منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - التداولية ومنزلتها في النقد الحديث والمعاصر
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-12-29, 13:23   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عاشق العفة
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية عاشق العفة
 

 

 
الأوسمة
موضوع مميز 
إحصائية العضو










Icon24 التداولية ومنزلتها في النقد الحديث والمعاصر


التداولية ومنزلتها في النقد الحديث والمعاصر

للأمانة منقول عن نسيم السحر


بقلم الأستاذ : رخرور أمحمد ـ الجزائر

ما هي التداولية ؟ :
تسعى التداولية لأن تتجاوز حدود الخطاب لتصير نظرية عامة للفعل والنشاطالإنساني، شغلها الشاغل إنما هو دراسة اللغة في المقام ، الذي يهتم بما يفعلهالمستعملون بالألفاظ .
وتذهب الدراسات إلى أن"شارل ساندرس بيرس"·1839ـ1914هو أولمن ابتكر كلمة "البراجماتية"، وذلك في مقالته الشهيرة"كيف نجعل أفكارنا واضحة ؟" . و مما جاء فيها : ÷ لكي نبلغ الوضوح التام في أفكارنا من موضوع ما ، فإننا لا نحتاجإلا إلى اعتبار ما قد ترتب من آثار يمكن تصورها ذات طابع عملي ، قد يتضمنها الشيءأو الموضوع... ×([1]) .
كما يعد "شارل موريس" أول من بادر إلى إرساء تعريفمقصود لمصطلح "التداولية" ؛ وخلاصة هذا التعريف هي أنها دراسة علاقة العلاماتبمستعمليها ، أي دراسة اللغة أثناء ممارستها إحدى وظائفها الإنجازية والحواريةوالتواصلية . وقد عدّها جزء من السيميائيات ، وذلك لمّا أقرّ بأن للسيميائيات ثلاثةفروع هي :
ـالتركيب النحوي : ويُعنى بدراسة العلاقاتالشكلية بين العلامات .
ـ الدلالة وهي دراسة علاقات العلامات فيما بينها وبينالأشياء ، أي ارتباطها بالمعنى .
ـالتداولية : وهيدراسة ارتباط العلامات بمؤوليها أي بمستعمليها .
وينعت كل من "غرين"1989Green و "بليكومور"1990Blikmore التداولية بأنها فهم اللغة الطبيعية . وهي عند "الجمعيةالعالمية للتداولية" نظرية للتبني اللساني . ويرى "فارسشيرن"1987Werschueerenأن علىالتداولية أن تمعن الفكر أكثر في استعمالات اللغة من كل جوانبها . في حين هي عند "فرانسواز ريكانتي" فرع من دراسة استعمال اللغة في الخطاب .
وفي نظر مؤسسالتداولية ـ تداولية أفعال الكلام كما يحلو للبعض تسميتها ـ الأول "جون أوستين"·· أن وظيفة اللغة لا تقتصر على نقل وإيصال المعلومات وإرسالها . أو التعبير عما يجولفي خواطرنا من أفكار ، وما يجيش في صدورنا من مشاعر وإظهارها . وإنما يجب أن تضطلعاللغة ـ وهو أمر موافق لطبيعتها ـ بتحويل ما يبدر من أقوال ، في إطار ظروف سياقية ،إلى أفعال ذات سمات اجتماعية .
والتداولية عند كل من "أ.م.ديلر" و"ف.ريكاناتي"هيدراسة تهتم باللغة في الخطاب ، وتنظر في الوسميات الخاصة به ، قصد تأكيد طابعهالتخاطبي .
وما يمكن أن نخرج به من كل هذه التعريفات ، هو تكرار الألفاظ (اللغة، المستعملين ، السياقات ، الخطاب ، التخاطب ، المخاطب ، أفعال الكلام ...) . وبتجميع هذه الألفاظ ، نستطيع تكوين فكرة شمولية عن معنى التداولية ووظيفتها .
فهي مبحث لساني يدرس الكيفية التي يصدر ويعي بها الناس فعلا تواصليا ، أو فعلاكلاميا غالبا ما يأتي في شكل محادثة . كما أنها تهتم بالبحث عن الأسباب التي تتضافرلتؤدي إلى نجاح المتحاورين أثناء إجراء المحادثة أو التخاطب .
