منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - تذكرة النفس والأخوان بما ينبغي التنبيه له في كل زمان
عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-12-27, 17:22   رقم المشاركة : 34
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

تذكر القبر وحال ساكنه

أخرج الإمام أحمد والترمذي والحاكم من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «استحيوا من الله حق الحياء» قالوا: إنا نستحي من الله, والحمد لله قال: «ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى وأن تذكر الموت والبلى, ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا, فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء».


وأخرج الترمذي والحاكم من حديث أسماء بنت عميس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بئس العبد عبد تخيل واختال ونسي الكبير المتعال، بئس العبد عبد تجبر واعتدى ونسي الجبار الأعلى، بئس العبد عبد سها ولها ونسي المقابر والبلى, بئس العبد عبد عتا وطغى ونسي المبتدا والمنتهى، بئس العبد عبد يختل الدنيا بالدين، بئس العبد عبد يختل الدين بالشهوات, بئس العبد عبد طمع يقوده, بئس العبد عبد هوى يضله, بئس العبد عبد رغب بذله».


وخرج الترمذي من حديث ابن عمر قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي وقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعدَّ نفسك من القبور» وخرج البخاري أوله.


وروى ابن أبي الدنيا عن سريع الشامي قال: قال عمر بن عبد العزيز لرجل من جلسائه: يا فلان, لقد أرقت الليلة مفكرًا قال: فيم يا أمير المؤمنين فقال: في القبر وساكنه، إنك لو رأيت الميت بعد ثالثة في قبره، لاستوحشت من قبره بعد طول الأنس منك بناحيته، ولرأيت بيتًا تجول فيه الهوام، ويجرى فيه الصديد، وتخترقه الديدان مع تغيير الرائحة, وبلى الأكفان بعد حسن الهيئة وطيب الرائحة ونقاء الثوب, قال: ثم شهق شهقة خر مغشيًا عليه، وعن محمد بن كعب القرظي قال: بعث إليَّ عمر بن عبد العزيز فتقدمت عليه, فأدمت النظر إليه فقال: يا ابن كعب، إنك لتنظر إلي نظراً ما كنت تنظره إلي بالمدينة قال: قلت: أجل يا أمير المؤمنين, يعجبني ما حال من لونك ونحل من جسمك قال: فكيف يا بن كعب لو أتيتني بعد ثلاثة في القبر, وقد نبت حدقتاي على وجهي, وخرج الدود والصديد من منخري لكنت إلي أشد نكرة.


وعن وهيب بن الورد قال: بلغنا أن رجلا فقيهًا دخل على عمر بن عبد العزيز فقال: سبحان الله, كأنه تعجب من أمره الذي هو عليه قال له: تغيرت بعدنا فقال له عمر: وتبين ذلك فقال له: الأمر أعظم من ذلك، فقال له: يا فلان, فكيف لو رأيتني بعد ثلاث، وقد أدخلت قبري، وقد خرجت الحدقتان فسالتا على الخدين, وتقلصت الشفتان عن الأسنان، وانفتح الفم ونبأ البطن فعلى الصدر، وخرج الصديد من الدبر.



وعن سعيد بن أبي حمزة قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض مدائن الشام: أما بعد, فكم للتراب في جسد ابن آدم من مأكل، وكم للدود في جوفه من طريق يخترق, وإني أحذركم ونفسي - أيها الناس - العرض على الله عز وجل، وروى أبو نعيم والحاكم بإسناد له أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه شيع جنازة من أهله ثم أقبل الناس, فوعظهم وذكرهم الدنيا وذمها وذكر أهلها وتنعمهم فيها, وما صاروا إليه بعدها من ظلمة القبر, وكان من كلامه أنه قال: إذا مررت بهم فنادهم إن كنت مناديًا وادعهم إن كنت داعيًا ومر بعسكرهم, وانظر إلى تقارب منازلهم، سل غنيهم ما بقي من غناه, وسل فقيرهم ما بقي من فقره، وسل عن اللسان الذي كانوا به يتكلمون وعن الأعين التي كانوا بها إلى اللذات ينظرون، وسلهم عن الجلود الرقيقة والوجوه الحسنة، والأجساد الناعمة ما صنع بها الديدان محت الألوان, وأكلت اللحمان، وعفت الوجوه، ومحت المحاسن، وكرت القفا, وأبانت الأعضاء, وخرقت الأشلاء أين حجابهم وقيانهم, وأين خدمهم وعبيدهم وجمعهم وكنوزهم, والله ما زودوهم فرشًا، ولا وضعوا هناك مسكًا, ولا غرسوا لهم شجرًا, ولا أنزلوهم من اللحد قرارًا أليسوا في الخلوات، أليس الليل والنهار عندهم سواء أليسوا في مدلهمة مظلمة، قد حيل بينهم وبين العمل، وفارقوا الأحبة, وكم من ناعم وناعمة، أصبحوا ووجوهم بالية، وأجسادهم عن أعناقهم بائنة, وأوصالهم متفرقة، وقد سالت الحدق على الوجنات، وامتلأت الأفواه صديدا, ودبت دواب الأرض في أجسادهم, وتفرقت أعضاؤهم ثم لم يلبثوا والله إلا يسيرًا حتى عادت العظام رميمًا قد فارقوا الحدائق, وصاروا بعد السعة في المضايق، وقد تزوجت نساؤهم وترددت في الطرق أبناؤهم، وتوزعت القرابات ديارهم وميراثهم فمنهم والله الموسع له في قبره، والفظ الناضر فيه، والمتنعم بلذته يا ساكن القبر غدا ما الذي غرك من الدنيا, هل تعلم أنك تبقى لها أو تبقى لك، أين دارك الفيحاء ونهرك الطرد، وأين ثمرتك اليانعة، وأين رقاق ثيابك، وأين طيبك, وأين بخورك, وأين كسوتك لصيفك وشتائك أما والله قد نزل به الأمر, فما يدفع عنه وخلا, وهو يرشح عرقًا, ويتلظى عطشًا يتقلب في سكرات الموت وغمراته جاء الأمر من السماء، وجاء غالب القدر والقضاء هيهات هيهات يا مغمط الوالد والولد وغاسله، يا مكفن الميت وحامله، يا مخليه في القبر راجعًا عنه, ليت شعري, كيف كنت على خشونة الثرى؟ ليت شعري, بأي خديك بدأ البلى؟ يا مجاور الهلكى, صرت في محلة الموتى، ليت شعري, ما الذي يلقاني به ملك الموت عند خروجي من الدنيا؟ وما يأتيني به من رسالة ربي ثم انصرف, فما عاش بعد ذلك إلا جمعة.


