منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - نظرية النقد العربي رؤية قرآنية معاصرة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-11-13, 02:24   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
lakhdarali66
عضو متألق
 
الصورة الرمزية lakhdarali66
 

 

 
الأوسمة
مميزي الأقسام أحسن عضو لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي

( 58 )

وصحة رسالتهم . ومن خلال هذه الصيغ المتدرجة عرفنا أن في هذا التأكيد بهذه الصيغ في « أن » مؤكدة لضمير المتكلم المعظم نفسه ، أو جماعة المتكلمين ، واللام المؤكدة على الخبر بالإرسال ، جمالاً في المعنى الإيحائي لا يتأتى بإهمال هذه الحروف عند هذه الصيغ ، لأن أهل الطباع يجدون من زيادة الحرف معنى لا يجدونه بإسقاطه » (1) .
فإذا أضفنا إلى ذلك أن اجتماعهما قد كان : بمنزلة تكرير الجملة ثلاث مرات ، لأن إفادة التكرير مرتين ، فإذا دخلت اللام صارت ثلاثاً .
وعن الكسائي : أن اللام لتوكيد الخبر ، وأن لتوكيد الاسم .. وأن التوكيد للنسبة (2) أي النسبة القائمة بين الاسم والخبر .. علمنا مدى انطباق الدلالة الإيحائية على هذا التأكيد من جهة ، وعلى تكرار كلمة « المرسلين » من جهة أخرى .
سابعاً : والحق أن بهذا المثل زيادة على ما تقدم عدة كلمات ذات إيحائية خاصة نشير إلى بعضها بما يلي :
أ ـ الكلمة « تطيرنا » في قوله تعالى :
( قالوا إنا تطيرنا بكم ... ) (3) لها إيحاء نفسي مرير يخالج القوم بالتطير ، وما يضفيه مناخ التشاؤم من تثاقل وغم ، وما يعنيه من إيمانهم بالخرافات والاساطير التي تحاك حول ذلك ، ليصور مدى ضيق القوم بهؤلاء المرسلين حتى أصبح وجودهم بين ظهرانيهم مثاراً للمخاوف والهواجس .
ب ـ والكلمة « صيحة » في قوله تعالى :
( إن كانت إلا صيحة واحدة ... ) (4) فإنها توحي بهول الصدمة ، وعظم الهدة ، وتعني إخماد الأنفاس ، وشل الحركة ، وانهيار الحياة ، وقيام الساعة .
____________
(1) السيوطي ، الاتقان : 3|196 .
(2) المصدر نفسه : 3|195 .
(3) يس : 18 .
(4) يس : 29 .
________________________________________
( 59 )

جـ ـ والكلمة « ادخل » في قوله تعالى :
( قيل ادخل الجنة ... ) (1) فإنها تحمل نداء الرب إلى العبد ، وحديث القلب للقلب ، فالدخول متحقق من أوسع أبوابه ، وفيها إيحاء خاص بأن المؤمن المستقيم سوف يتمتع بثمرة أتعابه ، وينعم ببركة إيمانه ، فما بعد هذا الدخول من خروج .
ثامناً : وقد عد السيد المرتضى ( ت 436 هـ ) كلمتي « خاشعاً » و « متصدعاً » في قوله تعالى :
( لو أنزلنا هذا القرءان على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله ) (2) من صيغ الإيحاء في الدلالة على المبالغة التي تدعو إلى تعظيم القرآن في مقام الأخبار عن جلالة خطره ، وعظم قدره فقال : « إننا لو أنزلنا القرآن على جبل ، وكان الجبل مما يتصدع إشفاقاً من شيء أو خشية لامر ، لتصدع مع صلابته وقوته ، فكيف بكم يا معاشر المكلفين مع ضعفكم وقلتكم وأنتم أولى بالخشية والإشفاق » (3) .
وهذا يعني أن وراء اللفظ معنى آخر يوحيه بدلالته : وهو صيغة الانفعال عند الإنسان ، فليس المقصود خشية الجيل وتصدعه ، بل المقصود خشية الإنسان وخشوعه ، إذ ليس من شأن الجيل أن يخشع والخشوع والخشية ، كلاهما من أفعال القلوب التي لا تصدر عن جماد ، إلا أن يكون ذلك من صنع البيان إذ يبث الحياة في الصخر الأصم (4) .
تاسعاً : والجانب الإشاري في الألفاظ يوحي بالتعبير عن الصورة الفنية للشكل ، بما يستنبط من اللفظ من معنى جديد ، من خلال تركيب النص ، يوحي ذلك المعنى بأكثر من إرادة ظاهر اللفظ ، ويتمثل هذا الجانب ببعض النماذج التالية :
____________
(1) يس : 26 .
(2) الحشر : 21 .
(3) المرتضى : 1|428 وما بعدها .
(4) بنت الشاطي ، الإعجاز البياني للقرآن : 209 .
________________________________________
( 60 )

