منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الشيخ عدون ،عندما تغيب شمس العلماء...
عرض مشاركة واحدة
قديم 2007-11-17, 20:25   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
hadji_alger
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية hadji_alger
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

جمعية الشباب وأثرها:
أما الجمعيات الأدبية التي عرفتها أنشطة الطلبة، فلم تكن مجرد ميدان للتكوين العلمي التطبيقي، والتدريب على تمثل القواعد النظرية وممارستها في ما يكتب أو يقال، فحسب، بل كانت فوق ذلك ميدانا لترويض العقل على البحث والنظر، والنقاش والحوار، والأهم من هذا كله، أنها كانت مجالاً لعمل أخطر، ومضمارا لتحقيق غاية أسمى، غاية تتمثل في بعث الروح الوطنية ومقارعة الاستعمار، إذ تُعرض في أحضان تلك اللقاءات قضايا الحرية وعزة المسلمين، وفداء الأوطان، والسعي لإنقاذها من براثن الكافرين، وكانت جلسات هذه الجمعية سرية لا علم للإدارة الفرنسية بها، ويتعهد أعضاؤها بكتم أمرها، وعدم إفشائه ولو لأقرب الناس وأعز الأصدقاء.
ومضت الجمعيات الأدبية في مقدمة القطار، تقود عرباتها من محطة نصر لأخرى، حتى كانت شرارة حرب الخلاص، فثار شعب الجزائر بتضافر جهود رجال الإصلاح العاملين في الشمال والجنوب، ووقف الشعب صفا واحدا يقول للمستعمر:
يا فرنسا قد مضى وقت العتابْ، وطويناه كما يطوى الكتابْ.
يـا فرنسا إن ذا يوم الحسابْ فاستعدي وخذي منا الجوابْ
إن في ثورتنا فصلَ الخطابْ
وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر.
فاشهدوا فاشهدوا فاشهدوا...
وتركت لنا هذه الجمعيات في أرشيفها كنوزا من النتاج الفكري والأدبي يكشف عمّا كان يجري في رحمها من مخاض عسير أفرز هذه الروح الوطنية الواعية، وينم عن مدى الرشاد الذي اتسمت به قيادة الشباب في هذه اللقاءات، حمل رايتها الشيخ عدون وأثمرت في ما دوّنه الطلبة من مقالات وقصائد، وأناشيد بلغت العشرات، كلها تشيد بالوطن وتدعو للسعي إلى تحريره من نير الاستذلال، وجاءت في أسلوب حماسي صادق، ولكنه ذكي حكيم، تدك قنابله معاقل المفسدين، ولا يُدان قائله من قبل الكائدين. وتلك صفحة بحاجة إلى دراسة مستفيضة تجلي فضل الجمعيات الأدبية بمعهد الحياة في إيقاظ الروح الوطنية في الشباب، ومحو خرافة أن فرنسا ستبقى في الجزائر إلى يوم الحساب.