فالتداولية ـ علىما يبدو ـ علم يهتم بعلاقة اللغة بمستعمليها ، هدفه إرساء مبادئ للحوار ، في علاقتهالوثيقة مع المقام الذي ينتج فيه الكلام . ومن هذه التحديدات يعنّ لنا أن التداوليةتخصص لساني يحدد موضوعه في المجال الاستعمالي ، أو الإنجازي لما نتكلم به ؛ ويدرسكيفية استعمال المتكلمين للأدلة اللغوية أثناء حواراتهم ، وفي صب أحاديثهم ، وفيخضم خطاباتهم . كما يعتني هذا التخصص بكيفية تأويل مستعملي اللغة لتلك الخطاباتوتلك الأحاديث ، كما ويهتم أيضا بمنشئ الكلام (الخطيب ، المتكلم) ، وكذا السياق .
ويقدم الدكتور "مسعود صحراوي" تعريفا واضحا للتداولية في كتابه القيم "التداولية عند العلماء العرب" ، وذلك بعد أن يُلف الانتباه إلى أن ميدان النقدوالدراسات اللسانية لم يصبح حكرا على التيارين البنيوي والتوليدي وحسب . بل إنالساحة النقدية صارت تعج بالنظريات والمفاهيم اللغوية المتباينة ، والتي تمخّض عنهاميلاد عدد من التيارات اللسانية . ثم يعوج على التيار التداولي بقوله :÷وهو مذهبلساني يدرس علاقة النشاط اللغوي بمستعمليه ، وطرق وكيفيات استخدام العلامات اللغويةبنجاح ، والسياقات والطبقات المقامية المختلفة التي ينجز ضمنها "الخطاب" ، والبحثعن العوامل التي تجعل من "الخطاب " رسالة تواصلية "واضحة"و"ناجحة" . والبحث فيأسباب الفشل في التواصل باللغات الطبيعية...×([2]).
وفي معرض حديث الدكتور عنالفرق الجلي بين المنهج البنيوي والمنهج التداولي، يوصّف التداولية بأنها: ÷...ليستعلماً لغوياً محضاً بالمعنى التقليدي ، علماً يكتفي بوصف وتفسير البنىاللغوية ويتوقف عند حدودها وأشكالها الظاهرة ، ولكنها علم جديد للتواصل يدرسالظواهر اللغوية في مجال الاستعمال ؛ ويدمج من ثمّ مشاريع معرفية متعددة في دراسةظاهرة " التواصل اللغوي وتفسيره"×([3]) .
إن التداولية إذا تخصص لساني يدرسكيفية استخدام الناس للأدلة اللغوية في صلب أحاديثهم وخطاباتهم ، كما يعنى هذاالتخصص من جانب آخر بكيفية تأويلهم لتلك الخطابات والأحاديث . ومن هنا جز لنا القولإن اللسانيات التداولية إنما هي لسانيات "الحوار" أو"الملكة التبليغية" compétence de communication ، والتي تقابل الملكة اللغوية الصرفة عند "تشومسكي" .
وبالاستناد إلى هذه التعريفات تغدو التداولية العلم الذي يدرس الأفكار والمعانيوالألفاظ والمفاهيم والإشارات ، وكل ما له علاقة بالاستعمال اللغوي . وبعبارة جامعةنقول إن التداولية هي أداة للتفسير والنقد معا ، تبدو قيمتها في اعتبارها وسيلةمعرفية نلجأ إليها لتعيننا على فهم ومعرفة وتمييز هل أن ما نبحث فيه له قيمة ومعنىأم ليس له ذلك ؟ .كما أننا نتمكن بواسطتها من قياس درجة الصحة والخطإ في المواضيعالتي ندرسها . ثم هل هي جديرة بان تأخذ منا الجهد والوقت في البحث عن خصائصها أم لا ...؟ .
