منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - ملاحظات على مذكرات الأمير عبد القادر المختلقة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-02-22, 22:54   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
الأميرة بديعة الحسني
كبار الشخصيات
 
إحصائية العضو










B10 تتمة:

التاريخ الروماني:
وموضوع آخر لا بد من التكلم عنه وهو عن النصوص التي جاءت في الصفحة 198، وغيرها، والتي نسب فيها للأمير المبالغة في مدح الإفرنسيين كجنس والرومان كحضارة. وإن بالقرآن الكريم أتى مديحهم بقوله تعالى في سورة الروم ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾[1]. وهذه الآية لا يوجد فيها أي نوع من المديح للرومان، وإنما هي خبر يخبر به سبحانه وتعالى نبيّه لأن في ذلك الوقت كان الروم والفرس في حرب، وكان المسلمون يتمنون أن يغلب الروم لأنهم أهل كتاب والفرس كانوا وثنيين، وهم يعادون الأوثان لذلك يحاربون أصحابها. وهذه الآية من كثير من الآيات تضمنت أخبار الماضي والحاضر والمستقبل، وقال تعالى لنبيّه والمؤمنين في سورة المائدة ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[2]، وليس في كلام الله تناقض في هذه الآيات، والآية التي ذكرها تعالى في سورة المائدة ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ، وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ[3]صدق الله العظيم. وهذا الرجل الأمير عبد القادر مجاهد مسلم مثقف ثقافة دينية راقية، حفظ القرآن، درس كتاب البخاري، ومن هو البخاري؟ هو الإمام الجليل محمد بن اسماعيل بن مغيرة البخاري المتوفي عام 276 هـ، وأجمع العلماء على صحة الحديث في كتابه، وأنه كان من جهابذة فن الحديث ونقّاده، وجميع أئمة الحديث حتى الآن أعطوا حكمهم بصحة أسانيد البخاري، وأجمعوا على أن وجود حديث في كتاب (صحيح البخاري) يقطع بصحة الحديث الشريف. هذا هو الكتاب الذي ختمه ودرسه الأمير في حصاره لعين ماضي، وأيضاً في حصاره لمدينة تلمسان قبل تحريرها، وكذلك درس الحديث والتفسير في معاهد وهران وفاس وزيتونة، ودرس التاريخ الإسلامي. فمثل هذا الرجل العالم لا يمكن أن يتحول إلى رجل جاهل ولو في سجون الأعداء والدليل، كما أسلفت، ذلك العنوان الجريء والقاسي الذي وضعه لرسالته إلى الأساقفة من غير مجاملة ولا خوف، وهو أيضاً يعلم التاريخ الروماني، ويعرف الكثير عن التاريخ الإسلامي وعن الخلافات الخطيرة التي حدثت بين الرومان والنصارى في بلاد الشام ومصر من الكتب التاريخية التي كانت في مكتبته في أمبواز وحملها معه وورثها جدّي، وكانت في مكتبة حوش بلاس وانتقلت إليّ بعد وفاته. ومن هذه الكتب القديمة كتاب (فتح مصر) لألفريد بتلر، ومؤلفات الأسقف النقروسي في القرن الأول للهجرة وفيه وصف لحكم الرومان لمصر ومعاناة الأقباط من ظلم الحكم الروماني، ومؤلفات لميخائيل الأكبر السرياني في القرن السادس عن وحشية الرومان وغدرهم، وكتاب لجوبون (تاريخ انهيار الإمبراطورية الرومانية)، وكتاب (تاريخ العالم للمؤرخين)، وكتب قديمة تتحدث عن أوروبا بما فيها فرنسا وكيف كانت تتخبط بظلام الجهل والفساد والهمجية في أوساط مجتمعاتها أشد هولاً من تاريخ ماضيها الذي يرجع إلى اليونان ثم الرومان الذين من خصائصهم التعالي على الآخرين وشدة التمسك بزخارف الدنيا والقسوة في سبيل تحقيق رغباتهم المادية، وشعارهم الذي عُرفوا به (المادة)، فنحتوا التماثيل وعبدوها. ومن صفاتهم الاعتداد والفخر بقوتهم إلى درجة العبادة والتقديس لقوتهم. وقد قرات كتاب (تاريخ اوروبا) للراهب أغستين، ومما قرأت في هذه الكتب معلومات عن ميادين المصارعة الوحشية وفرح وسعادة المشاهدين في مجتمعاتهم لرؤية بطل يصارع آخر حتى الموت أو يصارع حيوان مفترس جائع كأسد أو نمر يُرمى إليه المحكوم بالإعدام من العبيد. وقرأت كتاب (أخلاق أوروبا) للمؤرخ ليكي.

