بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه و بعد:
نبدأ بشبهتكم الأولى:
يمكن أخذ الإجابة عن هذه الشبهة مما تقدم من النقول عن الأئمة ، ومما سنره في نصوص الكتاب الآتية ، أذكر الآن بعضها :-
1- قال نعيم بن حماد الحافظ : من شبه الله بخلقه ، فقد كفر ، ومن أنكر ما وصف به نفسه فقد كفر ، وليس ما وصف به نفسه ، ولا رسولُه تشبيهاً .
2- قال إسحاق بن راهويه : إنما يكون التشبيه إذا قال : يد مثل يدي أو سمع كسمعي ، فهذا تشبيه ، وأما إذا قال كما قال الله : يد وسمع وبصر فلا يقول : كيف ، ولا يقول : مثل ، فهذا لا يكون تشبيهاً ، قال تعالى : " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " .
ولو كان إثبات الفوقية لله تعالى معناه التشبيه ، لكان كل من أثبت الصفات الأخرى لله تعالى ككونه حياً قديراً سميعاً بصيراً مشبهاً أيضاً ، وهذا ما لا يقول به مسلم ممن ينتسبون اليوم إلى أهل السنة والجماعة خلافاً لنفات الصفات والمعتزلة وغيرهم ، قال شيخ الإسلام في " منهاج السنة " (2/75) فالمعتزلة والجهمية ونحوهم من نفات الصفات يجعلون كل من أثبتها مجسماً مشبهاً ، ومن هؤلاء من يعد من المجسمة والمشبهة الأئمة المشهورين كمالك والشافعي وأحمد وأصحابهم، كما ذكر ذلك أبو حاتم صاحب كتاب " الزينة " وغيره .
وشبهة هؤلاء ، أن الأئمة المشهورين كلهم يثبتون الصفات لله تعالى ويقولون : أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق ، ويقولون : ان الله يُرى في الآخرة ".
هذا كلام جميل متبع لكلام أهل السنة و الجماعة، و لكننا لم نر فيه شاهدا على مرادك و لا دحض الشيخ رحمه الله فيه شيئا، فلا تتهم الشيخ غفر الله لنا و له و رحمنا و إياه، و إلا فأين قال الأئمة أن الله فوقكم أو أن لله صفة الفوقية المكانية و الظرفية الحسية أو أنه فوق العالم؟؟؟ هلا نقلت لنا كلام أحد الأئمة عن أن الله فوق العالم؟؟؟
هذا مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان من أهل البيت وغيرهم .
ثم قال في ص 80 :
" والمقصود هنا أن أهل السنة متفقون على أن الله ليس كمثله شيء ، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، ولكن لفظ التشبيه في كلام الناس لفظٌ مجمل ، فإن أراد بنفي التشبيه ما نفاه القرآن ، ودل عليه العقل فهذا حق ، فإن خصائص الرب لا يماثله شيء من المخلوقات في شيء من صفاته .. ، وإن كان أراد بالتشبيه أنه لا يثبت لله شيء من الصفات ، فلا يقال له علم ، ولا قدرة ولا حياة ، لأن العبد موصوفٌ بهذه الصفات ، فيلزم ألا يقال له : حي ، عليم ، قدير لأن العبد يسمى بهذه الأسماء ، وكذلك في كلامه وسمعه وبصره ورؤيته وغير ذلك ، وهم يوافقون أهل السنة على أن الله موجود حي عليم قادر ، والمخلوق يقال له : موجود حي عليم قادر ، ولا يقال : هذا تشبيه يجب نفيه ."
كلام سليم جدا و لا يخرج عن كلام أهل السنة و الجماعة، إلا أن فيه تمويها و نقطة يجب تبيينها، و هو أن الله وصف نفسه بتلك الصفات فأثباتناها له سبحانه و تعالى لعدم وجود أي محذور فيها، فهي ثابتة و واجبة له تعالى، و هذا هو منهج إثبات شيء لله و نفيه، مستقى من أدلة نقلية عدة استقرأها علماؤنا من خلال كلام الصحابة و التابعين و الأئمة المهديين...
و لكنني لم أر بعد دحض الشبهة، فأين الكلام عن الشبهة الأولى، ألا و هي التشبيه، فمثلا الكتاب على العرش علوا ذاتيا حسيا، فإذا قلنا أن الله على العرش علوا حسيا ذاتيا أصبح الكتاب و الله على العرش علوا حسيا، ربما ستقول لي لكن الله له العلو المعنوي أيضا، و الكتاب ليس له هذا العلو المعنوي، فهل هذا الذي تريده؟؟؟
أم أنك تريد بنفي المشابهة بالعبارة السحرية "كما يليق لجلال وجهه و عظمته" كأن يقول الواحد بأن الله جسم لا كالأجسام، فهنا الإمام احمد و غالب فقهاء و علماء المذاهب الأربعة يحكمون بكفر قائل العبارة إن تعنت، لما فيه من محذور، و المحذور هو ما يستلزمه المعنى أو اللفظ من نقص على ما تعارفت عليه العرب و الإنس و الجن، و ليس القائل "إن لله يدا ليست كالأيادي" كمن قال بأن الله جسم لا كالأجسام، ففي هذه لا يوجد محذور و إن كان بعض العلماء منعها، و في تلك المحذور بين... و ننتقل إلى محذور آخر، و هو جعل الكيفية لله كأن يقول الواحد بأن الله محيطبالعالم من كل الجهات (و هذا مخالف لمن قال بأن الله فوق العالم، أي أنكم تحاولون الجمع بين معتقدين، معتقد من يقول بأن الله فوق العالم، و معتقد يقول بأن الله محيط بالعالم من جميع الجهات)، فهو أثبت كيفية لله تجدونها في صحيح الترغيب و الترهيب إن لم تخنني الذاكرة، ثم هذا الذي يجعل العرش فوق العالم و الله فوقه، نسي بأنه كذلك يكيف، فالجنة فوق السماوات السبع و العرش سقفها، و فوق العرش العدم، أم أنكم تقولون بأن الله قاعد على العرش؟؟؟ إن صح ما في النونية و التسعينية، فهل أنتم تقولون بذلك؟؟؟ أهذا هو معتقدكم؟؟؟ ثم تنفون التشبيه و التمثيل و التكييف؟؟؟ الحقيقة أنا في حيرة من أمري عندما أقرأ بعض الكتب في العقيدة فأرى فيها من التناقض ما يجعل أي واحد مجوسي أو كتابي أو ملحد يستجرئ على كتاب الله و دينه يصف المسلمين بالتفاهة الفكرية لجمعهم بين المتناقضات... نسأل الله العافية و السلامة...
الكلام يتعرض لشبهاتكم الثلاث، و كلام العلماء مزيل لكل لبس عن هذه الأمور، و لولا حفظ الله دينه، ثم اجتهاد هؤلاء العلماء الذين تعيبون عليهم تأصيلهم لعلوم الدين و أصوله، و ما عاب عليهم واحد إلا كان أحد اثنين، إما مجتهد وجد عندهم بعض الأخطاء حسب تصوره، و هذا لا يسلم لغير ابن تيمية رحمه الله لولا أنه شذ، و مع ذلك فقد بقي حافظا لقدر العلماء عارفا للأشاعرة سمتهم و وقارهم و علمهم و قدرهم، و إما مبتدع يريد أن يخرج شيئا جديدا للناس ليتبعوه، و إما جاهل أحمق نسأل الله العافية و السلامة في الدين...