أ ـ الكلمتان « يذهب » و « يمكث » في قوله تعالى :
( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ... ) (1) لا يراد بهما مجرد الذهاب أو الاستقرار والإقامة فحسب ، وهو المتناول اللغوي من ظاهر الكلمتين بل فيهما إشارة بالكناية توحي : بأن الأشرار قد يظهرون على الأبرار ، وأن الأخيار قد يلفهم التيار ، ولكن هذا لا يعني تلاشي الحق وضياع الواقع ، إذ لا بد للحقيقة أن تتزين بأبهى حللها ولو بعد حين ، وإذا بالمعدن الأصيل ثابت شامخ ، وإذا بالأوضار منفية ذائبة ، وإذا بالأول « يمكث » في الأرض رسوخاً ، وإذا بالثاني « يذهب » غائراً في خضم الأحداث .
ب ـ الكلمة « أشداء » في قوله تعالى :
( أشداء على الكفار ... ) (2) تحمل إلى الذهن كل معاني الغلظة والثبات والمجاهدة وتوحي بأبعاد الصبر واليقظة والحذر ، لا الشدة في مقابل الضعف فحسب ، بل تذهب إلى أكثر من هذا فتشير إيحائياً ـ لتحرك النفوس وتهز الضمائر ـ إلى التفاني في ذات الله ، وإلى التشدد بأحكام الله ، وإلى التنفيذ لأوامر الله ، فلا لومة لائم ، ولا غضب عاتب .
جـ ـ والكلمة « القانتين » في قوله تعالى :
( وكانت من القانتين ) (3) استفاد منها الزركشي ( ت 794 هـ ) دلالة إيحائية برفع مستوى مريم فيها إلى مصاف الرجال ممن وصفوا بالجد والصبر والمثابرة على أسمى مراتب العبادة « أذاناً بأن وضعها في العباد جداً واجتهاداً ، وعلماً وتبصراً ، ورفعة من الله لدرجتها في أوصاف الرجال القانتين وطريقهم » (4) .
والمستفاد هنا لا وصفها بالعبادة فحسب ، بل رفع درجتها إلى مصاف الرجال الموصوفين بذلك إشارة لتمخضها في العبادة .
____________
(1) الرعد : 17 .
(2) الفتح : 29 .
(3) التحريم : 12 .
(4) الزركشي ، البرهان : 3|302 .
________________________________________
( 61 )