ولا شك أن الأمير كان قد قرأ هذه الكتب وعليها بعض التعليقات بخطه يقارن بينهم وبين الإسلام وتربيته الإلهية، لأن المسلم في الأزمات الخطيرة والحروب يتوجه إلى الله. قال الله تعالى في سورة الأنفال ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[4]، والأمير إنسان مسلم وكذلك الذين معه. الملاحظ في هذه الصفحات أنه لا يوجد ذكر الله، وإنما يوجد المديح للإفرنسيين بأصحاب الملك القديم وأهل الوفاء، والأمير هو أعلم بتاريخ فرنسا والإفرنسيين والرومان الذين ينحدرون منهم. ولا شك أن الأمير قرأ ما قرأته في أحد كتبه عن شاعر بسيط طلب منه أحد الملوك العرب فرسه فقال:

أبيت اللعن إن سهاب علق *** نفيس لا تهدى ولا تباع

وأبى هذا الشاعر العربي بيع فرسه ولو بأغلى الأثمان، ولعن نفسه إن فعل وقال له أنها لا تباع ولا تهدى، فكيف الأمير يهدي فرسه التي جاهد عليها لقائد ما زال يحتل بلاده التي فداها بدمه وماله. والحقيقة أنه ترك جواده بيد جزائري كان يقف في المرفأ لأنه لا يستطيع أخذه معه في الباخرة. وهذا هو الواقع الموضوعي ان جواده أُخذ منه قبل ركوب الباخرة. وذكر احد الصحافيين أن الجنود بعد ركوب قافلة الأمير خروا على حوافر ذلك الجواد يقبلونه ويبكون قائلين (هذا الجواد كان يحمل قائدنا وأميرنا). ذُكرت هذه الحادثة في كتاب (تحفة الزائر). فهذا الشاعر العربي البسيط صعب عليه بيع فرسه، فكيف يهدي قائد مقاومة وأمير البلاد جواده إلى عدوه الذي ما زال يحتل بلاده ويذيق أهله وشعبه وأبناء أمته الويل والذل وهوان الاحتلال؟ وأذكر انني قرأت بين كتبه عن دخول نابليون بونابرت الإمبراطور الإفرنسي إلى مصر وادّعائه الإسلام ولبس العمامة نفاقاً وكذباً من عام 1798 إلى عام 1801، وعن الضربات الموجعة التي وجهها إلى الشعب المصري. هذا الإمبراطور الغدّار الذي ذبح وقتل ودخل بخيول جنوده الأزهر الشريف، فإذا نسي تاريخهم معه ونسي أنه كتب جواباً على سؤال قُدّم إليه من بعض رجاله المجاهدين عن الجهاد والهجرة الشرعية، ومن أقواله في هذا الجواب قوله أن من يأمن المعتدين من الكفار ويثق بمواثيقهم وعهودهم إما أن يكون أحمق أو ضعيف الإيمان والعقل. وهل نسي أكاذيب قادتهم وادّعاء كلوزيل أنه انتصر على الأمير، وأن الأمير فرّ إلى الصحراء فكانت جنوده تتحدث عنه بخجل في معسكراتهم؟ وهل نسي أكاذيب بيجو التي غسل فيها دماغ السلطان عبد الرحمن؟ وهل يمكن أن ينسى وهو ممسك بالقلم يكتب أن الإفرنسيين بيت ملك قديم عُرفوا بالانضباط والوفاء، يعني حضارة قديمة. ونسي ما فعله هؤلاء أصحاب الملك القديم بالأطفال والنساء ورجال غير محاربين من قبائل بني يحيى حينما سمعوا أن الجيش الإفرنسي على مسافة من قبيلتهم فزعوا ودخلوا غار في الجبل الغريب منهم يعرف بغار العقبة البيضاء وكانوا أكثر من خمسمائة، ولما وصل قائد الحملة إلى القرب من الغار سمع أصوات الأطفال فأمر جنوده بجمع الحطب والتبن والأعشاب اليابسة وأغلقوا بها باب الغار وأشعلوا النار في هذه المواد ومات كل من في الغار حرقاً و اختناقاً بالدخان ولم ينج أحد.