التداولية في النقد الحديث والمعاصر :
إن التيار التداولي حقل لسانيتبلور في السبعينيات من القرن الماضي ، وهو العلم اللغوي الأحدث بين بقية العلوماللغوية الأخرى . فهو نظرية نقدية لمّا يكتمل بناؤها بعد ، استمد قوته من ميداناهتمامه ، حيث اهتمّ بدراسة أفعال النطق التي ظلت ردحا من الزمن مغيبة عن الدراسةوالتحليل ، بداعي وجود حواجز وهمية بين اللغة والكلام ، بين الدلالة والاستعمال . لذلك فإن أساس التداولية قائم على رفض ثنائية "دي سوسير" الشهيرة ، اللغة / الكلام langue/parole ، والتي مفادها أن اللغة وحدها دون الكلام جديرة بالدراسة العلمية ،وجديرة باهتمام اللسانيين . في حين تهدف التداولية إلى دراسة العلاقات الموجودة بيناللغة ومتداوليها من الناطقين بها . فكان أن حملت على عاتقها مهمة تحليل عملياتالكلام ، ووصف وظائف الألفاظ اللغوية ، وبيان خصائصها عند التواصل اللغوي .
عنالتداولية منهج للتحليل ينشد "الحقيقة الفعلية" في تناول الظواهر اللغوية ، أي يحللالوقائع ضمن صلتها بسياقاتها الفعلية التي ولدت في حضنها . ومن هنا وبالنظر إلىشساعة دائرة اهتمامات التداولية ، صارت نظرية صعبة التقنين وعصية الضبط ، فلا يمكنالنظر إليها على أنها مذهب نقدي مختص بأتم معنى الكلمة . فقد تأكد للمختصين في هذاالمجال أن الإحاطة بتعريف التداولية صعب ، وأن ضبط مناهجها عناء ، وأن حصر أهدافهامشقة . إلا أن هذا الوصف ينبغي أن يجعلنا نتقبل هذا المذهب بشيء قليل من الدهشةوالاستغراب ، خاصة إذا ما علمنا أن التداولية تخضع لهيمنة طائفة من التياراتالعلمية المختلفة ، تمس أسسها المنهجية ، بل وقد يتعدى الأمر إلى التشكيك في هويتهاكاختصاص لساني ، وفي ذلك يقول د/حسن يوسفي :÷ إن التداولية حقل لساني ملتبس ...(وتبدو) التباساته بحيث يصعب على المتتبع لتطور اللسانيات المعاصرة أن يعرفالحدود الفاصلة بين المجالات اللسانية المعروفة وبين التداولية . ويستعصى عليهبالتالي تحديد موضوع هذه الأخيرة ، وإبراز نماذجها النظرية وأجهزتها الإجرائية ×([4]) .
ومن جهتها تعترف الباحثة "كاترين كربرات أوركيوني"· بهذا الغموض الذييعتري حدود التداولية بقولها:÷هل يمكن القول أولا:التداولية أو التداوليات؟.هل هيتخصص أو ملتقى تخصصات مختلفة؟ ([5]). وعلى شاكلتها يقر "دو#### مانجينو" بصعوبةتحديد ماهية التداولية في كتابه "التداولية للخطاب الأدبي" Pragmatique pour le discours littéraire .
ولهذا تعد التداولية كدراسة علمية في حقل اللسانيات لايزال السؤال يطرح حول ما إذا تم تحديد ماهيتها كحقل لساني ،وقد انبثق عن هذاإشكاليات معقدة ، من مثل : ما هي حدود وفرضيات وأدوات التداولية ؟ ويأتي الجواب من "أرمونجو فرانسواز" بأن÷ الإجماع لم يتحقق بعد بين الباحثين فيما يخصّ تحديدفرضياتها ، ولا حتى فيما يخصّ مصطلحاتها . يلاحظ بجلاء ، على العكس من ذلك ، إلى أيحد تشكل ملتقى غنيا لتداخل الاختصاصات بين اللسانيين ، المناطقة ، السيميوطقيين ،الفلاسفة ، علماء النفس ، علماء الاجتماع ×([6]) .
وعلى الرغم مما يسجل منالتداخلات والالتباسات الناجمة عن علاقة التداولية بشتى العلوم ، فقد أمكن تعيينمجموعة من القضايا اللغوية التي هي محل اهتمام التداولية ، وتدخل في نطاق تخصصها . كما تم أيضا معرفة جملة من المسائل التي تشكل موضوعا لها . ومن ذلك محاولةالتداولية إيجاد الإجابة للأسئلة التي كانت محل قلق وإزعاج للمباحث اللسانيةالسابقة . ومن هنا تبدو قيمة البحث التداولي في كونه يسعى إلى الإجابة عن بعضالطروحات اللسانية السابقة ، من قبيل :
÷ ـ من يتكلم ؟ .