وروى عنه من وجوه متعددة أنه قال في آخر خطبة خطبها رحمة الله عليه: ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، يرثها بعدكم الباقون، كذلك تردون إلى خير الوارثين في كل يوم تشيعون غاديًا ورائحًا قد قضى نحبه تودعونه وتدعونه في صدع من الأرض غير ممهد ولا موسد، قد فارق الأحباب وقطع الأسباب وسكن التراب وواجه الحساب، غنيًا عما خلف، فقيرًا إلى ما قدم.


ويروى أنه كان في جنازة في مقبرة فرأى قومًا يهربون من الشمس إلى الظل فأنشد شعرًا:


من كان حين تصيب الشمس جبهته




أو الغبار يخاف الشين والشعثا


ويألف الظل كي تبقى بشاشته




فسوف يسكن يومًا راغمًا جدثًا


في ظل مقبرة غبراء مظلمة




يطيل تحت الثرى في عمها اللبئا


تجهزي بجهاز تبلغين به




يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثًا





وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن الحسن أنه مر به شاب وعليه بردة حسنة, فدعاه فقال: ابن آدم معجب بشبابه معجب بجماله، كأن القبر قد دنا ووارى بدنك، وكأنك قد لاقيت عملك، ويحك دَاوِ قلبك، فإن حاجة الله إلى العباد صلاح قلوبهم.


وعن عبد الله بن العيزار قال: لابن آدم بيتان على ظهر الأرض وبيت في بطن الأرض, فعمد إلى الذي على الأرض، فزخرفه وزينه, وجعل فيه أبوابًا للشمال وأبوابًا للجنوب، ووضع ما يصلحه لشتائه وصيفه، فأتى عليه آت فقال: أرأيت هذا الذي أراك قد أصلحته كم تقيم فيه قال: لا أدري قال: والذي خربته كم تقيم فيه قال: إلى يوم البعث قال: تقر بهذا على نفسك وأنت رجل تعقل.


وعن الحسن أنه قال: يومان وليلتان لم تسمع الخلائق مثلهن قط: ليلة تبيت مع أهل القبور, ولم تبت قبلها، وليلة صبيحتها يوم القيامة ويوم يأتيك البشير من الله, إما بالجنة أو النار، ويوم تعطى كتابك بيمينك أو بشمالك.


وشهد الحسن جنازة فاجتمع عليه الناس فقال: اعملوا لمثل هذا اليوم رحمكم الله وإنما إخوانكم يقدمونكم وأنتم الأثر أيها المخلف بعد أخيه أنت الميت غدًا والباقي بعدك هو الميت في أثرك أولا فأولا حتى توفوا جميعًا قد عمكم الموت واستويتم جميعًا في كربه وغصصه، ثم تخليتم جميعًا القبور ثم تنشدون جميعًا ثم تعرضون جميعًا على ربكم عز وجل.


وقال صفوان بن عمر: وذكروا النعيم فسموا ناسًا فقال رجل: أنعم رجال في التراب، قد أمنوا العذاب, ينتظرون.


وروى عن إبراهيم بن أدهم أنه قرأ على قبر:


ما أحد أكرم من مفرد



في قبره أعماله تؤنسه


منعم الجسم في روضة



زينها الله فهي مجلسه




تزود قرينا من فعلك إنما




قرين الفتى في القبر ما كان يفعل


وإن كنت مشغولا بشيء فلا تكن




بغير الذي يرضي إلهك تشغل


فلن يصحب الإنسان من بعد موته




إلى قبره إلا الذي كان يعمل


إلا إنما الإنسان ضيف لأهله




مقيم قليلا عندهم ثم يرحل([1])









([1]) من أهوال القبور باختصار.









رد مع اقتباس