من غير شك أن الذي كتب على لسان الأمير هذا المديح للإفرنسيين الذي وصل إلى درجة النفاق وجعله رجل منافق أو جاهل أو مصاب بفقدان الذاكرة هو ضابط إفرنسي تعلم العربية أو أحد أفراد القبائل المتعاونة معهم كلف بهذه المهمة كان يتقن الكتابة بالعربية ولكنه نشأ في بيئة شعبية فلم يستطع التخلص من اللهجة السوقية العامية التي اعتاد التكلم بها وهذا بسبب كثرة الكلمات العامية في المخطوط والأسلوب الركيك.

وكيف يمتدح الرومان والإفرنسيين وهو يعلم بتاريخهم القديم والحديث ويقول عنهم ما كتب عن لسانه في هذا المخطوط؟ ومن غير المعقول أن لا يعلم الأمير قصة حرق مكتبة الاسكندرية التي اتهم بها سيدنا عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص ظلماً وعدواناً لأن كتاب الفريد بتلر كان في مكتبته حينما وصل إلى دمشق وقد قرأته بنفسي كان في مكتبة جدي في مزرعتنا في حوش بلاس وقرأت فيه ما خلاصته أن حنا النحوي الذي نقل عن لسانه أن عمر بن العاص أحرق مكتبة البطالسة أثناء فتحه لمدينة الاسكندرية اكتشف بتلر أن هذا الرجل حنا النحوي مات قبل دخول العرب إلى مصر بمئة وخمسة عشر عاماً وأثبت صحة معلوماته بالأدلة والبراهين العلمية وأن من قام بهذا العمل الهمجي هم الرومان أي قيصر الروم.

وذكر أن هذا العمل الشائن الوحشي قام به الامبراطور الروماني عام 48 ميلادي حينما ذهب غازياً لمدينة الاسكندرية فوجد مقاومة من السفن الراسية في المرفأ وكانت سفن بدائية من الخشب فأمر بحرقها فامتدت النيران إلى الساحل والأبنية، منها تلك المكتبة الهائلة التي جمع فيها البطالسة مئات الآلاف من المخطوطات الثمينة كتاب بجميع العلوم واستشهد بتلر بكلام قدماء المؤرخين كالمؤرخ ديوكاسيوس والمؤرخ أمانيوس والمؤرخ أورسيوس وغيرهم والكل ذكروا أن قيصر الروم حرق تلك المكتبة التي حوت على 700 ألف مخطوط.

ودخول عمر بن العاص إلى الاسكندرية كان عام 641 ميلادي يعني ما يقارب 500 عام بين حرقها وبين دخول العرب إليها. ولاحظت في كتاب فتح العرب لمصر لحنا النقيوسي مؤرخ ذلك العصر مبالغة في وصفه للمعارك التي دارت بين العرب والرومان وقوله أنهم بعد دخولهم إلى المدينة قتلوا عائلة أقرباء تيودور القائد الروماني من الأطفال والنساء وهذا غير صحيح ربما لأنه لم يكن على اطّلاع بأخلاق العرب المسلمين المحرم عليهم قتل الأطفال والنساء وقطع الأشجار المثمرة ولا حرق بيوت السكان العامرة محرم عليهم ذلك وعمر بن العاص وجميع الفاتحون تمسكوا بقوانين الحرب في الإسلام وهو جديد عهد بها لا يمكنه تجاوزها ولكن المؤرخ القبطي بعد أن تعرف على العرب الفاتحين كتب الكثير عن عدلهم وفرح المسيحيين بهم وعن مظالم الرومان وبطشهم هذه الكتب التي وجدت في مكتبة الأمير وكان يحملها معه أين ما ذهب وحملت إلي عن طريق الإرث قرأتها ولا بد أن الأمير ويقيناً كان قد قرأها في الجزائر أو في سجنه. وأما معلومات تلك الحقبة من تاريخ دولته ومقاومته فليست حكراً عليه.