ـ من هو المتلقي ؟ .
ـ ما هي مقصديتنا أثناء الكلام ؟ .
ـ كيف نتكلم بشيء ، ونسعى لقول شيء آخر؟ .
ـ ماذا علينا أن نفعل حتى نتجنب الإبهام والغموض في عملية التواصل ؟ .
ـهل المعنى الضمني كاف لتحديد المقصود ؟×([7]).
إن هذه الأسئلة ، وغيرها مما هوعلى شاكلتها ، لهي محل إثارة فعلية لقضايا لغوية متعددة المرامي . تتم الإجابة عنهافي التداولية بصيغة تتماشى والطابع المتجدد والجدالي لهذا المبحث اللساني الذي يبدئالفكر ويعيد في المباحث والمواقف التي ميّزت الأبحاث اللسانية السابقة ، فيبعثبعضها من جديد ، ويطور بعضها الآخر .
وتقر الدراسات المهتمة بالنقد الحديث علىأن دراسة المعنى وعلاقته بموقف الكلام ، توجه جديد يحتل قمة اهتمامات التداولية . وللكلام جوانب كثيرة طالها مجال الدرس التداولي نجملها في : المخاطَبين والمخاطِبين، وسياق التفوه ، والفعل الإنجازي ، والتفوه بوصفه نتاجا . وقد نجم عن هذا الاهتمامالعام أن تفرعت عنه موضوعات كثيرة هامة ، تجتهد التداولية في معالجتها والبحث فيها، منها : المفردات التأشيرية ، والتضمينات المحادثية ، الاقتضاء ، والمعاني الحرفية، والمعاني السياقية ، وأفعال الكلام وتصنيفاتها ، وتحليل الخطاب ، وتحليل المحادثة ... .
وبالنظر إلى مباحثها ، تغدو التداولية بحق ÷ نظرية استعمالية ، حيث تدرساللغة في استعمال الناطقين بها ، ونظرية تخاطبية تعالج شروط التبليغ والتواصل الذييقصد إليه الناطقون من وراء الاستعمال للغة×([8]). وبفضل توجهاتها الجديدة هذه ،تحولت الدراسات اللسانية من مجال اللغة إلى مجال الأدب، ولذلك صارت تنعت بالتداوليةالأدبية ، والتي موضوعها دراسة النصوص وتحليلها .
وبعبارة أخرى أكثر وضوحاً ،فقد نقلت التداولية النص من الدراسات التي كانت منصبة على المستوى النحوي والدلاليوالمعجمي ، إلى المستوى التداولي ، حيث نلفي أن جهود المنشغلين في حقل النصوصالأدبية تركّز على مفهوم "التواصل" القائم على أساس الفهم والتأويل . هذا التواصلالذي كان محل اهتمام القراءة باعتبارها÷ تواصلاً يتحقق بين القارئ وموضوع القراءة ،فالوصفية النقدية في إطار عملية القراءة ، وظيفة تقوم على أساس السعي إلى تحقيقتواصل فعّال بين القارئ وموضوع القراءة . وكأي تواصل تحتاج عملية القراءة إلى أسبابلعناصر الموضوع المقروء ، وإحاطة بالعوامل الفاعلة فيه ، مثل السياق ، ومقاصدالكلام ×([9]) .
هذا التوجه الجديد حدا بالدراسات النقدية الحديثة إلى إحداثتحول في مضامينها أيضا ، فانتقلت بموجب ذلك من الاهتمام بمستويات الصياغة اللفظيةوالنصية إلى إيلاء الاهتمام بالحدث الأدبي وما يرتبط به من الاتصال الاجتماعي ، أيالتحول إلى العناية بالمستوى التواصلي ، وما يتعلق به من سياقات أو تحديدا سياقية . في حين كانت هذه الدراسات تهتم باللغة في مستوى النص كنظام ؛ ويعتبر بهذا بديلاًنقديا للنظريات الأدبية السابقة ، كلسانيات الجملة ، واللسانيات النسقية ،والأسلوبية ، والبنيوية ... .
