منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - درس / الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-02-25, 06:07   رقم المشاركة : 34
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الدرس الخامس عشر منلفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم 16/من شهرجمادى الأولى 1437.

بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الخامس عشر
فصل ـ غزوة أحد
يشتمل على غزوة أُحد مختصَرة
وهي وقعة امتحن الله عز وجل فيها عباده المؤمنين واختبرهم، وميَّز فيها بين المؤمنين والمنافقين، وذلك أن قريشاً حين قتل اللهُ سراتَهم ببدرٍ، وأصيبُوا بمصيبةٍ لم تكن لهم في حساب، ورَأَس فيهم أبو سفيان بنُ حرب لعدم وجودِ أكابرِهم، وجاء كما ذكرنا إلى أطراف المدينة في غزوة السَّويقِ، ولم ينل ما في نفسه: شرع يجمع قريشاً ويؤلِّب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين، فجمَع قريباً من ثلاثة آلاف من قريش والحلفاء والأحابيش، وجاؤوا بنسائِهم لئَلا يفرُّوا، ثم أقبل بهم نحو المدينة، فنزل قريباً من جبلِ أُحد بمكان يقال له: عَينين، وذلك في شوَّال من السنة الثالثة.

******************************
بين يدينا غزوةُ أحد، وكانت هذه المعركة من المعارك العظيمة. وكانت في السنة الثالثة في شوال فبينها وبين غزوة بدرٍ سنةٌ وأقل من شهر، غزوة بدر كانت في رمضان في السنة الثانية. وغزوةُ أُحد في السنة الثالثة في شوال ,قال ابن كثير في البداية والنهاية (4/11) قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ لِلنِّصْفِ من شوال ،وقال قتادة يوم السبت الحادي عَشَرَ مِنْهُ.اهـ.
وقيل غير ذلك . يراجع فتح الباري شرح تبويب حديث (4041) .
وقد ذكر البخاري رحمه الله قبل غزوة أحد خبر بني النضير (7/4028)وقد نبَّه على هذا الحافظ ابن كثير في البداية (4/10)وقال: ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْبُخَارِيُّ قَبْلَهُ خَبَرَ بَنِي النَّضِيرِ قُبَلَ وَقْعَةِ أُحُدٍ وَالصَّوَابُ إِيرَادُهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَغَازِي، وَبُرْهَانُهُ أَنَّ الْخَمْرَ حُرِّمَتْ لَيَالِيَ حِصَارِ بَنِي النَّضِيرِ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ اصْطَبَحَ الْخَمْرَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ كَانَتْ إِذْ ذَاكَ حَلَالًا وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَتَبَيَّنَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ قِصَّةَ بَنِي النَّضِيرِ بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وفي مطلع كلام الحافظ ابن كثير رحمه الله في الفصول يقول (وهي وقعة امتحن الله عز وجل فيها عباده المؤمنين واختبرهم، وميَّز فيها بين المؤمنين والمنافقين) وهذا من الحِكَم التي كانت في غزوة أحد امتحان للمؤمنين وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد(3/ 198)وجوهًا من حِكَمِ ابتلاء وامتحان المؤمنين مِنْهَا:
اسْتِخْرَاجُ عُبُودِيَّةِ أَوْلِيَائِهِ وَحِزْبِهِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَفِيمَا يُحِبُّونَ وَمَا يَكْرَهُونَ، وَفِي حَالِ ظَفَرِهِمْ وَظَفَرِ أَعْدَائِهِمْ بِهِمْ، فَإِذَا ثَبَتُوا عَلَى الطَّاعَةِ وَالْعُبُودِيَّةِ فِيمَا يُحِبُّونَ وَمَا يَكْرَهُونَ فَهُمْ عَبِيدُهُ حَقًّا، وَلَيْسُوا كَمَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ مِنَ السَّرَّاءِ وَالنِّعْمَةِ وَالْعَافِيَةِ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَوْ نَصَرَهُمْ دَائِمًا، وَأَظْفَرَهُمْ بِعَدُوِّهِمْ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ، وَجَعَلَ لَهُمُ التَّمْكِينَ وَالْقَهْرَ لِأَعْدَائِهِمْ أَبَدًا لَطَغَتْ نُفُوسُهُمْ، وَشَمَخَتْ وَارْتَفَعَتْ، فَلَوْ بَسَطَ لَهُمُ النَّصْرَ وَالظَّفَرَ لَكَانُوا فِي الْحَالِ الَّتِي يَكُونُونَ فِيهَا لَوْ بَسَطَ لَهُمُ الرِّزْقَ، فَلَا يُصْلِحُ عِبَادَهُ إلَّا السَّرَّاءُ وَالضَّرَّاءُ، وَالشِّدَّةُ وَالرَّخَاءُ، وَالْقَبْضُ وَالْبَسْطُ، فَهُوَ الْمُدَبِّرُ لِأَمْرِ عِبَادِهِ كَمَا يَلِيقُ بِحِكْمَتِهِ، إنَّهُ بِهِمْ خَبِيرٌ بَصِيرٌ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ إذَا امْتَحَنَهُمْ بِالْغَلَبَةِ وَالْكَسْرَةِ وَالْهَزِيمَةِ ذَلُّوا وَانْكَسَرُوا وَخَضَعُوا، فَاسْتَوْجَبُوا مِنْهُ الْعِزَّ وَالنَّصْرَ، فَإِنَّ خُلْعَةَ النَّصْرِ إنَّمَا تَكُونُ مَعَ وِلَايَةِ الذُّلِّ وَالِانْكِسَارِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: 123] . وَقَالَ: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التَّوْبَةِ: 25] فَهُوَ - سُبْحَانَهُ - إذَا أَرَادَ أَنْ يُعِزَّ عَبْدَهُ وَيَجْبُرَهُ وَيَنْصُرَهُ كَسَرَهُ أَوَّلًا، وَيَكُونُ جَبْرُهُ لَهُ وَنَصْرُهُ عَلَى مِقْدَارِ ذُلِّهِ وَانْكِسَارِهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هَيَّأَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مَنَازِلَ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ لَمْ تَبْلُغْهَا أَعْمَالُهُمْ، وَلَمْ يَكُونُوا بَالِغِيهَا إلَّا بِالْبَلَاءِ وَالْمِحْنَةِ، فَقَيَّضَ لَهُمُ الْأَسْبَابَ الَّتِي تُوصِلُهُمْ إِلَيْهَا مِنَ ابْتِلَائِهِ وَامْتِحَانِهِ، كَمَا وَفَّقَهُمْ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ وُصُولِهِمْ إِلَيْهَا.
وَمِنْهَا: أَنَّ النُّفُوسَ تَكْتَسِبُ مِنَ الْعَافِيَةِ الدَّائِمَةِ وَالنَّصْرِ وَالْغِنَى طُغْيَانًا وَرُكُونًا إِلَى الْعَاجِلَةِ، وَذَلِكَ مَرَضٌ يَعُوقُهَا عَنْ جِدِّهَا فِي سَيْرِهَا إِلَى اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، فَإِذَا أَرَادَ بِهَا رَبُّهَا وَمَالِكُهَا وَرَاحِمُهَا كَرَامَتَهُ قَيَّضَ لَهَا مِنَ الِابْتِلَاءِ وَالِامْتِحَانِ مَا يَكُونُ دَوَاءً لِذَلِكَ الْمَرَضِ الْعَائِقِ عَنِ السَّيْرِ الْحَثِيثِ إِلَيْهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الْبَلَاءُ وَالْمِحْنَةُ بِمَنْزِلَةِ الطَّبِيبِ يَسْقِي الْعَلِيلَ الدَّوَاءَ الْكَرِيهَ، وَيَقْطَعُ مِنْهُ الْعُرُوقَ الْمُؤْلِمَةَ لِاسْتِخْرَاجِ الْأَدْوَاءِ مِنْهُ، وَلَوْ تَرَكَهُ لَغَلَبَتْهُ الْأَدْوَاءُ حَتَّى يَكُونَ فِيهَا هَلَاكُهُ.اهـ المراد.