ولا أدري هنا لماذا تميل بنا ثقافتنا نحو كل ما يقدم لنا من محتلي بلادنا سابقاً من الإفرنسيين، فنأخذه بكل تقديس واهتمام من غير دراسة و تفكير مثلاً نستقبل راية مزعومة من يد أعدائنا باحتفال كبير ويرحّب بهذا المخطوط ويُحتفل به من غير دراسة أو شكوك؟ ونظل نراوح ضمن القيود التي وضعوها لنا والتي تحدد خطانا وثقافتنا بصورة خاصة ما نقدمه لأطفالنا كغذاء عقلي؟ ونتغافل عن المجال الفسيح أمامنا من التحليل و القياس و مجال التفكير الواسع بالتفتيش عن المصدر و الأسباب ربما نجد من هذه الأسباب المغرضة وهو إدراك العدو سابقاً الذي صاغ هذا المخطوط، الشعبية الكبيرة في الجزائر و العالم لهذا المجاهد الكبير وقوة تأثيره على الشعب و بصورة خاصة القيم الإسلامية التي جسّدها والتي كانت من خصائصه ولم يكتفوا بسيناريو خروجه من الجزائر والقول استسلم وإنما أرادوا التأكيد على ما خططوا له والدليل هو في نماذج رسائلهم التي كانوا يتراسلون بها، ذكر الكاتب عيسى المسعودي في مقدمته لكتاب تاريخ الأمير عبد القادر ص58 أن بيجو بعد أن فقد في إحدى المعارك 3500 جندي خرج ما يقرب من 500 جندي في معسكره يهتفون بسقوط فكرة احتلال الجزائر. والأدلة كثيرة على نماذج من تفكير هؤلاء المعتدين وذكر الكثير من المؤرخين أن بيجو حفظ عن ظهر قلب عدد تلك المعارك التي هزم فيها أمام الأمير عبد القادر وكتب عن المعارك التي هزم فيها الجزائريون الإفرنسيين، ومنها معركة بليده ورأس العين ثم المقطع وخنق النطاح ومئات غيرها إلى معركة سيدي ابراهيم والغزوات وعشرات المعارك التي هزم فيها جنوده شر الهزائم، وكم من المرات استغاث بيجو وغيره وطلبوا الإمدادات من فرنسا من الجنرالات كدي ميشيل وتريزيل والكونت دورليان والجنرال باراكواي والجنرال بيجو الذي عزل أكثر من مرة ثم عاد ليجرب حظه ويثأر ويأمل في كسب أي انتصار ولكنه فشل وعجز لذلك لجأ إلى تلك الخطة الخبيثة فلعب بعقل سلطان المغرب وأثار في نفسه الشكوك وزرع في ذهنه أن لعبد القادر طموحات في عرشه. وقدّم له الأدلة من محبة الشعب المغربي لعبد القادر والهتاف باسمه في المظاهرات وحينما اقتنع السلطان بخطر طموحات عبد القادر على عرشه وطلب منه بيجو محاربته وإغلاق الحدود في وجهه وملاحقة قواته عسكرياً إلى أن تمكن عام 1844 من عقد اتفاق رسمي مع السلطان نص على فتح جبهة أمام الأمير ومحاصرته عسكرياً واقتصادياً بالدرجة الأولى. وسمح لنفسه هذا السفاح بيجو بجعل السلطان يغلق في وجه المقاومة الحدود التي كانت الرئة التي تتنفس منها المقاومة ضد الاحتلال، وجبهة يقتل فيها الأخ أخيه من تلك القبائل المجاورة لأن جيش السلطان مكوّن من شباب القبائل التي قسم منها جزائري يقاتل تحت قيادة الأمير مثلاً قبائل بني سناسن منها قسم جزائري وقسم مراكشي وهذه التقسيمات هي اجنبية استعمارية، هذا ما جعل الأمير عبد القادر يوقف تلك المهازل ويقرر الهجرة لأنه المقصود من قبل السلطان فعقد اتفاقية هجرة مع ممثلي الدولة المعتدية المحتلة، اتفاقية رسمية على عدم منعه من مغادرة الجزائر هو ومن معه ولكن فرنسا غدرت به واختطفته وأخذته سجيناً إلى فرنسا هو ومن معه من عائلته وأتباعه إلى قصر امبواز في فرنسا.

