بسم الله الرّحمن الرّحيم
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإيمانُ بالقدرِ يُثمر ثمرات جليلةً تعودُ على الأفراد والمجتمعات ، في الدُنيا والآخرة ، فمن تلك الثمرات ما يلي :
1- أداءُ عِبادةِ الله عزّ وجلّ :
فالقدرُ ممّا تعبّدنا الله -سبحانه وتعالى – بالإيمانِ به.
2- الإيمانُ بالقدرِ طريقُ الخلاصِ من الشِّرك :
فالمجوسُ زعموا أنّ : النُّور خالق الخير ، والظُلمة خالقة الشرّ ، والقدريةُ قالوا : إنّ الله لم يخلق أفعال العِباد ، فهُم أثبتوا خِالِقَيْنِ مع الله -عزّ وجلّ - وهذا شِركٌ، والإيمانُ بالقدرِ على الوجهِ الصّحيحِ توحيدٌ لله.
أضف إلى ذلك أنّ المؤمن بالقدر يعلم أنّ جميعَ الكائناتِ واقعةٌ تحت قهرِ الله ، محكومةٌ بقدره ، ليس لها من الأمرِ شيءٌ ، فلا تملك لنفسها -فضلا عن غيرها -جلبَ نفعٍ أو دفع ضرٍّ ، وأنّ أزِمّة الأمور كلّها بيد الله ، فهو المعطي لمن شاء ، المانع لمن شاء ، لا راد لقضائه ، ولا مُعقِّب لحكمه.
فإذا آمن المؤمن بذلك وأيقن به ، انبعث إلى إفرادِ الله بالعبادة، وتجنَّب التمسّح بالقبور، وعتبات الصّالحين ،وابتعد عن دعاء غير الله عموما ، وأفرد ربّه بجميع أعماله.
3- الشّجاعةُ والإقدام :
فالذي يُؤمن بالقدرِ يعلمُ أنُه لن يموت إلا إذا جاء أجله ، وأنّه لن ينال إلا ماكُتب له ، فيُقدِمُ غير هيّابٍ ولا مُبالٍ بما يناله من الأذى والمصائب في سبيل الله ، كما قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- :
أي يومي من الموتِ أفِرُّ …. يوم لا يقدر أو يوم يقدر
يوما ما قُدِّر لا أرهبه ….. وإذا قدر لا يُنجي الحذرُ
4- قوّة الإيمان :
فالذي يؤمن بالقدر يقوى إيمانه ، فلا يتخلى عنه ولا يتزعزع أو يتضعضعُ مهما ناله في سبيل ذلك.
5- الصّبر والاحتساب ومواجهة الأخطار والصِّعاب :
فالذي لا يؤمن بالقدر ربما يؤدي الجزع ببعضهم إلى أن يكفروا بالله، وبعضهم يُجنّ ، وبعضهم يصبح موسوسا ، وبعضهم يلجأُ إلى المخدرات ، وبعضهم يقتل نفسه ، ولذلك يكثر الانتحار في البلاد التي لا يُؤمن أهلها بالقدر كأمريكا ، والسويد ، والنرويج ، بل إنّ الأمر وصل بالسويد إلى أن يفتحوا مستشفيات للانتحار ، وأسبابُ ذلك ترجِع إلى أمورٍ تافهة ، فبعضهم ينتحر بسبب تخلي خطيبته عنه، وبعضهم بسبب رسوبه في الامتحان ، وبعضهم بسبب وفاة المطرب الذي يُحبّه ، وقد يكون الانتحارُ جماعيا !! والعجيبُ أنّ غالبية المنتحرين ليسوا فُقراء بل هم من الطبقة الغنية ، بل ويقع الانتحار من الأطباء النفسيين الذين يُظن بهم أنّهم يجلبون السعادة للنّاس !