يقول الحافظ ابن كثير (وميَّز فيها بين المؤمنين والمنافقين)
وهذا من جملة الحِكَم ليتميز المنافقون من المؤمنين . قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)﴾ [آل عمران] [آل عمران:140].
(وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا) أي: علم رؤية وعِيَان فالله سبحانه لا يعزب عنه شيء، ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾[سبأ:3]. فالمراد ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي: علم رؤية وعِيَان .
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (3/200)في سياق الحِكَم التي كانت في غزوة أُحُدٍ قال: ثُمّ ذَكَرَ حِكْمَةً أُخْرَى، وَهِيَ أَنْ يَتَمَيَّزَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فَيَعْلَمُهُمْ عِلْمَ رُؤْيَةٍ وَمُشَاهَدَةٍ بَعْدَ أَنْ كَانُوا مَعْلُومِينَ فِي غَيْبِهِ، وَذَلِكَ الْعِلْمُ الْغَيْبِيُّ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ، وَإِنَّمَا يَتَرَتَّبُ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ عَلَى الْمَعْلُومِ إذَا صَارَ مُشَاهَدًا وَاقِعًا فِي الْحِسِّ.اهـ.
فكانت هذه الوقعة امتحان للمؤمنين في إيمانهم وصبرهم ومجاهدتهم وليتميز به المنافقون، وقال سبحانه: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)﴾ [آل عمران:166]. وقد تميز المنافقون وظهر أمرُهم فقد انخزَل عبدُ الله بن أُبي بن سلول في أثناء الطريق بثلاثمائة ورجعوا.
وقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آلِ عِمْرَانَ: 179] .
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (3/ 197):أَيْ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَكُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْتِبَاسِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُنَافِقِينَ حَتَّى يَمِيِّزَ أَهْلَ الْإِيمَانِ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ كَمَا مَيَّزَهُمْ بِالْمِحْنَةِ يَوْمَ أُحُدٍ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [آل عمران: 179] الَّذِي يَمِيزُ بِهِ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، فَإِنَّهُمْ مُتَمَيِّزُونَ فِي غَيْبِهِ وَعِلْمِهِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُرِيدُ أَنْ يَمِيزَهُمْ تَمْيِيزًا مَشْهُودًا فَيَقَعُ مَعْلُومُهُ الَّذِي هُوَ غَيْبٌ شَهَادَةً. وَقَوْلُهُ: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: 179] اسْتِدْرَاكٌ لِمَا نَفَاهُ مِنَ اطِّلَاعِ خَلْقِهِ عَلَى الْغَيْبِ سِوَى الرُّسُلِ، فَإِنَّهُ يُطْلِعُهُمْ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ غَيْبِهِ كَمَا قَالَ: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 26] [الْجِنِّ: 27] فَحَظُّكُمْ أَنْتُمْ وَسَعَادَتُكُمْ فِي الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ الَّذِي يُطْلِعُ عَلَيْهِ رُسُلَهُ فَإِنْ آمَنْتُمْ بِهِ وَأَيْقَنْتُمْ فَلَكُمْ أَعْظَمُ الْأَجْرِ وَالْكَرَامَةِ.اهـ.
ثم ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله سبب هذه الغزوة أن قريشًا كانوا متألِّمِين ممَّا حصل لهم من قتل سراتهم ببدر أي: قتل أشرافهم، وما حصل لأبي سفيان في غزوة السويق من رجوعه هاربًا منهزمًا فجمَّع قريشًا ليغزو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما يزعم .
(فجمع قريباً من ثلاثة آلاف من قريش والحلفاء والأحابيش)
(الحلفاء) حلفاء قريش: وهم الذين تعاقدوا على التناصر والتعاون فيما بينهم.
(والأحابيش) قال الجوهري في الصحاح (3/1000): "وحبشي: جبل بأسفل مكة، يقال منه سمى أحابيش قريش. وذلك أن بني المصطلق وبني الهون بن خزيمة اجتمعوا عنده فحالفوا قريشا وتحالفوا بالله: " إنا ليد على غيرنا، ما سجا ليل، ووضح نهار، وما أرسى حبشي مكانه " فسموا أحابيش قريش باسم الجبل". اهـ.