هذه المعلومات الموثّقة المعروفة التي لا يستطيع أحد أن ينكرها يؤخد عليّ ويعاب عليّ من بعض الجاهلين تكرارها في مؤلفاتي ولا يدركون كم في الإعادة إفادة أي فائدة المتعة. أذكر أن زوجي العميد عدنان وهو ضابط عسكري قال لي أنه قرأ معركة المقطع في كتابي ناصر الدين أربع مرات وأنه وجد متعة كبيرة بإعادة قراءتها، فالقارئ الذي يجد أنه قد سبق له قراءة هذه المعلومة له حرية قلب الصفحة أو الصفحات، وهذا ليس فيه إزعاج، ومن يريد التمتع بالإعادة له ملئ الحرية أيضاً. وهنا لا أعتقد في ما أكتب تكراراً أو إعادة لأنه لأول مرة أكتب ما قاله جيمس بيكر وزير الخارجية الأميريكي في عهد جورج بوش الأب أثناء حرب الخليج الثانية، ذكر في أحد خطاباته أن هذه الحرب قد قضت على عزة العرب النفسية لدى المسلمين. قالها بتعالي وتفاخر لأنهم استطاعوا جعل دول عربية تشاركهم بقتال دولة عربية وهي العراق. هذا ما يحلمون به ويخططون له وهو تدمير كرامة العرب والمسلمين وبصورة خاصة الجزائريين الذين انتصروا عليهم ومرّغوا أنوفهم في الوحل وتراب الجزائر أمام العالم، لذلك أكثر مؤرخيهم عملوا على الانتقام والثأر بأقلامهم بعد فشل دولتهم عسكريّاً فحملوا القلم بدل السلاح الناري لذلك تراهم يبذلون كل الجهد ولا يتركون فرصة يرونها مجدية من غير استغلالها لتجريد الأمير عبد القادر من هويته الحقيقية، وتقديمه كما ذكر الدكتور محمد العربي الزبيري في كتابه (الكفاح المسلح) تارة يجعله في مؤلفاتهم في صورة الوفي الصديق لفرنسا، وأحياناً في لون المقاتل البطل الذي هزمه بيجو فاستسلم وألقى سلاحه لهم. ويحاولون إحاطة تاريخ هذا البطل بكثير من الشكوك و الشبهات والقفز فوق الأحداث مما يؤدي في النهاية إلى تمجيد فرنسا والمسيحية ومحاولة زرع مشاعر الدونية في أعماق الشعب الجزائري أمام عظمة فرنسا وحضارتها.

وحينما وجد أمثال الدكتور الزبيري من المؤرخين أو المثقفين الوطنيين بعد الاستقلال أن عليهم تصحيح الأوضاع التاريخية لبلادهم لأنهم يعتبرون ثورة الأمير عبد القادر هي نقطة الارتكاز لجميع الثورات، وآخرها ثورة نوفمبر التي تحقق فيها الاستقلال والتي أثبتت أمام العالم كما يذكر الدكتور الزبيري في الصفحة التاسعة من كتابه (أن الشعب الجزائري شعب يعتز بحضارته العربية الإسلامية ويفخر برموز أمته وأنه استطاع أن يلد رجالاً دوّخوا الغزاة المعتدين في سائر مراحل جهادهم، ومن استحق عن جدارة من أولئك الأبطال هو من لقّب بناصر الدين عبد القادر بن محي الدين الأمير البطل)، حينما أرادوا التصحيح صُدموا بمعارضة قوية من بعض ولا أقول الكل من بعض خريجي السوريين في باريس لأن منهم الدكتور عبد الكريم بوصفصاف الذي لم يتأثر بالثقافة الغربية وظلّ وطننا حراً أبيّاً. ثم يتابع الدكتور في الصفحة قوله: ولا يتحقق هذا التصحيح إلا بتخليص الباحثين الجزائريين ولجان التصحيح من مركب النقص الذي زرعه المستعمر في نفوسهم من الأكاذيب وإذا تحولت العقول الوطنية من عقلية تركن إلى التبعية ولا تنفر من المساس بكرامتها ولا تعتقد أن الاستسلام للأقوى مهما كان هو بطولة، وتتخلص من هذا الاعتقاد الخاطئ الخطير الذي لا يوصل إلى تحقيق ثقافي سليم. ويتابع الدكتور الزبيري قوله في كتابه (الكفاح المسلح): لأن الثقافة الأجنبية التي سهلنا لها غزو دورنا قد شلت ذهنياتنا وقضت على روح المقاومة فينا بسبب تقبلنا لكل ما يقدم إلينا من الأعداء لأمتنا، ونحن غير مسلحين بثقافة وطنية أصيلة وسليمة.
أولاً: ومع الأسف من الأسباب التي جعلت الكتب المدرسية يدّرس فيها الأكاذيب هو إشراف الكتاب الإفرنسيين ممثلي الاستعمار أو الاستعباد سابقاً في بلادنا بعد الاستقلال أمثال برينواتيان وأمثاله من الحاقدين على الشعب الجزائري هم من أشرف على المنظومة التربوية في الجزائر بعد الاستقلال. ولا أدري من سمح لهم بتشويه تاريخ رموز كفاحنا وكيف سمح لهم بالإشراف على المنظومة التربوية في بلادنا وهم من دولة كانت معادية لنا محتلة لبلادنا قبل أسابيع، وتركهم يكتبون ما يريدون عن الأمير عبد القادر الذي قاتلهم سبعة عشر عاماً والذي قاد مقاومة ضد احتلالهم، الذي كتب لزوجته ذات مرة قصيدة قال لها فيها رد على رسالة عتاب وصلته منها فقال:
ألم تعلمي، يا ربة الخِدر، أنني*** أجلِّي هموم القوم في يوم تجوالي!