علاقة الشيخ بالأساتذة:
أما عن علاقة الشيخ عدون بالأساتذة في المعهد فشيء فوق الوصف مما كان يفيضه عليهم أيضا من نبع المحبة والتقدير، ويشعرهم أنهم قلب المعهد وقدوة الطلبة، ويشيع في أوساطهم علاقة مودة تسامت عن المطامع والمصالح، وترسخت فجعلت منهم أسرة متلاحمة ضربت مثالا لنجاح الأسرة التعليمية وتعاونها، وتضحياتها وعملها بروح الفريق الواحد، لغاية واحدة هي بناء الأجيال ونشر النور، وإرضاء الله وراحة الضمير، لا مجرد أداء الواجب وانتظار موعد الأجور.
وما تقدم إليه أستاذ بشكوى إلا أشكاه، ولا في حاجة إلا أغناه، وقد بلغوا جميعا غايتهم منه ونال كلٌّ ما تمناه، وفازوا منه بدعوات الخير، ورضى الأمة وما عند الله خير وأبقى.
وكذلك كانت صلته بالمعلمين في مدارس التعليم الحرة التي أنشأتها جمعيات الإصلاح في مدن ميزاب وخارجه على امتداد القطر الجزائري، يهتم بهم ويتابع أخبارهم ويسأل عن أحوالهم، ويبذل قصارى جهده لتوفير الجو المناسب لهم حتى يقوموا برسالتهم أحسن قيام. ويدعو مَن حولهم من الناس وأهل اليسار لمؤازتهم ومدّ يد العون لهم، ويهيب بالأولياء أن يعضدوا جهود المدارس، مركّزًا على دورهم الأساس في إنجاح عملية التعليم. كما يغرس في ضمائر الناس وأذهانهم شرف ومقام المعلم، وأنه المنقذ الذي يقود الأمة ويتقدم القافلة في طريق الجنة، فعليهم أن يعرفوا مقامه ويقدروه حق قدره.
وكانت استجابة الناس مثالية لهذه التعاليم فاحتضنوا هذه المدارس بمعلميها وتلاميذها، وناصروها فانتشرت واتسعت وتطورت، ولا تزال نجوما تنير طريق الأجيال في كل مدينة وقرية.
ومدارسٍ بُثَّـت نجوما للسُّرى في القطر من بُعدٍ يراها القاصد
وفيها يستيقظ الصبي وهو دون البلوغ مع أذان الفجر يقصد المدارس لتلاوة القرآن لا يثنيه برد ولا زمهرير، ثم تشرق الشمس فيتجه إلى المدارس الرسمية ثم يقفل راجعا مساء إلى مدارس القرآن يختم فيها يومه بهدي الكتاب وسيرة الرسول، وتاريخ الإسلام، وأنعم به مسكا للختام.