استفدنا أن الأحابيش: هم بنو المصطلق وبنو الهون بن خزيمة.
(وما أرسى) أي: ثبتَ، أي: ما بقي مكانه.
(وأصيبوا بمصيبة لم تكن لهم في حساب) أي: يوم بدر كان في اعتقادهم أنهم منصورون زين لهم الشيطان أعمالهم، أبو جهل لما قيل له: نرجع، قال نقيم ببدر ثلاثًا ونشرب الخمر وتضرب علينا القيان ويكون لنا هيبة عند العرب.
(ورَأس فيهم أبو سفيان بن حرب)
كان رئيسُ المشركين يوم أحد أبا سفيان.
(لعدم وجود أكابرهم)
كان السبب في رئاسة أبي سفيان لقريش في هذه الغزوة أن أكابرهم قد قُتلوا في غزوة بدر.
(وجاؤوا بنسائهم لئلا يفرُّوا، ثم أقبل بهم نحوَ المدينة)
جاء قريش بنسائهم لئلا يفروا ليكون تثبيتًا لهم بعدم الفرار وذكرذلك أيضا الحافظ في فتح الباري بما نصُّهُ: (أَنَّ قُرَيْشًا خَرَجُوا مَعَهُمْ بِالنِّسَاءِ لأجل الحفيظة والثبات).
( فنزل قريباً من جبل أُحد بمكان يقال له: عينين، وذلك في شوال من السنة الثالثة) .
وسميت هذه الوقعة بغزوة أحد؛ لأنها كانت جَنْبَ أُحد. وأُحد جبل جاء في فضله بعض الأحاديث . قال الإمام البخاري رحمه الله بَابٌ: أُحُدٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ ثم ذكرحديثَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حَرَّمْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا». وهذا على ظاهره . وقد قال بعضهم: المراد أهل جبل أحد، وهذا صرف لظاهر الحديث لغير دليل والله على كل شيء قدير.
******************************
واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه: أيخرج إليهم أم يمكث في المدينة؟ فبادر جماعة من فضلاء الصحابة ممن فاته الخروجُ يوم بدر إلى الإشارة بالخروج إليهم، وألحُّوا عليه صلى الله عليه وسلم في ذلك، وأشارَ عبدُ الله بن أُبَي بن سلول بالمقام بالمدينة، وتابعه على ذلك بعضُ الصحابة، فألحَّ أولئك على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فنهض ودخل بيتَه ولبِس لأْمَتَه وخرج عليهم، وقد انثنَى عزمُ أولئك فقالوا: يا رسول الله، إن أحببت أن تمكث في المدينة فافعل.
فقال: «ما ينبغي لنبي إذا لبس لأْمَتَه أن يضعها حتى يقاتل» وأُتي عليه الصلاة والسلام برجلٍ من بني النجار فصلى عليه، وذلك يوم الجمعة، واستخلفَ على المدينة ابنَ أمِّ مكتوم. وخرج إلى أُحد في ألفٍ، فلما كان ببعض الطريق انخزلَ عبدُ الله بن أُبي في نحوٍ من الثلاثمائة إلى المدينة، فاتَّبَعَهُم عبدُ الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله عنهما يوبِّخهم ويحضهم على الرجوع، فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع. فلما أبوا عليه رجع عنهم وسبَّهم.

******************************
(واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه: أيخرج إليهم أم يمكث في المدينة؟)
لما علم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقدوم قريش لغزو المسلمين استشار أصحابه هل يبقى في المدينة أم يخرج إليهم؟
وذكر الحافظ ابن كثيرٍ هنا أنهم انقسموا في المشورة إلى قسمين فبادر بعض الصحابة ممن لم يشهد بدرا وقالوا: نخرج إليهم، وألحوا على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالخروج، وأشار عبد الله بن أبي بن سلول وبعض الصحابة بالمقام بالمدينة ،فإن قدموا إلى المدينة قاتلناهم .
