عبد الله أجيب عليك بما سبق وهو أن الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم مقرون بما ذكرت ومقرون أن أوثانهم لا تدبر شيئاً وإنما أرادوا الجاه والشفاعة وسبق أن دللنا على ذلك من القرآن .
عبد النبي لكن هذه الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام وكيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام ؟ أم كيف تجعلون الأنبياء أصناماً ؟
عبد الله سبق وإن اتفقنا على أن بعض هذه الأصنام سميت بأسماء رجال صالحين كما في وقت نوح عليه السلام وأن الكفار ما أرادوا منها إلا الشفاعة عند الله لأن لها مكانة عنده والدليل قوله عز وجل "وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيآءَ مَا نَعبُدُهُم إِلَّا لِيُقَرِبُونَآ إِلَى اللهِ زُلفَى" وأما قولك كيف تجعلون الأولياء والأنبياء أصناماً ؟ فنقول لك إن الكفار الذين أرسل إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم منهم من يدعو الأولياء الذين قال الله فيهم "أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدعُونَ يَبتَغُونَ إِلَى رَبِهِمُ الوَسِيلَةَ أَيُهم أَقرَبُ وَيَرجُونَ رَحمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِكَ كَانَ مَحذُوراً" ومنهم من يدعو عيسى عليه السلام وأمه وقد قال الله عز وجل "وَإِذ قَالَ اللهُ يَعيسىَ ابنَ مَريَمَ ءَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِىَ إِلَهَينِ مِن دُونِ اللهِ" ومنهم من يدعو الملائكة وقد قال الله عز وجل "ويوم يحشرهم جميعاً ثم يقول للملئكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون".فتأمل في هذه الآيات قد كفر الله فيها من قصد الأصنام وكفر من قصد الصالحين من الأنبياء والملائكة والأولياء على حد سواء وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفرق بينهم في ذلك .
--------------------------------------------------------------------------------
عبد النبي: لكن الكفار يريدون منهم، وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار المدبر، لا أريد إلا منه عز وجل، والصالحون ليس لهم من الأمر شيء، ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم.
عبد الله: قولك هذا هو قول الكفار سواءً بسواء، والدليل قولـه عز وجل :"وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ".
عبد النبي: ولكني لا أعبد إلا الله، وهذا الالتجاء إليهم ودعاؤهم ليس بعبادة !
عبد الله: ولكني أسألك: هل تُقرُّ أن الله فرض عليك إخلاص العبادة له وهو حقه عليك، كما في قولـه عز وجل: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء ".
عبد النبي: نعم فرض عليِّ ذلك.
عبد الله: وأنا أطلب منك أن تبين لي هذا الذي فرضه الله عليك، وهو إخلاص العبادة ؟
عبدا لنبي: لا أعلم .
عبد الله: ولكني أبين لك ذلك فأصغِ لي، قال الله عز وجل: "ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" ، فهل الدعاء عبادة لله عز وجل أم لا؟
عبد النبي: بلى، هو عبادة وهو مخها، كما في الحديث: ( الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ )رواه أحمد وأبو داود.
عبد الله: ما دمت أقررت أنه عبادة لله ودعوت الله ليلاً ونهاراً خوفاً وطمعاً في حاجة ما، ثم دعوت في تلك الحاجة نبياً أو ملكاً أو صالحاً في قبره، فهل أشركت في هذه العبادة ؟
عبد النبي: نعم أشركت، وهذا كلام وجيه وصحيح.
عبد الله: وهاك مثال آخر: وهو إذا علمت بقول الله عز وجل: "فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ" ، وأطعت هذا الأمر من الله وذبحت ونحرت له، هل هذا عبادة لهجل جلاله ؟
عبدا لنبي: نعم هذا عبادة.
عبد الله: فإن نحرت لمخلوق نبي، أو جني، أو غيرهما هل أشركت في هذه العبادة غير الله ؟
عبد النبي: نعم هذا شرك بلا شك.
عبد الله: وأنا مثلت لك بالدعاء والذبح، لأن الدعاء آكد أنواع العبادة القولية، والذبح آكد أنواع العبادة الفعلية، وليست العبادة مقتصرة عليهما، بل هي أعم من ذلك، ويدخل فيها النذر والحلف والاستعاذة والاستعانة وغيرها، ولكن المشركين الذين نزل فيهم القرآن، هل كانوا يعبدون الملائكة والصالحين واللات وغير ذلك، أم لا ؟
عبد النبي: بلى، هم كانوا يفعلون ذلك.
عبد الله: وهل كانت عبادتهم إياهم إلا في الدعاء والذبح، والاستعاذة، والاستعانة، والالتجاء، وإلا فهم مقرون أنهم عبيده وتحت قهره، وأن الله هو الذي يدبر الأمر، ولكن دعوهم والتجئوا إليهم للجاه والشفاعة، وهذا ظاهر جداً.
عبد النبي: هل تنكر ـ يا عبد الله ـ شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منها ؟