إن هذا العلم الفتي ما فتئ يتطور منذ ظهوره إلىالآن ، حتى أضحى رافداً هاماً من روافد الدراسات اللسانية المعاصرة ، التي اهتمتبالتحليل التداولي الذي يتميز بالتداخل في الاختصاصات . وعليه فقد جاءت التداوليةلتناقض مفهوم الشكل الواحد للمعنى ، وتدعو إلى تقويض مبدإ الاعتداد بالملفوظاللساني كدليل وحيد ، أو كعامل فريد لبناء جمالية النص ، وتحليل بنيته وفقْهه منقبل المتلقي . وإنما يمكن لهذا القارئ أن يعيد إنتاج النص بواسطة فعل الفهموالإدراك ، بحيث صارت نظرية التلقي وجهاً من وجوه نظرية الأدب .
فجمالية التلقيلم تكتف بالاعتماد على الذاتية ومعطياتها ، ولا على قراءة الحدس ، وإنما عمدت إلىإشراك فعل الفهم ، والمقدرة العقلية الواعية ، واستثمار مرجعيات كثيرة ومتنوعة ،والتي من شأنها أن تساهم في إذكاء عملية التفاعل مع بنية النصوص وعبر علاقة حواريةمعه ، غرضها إمعان النظر أكثر في ما يعتري القارئ من ردود فعل وقت التلقي، واستقراءكيفية وقوفه بنفسه على حلقات المعرفة وطبقاتها.
وبهذا فإن جمالية القراءة تهدفإلى دراسة ميكانيزم التلقي بواسطة استثمار مقولات الفلسفات الذاتية والحقولالإجرائية الجديدة في تأسيس علم النص .هذا النص الذي من مميزاته أنه يقاوم فكرةاختزان معنى ما ، بقطع النظر أنه سطحي أو عميق ، إنما هو نص قائم منذ البداية علىتعددية المعنى ، تشكيلا وتلقياً ، وأن تحليله هو نشاط نقدي يستند إلى مفاهيم نظريةمتنوعة . أما قواعده فهي إجرائية تنزع إلى تنوع الركائز المنهجية التي يتبناهاالمحلل ، وهو يؤمن بهذه التعددية ، ويعترف بهذا الانفتاح ليتحاشى بذلك الزعم بالقولالفصل ، أضف إلى هذا كله ، الانفتاح على مداخل أخرى تداولية ، من نفسية واجتماعيةوسياقية ...إلخ .
إن المنظرين الأعلام الذين نظّروا لهذا العلم الجديد وأولهمالفيلسوفان "ج.أوستين"وتلميذه "سيرل"· ، ثم عالم الاجتماع "غوفمان" ، فالمتخصص فيدراسة الأعراق "غمبرز" ، فمدرسة "بالوألتو" ذات التوجه النفسي ، و"فيتغنشتاين"... كل هؤلاء كانوا من السباقين الذين ساهموا في إرساء قواعد التداولية ، يركزون على أنموضوع التداولية هو دراسة الظواهر اللغوية أثناء الاستعمال . ويلحون على أنه موكلإليها دراسة القصد الإخباري ، أو معنى الجملة ، ودراسة القصد التواصلي و معنىالمتكلم .وأما المقدرة على الإدراك وإنتاج فعل تواصلي ما فتدعى"القدرة التداولية" كما يسميها "كاسبر" 1997Kasper .
وما يمكن أن نستنتجه من كل ما تقدم ، هو أنالتداولية قد أولت أهمية بالغة إلى الجانب الاتصالي ، أي دراسة اللغة في علاقتهابمستخدميها . في حين ظلت الدراسات اللسانية الفارطة تستبعده ، واعتنت فقط بالتراكيبوالمعاني . وفي هذا الصدد نعثر في "دليل الناقد" على ما يؤكد هذا الكلام : ÷ وفيالطرح اللساني ، ركزت الذرائعية على ما أهملته اللسانيات . فإذا ركزت اللسانيات علىعلم التركيب وعلم المعاني ، فإن الذرائعية (...) ركزت على الجانب الاتصالي ، أيعلاقة الإشارة بمستخدميها . هذا الجانب ظل مستبعداً دائما من قبل اللسانيين الذينركزوا أبدا على جوانب القواعد الشكلية وميّزوها عن الاستخدام اليومي العادي (...) . حتى "نعوم تشومسكي" اتبع هذا النهج ، إذ سعى إلى استخلاص موضوع ألسني وعزله عنالاستخدام العام اليومي ، ليكون قابلاً للدرس العملي ، لكن ردود الفعل توالت حديثاًضد هذا الاستبعاد ، إذ يرى صحاب الذرائعية (أو التبادلية) أن اللغة لا يمكن أنتنعزل عن استخدامها وتنحصر في علمي النحو والمعاني ، بل إن الاتصال يلعب دورافاعلاً إذا أردنا أن نفهم حقيقة اللغة ×([10]) .