4 ـ الدلالة الهامشية :
وهي أوسع الدلالات مجالا ، لأنها تعتمد على تعدد التخصص في الاستنتاج ، فهي تبع لنوعية ثقافة المفسر ، ودقة نظره ، وزاوية إفادته ، على مختلف الاتجاهات والثقافات عند المفسرين ، فقد تجد في سياق العبارات من الألفاظ أثراً للمطابقة والمقابلة في مجانسة الأضداد والجمع بين المتقابلين ، والتفريق بين المتجانسين مما يلحظه البلاغي بحسب ذائقته الفنية ، بينما يلحظ فيها النحوي مجالاً آخر في الاستفادة من تخريج اللفظ على الوجه النحوي في الاستعمال القياسي أو السماعي ، حتى لا يهم اللغوي منه هذا الفهم أو ذاك بل يبحث عن ضالته في تكثيف معجمه اللغوي بما يفيده هذا اللفظ أو ذاك .
وهكذا نجد الدلالة الهامشية مجالاً خصباً لمختلف الاجتهادات ، إلا أننا نجدها هنا أكثر تحكماً من قبل البلاغي ، لاستخراجه لها من عدة وجوه واحتمالات ، أي أنه ـ نتيجة لعلاقة تحمسه بالألفاظ أقدر من غيره على توجيه هذه الدلالة تجاه مساره البلاغي .
وسنلقي ضوءا ـ فيما يلي ـ على الفهم المتفاوت لنصوص الالفاظ ، بحسب تخصص المتلقي على الوجه التالي :
أ ـ اللغوي لا يرى بأساً بأن يجد بألفاظ أية واحدة من آيات المثل القرآني حروف المعجم العربي قاطبة ، فيحقق بذلك بغيته في التأكيد على هذا الجانب من الألفاظ ، والآية هي :
( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطه فازره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزّرّاع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين ءامنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيما (29)) (1) .
فهو ينظر إلى هذا النص نظرة جانبية ، ويدور معه حول هامشه غير
____________
(1) الفتح : 29 .
________________________________________
( 62 )

ناظر إلا لحروف الالفاظ ، وكيف قد كونت حروف الهجاء .
ب ـ والنحوي ينظر إلى اللفظ من زاويته من زاويته الخاصة ، فاستعمال ( الذي ) بدل ( الذين ) في قوله تعالى : ( مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً ) (1) يقوم بتوجيه الفراء نحوياً فيقول :
« إنما ضرب المثل للفعل ، لا لأعيان القوم ، وإنما هو مثل للنفاق ، فقال : مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً ، ولم يقل : الذين استوقدوا » (2) فالفراء قد افاد من اللفظ ما يفيده النحوي في التخريجات ووجه علة تصحيح النصوص أداء ، فحمل صيغة العدول عن الجمع إلى المفرد ، على العدول من أعيان المنافقين وهم جمع ، إلى النفاق وهو مفرد ، لأن الحديث منصب على النفاق لا الأشخاص ، أما حينما أراد المثل الحديث عن المنافقين بالذات وهم جمع أشار إليهم بالجمع فقال ( ذهب الله بنورهم ) (3) .
جـ ـ والمنطقي كسابقيه اللغوي والنحوي ، إنما ينظر إلى اللفظ من وجهة نظره المحدد بين التصور والتصديق ، فيستفيد من كلمة « حبة » مضمومة إلى كيفيتها في الإنبات بقوله تعالى :
( كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ... ) (4) بأنه « لا يلزم أن توجد حبة بهذه الصفة . إنما المقصود تصوير زيادة الأجر لا غير ، فإن وجدت صورة توافق المذكور في أكثر الخصوصيات أو كلها كان من قبيل لزوم ما لا يلزم » (5) وقد عقب الطبرسي على السنبلة من نفس الآية ، وعلل تصورها بالفهم نفسه فقال :
« متى قيل : هل رؤي في سنبلة مئة حبة حتى يضرب المثل بها ، فجوابه أن ذلك متصور وإن لم ير ، كقول امرئ القيس :
____________
(1) البقرة : 17 .
(2) ابن ناقيا ، الاجمال في تشبيهات القرآن : 56 .
(3) البقرة : 17 .
(4) البقرة : 261 .
(5) الهلوي ، الفوز الكبير في أصول التفسير : 29 .










رد مع اقتباس