وأغشى مضيق الموت لا متهيباً*** وأحمي نساء القوم في يوم تهوالِ

وأبذل يوم الرَّوع نفساً كريمةً*** على أنها في السلم أغلى من الغالي

وعنّي سَلي جيش الفرنسيس تعلمي***بأن مناياهم بسيفي وعسّالي

سلي الليل عني كم شققت أديمه*** على ضامر الجنبين معتدلٍ عالِ

سلي البيد عني والمفاوز والربى*** وسهلاً وحَزناً كم طويت بترحالي

فما همي إلا مقارعة العدا*** وهزمي طغاةً شداداً بأبطالي


هذا الرجل الجزائري الذي حمل لمدة عشرين عاماً بالتحديد مسؤولية مقاومتهم، وكان همه الانتصار عليهم وطردهم من بلاده كما كتب لزوجته في هذه القصيدة التي اقتطعت منها هذه الأبيات. فهل من المقبول أو المعقول ترك الإشراف على كتابة تاريخه إلى أعداءه إن كانوا كتّاباً أو مفكرين أو مؤرخين؟ ويكتبون لأطفال بلاده أنه اضطر للاستسلام أمام قوات بيجو العسكرية التي يفخرون بها، وهي سياسة الأرض المحروقة، وأنهم انتصروا عليه وأفقدوه معظم قادة جيشه فاستسلم إليهم، فأخذوه سجيناً إلى فرنسا ثم نفوه إلى دمشق. هذا ما كتبوه في الكتب المقررة التي يدرسها أطفال بلاده في الصف السادس الابتدائي، وتركوا لخيال الطفل ببراءة يتساءل ويجيب، مثلاً: لماذا لم يحارب حتى يموت ما دام شجاعاً كما ذكروا في الصفحة التي سبقت ما قالوه أنه فائق الشجاعة؟ لماذا سلّم نفسه إلى أعدائه وهم يعلم أنهم ممكن أن يقتلوه أو ربما يذلّوه؟ ويجيب الطفل نفسه على هذا السؤال البريء ويقول لنفسه: أكيد كان يثق بالإفرنسيين لأنه تعامل معهم وخبر أخلاقهم الحضارية الراقية، ثم يقول بينه وبين نفسه هامساً: ماذا استفاد من حربه لهم؟ لقد هزموه واضطر إلى الاستسلام، ألم يكن من الأفضل له عدم محاربتهم؟ إنه رجل غير عاقل ولا شجاع كما وصفوه؛ لا أحبه... وطفل آخر يشعر بالدونية لأن من يتكلمون عنه في هذه الصفحات هو جزائري كأبيه وعمه وجدّه، فيشعر بالخجل والدونية بشكل لا إرادي، وهذا بالتحديد ما أرادوا زرعه في أذهان أطفالنا (والعلم في الصغر كالنقش على حجر)، فإما الإعجاب بفرنسا أو بمشاعر الذل والدونية أو الاثنين معاً. وهم أبرع من خطط من المستعمرين، حتى مفكّريهم وشعرائهم كفكتور هيجو، لم تخلُ قصيدة لهم من التعالي والفخر بحضارتهم، وهي صفات ورثوها عن أجدادهم الرومان، كما قال جيمس بيكر: ((الوصول إلى تدمير عزة العربي والقضاء على مشاعر الكرامة لديه)). كما ذكر الدكتور الزبيري في كتابه (الكفاح المسلّح) عن رسالة أرسلها الجنرال نوارول إلى دي ميشيل أثناء الهدنة مع الأمير أشار عليه فيها بخلق صعوبات أمام الأمير ترغمه على الاعتراف بفرنسا كحماية على الأقل ولا يسمح له بمعاملتنا كأنداد، ويعوده على اعتبار نفسه تابعاً لنا أو مندوباً عاملاً في حكومتنا، لا أميراً مستقلاً عنا يتعامل معنا على قدم المساواة. هذه الرسالة تحمل تاريخ 28 جوان سنة 1834، كوكمبوت، ص 135. من خلال هذه الرسالة ومثيلاتها يُفهم منها كيف يفكرون وينظرون إلى أنفسهم وإلى أصحاب البلاد التي دخلوها، كيف ينظرون إلى كل ما هو غير أوروبي، وكيف يجب أن يصبح تابعاً لهم. هذا ما ورثوه عن جدودهم، وجذور نبتة تعود إلى عصر الإغريق ثم الرومان التي ورثوا عنها النظم والخصائص والنزعات المادية وتقديس القوة العسكرية والشعور بالفوقية على بقية البشر والرغبات الجامحة بالسيطرة على الشعوب لتحقيق رفاهية شعوبهم من أبّهة ومبالغة في الترف والثراء.

