منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - نظرية النقد العربي رؤية قرآنية معاصرة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-11-13, 02:24   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
lakhdarali66
عضو متألق
 
الصورة الرمزية lakhdarali66
 

 

 
الأوسمة
مميزي الأقسام أحسن عضو لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي

( 63 )

ومسنونة زرق كأنياب أغوال (*)
وقوله تعالى : ( طلعها كأنه رءوس الشيطين ) (1) (2) .
د ـ والبلاغي حينما ينظر إلى اللفظ يستطيع بشكل وآخر أن يؤول هذا اللفظ بعدة اعتبارات يغوص بعضها في الأعماق ويطفو بعضها على السطح ، وزايدة على تمرسه باستخراج الصور البلاغية الأصيلة كالمجاز والتشبيه والاستعارة ، فإن فهمه الخاص يقوده إلى استنباط جمال اللفظ بوجوه مختلفة ، نجمل بعضها بما يلي :
في ملاءمة الالفاظ لما يجاورها يجد البلاغي دلالة هامشية في مقابلة هذه الألفاظ وألفاظ آخر من نسخها فيستنتج من ذلك جمال تلك الألفاظ ، وضرورة استعمالها دون سواها ، لتحقيق هذا الغرض الهامشي ، ويتمثل هذا بالتخريجات التالية :
آ ـ الآيتان ( إن الله لا يستحى أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها فأما الذين ءامنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا اراد الله بهذا مثلاً يضل به كثيرا ويدى به كثيرا وما يضل به إلا الفسقين (26) الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون (27) ) (3) .
استخرج منها السيوطي عدة مقابلات في الألفاظ ، أجملها بأن الله تعالى قد « قابل بين 0 بعوضة فما فوقها ) ، وبين ( فأما الذين آمنوا ) و ( أما الذين كفروا ) ، وبين ( يضل ) و ( يهدي ) ، وبين ( ينقضون ) و ( ميثاقه ) وبين ( يقطعون ) و ( أن يوصل ) » (4) . وما أفاده السيوطي واستخرجه من مقابلة هذه الألفاظ عبارة عن منحنى جانبي يتعلق بالألفاظ ، هذا المنحنى الجانبي هو المعبر عنه بالدلالة الهامشية ، لأنه بحث موقع لفظ من لفظ .
____________
(*) البيت لامرئ القيس وصدره : أيقتلني والمشرقي مضاجعي ، ديوان امرئ القيس : 33 ، تحـ : محمد أبو الفضل ابراهيم ، دار المعارف بمصر .
(1) الصافات : 65 .
(2) الطبرسي ، مجمع البيان : 1|374 .
(3) البقرة : 26 ـ 27 .
(4) السيوطي ، الاتقان : 3|286 .
________________________________________
( 64 )

ب ـ قوله تعالى : ( كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ) (1) (2) فإن هذا الجزء من الآية لعجيب حقاً في مقابلاته ، فهو مركب من تسع كلمات تقابلت كلها باستثناء « فيه » :
( كلما ـ إذا و ( أضاء ـ أظلم ) و ( لهم ـ عليهم ) و ( مشوا ـ قاموا ) ، وأن تأتي هذه المقابلة متجانسة وضعاً وتسلسلاً وصياغة وقد عرض لجزء من فنون هذا الجزء الزمخشري بتعليقه :
فإن قلت كيف قيل مع الإضاءة ( كلما ) ومع الأضلام ( إذا )
قلت : لأنهم حراص على وجود ما همهم به معقود من إمكان المشي وتأتيه فكلما صادفوا منه فرص انتهزوها ، وليس كذلك التوقف والتحبس (3) بينما لم يشر إلى ملاءمة أضاء لأظلم ، ولهم لعليهم ، ومشوا لقاموا فيما تعطي من وجود التركيب وعظيم الدلالة .
جـ ـ « وقد يجيء نظم الكلام على غير صورة المقابلة في الظاهر ، إذا تؤمل كان من أكمل المقابلات » (4) ونموذج هذا الرأي قوله تعالى : ( مثل الفريقين كالأعمى والاصم والبصير والسميع ... ) (5) « فإنه يتبادر فيه سؤال ، وهم لم لا قيل : مثل الفريقين كالأعمى والبصير ، والأصم والسميع ، لتكون المقابلة في لفظ الأعمى وضده بالبصير ، وفي لفظ الأصم وضده بالسمع » .
د ـ ومن المقابلات ذات الدلالة الهامشية قوله تعالى :
( وما يستوي الأعمى والبصير (19) ولا الظلمات ولا النور (20) ولا الظل ولا الحرور (21) وما يستوي الأحياء ولا الأموت إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور (22) ) (6) فجعل الأعمى في مقابل البصير وهو الامر الطبيعي في مقابلة الأضداد ، وكذلك جعل الظلمات في مقابل النور ،
____________
(1) البقرة : 20 .
(2) الزمخشري ، الكشاف : 1|86 .
(3) الزركشي ، البرهان في علوم القرآن ، 3|465 .
(4) هود : 24 .
(5) الزركشي ، البرهان في علوم القرآن ، 3|466 .
(6) فاطر : 19 ـ 22 .
________________________________________
( 65 )

