منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الجهة,المكان,الحد,الحيز ,وخزعبلات أخرى هنا تفنيدها
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-09-23, 21:43   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
جمال البليدي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية جمال البليدي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الشبهة السادسة عشر ‏‎:‎
كان في الأزل ليس مستويا على العرش وهو الآن على ما عليه كان,فلا يكون على العرش,لأن الاستواء ‏فعل حادث-كان بعد أن لم يكن-فلو قام به الإستواء قامت به الحوادث,وإن قيام الحوادث بذاته تغير والله ‏منزه عن التغير.‏
الرد ‏‎:‎
ينبغي أن يعلم بأن المشتغلين بعلم الكلام إذا قالوا(لا تحله الحوادث))أوهموا الناس أن مرادهم أنه لا يكون ‏محلا للتغيرات والاستحالات ونحو ذلك من الأحداث التي تحدث للمخلوقين فتحليهم وتفسدهم,وهذا ‏معنى صحيح,ولكن مقصودهم بذلك أنه لا ينزل إلى السماء الدنيا ,ولا يأتي يوم القيامة ولا يجيء,ولا ‏يغضب بعد أن كان راضيا,ولا يرضى بعد أن كان غضبان,ولا يقوم به فعل ألبتة,ولا أمر مجدد بعد أن لم ‏يكن,ولم يستوي على عرشه بعد أن لم يكن مستويا عليه,ولا يغضب يوم القيامة غضبا لم يغضب قبله مثله ‏‏,ولن يغضب بعده مثله ,ولا ينادي عباده يوم القيامة بعد أن لم يكن مناديا لهم,فإن هذه كلها حوادث,وهو ‏منزه عن حلول الحوادث(1)فإن هذا من اللبس والتلبيس ,وتسمية المعاني الصحيحة الثابتة بالأسماء القبيحة ‏المنفرة,وتلك طريقة للنفاة مألوفة وسجية معروفة(2).‏


والجواب على الشبهة المذكورة-التي هي أوهن من بيت العنكبوت – من وجوه ‏‎:‎

الوجه الأول‎:‎‏ من قال لكم أن الحادث لا يقوم إلا بحادث.من أين جاءت هذه القاعدة؟هل هي في القرآن ‏الكريم؟هل هي في السنة المطهرة؟هل هي في العقل؟وكل من أمعن النظر وفهم حقيقة الأمر علم أن السلف ‏كانوا أعمق من هؤلاء علما ,وأبر قلوبا,وأقل تكلفا,وأنهم فهموا من حقائق الأمور مالم يفهمه هؤلاء ,الذين ‏خالفوهم,وقبلوا الحق وردوا الباطل ومن هداه الله سبحانه وتعالى أيقن فساد هذا الكلام(3)‏
الوجه الثاني‎:‎إننا نقابل هذه القاعدة الفاسدة بقاعدة أكمل منها وأوضح وهو‎:‎‏ أن الفعال لما يريد أكمل من ‏الذي لا يفعل.والله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء,والله يحدثُ ما يشاء,لا معقب لحكمه,فما من فعل يفعله ‏إلا وقد حدث بعد أن لم يكن.وأنتم إذا عطلتم الله عز وجل عن الأفعال الإختيارية –كالإستواء والنزول ‏والضحك والفرح والغضب-معنى ذلك‎:‎‏ وصفتمو‏‎:‎‏ بأنقص ما يكون ((والكمال في اتصافه بهذه الصفات ‏لا في نفي اتصافه بها))(4) ‏
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله‎:‎‏ ((الله سبحانه موصوف بصفات الكمال,منزه عن النقائص ,وكل ‏كمال وصف به المخلوق من غير استلزامه لنقص فالخالق أحق به,وكل نقص نزه عنه المخلوق فالخالق أحق ‏بأن ينزه عنه,و الفعل صفة كمال لا صفة نقص ,كالكلام والقدرة,وعدم الفعل صفة نقص,كعدم الكلام ‏وعدم القدرة,فدل العقل على صحة ما دل عليه الشرع ,وهو المطلوب))(5)‏
وقال ابن القيم رحمه الله ‏‎:‎
والرب ليس معطلا عن فعله***ؤبل كل يوم ربنا في شان.‏