لقد صدق الدكتور العربي الزبيري كالطبيب الذي يضع يده على سبب الألم حيث منذ العصر الذي يسمونه عصر النهضة الصناعية في أوروبا التي تعود إليها الحضارة الأوروبية، عمدت هذه الحضارة إلى نهب القارات الثلاث، وما تزال تزداد جبروتاً واستعباداً، وفرضت التخلّف فرضاً بالقوة وليس بالأسلحة النارية فقط وإنما في أقلام الكتّاب والغزو الفكري بعد أن يُطوى الغزو العسكري، أولاً قرر الكاتب الإفرنسي برونو اتيان وأمثاله بالإشراف على المنظومة التربوية بعد الاستقلال وسحب فرنسا لقواتها العسكرية من بلادنا وأدركوا أن مصالحهم تقتضي تدمير سمعة هذا المجاهد الأمير أولاً بالقضاء عليها بشتى الطرق والأساليب لأنه رمز، وأول زعيم حاربهم، وكذلك تاريخ هذا القائد الذي يجب أن يكون قدوة، كما يريدون أن تكون هذه القدوة بالعمل على إزالة هيبته والتشكيك بسلوكه وأقواله لدى الشعب والعمل على القيام بمذبحة معنوية لكل تاريخه الديني والوطني واللغوي والأدبي وهدم تلك الهيبة وتحويلها إلى القدوة التي يريدون نشرها بين الشعب الجزائري وبقية الأمم وبعملية غسل دماغ فنية لشباب أمتنا ومفكريها فيجعلون الأمير ثانياً في هذا المخطوط يصادق في سجنه حارسه الفرنسي القبطان صاحب الطلب ويذكرون في هذا المخطوط على لسان الأمير ما يريدون منه قوله وأول ما يرغبون فيه هو المديح لهم والثناء عليهم كدولة فرنسية وشعب عظيم، ووصفه لهم بأنهم "بيت ملك قديم" وأهل وفاء وكرم...الخ من كلمات المديح ثم الاعتراف منه بفضلهم عليه، ثم يجعلونه يصادق حراس سجنه الفرنسيين لدرجة يتجرأ أحدهم ليطلب منه كتابة سيرة حياته الذاتية ويقدمها له وأخيراً رماها هذا القبطان السجان بين الأخشاب ليجدها بعد قرن ونيف من الزمن جاك شوفاليه([5]) عن طريق المصادفة كما يقول.

