منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - موضوع مميز تحفيظ حديث شريف لكل تلميذ(ة) في القسم
عرض مشاركة واحدة
قديم 2017-10-20, 14:11   رقم المشاركة : 7985
معلومات العضو
العوفي العوفي
عضو برونزي
 
إحصائية العضو










B9 من أسباب منع القطر من السماء---د. محمد ويلالي 14/1/2012 ميلادي - 19/2/1433 هجري


يقول الله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾.
لقد هبَّ جمٌّ غفيرٌ من إخواننا المغاربة - هذا الصباح - إلى المصليات والمساجد، ضارعين إلى الله تعالى أن ينجدهم بمطر الخير، وأن يفتح عليهم بركات من السماء، تحيي الأرض، وتطعم البهائم، وتسقي الناس، وتدخل عليهم السعادة والفرح. فالله - عز وجل - رحيم بخلقه، لطيف بعباده، يحب المتضرعين، ويرحم المخبتين. ﴿ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾.
غير أن المطر قد يتأخر نزوله، لأسباب يجنيها الناس بأيديهم، ويقارفونها بِفِعالهم، فيكون ذلك جزاء لهم على ضعف إيمانهم، وتنبيها لهم على بعدهم عن ربهم. والأسباب كثيرة، نقتصر منها على أربعة:
1- الكبرياء في الأرض، والتعالي على الخلق، والافتخار بالمال، أو الجاه، أو المنصب، أو السلطان. فالغيث لا ينزل إلا بإظهار التضرع لله، والانكسار بين يده. قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُون ﴾.
قال ابن عباس رضي الله عنه: "خَرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم للاستسقَاء مُتَذَلِلاً، مُتَواضِعاً، مُتَخَشِعاً، مُتَضَرِعاً" صحيح سنن الترمذي.
2- المشي بين الناس بالفساد، سواء كان تزويرا، أو رشوة، أو سرقة، أو غشا.. ومن الغشاشين: الذين ينقصون المكيال والميزان، ولا يوفون الناس حقوقهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن". ثم ذكر منها: "ولم يَنْقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين، وشدة المؤونة، وجور السلطان عليهم" صحيح سنن ابن ماجة.
وهذا النوع من العذاب أرسله الله على قوم فرعون تحذيرا لهم من التكذيب، لعلهم يرعوون. قال تعالى: "ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذّكرون". وبهذا العذاب دعا النبي صلى الله عليه وسلم على قريش لما كذبوا، وتعنتوا، وأبطأوا في إسلامهم. فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: [إن قريشا لما غلبوا النبي صلى الله عليه وسلم واستعصوا عليه قال: "اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف". فأخذتهم سَنة أكلوا فيها العظام والميتة من الجهد، حتى جعل أحدهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع] البخاري.
هذا جزاء الغش، والمكر، وخداع الناس، والاعتداء على الأموال والأعراض إذا عم وطم، لا ينفع معه وجود القلة من الصالحين، ولا يحجزه خوف من بقي من المتقين المخبتين. قالت زينب زوج النبي صلى الله عليه وسلم: "أنهلك وفينا الصالحون؟". قال: "نعم، إذا كثر الخبث" متفق عليه.
3- منع إخراج الزكاة، فهو سبب مباشر لمنع القطر من السماء. قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: "ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا".
أين هم اليوم من يخرجون زكاة أموالهم طيبة بها نفوسهم؟ أين أصحاب الملايين - وربما الملايير - الذين يمتنعون عن إخراج حق الفقراء، وإذا لم يستطيعوا التحايل على الدولة، دفعوا ضرائبهم، ثم احتسبوها من أموال الزكاة. يكدسون في الدنيا ما يعظم حسابهم عليه في الآخرة. قال تعالى: ﴿ والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ﴾ ثم قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُون ﴾.
قال يحي بن معاذ - رحمه الله -: "إذا مات ابن آدم أصيب بمصيبتين لم يصبهما من قبل: يترك ماله كله، ويحاسب على ماله كله".
ومن جميل الأحاديث ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينا رجل بفلاة من الأرض، فسمع صوتا في سحابة: "اسق حديقة فلان"، فتنحى ذلك السحاب، فأفرغ ماءه في حرة (أرض بها حجارة سوداء)، فإذا شَرْجَة (مسيل الماء) من تلك الشِّراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته (بمجرفته)، فقال له: "يا عبدا لله، ما اسمك؟". قال: "فلان"، للاسم الذي سمع في السحابة. فقال له: "يا عبد الله، لِمَ تسألني عن اسمي؟". فقال: "إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: "اسق حديقة فلان"، لاسمك، فما تصنع فيها؟". قال: "أما إذ قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها، فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثا، وأرد فيها ثلثه".
4- كثرة المعاصي، وهي من الأسباب الموجبة لحبس المطر عن الناس، وانتشار القحط والجفاف، لأن المعاصي سبيل لإغضاب الرب - تبارك وتعالى -، وقد لا يقتصر أثرها على أصحابها، بل يتعداهم إلى غيرهم:
- قال عمر بن عبد العزيز: "كان يقال: إن الله - تبارك وتعالى - لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عُمل المنكر جهارا، استحقوا العقوبة كلهم" رواه مالك في الموطإ. ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من سوء آثار المعصية فقال: "إياك والمعصيةَ، فإن بالمعصية حل سخط الله" صحيح الترغيب، ومن سخط الله حبس المطر.
بل قد يتعدى شؤم المعصية إلى المخلوقات الأخرى:
- فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رجلا يقول: "إن الظالم لا يضر إلا نفسه". فقال أبو هريرة: "بلى والله، حتى الحُبارَى (طائر) لَتموتُ في وكرها هزالا من ظلم الظالم" ذكره الذهبي في "الكبائر".
وقال مجاهد: "إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة، و أمسك المطر"، وتقول: "هذا بشؤم معصية ابن ادم".
وقال عكرمة: "دواب الأرض وهوامها، حتى الخنافس والعقارب يقولون: "منعنا القطر بذنوب بني ادم".
أيـــضمن لي فتى تركَ المعاصي وَأَرْهَنُهُ الكفالة بالخلاص
أطاع اللهَ قومٌ فاستراحوا ولم يتجرعوا غُصص المعاصي


