منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - مختارات للشاعر _محمود درويش_
عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-11-09, 17:29   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
ثلجَة
القَلَمُ الفِضِّيْ
 
الصورة الرمزية ثلجَة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

طوبى لشيء لم يصل!


هذا هو العرسُ الذي لا ينتهي
في ساحة لا تنتهي
في ليلة لا تنتهي
هذا هو العرسُ الفلسطينيُّ
لا يصل الحبيبُ إلى الحبيبْ
إلاّ شهيداً أو شريداً

دمُهم أمامي..
يسكن اليوم المجاورَ-
صار جسمي وردةً في موتهمْ..
و ذبلتُ في اليوم الذي سبق الرصاصةَ
و ازدهرتُ غداةَ أكملتِ الرصاصةُ جُثَّي
و جمعت صوتي كلَّهُ لأكون أهدأ من دمٍ
غطّى دمي...

دمُهم أمامي
يسكن المدنَ التي اقتربتْ
كأنَّ جراحهم سفنُ الرجوعِ
و وحدهم لا يرجعون...
دمُهم أمامي..
لا أراهُ
كأنه وطني
أمامي.. لا أراهُ
كأنَّه طرقات يافا-
لا أراهُ
كأنَّه قرميد حيفا-
لا أراهُ
كأنَّ كلَّ نوافذ الوطن اختفت في اللحمِ
وحدهم يرون
و حاسَّةُ الدم أينعت فيهم
و قادتهم إلى عشرين عاماً ضائعاً
و الآن، تأخذ شكلها الآتي
حبيبتُهم..
و ترجعهم إلى شريانها.

دمُهم أمامي..
لا أراهُ
كأنَّ كلَّ شوارع الوطن اختفت في اللحمِ
وحدهم يرون
لأنهمْ يتحررون الآن من جلد الهزيمةِ
و المرايا
ها هُم يتطايرون على سطوحهم القديمةِ
كالسنونو و الشظايا
ها هم يتحررون...

طوبى لشيء غامضٍ
طوبى لشيء لم يصل
فكّوا طلاسمه و مزَّقهُمْ
فأرَّخْتُ البداية من خطاهم
( ها هي الأشجار تزهرُ
في قيودي)
و انتميت إلى رؤاهم
(ها هي الميناء تهرُ
في حدودي)
و الحلم أصدق دائماً. لا فرق بين الحلمِ
و الوطن المرابط خلفَهُ...
و الحلم أصدق دائماً. لا فرق بين الحلمِ
و الجسد المخبَّأ في شظيَّهْ
والسفحُ أكبر من سواعدهمْ
و لكنْ..
حاولوا أن يصعدوا
و البحر أبعد من مراحلهم
و لكن..
حاولوا أن يعبروا
و النجمُ أقرب من منازلهم
و لكن..
حاولوا أن يفرحوا
و الأرضُ أضيق من تصورهم
و لكن..
حاولوا أن يحلموا
طوبى لشيء غامض!
طوبى لشيء لم يصلْ
فكّوا طلاسمه و مزَّقهُمْ
فأرَّخْتُ البداية من خطاهم

و انتميت إلى رؤاهم
آه.. يا أشياء كوني مبهمهْ
لنكون أوضح منك
أفلست الحواسَّ، و أصبحتْ قيداً على أحلامنا
على حدود القدسِ،
أفلست الحواسَّ، و حاسَّةُ الدم أينعت فيهم
و قادتهم إلى الوجه البعيد
هربت حبيبتهم إلى أسوارها و غزاتها
فتمردوا
و توحدوا
في رمشها المسروق من أجفانهم
و تسلَّقوا جدران هذا العصرِ
دقوا حائط المنفى
أقاموا من سلاسلهم سلالمْ
ليقبِّلوا لأقدامها
فاكتظَّ شعبٌ في أصابعهم خواتمْ

هذا هو العرسُ الذي لا ينتهي
في ساحة لا تنتهي
هذا هو العرسُ الفلسطينيُّ
لا يصل الحبيبُ إلى الحبيبْ
إلاّ شهيدا..ً أو شريداً الحلم أكثر واقعيَّهْ
من أي عامٍ جاء هذا الحزن؟
- من سَنةٍ فلسطينيةٍ لا تنتهي
و تشابهت كل الشهور، تشابه الموتى
و ما حملوا خرائط أو رسوماً أو أغاني للوطن
حملوا مقابرهم..
و ساروا في مهمتهم
و سرنا في جنازتهم
و كان العالم العربيُّ أضيق من توابيت الرجوع.

أتراك يا وطني
لأن عيونهم رسمتْكَ رؤيا.. لا قضيَّهْ!
أتراك يا وطني
لأن صدورهم مأوى عصافير الجليل و ماء وجه المجدليِّهْ!
أتراك يا وطني
لأن أصابع الشهداء تحملنا إلى صفدٍ
صلاةً أو هويَّهْ
ماذا تريد الآن منّا
ماذا تريد؟
خذهم بلا أجرٍ
و وزِّعهم على بيَّارةٍ جاعت
لعلَّ الخضرة انقرضت هناك..

الشيءُ أم همْ؟
إن جثة حارسٍ صمّامُ هاوية التردِّي -
(هكذا صار الشعار، و هكذا قالوا)
و مرحلةٌ بأكملها أفاقتْ -ذات حلم-
من تدحرجها على بطن الهزيمة، (هكذا ماتوا)
و هذا الشيء.. هذا الشيء بين البحرِ
و المدن اللقيطة ساحل لم يتِّسع إلاّ لموتانا،
و مروا فيه كالغرباء (ننساهم على مهل)
و هذا الشيء.. هذا الشيء بين البحر
و المدن اللقيطة حارسٌ تعبت يداه من الإشارةِ.
لم يصل أحدٌ و مروا من يديه الآن
فاتسعت يداهُ
كلُّ شيء ينتهي من أجل هذا العرسِ..
مرحلةٌ بأكملها أفاقتْ -ذات موت-
من تدحرجها على بطن الهزيمهْ..

الشيءُ أم همْ؟
يدخلون الآن في ذرات بعضهم،
يصير الشيء أجساداً،
و هم يتناثرون الآن بين البحر و المدن
اللقيطة
ساحلاً
أو برتقالاً-
كلُّ شيء ينتهي من أجل هذا العرسِ..
مرحلة بأكملها... زمانٌ ينتهي
هذا هو العرس الفلسطينيّ
لا يصل الحبيب إلى الحبيب
إلاّ شهيداً أو شريدا.









رد مع اقتباس