6- الهِداية :
كما في قوله تعالى :"مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ"[التغابن :11]
قال علقمة : "هو الرّجل تصيبه المصيبة ،فيعلمُ أنّها من قِبل الله -تعالى- فيسلم ويرضى "
7- الكرم :
فالذي يؤمن بالقدر وأنّ الفقر والغِنى بيد الله ، وأنّه لا يفتقرُ إلا إذا أراد الله له ذلك فإنّه يُنفق ولا يُبالي.
8 -التوكل واليقين والاستسلام لله ، والاعتمادُ عليه :
كما قال تعالى : "قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا" [التوبة :51 ]
9- الإخلاص :
فالذي يُؤمن بالقدر لا يعمل من أجلِ النّاس ، لعلمه أنّهم لن ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له.
10 -إحسان الظنّ بالله وقوّة الرّجاء :
فالمؤمن بالقدر حَسَنُ الظّنّ بالله، قويُّ الرّجاء به في كلّ الأحوال ، يصدقُ عليه قولُ القائل :
ما مسّني قدرٌ بكُرهِ أو رضا …. إلا اهتديتُ به إليك طريقا
11 -الخوف من الله والحذر من سوء الخاتمة :
فالمؤمن بالقدر تجدهُ دائما على خوفٍ من الله ، وحذرٍ من سوء الخاتمة ، إذ لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ، فلا يغترّ بعمله مهما كثر، فإنّ القلوب بين أصبعين من أصابع الرّحمن يقلّبها كيف يشاء ، والخواتيم علمها عند الله -عزّ وجلّ -.
12 – الإيمان بالقدر يقضي على كثيرٍ من الأمراض :
التي تفتك بالمجتمعات ،وتزرع الأحقاد بينها ، وذلك مثل رذيلة الحسد، فالمؤمن لا يحسد النّاس على ما آتاهم الله من فضله ، لإيمانه بأنّ الله هو الذي رزقهم ، وقدر لهم ذلك ،فأعطى من شاء ، ومنع من شاء ابتلاءً وامتحانا منه -عزّ وجلّ - وأنّه حين يحسد غيره إنّما يعترض على القدر.
13- تحرير العقل من الخرافات والأباطيل :
فمن بدهيات الإيمان بالقدر ، الإيمان بأنّ ما جرى ، وما يجري، وما سيجري في هذا الكون إنّما هو بقدر الله -عزّ وجلّ - ، وأنّ قدر الله سرٌّ مكتوم ، لا يعلمه إلا هو ، ولا يُطلع عليه أحدًا إلا من ارتضى من رسولٍ فإنّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدًا.
ومن هذا المنطلق تجد أنّ المؤمن بالقدر -حقيقةً- لا يعتمد على الدجالين والمشعوذين ، ولا يذهب إلى الكُهّان والمنجِّمين ، فلا يُصدق أقوالهم، ولا ينطلي عليه زيفهم ودجلهم ، فيعيش سالما من زيف هذه الأقاويل ، متحررا من جميع تلك الخرافات والأباطيل.
قال لبيد بن ربيعة -رضي الله عنه- :
لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى …. ولا زاجِراتُ الطيّرِ ما اللهُ صانِعُ
سلوهنّ إن كذبتموني متى الفتى …. يذوقُ المنايا أو متى الغيثُ واقِعُ
14- التواضع :
فالمؤمن بالقدر إذا رزقه الله مالاً، أو جاهًا أو عِلمًا ، أو غير ذلك تواضع لله ، لعلمه أنّ هذا من الله ، وبقدر الله ، ولو شاء الله لانتزعه منه، إنّه على كلّ شيء قدير.
15- السلامة من الاعتراض على أحكام الله الشرعية : وأقدارهِ الكونية ، والتسليم لله في ذلك كلّه.
16- الجِدّ والحزم في الأمور :
والحرصُ على كلّ خيرٍ ديني أو دنيوي ، كما في قوله -عليه الصّلاة والسلام - :احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز ، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا ، ولكن قُل : قَدَرُ الله وماشاء فعل"
يُتبع إن شاء الله ...