دروسه وتلاميذه
دروسه:
كان الشيخ حريصاً كل الحرص على نشر العلم، وتبليغ دين الله سواء كان عن طريق المواعظ أو الخطب أو الدروس العلمية التي تعقد له، فتدريسه للعلم ونشره أصل في منهاجه الدعوي والعلمي، وطريقه في الإصلاح والتغيير والبناء.
فطريقة الشيخ رحمه الله في دروسه امتداداً لمنهج السلف الصالح في العناية بالعلم الشرعي وتأصيله ونشره وتربية الناس عليه، وتصحيح عقائدهم والعمل على تنشئة علماء ربانين يحملون أنوار الشريعة الإسلامية، وينشرونها في الأرض ويقومون بالدعوة إلى الله على هدى وبصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة
* دروس الشيخ كانت على أربع مراحل:
المرحلة الأولى:
بعد توليه القضاء في الدلم عام 1357هـ إلى عام 1371هـ كان نشر العلم أول اهتماماته، وذلك إلى جانب عمله بالقضاء، حيث عقد الشيخ حلقات للتدريس في الجامع الكبيرة، فأخذ طلاب العلم يتوافدون عليه من كل مكان حتى من بعض الأقطار المجاورة، من اليمن وفلسطين والعراق والحبشة وغيرها فازداد عدد الطلاب، مما جعل الشيخ يهتم بهم، وذلك أنه أولاهم عناية فائقة في السكن والتدريس، وأعطاهم الوقت الكافي لتعليمهم، حيث قسم أوقاته بين القضاء والتدريس، فعقد لهم حلقتين في الجامع الكبير، إحداهما بعد صلاة الفجر: في التوحيد والفقه والحديث والنحو والتفسير، والثانية: بعد صلاة المغرب في الفرائض، وبعد أذان العشاء يبدأ في درس آخر في التفسير كتفسير ابن كثير، وكانت هناك حلقتان بعد صلاة الظهر وبعد صلاة العصر.
المرحلة الثانية:
في مدينة الرياض عندما انتقل إليها بالمعهد العلمي ثم كلية الشريعة، حيث نظم خلال هذه الفترة دروساً لطلابه وكان ذلك من عام 1371هـ حتى سنة 1380هـ ودرس في الجامعة ثلاثة فنون: الفقه والتوحيد والحديث.
فكان مثالاً لرحابة الصدر حيث اعتنى بتوضيح المسائل، وتربية الطلاب على طريقة الترجيح، ولاسيما إذا كانت مواطن الدرس في كل من الحديث والفقه متفقة.
فمثلاً : يدرس باب الزكاة في الفقه وباب الزكاة في الحديث، فإذا كانت حصة الفقه قرر المسألة على مذهب الحنابلة بدليلها عندهم، وإذا كان درس الحديث قرر المسألة على ما تنص عليه الأحاديث، فإن وافق المذهب كان تأييداً له، وإذا خالفه أشار إلى وجه الترجيح، ودعا إلى الأخذ بما يسانده الدليل دون تعصب لمذهب معين.
وامتاز الشيخ وقتها بالاشتغال بكتب الحديث، وخاصة بلوغ المرام، بالإضافة إلى تزهة النظر في شرح نخبة الفكر وغيرها.
* أما كتب الحديث التي قام بتدريسها فهي كما قال ذلك عن نفسه: فواقع تدريسي في الحديث، درس في الصحيحين، ودرس في سنن أبي داود وسنن الترمذي، ودرس في سنن النسائي، ودرس أيضاً في سنن ابن ماجة، ودرس في سنن الدارمي، ودرس في مسند الإمام أحمد، ودرس في فتح الرباني للساعاتي.أهـ وغير ذلك من الدروس، حيث اجتمع عليه خلالها أفاضل الطلاب وخيار التلاميذ.