جمعية الحياة:
وفي جبهات الشيخ عدون العديدة تتوارد إلى الأذهان جمعية عتيدة كانت محور الأحداث في القرارة وميزاب منذ نشأتها سنة 1937م، إنها جمعية الحياة التي أسسها الشيخ بيوض، لتكون مظلة لحركة التعليم، بما تقتضيه تنظيمات القوانين آنذاك، وكان صدور رخصة الجمعية في ظرف عصيب بعد مساع مضنية، ومماحكات السلطات الاستعمارية، ثم غدت الجمعية موئلا لأنصار العلم والإصلاح، تتولى الجانب المادي والتنظيمي للحركة العلمية في مدارس التعليم الحرة بالقرارة، على اختلاف مستوياتها من الابتدائي والإعدادي والثانوي والعالي. وتشرف على البناء والتجهيز والتسيير والتنظيم. وكان قلب الجمعية الشيخ عدون، لم يتخل عن موقعه فيها إلى آخر حياته، رغم ثقل السنين، واشتداد وطأة المرض، ولم يكن يعجبه قولة الشاعر:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أبا لك يسأم.
ويقول: أما أنا فلم أسأم بعد تكاليف الحياة.
ولا عجب، فتلك ثمرة الإيمان، وبركة الإخلاص. وأنى أن يسأم الحياة من ظل عمره يتمثل قولة المصطفى عليه السلام: «طوبى لمن طال عمره وحسن عمله»؟.
وظل مسؤولا عن جولات جمع المال لجمعية الحياة يقطع لأجلها آلاف الكيلومترات، لا يرده عن ذلك إنجاد ولا إغوار، ويتلقى في سبيل ذلك ما لا يعلمه إلا الله من الأخطار، ولم يتخل عن هذه المهمة إلى آخر عمره، رغم انعدام الأمن وخطورة الأسفار، بعد أن خيم ليل الفتنة على أرض الجزائر، وخشي الناس أن يبرحوا ديارهم، ولكنه واصل مسيره وأسفاره في إصرار وتحد عجيب، لا يفسره إلا تمام التوكل وقوة الإيمان.
دار البعثات العلمية
حين ذاع صيت معهد الحياة في ربوع الوطن تداعى الناس لإرسال أبنائهم للنهل من معينه، فأقبل طلبة العلم على القرارة يستسقون، وكان رائد النهضة بها الشيخ إبراهيم بيوض على وعي بأهمية نشر الفكرة بواسطة هؤلاء الطلبة، فأولاهم عناية منقطعة النظير وآواهم إليه، وخصص لهم دارا يقيمون بها، ثم تتابعت وفودهم وتكاثرت أعدادهم، فكان ميلاد نظام دار البعثات العلمية، وتطور عبر السنين، وكان للشيخ عدون اهتمام بالغ بأبنائه الوافدين.
وإدراكًا منه بما يحسه غريب الأهل من وحشة الغربة والشوق إلى الديار، بذل جهده ليعوض هؤلاء التلاميذ الوافدين ما يأنسون به، بل يجدون أنفسهم بين أهلهم وذويهم. وكان رحمه الله يكلؤهم بعناية خاصة، ويؤثرهم بجلسات متميزة، فملك عليهم قلوبهم وكان لهم رائدا في معترك الحياة، ومثالا ظلوا يشرئبون للسمو إلى مقامه السامق، جدّا وتحصيلا، وتواضعا وإخلاصا، فعمّ فيض هذه القدوة على أوطانهم، وسعدت الأمة بخيرهم، ونسبت للوالد المربي الشيخ عدون، سبب هذا الفضل المبين. وكلهم يلهجون بالثناء عليه قائلين: لولا أيام تلمذتنا بالقرارة ما بنينا لأمتنا هذه الحصون، من جمعيات ومؤسسات، ومدارس ومعاهد للبنين والبنات، فبفضل القرارة كنا شيئا مذكورا، وبفضل الله كان سعينا مشكورا.
وواصل الشيخ اهتمامه بتطوير المعهد ودار البعثات، على امتداد السنين، حتى دعت الحاجة لبناء جديد يسع أعداد الطلبة الوافدين، من أبناء المسلمين، وانطلق المشروع العملاق ثابت الخطى، وشاءت الأقدار أن يزوره قبل وفاته بيومين، ويسرّ باستمرار المشروع واطراده ومات وكله أمل أن يكتمل ولو لم يشهده بجسده، فروحه ترعاه من شرفات عليين.
موقفه من تعليم المرأة.
ظلت قضية تعليم المرأة تثير جدلا بين سدنة القديم وأنصار التجديد في العالم العربي، وأسالت من حبر الكاتبين أنهارا، وتوزع الفريقين سبيلان، اشتطّا بين متزمت متحجر وبين مندفع متحرر، فمنهم من رآها نسخة طبق الأصل للرجل إلا فوارق لا تغير من جوهر التطابق بينهما، مرددا دعوات غربية، أملتها أفكار شيطانية، فأطلق للمرأة العنان في كل ميدان، وتركها نهبا للثيران، وفريق آخر رآها فتنة مكنونة، واتخذها أمَة أمينة، أو متاعا للزينة، وحظر تعليمها خوفا عليها ومنها، وإلا أفلتت من الزمام، وشقيت بها الأنام. فتركها فريسة للجهل وصيدا للشيطان، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
وضاعت بين النقيضين أجيال، واصطرعت لأجلها الرجال، وقال الشيخ عدون فصل المقال، فرفض تجهيل المرأة خوفا من انحرافها، وتبنى تطبيق أمر الرسول لأمته "طلب العلم فريضة على كل مسلم"، وأخذ بتفسير الراسخين من العلماء، أن خطاب التكليف يستوي فيه الرجال والنساء، وأمْرُ الله بالقراءة في قوله "اقرأ"، ليس خاصا برسوله، بل يعم أمته جمعاء.
ورغم معارضة فريق عريض من الناس لفكرة الشيخ عدون، ومنهم بعض رجال الإصلاح، إلا أنه أصرّ على رأيه، واقتنع أنه صواب ورشاد، وبدأ التطبيق منفردا بإدراج بنته في المدرسة، ولم يأبه بقوة المعارضة، ثم استبان للناس رشد ما فعل، فاقتدوا به وعمرت المدارس بالبنين والبنات، وحمد الناس غب سراهم بعد قرون الجهل الحالكات.
وفي وادي ميزاب اليوم مدارس عصرية نموذجية لتعليم البنت بأفضل المناهج، في محيط نقي كله طهر وعفاف، فيه تلقن البنت كل ما ينفعها من علوم الشريعة وعلوم العربية، وما يعضدها من علوم العصر، فضلا عما يؤهلها للقيام بمهمة تربية الجيل، من علم النفس والتربية، ومهارات الحياة التي تجعلها ربة بيت ذات خبرة ويد صناع، بأسلوب عز له نظير فيما عرف الناس من مناهج التعليم الحديث.

