مرأى من مريضه الٱخر وممرضه وهما يلجان قاعة الفحص.
مرت الأيام سريعا ويتخلف عمي حسان عن موعده لأول مرة.. يرفع الطبيب سماعته.. يتصل بمريضه لترد عليه زوجته بصوت هادئ ممزوج بنبرة حزن وأخبرته أن زوجها انتقل إلى جوار ربه منذ أسبوع، لكنها أصرت على إخباره بأن مريضه ومنذ ٱخر زيارة لعيادته، لم تفارق الابتسامة محياه، حتى في أحلك اللحظات، وكان لسانه طول هذه المدة رطبا بالذكر؛ من حمد واحتساب...
""عشْ لغيرك.. تعشْ سعيدًا...""
""كُن لربك.. تكن سيدَا...""









 


رد مع اقتباس