المرحلة الثالثة :
في مدينة الرسول r وذلك من عام 1381هـ حتى عام 1395 هـ عندما كُلف من شيخه محمد بن إبراهيم بتولي إدارة الجامعة وتأسيسها هناك، حيث رتب في هذه المرحلة دروسه في الجامعة والحرم النبوي حيث كانت الجامعة تستقطب أخلاطاً من جنسيات إسلامية متنوعة تتوافد إليها من كل مكان، بالإضافة إلى جم غفير من المقيمين والحجاج والمعتمرين والزائرين والطلاب الوافدين للجامعة، وهذه المرحلة تعتبر أفضل مراحل حياته حيث اجتمع له ما لم يكن من قبل من العلوم والمعارف والعلاقات والاتصالات.
المرحلة الرابعة:
في مسقط رأسه بمدينة الرياض بعد أن عاد إليها مرة ثانية رئيساً لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ثم مفتي عام للمملكة العربية السعودية، وبرتبة وزير، وذلك من عام 1395هـ حتى توفاه الله، قام خلالها تنظيم الحلقات العلمية، فاجتمع له جم غفير لا يحصى من الطلاب وذلك بالجامع الكبير بالرياض، وانتظمت هذه الدروس على هذا النحو ما يقارب، أربعة أيام في الأسبوع، كلها بعد الفجر يوم الأحد والاثنين والأربعاء والخميس، ثم زاد درساً خامساً بعد الجمعة في منزله والدروس المسائية يوم الأحد بعد المغرب وبعد صلاة العصر وبين الأذان والإقامة من صلاة العشاء وتنقل معه هذه الدروس عند ذهابه للحج في مكة المكرمة وبعدها إلى الطائف فيزداد الإقبال على الدروس في الصيف وذلك لكثرة المصطافين بها، فقرئ عليه كتب كثيرة منها الكتب الستة ومسند الإمام أحمد، وموطأ الإمام مالك وسنن الدارمي وصحيح ابن حبان، وتفسير ابن كثير، وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية وزاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم، والأصول الثلاثة مع كتاب التوحيد وكشف الشبهات وفتح المجيد، وشروط الصلاة، والقواعد الأربع، ومسائل كتاب التوحيد كلها للإمام محمد بن عبدالوهاب قرئت عليه مرات كثيرة وكذلك الدرر السنية في الأجوبة النجدية لابن القاسم النجدي وإغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، وجلاء الأفهام لابن القيم بالإضافة إلى الوابل الصيب ومفتاح دار السعادة، وشرح السنة للبغوي، وإرواء الغليل بتخريج أحاديث منار السبيل للألباني، ومنتقى الأخبار لجد شيخ الإسلام المجد ابن تيمية، والإحكام شرح أصول الأحكام للشيخ ابن قاسم النجدي، نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر، والاستقامة لابن تيمية، وبلوغ المرام للحافظ ابن حجر والفتوى الحموية لابن تيمية، والسنن الكبرى للنسائي والعقيدة الطحاوية والرحبية في الفرائض، ورياض الصالحين للنووي، والألفية في الحديث للحافظ العراقي، والفوائد الجلية في المباحث الفرضية لابن باز وعمدة الأحكام للحافظ عبدالغني المقدسي، والبداية والنهاية للحافظ ابن كثير وكتاب التوحيد لابن خزيمة، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، ووظائف رمضان الملخص من لطائف المعارف للحافظ ابن رجب من تلخيص وزيادة الشيخ عبدالرحمن ابن محمد بن قاسم، وهناك كتب مساندة كتقريب التهذيب والكاشف للذهبي والقاموس للفيروزبادي وغيرها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لشيخ الاسلام ابن تيمية، وتفسير البغوي، والبداية والنهاية لابن كثير بالإضافة إلى الفتاوى بعد كل درس سواء كانت عامة أو خاصة تتعلق بالدروس كالمسائل العلمية وغيرها.
وكان الشيخ رحمه الله مثالاً حياً في تدريس الطلاب وإيراد الأدلة الواضحة من الكتاب والسنة وكلام أهل العلم المحققين، كما امتاز بحرصه الشديد في دروسه من حيث إيصال المعلومات للدارسين بطريقة واضحة لا تعقيد فيها ولا غموض، فهو قليل الخروج عن الدرس، وكثيراً ما يترحم ويدعو لأهل العلم ويمتاز أيضاً في دروسه بالتحقيق العلمي في المسائل، والتبصر في الأحكام، وعند ورود إشكال في مسألة من المسائل، أو شك في الحكم على راو، وعد طلابه بمراجعة الموضوع والمزيد من التأمل والنظر في مراجعته مرة أخرى، وإذا سئل ولم يتضح السؤال أو المراد منه طلب إعادة السؤال مرة أخرى، أو استفصل منه عند الحاجة، ومن عطفه على طلابه وحسن خلقه أنه لا يغضب عند مداخلاتهم أثناء شرح الدرس أو التعليق عليه أو الإجابة على الأسئلة.