واستنبط من هذا ابنُ القيم رحمه الله في زاد المعاد (3/ 189)فائدة :وذكر أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِذَا طَرَقَهُمْ عَدُوُّهُمْ فِي دِيَارِهِمُ الْخُرُوجُ إِلَيْهِ، بَلْ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَلْزَمُوا دِيَارَهُمْ، وَيُقَاتِلُوهُمْ فِيهَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ أَنْصَرَ لَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ، كَمَا أَشَارَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ يَوْمَ أُحُدٍ.اهـ.
ودخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيته ولبس لأْمته ـ واللأْمة: السلاح ـ ثم خرج عليهم وقد انثنى عزمُ بعض أولئك ـ أي: ضعُف ـ وقالوا: لعلنا استكرهنا رسولَ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن أحببتَ أن تمكث في المدينة فافعل فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: « إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يُقَاتِلَ ».وهذا الحديث في مسند أحمد (23/99) من طريق أبي الزبير عن جابر بن عبد الله وأبو الزبير مدلس وقد عنعن ولكن له من الشواهد ما يقويه.
وقد استنبط من هذا ابن القيم في زاد المعاد(3/ 189) حُكْما وأفاد: أَنَّ الْجِهَادَ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، حَتَّى إِنَّ مَنْ لَبِسَ لَأْمَتَهُ وَشَرَعَ فِي أَسْبَابِهِ، وَتَأَهَّبَ لِلْخُرُوجِ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنِ الْخُرُوجِ حَتَّى يُقَاتِلَ عَدُوَّهُ.
(وأُتي عليه الصلاة والسلام برجل من بني النجار فصلى عليه)
أي: أُتِيَ بجنازة فصلى عليه صلاة الجنازة وذلك يوم الجمعة، فخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم الجمعة من المدينة إلى أُحد في ألف مقاتل.
(فلما كان ببعض الطريق انخزل عبد الله بن أُبي في نحوٍ من الثلاثمائة إلى المدينة فاتَّبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله عنهما يوبِّخُهم ويحضُّهم على الرجوع، فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع- أي إلى المدينة -. فلما أبوا عليه رجع عنهم وسبَّهم) .
(انخزل) أي: انفرد كما في النهاية(2/ 29) .
فرجعوا إلى المدينة. رجع عبد الله بن أبي بن سلول بثلاثمائة إلى المدينة فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا سبعمائة، فاتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله عنهما وحثهم على الرجوع فاحتجوا وقالوا: لو نعلم قتالًا لاتبعناكم أي لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع كما قال الله عنهم: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾ [آل عمران:167]. كذَّبهم الله عز وجل في قولهم: ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ﴾ لأن أمر القتال في هذا الحال ظاهر بين، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (5/350)عقب هذه الآية قُلْتُ: يَعْنِي، أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ فِي قَوْلِهِمْ: لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ. وَذَلِكَ لِأَنَّ وُقُوعَ الْقِتَالِ أَمْرُهُ ظَاهِرٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ، لَا خَفَاءَ وَلَا شَكَّ فِيهِ .اهـ.
وأيضًا مما كان السبب في رجوع عبد الله بن أُبي بن سَلول رئيس المنافقين أنه غضب، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما أخذ بمشورته.
ورجوعُهم في الأصل هو بسبب ذنوبهم وهذا من شؤمِ الذنب قال تعالى {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا } .
******************************
واستقلَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمن بقي معه حتى نزلَ شعبَ أُحد في عُدوة الوادي إلى الجبل، فجعل ظهرَه إلى أُحد، ونهى الناسَ عن القتال حتى يأمرَهم، فلما أصبح تعبَّأ عليه الصلاةُ والسلام للقتال في أصحابه، وكان فيهم خمسون فارساً، واستعمل على الرُّماة ـ وكانوا خمسين ـ عبدَ الله بن جبير الأوسي، وأمره وأصحابَه أن لا يتغيَّروا من مكانهم، وأن يحفظوا ظهورَ المسلمين أن يؤتَوا من قبَلِهم.
وظاهرَ صلى الله عليه وسلم يومئذٍ بين درعين. وأعطى اللواءَ مصعبَ بن عمير، أخا بني عبد الدار، وجعل على إحدى المجنَّبَتين الزبير بن العوام، وعلى المجنَّبَة الأخرى المنذر بن عمرو المُعْنِق لِيَمُوتَ.