الوجه الثالث‎:‎‏ لفظ التغير لفظ مجمل .فالتغير في اللغة المعروفة لا يراد به مجرد كون المحل قامت به ‏الحوادث(6)),بل إن لفظ التغير في كلام الناس المعروف يتضمن استحالة الشيء.‏
والناس إنما يقولون تغير ‏‎:‎لمن استحال من صفة إلى صفة‎.‎
فالإنسان مثلا إذا مرض وتغير في مرضه كأن اصفر لونه أو شحب أو نحل جسمه يقال‎:‎‏ غيره المرض.‏
وكذا إذا تغير جسمه بجوع أو تعب ,قيل قد تغير.‏
وكذا إذا غير لون شعر رأسه ولحيته ,قيل قد غير ذلك .‏
وكذا إذا تغير خلقه ودينه,مثل أن يكون فاجرا فيتوب ويصير برا أو يكون برا فينقلب فاجرا .فهذا يقال ‏عنه‎:‎أنه تغير.‏
ومن هذا الباب,قول النبي صلى الله عليه وسلم ((غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد))رواه مسلم.‏
وكذا الشمس إذا اصفرت ,قيل‎:‎تغيرت .ويقال‎:‎وقت العصر مالم يتغير لون الشمس.‏
والأطعمة إذا استحالت يقال لها تغيرت قال تعالى { فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين } محمد: 15 فتغير ‏الطعم استحالت من الحلاوة إلى الحموضة ونحو ذلك
ومنه قول الفقهاء إذا وقعت النجاسة في الماء الكثير لم ينجس إلا أن يتغير طعمه أو لونه أو ريحه وقولهم إذا نجس الماء بالتغير زال بزوال التغير ولا يقولون إن ‏الماء إذا جرى مع بقاء صفائه أنه تغير ولا يقال عند الإطلاق للفاكهة والطعام إذا حول من مكان إلى مكان انه تغير ولا يقال للإنسان إذا مشى أو قام أو قعد قد تغير ‏اللهم إلا مع قرينة ولا يقولون للشمس والكواكب إذا كانت ذاهبة من المشرق إلى المغرب إنها متغيرة بل يقولون إذا إصفر لون الشمس إنها تغيرت ويقال وقت ‏العصر ما لم يتغير لون الشمس ويقولون تغير الهواء إذا برد بعد السخونة ولا يكادون يسمون مجرد هبوبه تغيرا وإن سمى بذلك فهم يفرقون بين هذا وهذا لونه ‏لون لباس المسلمين وتقول العرب تغايرت الأشياء إذا اختلفت والغيار البدال
والناس إذا قيل لهم التغير على الله ممتنع فهموا من ذلك الاستحالة والفساد مثل انقلاب صفات الكمال إلى صفات نقص أو تفرق الذات ونحو ذلك مما يجب تنزيه الله ‏عنه
وأما كونه سبحانه يتصرف بقدرته فيخلق ويستوي ويفعل ما يشاء بنفسه ويتكلم إذا شاء ونحو هذا لا يسمونه تغيرا
ولكن حجج النفاة مبناها على ألفاظ مجملة موهمة كما قال الإمام أحمد: يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويلبسون على جهال الناس بما يشبهون عليهم حتى يتوهم الجاهل ‏أنهم يعظمون الله وهم إنما يقودون قولهم إلى فرية على الله.(7)‏

الوجه الرابع‎:‎‏ لقد جاءت الآية وفيها لفظ(ثم) مما يدل على أن الله استوى على العرش بعد أن خلق ‏السموات والأرض
قال تعالى((إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)) فالله فعال لما يريد يفعل ما ‏يشاء متى شاء جلا جلاله ولست تاركي ما جاء في القرآن بسبب تمويه الجهمية ونبزهم وإختراعهم لألفاظ مجملة يحاربون ‏بها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.‏
جاء في حديث قتادة " لما فرغ الله من خلقه استوى على عرشه " (‏ 8‏). وقال الطبري " فلما فرغ من خلق ما ‏أحب ‏استوى على العرش " (‏9 ‏).‏
ويبطل ذلك أيضاً :‏
‎•‎ ما حكاه البيهقى أن أبا الحسن الأشعري كان يذهب إلى أن الاستواء من صفات الفعل لله ، وأن الله فعل ‏فعلاً سماه ‏الاستواء وأن (ثم) تفيد التراخي وأن التراخي إنما يكون في الأفعال (‏ ‏10).‏
‎•‎ قولُ الله { وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء } وهذا بخلاف قوله { ‏ثُمَّ ‏اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } فالعرش (كان) قبل خلق السموات والأرض، أما الاستواء الذي تحدث الله عنه فهو ‏فعلٌ فعله الله بعد ‏خلق السموات والأرض.‏
وهذا يقتضيه عمل (ثم) التي إذا أتت بين فعلين ماضيين أفادت الترتيب بينهما.‏



---------------------------

‏(1)الصواعق المرسلة(ص935-936)‏
‏(2) الصواعق المرسلة(ص1500)‏‎.‎
‎(3)‎انظر النبوات(ص79) وشرح حديث النزول(ص417)‏
‏(4) مجموع الفتاوى(6/242).‏
‏(5)درء تعارض العقل والنقل(2/6).‏
‏(6)جامع الرسائل(2/44).‏
‏(7)درء التعارض مع تصرف يسير.‏
‏(8) رواه البيهقي في الأسماء والصفات بسند صحيح 2/120 والذهبي في مختصر العلو 98 .‏
‏(9) تفسيرالطبري 1/152 .‏
‏(10) الأسماء والصفات 2/152 .‏