أما طريقة شرحه للدروس:
فإن كانت في المتون المختصرة، فيقرأ عليه جزء معين ثم بعد ذلك يشرح ما قرئ عليه، أما الكتب المطولة المشروحة وغير المشروحة فيقوم بالتعليق على ما تيسر منها أثناء القراءة، وتشمل تعليقاته توضيح الكلمة أو شرحها، وزيادة ما غفل عنه القارئ، وتصويب الأخطاء مع التدقيق في صحة الأحاديث رواية وسنداً، متناً ونصاً، دراية وفقها مختارا من الأقوال أصحها، مع عضده بالدليل الصحيح، جامعاً بين النصوص والروايات، ناظراً فيها بقواعد الأصول وضوابط الفقه مع نقد ورد قول المؤلف إذا خالف الكتاب والسنة، فهو لا يذم مخالفا، ولا يسب معارضا، بل يدعو لهم بالرحمة والهداية ومع هذا الشرح فإن الشيخ لا يشقق المسائل، ولا يفرض فرضيات لا فائدة منها بل إن كلامه يفهمه الجميع لسهولة عبارته ووضوحها وإذا مرت بعض المباحث وأصدر الحكم على المسألة بقوله: الصواب كذا، أو الصحيح كذا وفي ختام كل كتاب يترحم على مؤلفه، وأحياناً يكلف بعض تلاميذه بالبحث في إحدى المسائل الحديثية أو الفقهية، ثم يقرأ عليه بعد تحضيرها، وتارة يقول : تأملت ما قلته في مسألة كذا وكذا، وتبين لي أن الصواب فيه كذا، وعندما تمر آية رحمة سأل الله من فضله، وأذا مرت آية عذاب استعاذ بالله، وأحياناً يقوم بشرح بعض المسائل علمياً؛ كمسح الرأس في الوضوء، أو استعمال السواك على الطريقة الصحيحة ومع هذا فهو مواظب على الدروس لا يتخلف عنها مع كثرة أعبائه ومشاغله، إلا إذا كان مسافراً أو مريضاً.
تلاميذه:
منذ تولى الشيخ ابن باز رحمه الله القضاء في الدلم من عام 1357هـ إلى أن توفاه الله عام 1420هـ وجُلُّ همه نشر العلم، والدعوة إلى الله عز وجل فتتلمذ على يديه أناس كثير، منهم من مات ومنهم لا يزال على قيد الحياة ومنهم من كان من هذه البلاد ومنهم من كان من الهند والباكستان، واليمن والشام والعراق، ومصر والسودان والجزائر والمغرب وموريتانيا وتركيا والحبشة وإريتريا، وغيرها من دول العالم فحيثما حل في مكان تسابق عليه الطلاب للاستفادة من علمه الغزير في جميع الفنون .
ففي الدلم من عام 1357هـ إلى 1371هـ تتلمذ عليه الكثير من الطلاب سأذكر من اشتهر منهم:
الشيخ/ راشد بن صالح بن خنين، المستشار بالديوان الملكي وعضو هيئة كبار العلماء، وعضو مجلس القضاء الأعلى، وهو من كتاب الشيخ، ومن أكثر الطلاب ملازمة له.
معالي الأستاذ/ عبدالعزيز بن عبدالله السالم أمين عام مجلس الوزراء، له اهتمامات بالأدب والعلم، محب للعلماء وطلبة العلم معروف بالخير والفضل.
الشيخ/ عبدالله بن حسن بن قعود، عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء سابقاً، وهو أحد كبار العلماء المعروفين المتميزين بالعلم.
الشيخ/ عبدالرحمن بن ناصر البراك، المدرس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وأحد كبار العلماء في العقيدة وأصولها.