والظل إزاء الحرور ، والأحياء قبل الأموات ، وإن الله يسمع من يشاء مقابل وما أنت بمسمع من في القبور .
وقد اعتبر ابن الزملكاني الجزء الأخير منه في الإفراط في التنزيل والغاية في التحقير (1) .
ثانياً : في استعمال اللفظ للتعريض وفي الكناية خرج البلاغي دلالة هامشية بمثل هذه التخريجات .
آ ـ الكلمة « قرية » في قوله تعالى :
( وضرب الله مثلا قرية كانت ءامنة ... ) (2) وقد استعمل فيها اللحن وهو « التعريض بالشيء من غير تصريح ، أو الكناية عنه بغيره » (3) . فقد عرض الله بأهل مكة وما يصيبهم من العذاب شأن الأمم السابقة ، ولم يصرح بذلك كما هي عادته في هذا المجال ، وإنما يشير إلى ذلك لحناً صوراً وبالرمز صور أخر ، كما عرض بالمنافقين وذكر أوصافهم في ألفاظ مخصوصة بهم ، ولكنه أمسك عن ذكر أسمائهم إبقاء عليهم وتألفا لقلوبهم .
ب ـ وفي استعمال الكلمة « امرأة » بالنسبة لامرأة نوح وامرأة لوط في قوله تعالى :
( ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط ... ) (4) دلالة هامشية حملها الزمخشري على التعريض بقوله :
وفي طي هذين التمثيلين تعريض بأمي المؤمنين المذكورتين في أول السورة ( عائشة وحفصة ) وما فرط منهما من التظاهر على رسول الله (ص) بما كرهه ، وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشده .... وأن لا تتكلا على أنهما زوجا رسول الله ، فإن ذلك الفضل لا ينقصهما إلا مع كونهما مخلصتين . وأسرار التنزيل ورموزه في كل باب بالغة من الطف الخفاء حداً يدق عن تفطن العالم ويزل عن تبصره » (5) .
____________
(1) ابن الزملكاني ، البرهان : 310 .
(2) النحل : 112 .
(3) قدامة بن جعفر ، نقد النثر : 50 .
(4) التحريم : 10 .
(5) الزمخشري ، الكشاف : 4|571 .
________________________________________
( 66 )

جـ ـ والكلمتان « يخرج » و « خبث » في قوله تعالى : ( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ) (1) فيهما دلالة هامشية يعتمدها البلاغي بالكناية : على أن المؤمن يؤمل منه الخير ، ويؤثر عنه الهدى ، ويرجى فيه الصلاح ، وأن الكافر لا يؤمل خيره ، ولا يحتمل نفعه ، ولا يؤتمن شره .
د ـ الكلمة « ثابت » في قوله تعالى :
( أصلها ثابت وفرعها في السماء ... ) (2) فيها دلالة هامشية بالكناية عن علو الشجرة ورفعتها وسموها ، وتأكيد لرسوخ الأصل ، لأن الأصل إذا رسخ ارتفع الفرع .
هـ ـ وكلمة « الكفار » في قوله تعالى :
( كمثل غيث أعجب الكفار نباته ... ) (3) فيها إشارة دقيقة تصور لنا الكافر متعلقاً ومعجباً بالحياة الدنيا ، وإن هذا الإعجاب شديد .
ثالثاً : في مجال الظهور والإبانة يؤول البلاغي اللفظ بحسب ذائقته على الوجه التالي :
أ ـ الكلمة « انسلخ » في قوله تعالى :
( واتل عليهم نبأ الذي ءاتينه ءايتنا فانسلخ منها ... ) (4) تحقق لنا في مقام الإبانة عن الجانب الآخر للفظ : شدة النزع وعظم الانسلاخ تدريجياً دون مطاوعة واتساق فيما يبدو لنا من الظهور العرفي لمفهوم سلخ الشاة وإضرابها .
ب ـ الكلمة « عبادنا » في قوله تعالى :
( كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين (10)) (5)
أفاد منها الزمخشري دلالة هامشية تعني بحقيقة الصلاح بصفة العبد ،
____________
(1) الاعراف : 58 .
(2) إبراهيم : 24 .
(3) الحديد : 20 .
(4) الأعراف : 175 .
(5) التحريم : 10 .
________________________________________
( 67 )

والتي تنظر ـ وحدها ـ من قبل الله تعالى .
قال الزمخشري « فإن قلت : ما فائدة قوله ( من عبادنا ) ؟ قلت : لما كان مبنى التمثيل على وجود الصلاح في الإنسان كائناً من كان ، وأنه وحده هو الذي يبلغ به الفوز وينال ما عند الله . قال : عبدين من عبادنا صالحين ، فذكر النبيين المشهورين العلمين بأنهما ( عبدان ) لم يكونا كسائر عبادنا ، من غير تفاوت بينهما وبينهم إلا بالصلاح لا غير ، وإن ما سواه مما يرجع به الناس ليس بسبب للرجحان عنده » (1) .
جـ ـ والكلمة « تسعى » في قوله تعالى :
( وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى ... ) (2)
فيها رصد هامشي لبعد السعي في دلالته على الجدية والحث والمواظبة لا المشي والسير بسرعة فحسب ، بل هو اشتراك فعال في حسم النزاع ، وفض الخصومة ، والدعوة إلى الإصلاح ، بجنان ثابت ، متواصل ، وجهد ملموس ، حتى عد الرجل ساعياً ، لتحقق الدلالة في أنه « يسعى » .
ويبدو مما تقدم أن دلالة الألفاظ في مجالاتها المتنوعة الفسيحة قد أضفت برداً فضفاضاً من الأحاسيس التي يتأملها الإنسان فيقف خاشعاً متطلعاً إلى فلسفة هذا الاختيار في لفظ دون لفظ ، وكلمة بدل كلمة ، مما يحقق في جزء كبير منه معنى الإعجاز ، حتى في حدود الكلمة المفردة ، وإلا فلا أقل من تحقيق جزء من عناصر الصورة الفنية .
____________
(1) الزمخشري ، الكشاف : 4|752 .
(2) يس : 20 .
________________________________________
( 68 )

________________________________________
( 69 )










رد مع اقتباس