وإذا تركنا كل هذه الأمور جانباً التي تجرح مصداقية هذا المخطوط ألا يحق للقارئ السؤال عن اللغة التي كان يتحدث بها الأمير مع رفاقه السجانين كما زعموا ويتفاهم معهم وهو لا يعرف الفرنسية وأيضاً لا يتكلم باللهجات العامية لأن ثقافته لم تكن على مستوى القرية كما ظن أحد من الذين حققوا هذا المخطوط والقيطنة التي نشأ فيها ليست قرية وإنما كانت مزرعة موروثة عن أجداده فيها معهد كان قد درس فيه والده وأعمامه جميع العلوم الإنسانية وليس زاوية وثقافته كانت على متسوى عالٍ والدليل قصائده الشعرية وثقافته ثقافة جامعات ومعاهد في وهران وفاس ومعهد القيطنة ليس زاوية في قرية لأن القيطنة كانت مزرعة لأجداده والقرية تخطها الدول وليس الأفراد كالمزرعة. وذكر المحققون من المفكرين الجزائريين أن الأمير كتب بهذه اللغة الركيكة المشوهة ليجعل حراسه يفهمونها. هل هذا يعقل؟ أن يخفض رجل مثله من مستوى لغته من أجل أن يفهمها غيره وهل ليس لديهم مترجمين؟ إن كان هو أو التهامي، وهو عالم أيضاً باللكنة العربية الذين زعموا أنه شارك في هذا المخطوط. فهل يمكن أن يستبدل كلمة الشريف بالمشروف، ومئات الكلمات السوقية؟ ويترك لغته العربية الجميلة التي يكتب بها قصائده الشعرية ويتكلم بها وهل يستطيع هو أو أي إنسان بمستواه الثقافي والاجتماعي من التكلم بهذه اللهجة العامية المتخلّفة ويكتب بهذه الركاكة ويسيء إلى لغته العظيمة الراقية لغة القرآن كلام الله من أجل أن يفهمها حراس سجنه القبطان الفرنسي وهل لا يوجد لديهم ترجمان ثم يتّهمون الأمير بهذا المخطوط وينسبون إليه بأنه خاطب سلطان المغرب بقوله: مولاي، وأنه أمر أن يذكر اسمه في خطبة المساجد بعد اسم السلطان!! وكثير من هذه الأكاذيب التي ترفع شأن السلطان وشأنهم.

الدليل على أن هذه الأسطر كاذبة لأن الأمير بويِع على الحكم وقيادة المقاومة من الشعب بجمع قبائله، فهل يحق له مبايعة غيره؟ ولماذا يبايع السلطان؟ هل لأنه ضعيف ولا يستطيع تحمل تلك المسؤولية ويريد من سلطان المغرب حكم الجزائر وذكر اسمه في خطبة المساجد كي يحترمه الشعب الجزائري ولا يحترمونه هو ولا النظام الذي وضعه للدولة الجزائرية التي أقامها ..هل يعقل؟ والدليل على أن هذا المخطوط مفبرك، نعود لنقول:
أولاً: لأن الشعب اختاره هو وتمت له المبايعة.
ثانياً: وهو الأهم، أن الشريعة الإسلامية التي اتخذها دستوراً لدولته حرّمت وضع السلطة العليا في يد رجلين في آن واحد في الحديث الشريف الصحيح منعاً للتفرقة والفتن. والأمير كان عالماً وفقهيّاً.
ثالثاً: ولسطان المغرب سياسته الخاصة ونظامه السلطاني الملكي الخاص منذ عصور، أما الجزائر فكانت جزءاً من دولة الخلافة الإسلامية العثمانية. والأمير فوراً بعد مبايعته أقام ولا أقول أسس لأن الجزائر كانت قبل الاحتلال لها كل مقومات الدول التي كانت جزء من الامبراطورية الاسلامية العثمانية دولة حضارية اسلامية دولة مؤسسات وضع لها نظام خاص مرتبط بالدولة العثمانية روحياً فقط وليس مرتبطاً بالسلطنة المراكشية أو بنظامها لا سياسياً ولا روحياً، وهو أمر تاريخي موثق.

[1]- سورة الروم، الآية الرابعة

[2] - سورة المائدة، آية 72 و 73

[3]- سورة المائدة، آية 82

[4]- سورة الأنفال، آية 45

[5]- جاك شوفالييه كان رئيس بلدية مدينة الجزائر أيام الاحتلال الفرنسي. وهنري تيسيه هو كردينال أب حبر الكنيسة في مدينة الجزائر.









رد مع اقتباس