معالي الشيخ/ عبدالله بن سليمان المسعري، رئيس ديوان المظالم سابقاً .
الشيخ/ محمد بن زيد آل سليمان رئيس المحاكم الشرعية في الدمام، وعضو هيئة كبار العلماء، وأحد العلماء الأفاضل الذين لهم مكانة حميدة ومنزلة رشيدة يمتاز بالتواضع وطيب المعشر، وجميل الأخلاق.
* وأما الذين تتلمذوا على يديه عندما انتقل إلى الرياض للتدريس في كلية الشريعة واللغة العربية من عام 1372هـ ــ 1380هـ فأعداد كثيرة لا تحصى منهم أغلب كبار العلماء في المملكة، وغيرهم من الوزراء والمسئولين في الدولة فمن أشهرهم:
سماحة المفتي العام، ورئيس هيئة كبار العلماء، ورئيس اللجنة الدائمة للإفتاء والرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، العلامة الفقيه، والخطيب المفوّه . الشيخ/ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب.
الشيخ/ عبدالعزيز بن محمد آل عبدالمنعم، أمين عام هيئة كبار العلماء وهو أحد الفضلاء المعروفين بالعلم والفضل، كان الشيخ ابن باز يستشيره في كثير من الأمور.
عبدالله بن عبدالرحمن بن غديان، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وأحد كبار المفتين أصولي فقيه متبحر .
سماحة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله أحد كبار العلماء المعروفين، وأحد كبار المفتين في العالم الإسلامي، مفسر أصولي فرضي نحوي فقيه، لازم شيخه ابن باز في المعهد والكلية والمسجد، كان يعمل إماماً للجامع الكبير في عنيزة ومدرساً بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم توفي سنة 1421هـ .
الشيخ/ صالح بن عبدالرحمن الأطرم، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو الإفتاء، والمدرس بكلية الشريعة بالرياض، فقيه متمكن، له علم واسع وخاصة في فهم مصطلحات الحنابلة.
الشيخ/ صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى، وعضو هيئة كبار العلماء، وأحد العلماء المشهورين، وصاحب الدروس اليومية في شهر رمضان المبارك بالمسجد الحرام، وأعلام الفتوى في بلادنا.
الشيخ/ عبدالمحسن بن حمد العباد البدر، شيخ المدينة النبوية بعد شيخه ابن باز، المحدث الفقيه، عالم المدينة النبوية، يعمل إلى الآن مدرساً بالمسجد النبوي اشتهر بالفضل والعلم، والدعوة والتدريس والتصنيف.
الشيخ/ صالح بن فوزان آل فوزان، المدرس بكلية الشريعة في الرياض سابقاً وعضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وأحد كبار العلماء المعروفين في أوساط العالم الإسلامي، وأحد كبار المفتين، له باع طويل في فهم العقيدة ولقد كان الشيخ ابن باز يحيل إليه مسائل العقيدة والكتب المتعلقة بها.
الشيخ/ صالح بن غانم السدلان، المدرس بكلية الشريعة في الرياض، فقيه أصولي، له دروس وبرامج دعوية في وسائل الإعلام.
الشيخ الفقيه الأصولي / عبدالله بن عبدالمحسن بن عبدالله التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، ووزير الشؤون الإسلامية والأوقاف سابقاً، وعضو هيئة كبار العلماء، له مشاركات إسلامية محلية وعالمية.
الشيخ/ عبدالله بن سليمان المنيع قاضي التمييز سابقاً، وعضو هيئة كبار العلماء، وعضو مجلس الأوقاف الأعلى، صاحب الفتاوى المرئية والمسموعة في العالم الإسلامي، أحد كبار العلماء المشهورين والمعروفين بالعلم والفضل، له مشاركات في المجامع الفقهية والندوات وله حضور متميز.
الفقيه الداعية أحد أعمدة الفتوى في هذه البلاد فضيلة الشيخ/ عبدالله بن عبدالرحمن ابن جبرين، عضو الإفتاء سابقاً، أحد العلماء البارزين له مشاركات متميزة في التدريس وهو من الحفاظ المتقنين.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــع.......