إن استدرار المطر لا يكون إلا بوسائل شرعها الله لنا زيادة في التقرب إليه، واللجإ إلى فضله وعفوه. وهي - أيضا - نكر منها:
1- الاعتصام بالكتاب والسنة، فهما طريق الفلاح والاستقامة. قال تعالى: "وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً".
2- تقوى الله تعالى، والإقلاع عن المعاصي. قال تعالى: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض".
3- الاكثار من الاستغفار. قال تعالى على لسان نوح - عليه السلام -: "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموالٍ وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً".
4- الشعور بالاضطرار إلى الله تعالى. قال تعالى: ﴿ أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾. بل قد استقر عند العلماء، أن المضطر لا يوصي غيره بالدعاء له، بل يدعو هو لنفسه، لأنه مرجو الإجابة أكثر من غيره. قال عبيد الله بن أبي صالح: "دَخَلَ عَلَيَّ طَاوُسٌ يَعُوْدُنِيْ، فَقُلْتُ لَهُ: ادْعُ اللهَ لِي يَا أَبَا عَبْدِ الْرَّحْمَنِ. قَالَ: ادْعُ لِنَفْسِكَ، فَإِنَّهُ يُجِيْبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ".
وَقَالَ الإمام الذهبي: "دُعَاءُ المُضْطَرِّ مُجَابٌ فِي أَيِّ مَكَانٍ اتُّفِقَ".
فإذا استسقى الناس فلم يُسقَوْا، دل ذلك على ضعف في الاضطرار، وفتور في الارتباط بالله تعالى والتوكل عليه. وهو السر في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستسقي ربه فيسقيه فورا.
فعن أنس رضي الله عنه قال: أصاب أهلَ المدينة قحطٌ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينما هو يخطبنا يوم جمعة، إذ قام رجل فقال: يا رسول الله، هلك الكُراع (الخيل)، هلك الشاء، فادع الله أن يسقينا. فمد يديه ودعا. قال أنس: وإن السماء لمثل الزجاجة (ليس فيها سحاب)، فهاجت ريح، ثم أنشأت سحابة، ثم اجتمعت، ثم أرسلت السماء عَزَالِيَهَا (فتحت أفواهها وجيوبها)، فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا، فلم يزل المطر إلى الجمعة الأخرى، فقام إليه ذلك الرجل أو غيره فقال: يا رسول الله، تهدمت البيوت، فادع الله أن يحبسه. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "حوالينا ولا علينا". فنظرت إلى السحاب يتصدع حول المدينة كأنه إكليل" متفق عليه.
وفي صحيح البخاري عن أنس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا، استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا". قال: "فيسقون".
وروى ابن عساكر بسند صحيح أن الضحاك بن قيس خرج يستسقي بالناس، فقال ليزيد بن الأسود: "قم يا بكاء". فما دعا إلا ثلاثا حتى أمطروا مطرًا كادوا يغرقون منه".
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريعاً مريئاً غدقاً مجللاً عاماً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل. اللهم لتحيي به البلاد، وتغيثَ به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر والباد. اللهم سقيا رحمةٍ لا سقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا بلاءٍ ولا غرقْ. اللهم ادفع عنا الغلاء والبلاء والوباء والربا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين، يا رب العالمين.









رد مع اقتباس