ومن آثار هذه التحول الجديد ،أن برز توجه جديد ، ممثلا في دراسات نقدية مغايرة ، تساير هذه التحول الداعي إلىالاهتمام بدراسة الأدب في علاقته الاتصالية وظروفه السياقية ؛ معلنة في نفس الوقتعن عقم الدراسات اللسانية التي أخرجت هذه العلاقة من دراستها .
ومن هذه الأعمالعلى سبيل المثال لا الحصر ، ما قام به "ستيفن ليفنسون" في مؤلفه الموسوم بـ : "pragmatique" ، والذي يعترف فيه بكل وضوح بأن ÷ نظرية علم المعاني لا تُعينناكثيراً على فهم اللغة ×([11]) .
وتماشياً مع هذا التطور الطارئ على الدراساتالأدبية الحديثة ÷ فقد ركزت الذرائعية على سمة الأدب الاتصالية انطلاقا من أنالاتصال عموماً لا يكتمل دون أخذ الأدب وسياقه في الاعتبار . كما أن دراسات الأدبلا تكتمل دون الأخذ في الاعتبار توظيف لأدب لمصادر الاتصال المختلفة . إن أبعاد هذاالطرح لا شك مثرية ، فالأدب لم يعد نصاً مغلقا أو بنية شكلية معزولة عن سياقها ، بلإن هذا الاتجاه أعاد إلى الدرس الأدبي الصلة القديمة بين الخطابة والشعرية . ولهذافإن الدراسة الذرائعية / التبادلية للأدب تسعى إلى اكتشاف التقنيات العلمية في النص (الإيحاء ، والافتراض المسبق ، والإقناع) ، وربطها بالقوى الخارجية في عالم الكاتب والقارئ ، مثل علاقات القوى والتقاليد الثقافية وأنظمة النشر والتوزيع والرقابة ،وهلم جرا . ويبقى التركيز في كل هذا على صلات الاتصال والتفاعل الخاصة والدقيقةالفعلية×([12]) .
وهذا الاستشهاد يسمح لنا بالقول ، إنه إذا كان علم التركيبيهتم بدراسة العلاقة بين العلامات في طار الجملة ، وإذا كان علم الدلالة ديدنهالبحث في العلاقة بين العلامات والأشياء . فإن التداولية في النقد الحديث تدخلتلجبر النقص الملاحظ في كلا العلمين ، بإهمالهما الجانب التواصلي ؛ فأخذت على عاتقهادراسة علاقة العلامات بمستعمليها ، واضعة لمنهجها مفاهيمه الخاصة به ، تلك المفاهيملم تكن ذات شأن من قَبلُ في فلسفة اللغة ، وفي اللسانيات البنيوية ،ولم تتوصل إلىمعالجتها بكيفية حاسمة . ذلك أن اللغة البشرية إنما هي خزان مقاصد ، وينبوع معاني ،ينهل منه الناس لتحقيق أغراضهم ، وقضاء مأربهم ، والإفصاح عن أفكارهم . و لا يتم كلذلك كله إلا بواسطة آلة التعبير عن المعاني في السياق المناسب ، وإن لم يكن هذا ،فما جدوى اللغة التي نتكلم بها إذا لم تكن حاملة للمعاني ، ومفسّرة لأحوال الناس ،ومفصحة عن مكنوناتهم ، ومحققة لأغراضهم ؟ .
التداولية : الظهور والمنشأ والتطور :
منقول تابع الجزء الثاتي.............بعد هذا الجزء








 


رد مع اقتباس