الشبهة الخامسة عشر:قول حسن المحاججة ( إذا كان الله تعالى – عندكم – فوق العالم بائناً منه خارجاً منه فهو – إذاً – إما أن يكون مماساً للعالم أو منفصلاً عنه , فإن قلتم : إنه مماس للعالم فأنتم مبتدعة مجسمة .
وإن قلتم : إنه منفصل عن العالم – فيقال إذن توجد المسافة بين العالم وبين الله تعالى فهذه المسافة إن كانت عدمية فصار الله مماساً بالعالم , وإن كانت وجودية , فهو جزء من العالم , فيلزم أن الله منفصل عن العالم بجزء من العالم )
الجواب : (إن السلف قالوا : إن الله تعالى فوق العالم بائن عنه وهذا القدر كاف في العقيدة , ولم يخوضوا في المسافة , هل بين الله وبين العالم مسافة أم لا , وكم مقدار هذه المسافة وهل تلك المسافة جزء من العالم أم لا ؟ .
وذلك لوجهين :
الأول : خشية الدخول في الكيف ,
الثاني : خشية الدخول في دائرة الغيب بدون الإخبار من الله تعالى .
فالواجب على المسلم أن يعتقد أن الله تعالى فوق العرش وقاهر فوق عباده عالٍ على الكون بائن عن خلقه , ولا يدخل في الكيف ولكن إذا خاصمنا مبتدع معطل فلا بد أن نقول له بذاته وقلعاً لشبهاته وقطعاً لدابره : إننا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام : إن الموجود موجودان : خالق ومخلوق .
فالله تعالى بذاته وصفاته خالق , وما سواه عالم وهو الكون – وهو مخلوق والله تعالى فوق الكون بائن عن خلقه .
فليس وراء هذا الكون شيء موجود غير الله تعالى لا المسافة ولا غيرها , فالذي ينكر علو الله تعالى على خلقه بشبهة المسافة , فهو المشبه في الحقيقة أولاً لأنه قد شبه فوقية الله تعالى بفوقية رجل على سطح بيته , ولذلك دخل في المسافة وكيفيتها , ثم هو المعطل ثانياً لأنه عطل صفة علو الله تعالى خشية المسافة ثم هو المشبة ثانياً لأنه قد وقع في أشنع مما فر منه وهو خوف الوقوع في التشبيه , لأنه لما عطل صفة علو الله تعالى خشية التشبيه وقال : إن الله ( لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ) شبه الله تعالى المعدوم بل بالممتنع) (1)
-----------
(1)التنبيهات السنية(ص395-400)