يتعلق موضوع هده المداخلة المتواضعة بعالم من أعلام الجزائر، وشخصية ميزت بإنتاجها الأدبي والفكري، القرن السابع عشر الهجري، وهو العالم الصوفي عفيف الدين التلمساني، المعروف عند سكان تلمسان "بسيدي حفيف".
وهو أبو الربيع سليمان عفيف الدين بن علي بن عبد الله بن علي بن ياسين العابدي الكومي، المولود حوالي سنة 610 للهجرة كما ذكر ذلك بعض اللذين كتبوا عنه، أما المستشرق الألماني بروكلمان والدكتور عمر فروخ، فقد جعلوا مولده سنة 613 هجرية، الموافق للسنة 1216 للميلاد، ولقب العابدي نسبة للعباد مكان مولده أين يوجد حاليا ضريح الولي الصالح أبي مدين الشعيب، أما الكومي، فذلك نسبة إلى قبيلة كومية التي ينتسب إليها أمير المؤمنين عبد المؤمن بن علي، وهي إحدى فروع زناته، خلافا لما ذهب الدكتور علي صافي حسين في كتابه الأدب الصوفي في مصر في القرن السابع الهجري(1)، حيث أورد كلمة كوفي بدلا من كومي، ومنشأ الغلط راجع إلى الذين طبعوا كتاب فوات الوفيات، لابن شاكر في طبعاته القديمة والطبعة المحققة لمحي الدين عبد الحميد، وضعوا الكوفي بدل الكومي ربما يعود ذلك لجهلهم بوجود قبيلة كومية في الجزائر، ونسبوه بالتالي خطأ إلى الكوفة(2).
وكانت تلمسان في هذا القرن في أوج تطلعها لكل ما هو صوفي، وكل ما اتصل بالزهد والنسك والكرامة، وكلمة الصوفي مسموعة لا ترد، ويستهوي أهلها كل ما هو رائق، وترعرع عفيف الدين وسط هذا الجو العقائدي والثقافي ليشد الرحال فيما بعد إلى المشرق مرورا ببعض حواضر العلم آنذاك مثل بجاية وتونس والقاهرة، ومن ثم إلى آسيا الصغرى أين التقى بالعالم الصوفي والفيلسوف محمد بن إسحاق بن يوسف بن علي المعروف باسم صدر الدين الرومي المتوفى سنة 673 للهجرة، والذي كان من أكبر تلامذة محي ابن عربي الذي تزوج أمه ورباه، وكان للفترة التي قضاها العفيف التلمساني مع صدر الرومي أثرها البالغ الذي انعكس في شعره جليا، حيث عرفت تلك المرحلة انفتاح الحضارة الإسلامية على الحضارات الأخرى مثل اليونانية والهندية، فكان للأفلاطونية المحدثة التي تأثر بها الفكر الصوفي وعلم الكلام والتي شكلت محور نقاش طويل صداها القوي في شعر عفيف الدين. إلا أن هذه التجربة الفلسفية لا يمكن النظر إليها بمعزل عن الماضي الذي نشأ فيه الشاعر، فهو تجربة مزدوجة، يجب النظر إليها في نشأتها العقائدية، وفي كمالها الفلسفي.