تطور المدارس:
من ثمار معهد الحياة تخريج نخبة من المثقفين توزعوا في مدن القطر الجزائري وخارجه، فسعوا لنشر هذا النور في أوساطهم، وتحركوا تدفعهم وصايا الشيخ عدون ومشايخ المعهد ليعم خيرهم مَن حولهم، وكان من نصائح الشيخ بيوض لأحد تلاميذ مودّعًا: "أنِر البقعة التي أنت فيها"، فتنافس الناس في إنشاء المدارس القرآنية العصرية، واطمأن الآباء على مستقبل أبنائهم بعد أن كان مهددا بمخططات المسخ الاستعماري، ومعاول الانحلال الخلقي الذي أفرزته الحضارة المادية الماجنة.
وكنت تسمع بين الحين والآخر عن ميلاد مدرسة في هذه المدينة أو تلك، حتى بلغ تعدادها مبلغا مباركا، دعا أهل النظر فيها إلى توحيد الجهود وتنسيق الخطط للقيام بالعمل التربوي، وتحقيق أفضل النتائج. فكان الشيخ عدون رئيس هيئة "وحدة التعليم" واختير مشرفا ومفتشا عاما لمدارس الوحدة في وادي ميزاب ومدن الجزائر المختلفة.
وأهّلَته خصال الحزم والجد لحمل هذه الراية أكثر من ثلاثين سنة، فكان يقوم كل عام بجولة عامة لتفتيش هذه المدارس، وتقديم تقرير مفصل عن نشاطها ومستوى طلبتها وكفاءة أساتذتها، وهي مهمة غير يسيرة وأيم الحق، تقتضيه أسفارا بعيدة تبلغ آلاف الكيلومترات، من شرق الجزائر إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها لا يقوى عليها إلا أولو العزم من الرجال، ولم يتوقف عن هذا العمل الشاق، إلا حين أقعده العمر المبارك وقد جاوز الثمانين.
وفي تقاريره الشاملة حول هذه المدارس صفحة ناصعة لجهاد الأمة وجنود الخفاء في هذا الثغر الهام من ثغور الإسلام.

جمعية قدماء التلاميذ :
في سنة 1948 تأسست بميزاب جمعية قدماء التلاميذ من خريجي معهد الحياة المنتشرين في مدن وادي ميزاب، كانت رابطة للتواصل بينهم وتنسيق نشاطهم العلمي والاجتماعي، وأبرزت ثمارا طيبة في سنيها الأولى، ولكن يدا ماكرة حاولت وأدها لما رأت من خطرها على مصالح بعض المتنفذين، فتقلص نشاطها، واقتصرت على مدينة القرارة، وظلت مشرفة على النشاط الثقافي والاجتماعي في المدينة، برعاية الشيخ عدون، ولا تزال إلى اليوم.

الشيخ عدون والصحافة :
آزر الشيخ عدون رائد الصحافة العربية في الجزائر وعميدها الفقيد الشيخ إبراهيم أبا اليقظان في جهاده الصحفي، في أحلك ليالي الاستعمار، وبذل جهده لنصرته بالتشجيع والاكتتاب والكتابة والتحرير، في متابعة أخبار وادي ميزاب ومجريات حركة الإصلاح، ثم انتدبه الشيخ أبو اليقظان ليتولى تحرير افتتاحية إحدى جرائده الثمانية التي توالى صدورها طيلة اثنتي عشرة سنة، من عام 1926 إلى عام 1938م، كلما وأد المستعمر واحدة، دكّ أبو اليقظان في عرش المستعمر أخرى.
وكان الشيخ عدون يوقع مقالاته في تلك الجرائد باسم "سعيد"، وتبلغ تلك المقالات ما يقرب من مائة وخمسين مقالا، تشهد على ضلوعه في الأدب، وتملكه ناصية البيان.
وفي صحافة أبي اليقظان تاريخا وكفاحا ومقالات شواهدُ عن سفر ذهبي من جهاد "سعيد" في مقارعة الاستعمار العسكري والجمود الفكري.










رد مع اقتباس