واستعرض الشبابَ يومئذ، فأجاز بعضَهم وردَّ آخرين، فكان ممن أجاز سمرةَ بن جندب، ورافع بن خديج، ولهما خمس عشرة سنة.
وكان ممن ردَّ يومئذ أسامةَ بن زيد بن حارثة، وأسيد بن ظُهير، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر، وعَرابة بن أوس، وعمرو بن حزم. ثم أجازهم يوم الخندق.

******************************
(واستقلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن بقي معه حتى نزل شعب أحد في عُدوة الوادي إلى الجبل)
ثم مضى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمن بقي معه حتى نزل شعب أحد في عدوة الوادي أي :جانبه كما في مجمل اللغة لابن فارس (ص 653) .
فرتَّب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصحابه ورتَّب أمورَ الغزوة.
قال: (ونهى الناس عن القتال حتى يأمرَهم)
قال: لا تقاتلوا حتى آمركم .
(فلما أصبح تعبَّأ عليه الصلاة والسلام للقتال في أصحابه)
تعبأ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم للقتال أي: استعد.
(وكان فيهم خمسون فارساً، واستعمل على الرماة ـ وكانوا خمسين ـ عبد الله بن جبير الأوسي، وأمَرَه وأصحابَه أن لا يتغيروا من مكانهم، وأن يحفظوا ظهور المسلمين أن يؤتوا من قبلهم)
تعقب الحافظ ابن حجر رحمه الله تحت رقم (4043) هذا القول في عدد الفُرْسان فقال: "قَوْلُهُ الرُّمَاةُ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلًا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَوَقَعَ فِي الْهَدْيِ أَنَّ الْخَمْسِينَ عَدَدُ الْفَرَسَانِ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ غَلَطٌ بَيِّنٌ وَقَدْ جَزَمَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِي أُحُدٍ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْلِ وَوَقَعَ عِنْدَ الْوَاقِدِيِّ كَانَ مَعَهُمْ فَرَسٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَرَسٌ لِأَبِي بُرْدَةَ" هذا ما ذكره الحافظ في الفتح.
الواقدي: محمد بن عمر متروك.
وقد كان عدد الرماة خمسين رجلًا وأمَّر عليهم عبد الله بن جبيرالأوسي رضي الله عنه واستشهد في غزوة أحد.
(وأمره وأصحابه أن لا يتغيَّروا من مكانهم، وأن يحفظوا ظهور المسلمين أن يؤتوا من قِبَلِهِم)
أي: من ورائهم.
وهذا في صحيح البخاري (4043) عَنِ البَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَقِينَا المُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ، وَأَجْلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا مِنَ الرُّمَاةِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ، وَقَالَ: «لاَ تَبْرَحُوا، إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلاَ تَبْرَحُوا، وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلاَ تُعِينُونَا» فَلَمَّا لَقِينَا هَرَبُوا حَتَّى رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ فِي الجَبَلِ، رَفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ، قَدْ بَدَتْ خَلاَخِلُهُنَّ، فَأَخَذُوا يَقُولُونَ: الغَنِيمَةَ الغَنِيمَةَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لاَ تَبْرَحُوا، فَأَبَوْا، فَلَمَّا أَبَوْا صُرِفَ وُجُوهُهُمْ، فَأُصِيبَ سَبْعُونَ قَتِيلًا، وَأَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: أَفِي القَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ: «لاَ تُجِيبُوهُ» فَقَالَ: أَفِي القَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ قَالَ: «لاَ تُجِيبُوهُ» فَقَالَ: أَفِي القَوْمِ ابْنُ الخَطَّابِ؟ فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ قُتِلُوا، فَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لَأَجَابُوا، فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ مَا يُخْزِيكَ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: اعْلُ هُبَلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَجِيبُوهُ» قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: " قُولُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ " قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا العُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَجِيبُوهُ» قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا اللَّهُ مَوْلاَنَا، وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ» قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالحَرْبُ سِجَالٌ، وَتَجِدُونَ مُثْلَةً، لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي) .
(إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلاَ تَبْرَحُوا، وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلاَ تُعِينُونَا) أي: أمرهم بالبقاء في مكانهم على أيِّ حال. (يَشْتَدِدْنَ فِي الجَبَلِ) أي: صعودًا.
انهزم المشركون في أول الأمر وكان نساء كفار قريش يشتددن في الجبل ـ يعني صعودًا ـ ويرفعن عن سُوقهن حتى بدت خلاخِلُهن فقال الصحابة لما رأوا المشركون انهزموا، الغنيمةَ ، الغنيمةَ ، وانفضوا إلى الغنيمة. فوجد المشركون خلَّة ـ أي: فرجة ـ وقد كان عبد الله بن جبير يقول لهم: لا تفعلوا. وصرخ الشيطان بعد ذلك : (أي عباد الله أخراكم ) .
وقول أبي سفيان ( وَالحَرْبُ سِجَالٌ) كان هذا في اعتقاد أبي سفيان .
وثبت في البخاري (2804) ومسلم (1773)عن عبداللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ: سَأَلْتُكَ كَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟، فَزَعَمْتَ «أَنَّ الحَرْبَ سِجَالٌ وَدُوَلٌ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ العَاقِبَةُ».
وقد أقر الله عز وجل ذلك وقال: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران:140].
أبو سفيان يقول: (يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالحَرْبُ سِجَالٌ، وَتَجِدُونَ مُثْلَةً، لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي) يقول أبوسفيان: هذا اليوم بيوم بدر، غزوة أحد مقابل يوم بدر لأن المسلمين في غزوة بدرٍ قتلوا سبعين من المشركين وأسروا سبعين .
(وظاهر صلى الله عليه وسلم يومئذٍ بين درعين)
(وظاهر) قال ابن الأثير في النهاية(3/166): (أَيْ: جَمَعَ ولَبِسَ إِحْدَاهُمَا فوقَ الأخْرَى. وكأنَّه مِنَ التَّظَاهُر: التَّعَاوُنِ والتَّساعُد) أي: لبس درعًا على درع.
(وأعطى اللواء مصعب بن عمير، أخا بني عبد الدار)
مصعب بن عمير من السابقين الأولين، واستُشهد في غزوة أحد، ولم يجدوا له الكفن التام. أخرج البخاري (4082) و مسلم (940) عَنْ خَبَّابٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ، فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى، أَوْ ذَهَبَ، لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، كَانَ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ يَتْرُكْ إِلَّا نَمِرَةً، كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ، وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْلاَهُ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ الإِذْخِرَ» أَوْ قَالَ: «أَلْقُوا عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ» وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا .

(وجعل على إحدى المجنبتين الزبير بن العوام)
المجنبتان: الميمنة والميسرة.
وهذا من سياسة الحرب.
والزبير بن العوام من العشرة المبشرين بالجنة .
والعشرة المبشرون بالجنة مجموعون في قول الشاعر
للمصطفى خيرُ صحْبٍ نصَّ أنهمُ
في جنةِ الخلدِ نصًا زادهم شرفًا
هم طلحة وابن عوفٍ والزبير مع
أبي عبيدة والسعدين والخُلفا
الزبيرحواري رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في البخاري (2997، 7261)، مسلم (2415)عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: نَدَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ» .قَالَ سُفْيَانُ: الحَوَارِيُّ: النَّاصِرُ .

وأخرج الإمامُ أحمد في مسنده(2/99)من طريق زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ ابْنُ جُرْمُوزٍ عَلَى عَلِيٍّ وَأَنَا عِنْدَهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: بَشِّرْ قَاتِلَ ابْنِ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ، ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا، وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ ".
وصفية هي بنت عبدالمطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وتقدم ذكرعمات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أول الفصول وأن صفية أسلمت رضي الله عنها .
وابن جرموز قاتل الزبير بن العوام : هوعمرو بن جرموز.
