في حكم إختلاط الرجال والنساء الشيخ فركوس
هذا والجدير بالتنبيه أنّ المرأة إذا خرجت لحاجة شرعية كطلب العلم الشرعي الذي يتعذر عليها تحصيله إلا بالخروج إلى مظانه لتقي نفسها من النّار عملا بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم: 6]، إذ الوقاية من النَّار إنّما تكون بالإيمان والعمل الصالح، ولا يمكن ذلك إلاّ بالعلم الشرعي الصحيح وما لا يتمُّ الواجب إلاَّ به فهو واجب، وإذا جاز للمرأة الخروج للتكسب عند فقدان المعيل والمنفق لإصلاح بدنها وبدن عيالها فإنّ خروجها لقوام دينها أولى ومع ذلك يشترط لها في الخروج أن يكون بالضوابط الشرعية الآمنة من الفتنة.
فالحاصل: أنّ الرجل له أن ينتاب أماكن العمل ويشتغل بالتوظيف للتكسب والاسترزاق لوجوب قوام بدنه ولزوم النفقة عليه وعلى عياله، واختلاط المرأة به في محل عمله لا يكون سببا في تركه للعمل ولا إثم عليه –إن شاء الله- إذا ما احتاط لنفسه، وإنّما الإثم على من خالف أصله في القرار في البيت وخرج إلى أبواب الفتنة من غير مسوغ وبدون ضوابط شرعية لعدم لزوم النفقة عليها، لكنّ الرجل إن خشي الوقوع في محرم لضعف نفسه أمام فتنة النساء فالواجب عليه أن يغيّر محل عمله إلى محل تنتفي فيه الفتنة أو تقل عملا بقاعدة: «دَرْءُ المَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ المَصَالِحِ»، أمّا الاختلاط الذي تدعو الضرورة إليه وتشتد الحاجة إليه وتخرج فيه المرأة بالضوابط الشرعية كما هو حاصل في أماكن العبادة ومواضع الصلاة ونحوها مثل ما هو واقع ومشاهد في مناسك الحجّ والعمرة في الحرمين فلا يدخل في النّهي لأنّ الضرورة والحاجة مستثناة من الأصل من جهة، وأنّ مفسدة الفتنة مغمورة في جنب مصلحة العبادة من جهة ثانية إذ «جِنْسُ فِعْلِ المَأْمُورِ بِهِ أَعْظَمُ مِنْ جِنْسِ تَرْكِ المَنْهِيِّ عَنْهُ» كما هو مقرَّر في القواعد العامّة.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: 28 شعبان 1428ﻫ
الموافق ﻟ: 10 سبتمبر 2007م
١-أخرجه البخاري في «النكاح»، باب خروج السناء لحوائجهن: (4939)، ومسلم في «السلام»، باب إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان: (5668)، وأحمد: (23769)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (13793)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
٢- أخرجه البخاري في «الأحكام»، باب قول الله أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر: (7138)، ومسلم في «الإمارة»، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر: (1829)، وأبو داود في «الخراج والإمارة»، باب ما يلزم الإمام من حق الرعية: (2928)، والترمذي في «الجهاد»، باب ما جاء في الإمام: (1705)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
٣- أخرجه البخاري في «النكاح»، باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم: (4934)، ومسلم في «السلام»، باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها: (5674)، والترمذي في «الرضاع»، باب ما جاء في كراهية الدخول على المغيبات: (1171)، وأحمد: (16945)، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
٤- أخرجه البخاري في «الجنائز»، باب اتباع النساء الجنائز: (1219)، ومسلم في «الجنائز»، باب نهي النساء عن اتباع الجنائز: (2166)، وأحمد: (26758)، من حديث أم عطية رضي الله عنها.
٥- أخرجه مسلم في «الصلاة»، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول: (1013)، وأبو داود في «الصلاة»، باب صف النساء وكراهية التأخر عن الصف الأول: (687)، والترمذي في «الصلاة»، باب ما جاء في فضل الصف الأول: (224)، والنسائي في «الإمامة»، باب ذكر خير صفوف النساء وشر صفوف الرجال: (228)، وابن ماجه في «إقامة الصلاة»، باب صفوف النساء: (1053)، وأحمد: (7565)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
٦- أخرجه البخاري في «الصلاة»، باب إذا كان الثوب ضيقا: (355)، ومسلم في «الصلاة»، باب أمر النساء المصليات وراء الرجال أن لا يرفعن: (987)، وأبو داود في «الصلاة»، باب الرجل يعقد الثوب في قفاه ثم يصلي: (630)، والنسائي في «القبلة»، باب الصلاة في الإزار: (766)، وأحمد: (15134)، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.
٧- أخرجه البخاري في «النكاح»، باب ما يتقى من شؤم المرأة: (4808)، ومسلم في «الرقاق»، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء: (6945)، والترمذي في «الأدب»، باب ما جاء في تحذير فتنة النساء: (2780)، وابن ماجه في «الفتن»، باب فتنة النساء: (3989)، وأحمد: (21239)، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
٨- أخرجه مسلم في «الذكر والدعاء»، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار: (6948)، والترمذي في «الفتن»، (2191)، وابن ماجه في «الفتن»، باب فتنة النساء: (4000)، وابن حبان: (3221)، وأحمد: (10785)، والبيهقي: (6746)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
٩- أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف»: (13246)، وأخرجه سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم كما قال الجلال السيوطي في «الدر المنثور»: (7/282).