هذا جدال عقيم ليس من ورائه فائدة كبيرة، فعوض التّعصّب للرأي من كل طرف والذي يؤدّي إلى تشنّج الحوار، لما لا نبحث في العوامل الموضوعيّة لتحديد أصول سكّان وادي ريغ وبالأخص الفترة المابعد خلدونيّة، وأوّد أن أنوّه إلى ملاحظة وهي أنّ هناك قواسم مشتركة بين منطقة واد ريغ ومنطقة تيقورارين وورقلة ومنطقة السّاورة وهو أنّه يكثر فيها أصحاب البشرة السّوداء في حين هذه المناطق الآنفة الذّكر ذات عمق أمازيغي زناتي وجلّ قصورها تحمل أسماء زناتيّة وتتكلّم اللّغة الزّناتيّة، وكانت إلى وقت قريب معمورة بفروع قبائل زناتة.
لنعد إلى الوراء ونطّلع على ما ذكره الحسن الوزّان بخصوص سكّان نوميديا، فعند حديثه عن وركلة يذكر ما يلي:" مدينة أزليّة بناها النّوميديّون في صحراء نوميديا، لها سور من الآجر الّنيء ودور جميلة، وحولها نخل كثير. ويوجد في ضواحيها عدّة قصور وعدد لا يحصى من القرى. الصّنّاع فيها كثيرون، وسكّانها أغنياء جدّا، لأنّهم في إتّصال مع مملكة أكدز، منهم عدد كبير من التّجار الأجانب الغرباء عن البلد لا سيما من قسنطينة وتونس، يحملون إلى ورقلة منتجات بلاد البربر ويستبدلونها بما يأتي به التّجّار من بلاد السّودان.
القمح واللّحم نادر جدّا، وتؤكل الجمال والنّعام. وأغلب النّاس سود لا بسبب المناخ ولكن لأنّ لهم جواري سوداوات يتسرّون بهنّ، فيأتين بأولا سود.."
كلام الحسن الوزّان الذي عاش في القرن 16م واضح بخصوص سبب سواد لون بشرة سكّان ورقلة النّوميديّين.
الرّحالة العيّاشي بعده في القرن 17م يذكر أن أمير ورقلة آنذاك ظهر على طائفة من سكّانها هم بيضة البلد وعصبة أهلها إتّهمهم بالقيام عليه فقتلهم كلّهم زهاء ال 200 إلا من أفلت وإستعان بالأعراب في ذلك.
من هذه المعطيات التّاريخيّة يمكننا أن نستقرء ونحلّل جذور سكّان ورقلة وغيرها من القصور الصّحراويّة وعلاقتها بزناتة والموضوع يحتاج إلى بحث أعمق، تانميرت.