قتله وقد كان راجعًا يوم الجمل تاركا لقتال علي أخرج ابن سعد في الطبقات (3/81)عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَتَى الزُّبَيْرَ فَقَالَ: أَيْنَ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَيْثُ تُقَاتِلُ بِسَيْفِكِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ قَالَ فَرَجَعَ الزُّبَيْرُ فَلَقِيَهُ ابْنُ جُرْمُوزٍ فَقَتَلَهُ. فَأَتَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَلِيًّا فَقَالَ: إِلَى أَيْنَ قَاتَلُ ابْنِ صَفِيَّةَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: إِلَى النَّارِ.
وإسناده حسن من أجل هلال بن خباب أحد رواة إسناده فإنه صدوق .
وهذا دليلٌ على اعتراف أميرالمؤمنين علي ابن أبي طالب بفضل الزبير رضي الله عنهما.
وقد أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق ترجمة الزبير واللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة (8/ 1493) والبيهقي في الاعتقاد (374)من طريق شُعْبَةُ , عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ الشَّعْبِيَّ، يَقُولُ: أَدْرَكْتُ خَمْسَمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَكْثَرَ كُلُّهُمْ يَقُولُ: عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ.
وهذا أثرٌ حسن . مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: الغداني بضم المعجمة البصري الأشل صدوق يهم .
علَّق الذهبي رحمه الله على الأثر وقال قُلْتُ: لأَنَّهُم مِنَ العَشْرَةِ المَشْهُوْدِ لَهُم بِالجَنَّةِ، وَمِنَ البَدْرِيِّيْنَ، وَمِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَمِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ الَّذِيْنَ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ رَضِيَ عَنْهُم وَرَضُوْا عَنْهُ، وَلأَنَّ الأَرْبَعَةَ قُتِلُوا وَرُزِقُوا الشَّهَادَةَ، فَنَحْنُ مُحِبُّوْنَ لَهُم، بَاغِضُوْنَ لِلأَرْبَعَةِ الَّذِيْنَ قَتَلُوا الأَرْبَعَةَ.(سير أعلام النبلاء 1/ 62) .
وقد جاء أنه ندم ابن جرموزعلى قتله لحواري رسول الله .
قال الذهبي رحمه الله في السير (1/ 64)قُلْتُ: أَكَلَ المُعَثَّرُ يَدَيْهِ نَدَماً عَلَى قَتْلِهِ، وَاسْتَغْفَرَ لاَ كَقَاتِلِ طَلْحَةَ، وَقَاتِلِ عُثْمَانَ، وَقَاتِلِ عَلِيٍّ اهـ.

(وعلى المجنبة الأخرى المنذر بن عمرو المُعْنِق لِيَموت)

المنذر بن عمرو المُعْنِق لِيَموت :هو الساعدي قال الحافظ في الإصابة : قال ابن أبي خيثمة: سمعت سعد بن عبد الحميد بن جعفر يقول: المنذر بن عمرو عَقَبِي بدْري نقِيب. استُشهد يوم بئر معونة، وكذا قال ابن إسحاق، وثبت أنه استشهد يوم بئر معونة في صحيح البخاريّ.اهـ .
أي أنه شهد العقبة وبدراوكان أحدالنقباء .
وهوممن أبلى بلاءً حسنًا في هذه الغزوة.
(المعنِق ليموتَ) لقب للمنذر بن عمرو أي: المسرع إلى الشهادة.
(واستعرض الشباب يومئذ، فأجاز بعضهم ورد آخرين)
أي: طلب عرض الشباب لينظر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الذي يناسب دخوله الغزو ، وقد قبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعضًا منهم ورد آخرين. وممن ردَّ في هذه الغزوة عبد الله بن عمر وحديثه متفق عليه البخاري (2664)، مسلم (1868). عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَنِي»، قَالَ نَافِعٌ فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ وَهُوَ خَلِيفَةٌ، فَحَدَّثْتُهُ هَذَا الحَدِيثَ فَقَالَ: «إِنَّ هَذَا لَحَدٌّ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِمَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ» .
وقوله (وعرابة بن أوس )في بعض نسخ الفصول (وغَرابة ) بالغين المعجمة والصواب عرابة كما في الإصابة .










رد مع اقتباس