ثالثاً:
رغم ما أشرنا إليه من ضعف الحديث ، فإن الظاهر أن أهل الجنة لا يتساوون في رؤية الله جل جلاله التي هي أعظم نعيمهم ، فإن الرؤية إذا كانت ثوابا لهم على إيمانهم وأعمالهم ، كان من المعقول أن تتفاوت منازلهم في هذه الرؤية ، ويتفاوت تنعمهم بها ، بحسب تفاوت منازلهم في الجنة ؛ بل إن بعض أهل العلم قد ذهب إلى القول بموجب هذا الحديث ، رغم ما في إسناده من مقال .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَمَنْ تَأَمَّلَ سِيَاقَ " الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ " عَلِمَ أَنَّ التَّجَلِّيَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ لَهُ عِنْدَهُمْ وَقْعٌ عَظِيمٌ لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ ؛ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا النَّوْعَ أَفْضَلُ مِنْ الرُّؤْيَةِ الْحَاصِلَةِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ أَكْثَرَ " .
ثم قال :
" ثُمَّ هَذَا مِنْ الْمُمْكِنِ : أَنَّ " الرُّؤْيَةَ جَزَاءُ الْعَمَلِ " ؛ فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْأَخْبَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثَوَابُ شُهُودِ الْجُمُعَةِ ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ فِيهَا يَكُونُونَ فِي الدُّنُوِّ مِنْهُ عَلَى مِقْدَارِ مُسَارَعَتِهِمْ إلَى الْجُمُعَةِ ، وَتَفَاوُتِ الثَّوَابِ بِتَفَاوُتِ الْعَمَلِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْهُ ... ، وَهَذَا مُنَاسِبٌ لِحَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا ؛ فَإِنَّ الصَّالِحَ إذَا انْقَضَتْ الْجُمُعَةُ اشْتَغَلَ بِمَا أُبِيحُ لَهُ فِي الدُّنْيَا ، وَأُولَئِكَ اشْتَغَلُوا بِالتَّقَرُّبِ إلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ ، فَكَانُوا مُتَقَرِّبِينَ إلَيْهِ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ الْجُمُعَةِ ، فَقَرُبُوا مِنْهُ بَعْدَ الْجُمْعَةِ فِي الْآخِرَةِ ، وَهَذِهِ " الْمُنَاسَبَةُ الظَّاهِرَةُ " الْمَشْهُودُ لَهَا بِالِاعْتِبَارِ تَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ التَّجَلِّيَ ثَوَابُ أَعْمَالِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ .. " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (6/455-457) .
وقال الشيخ عبدالله الغنيمان حفظه الله :
"كل من دخل الجنة فسيرى الله ، ولكن الرؤية تتفاوت ؛ منهم من يراه بكرة وعشياً ، ومنهم من يراه في الأسبوع مرة في يوم جمعة ، كما جاء النص في ذلك ؛ فالرؤية تتفاوت حسب الأعمال والإيمان كما تتفاوت درجات الجنة " انتهى .
"شرح الواسطية" ، الغنيمان .
وسئل الشيخ العثيمين - رحمه الله - :
هل هناك تفاوت بين المؤمنين في رؤية الله عز وجل ؟ .
فأجاب :
" الظاهر : أنها حسب العمل والدرجة ؛ لأنه لا يستوي أبو بكر رضي الله عنه مع مؤمن ناقص الإيمان " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " .
والله أعلم