منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - نظرية النقد العربي رؤية قرآنية معاصرة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-11-13, 02:20   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
lakhdarali66
عضو متألق
 
الصورة الرمزية lakhdarali66
 

 

 
الأوسمة
مميزي الأقسام أحسن عضو لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي

( 36 )

ولا يتم نموذج فني باحدهما دون الآخر ... وإذن فلا فارق بين المعنى والصورة أو اللفظ في نموذج أدبي ... ومعنى ذلك أن مادة النموذج الأدبي وصورته لا تفترقان فهما كل واحد . وهو كل يتألف من خصائص جمالية مختلفة ، قد يردها النظر السريع إلى الخارج أو الشكل ، ولكننا إن أنعمنا النظر وجدناها ترد إلى الداخل والمضمون ، فهي تنطوي فيه ، أو قل تنمو فيه ... وإذن فكل ما نلقاه في كتب البلاغة من وصف اللفظ إن تأملنا فيه وجدناه في حقيقته يرد إلى المعنى ، حتى الجناس وجرس الألفاظ ، فضلاً عما توصف به الكلمات من ابتذال أو غرابة . والمضمون بهذا المعنى يتحد مع الشكل ، فهو البناء الأدبي كله وهو الحقائق والأحاسيس النفسية الكامنة فيه » (1) .
وهذه اللقطات مما خطط له شوقي ضيف ، وعزاه إلى أصحاب الفلسفة الجمالية ، يفتح آفاقاً جديدة في مفهوم الصورة الأدبية ودلالتها ، إذ يتخطى بها الشكل إلى المضمون ، فيعتبرها وحدة متماسكة الأجزاء ، متناسقة الأعظاء . والطريف فيه أن يعود بالمحسنات البديعية وأجناس التصنيع على المعنى في خلق الصورة ، ويرتبط بين موسيقية اللفظ وجرس الكلمة وبين إرادة المعنى في بناء الهيكل الأدبي للنص . ومن هنا ـ ويتحدد انطلاقنا مع الصورة الأدبية في أبعادها ـ كان لزاماً علينا أن نبحث بناء القصيدة في شكلها الخارجي باعتباره الإطار التكويني لمادة القصيدة ، ومادة القصيدة باعتبارها المحتوى الذي ازدحمت ـ نتيجة له ـ الأشكال والرسوم الأولية لهيكل القصيدة العام الذي يتبلور به الجمال التخطيطي لها ، بغية أن تكون معالم الرؤية بينة السمات للصورة الأدبية من خلال هذا التلاحم العضوي والاتصال الفعلي بين الصيغة الظاهرية والقيم الكامنة في المعاني التي جسدت حقيقتها الألفاظ .
وقد يبدو هذا بعيداً عن مجال الصورة الأدبية ، باعتبارها الشكل الناطق والمعبر ، ولكن نظرة فاحصة لبناء القصيدة ـ في هذا الشكل الناطق والمعبر ـ تغني عن الأطناب ، وتكفي دلالة في التأكيد أن هذا الشكل نطق
____________
(1) شوقي ضيف ، في النقد الأدبي : 163 ـ 165 .
________________________________________
( 37 )

وعبر بما احتوى من مادة ولم يكن هيكلاً فارغاً عقيم الاصداء ، وإنما استقام سوياً متكاملاً بهذه العلاقة واللحمة الطبيعية بينه وبين المضمون فعاد متجاوب الأجراس .
وامر آخر يقرب من الموضوع ويتابع من خطوه ، هو أن الإيقاع الموسيقي والميزان العروضي ، ليسا من المعاني والألفاظ في شيء فهما خارجان عن هاتين الحقيقتين ، ولكنهما متداخلان معهما ، وملازمان لهما ، ولا ينعدمان في الدلالة على الصورة في القصيدة ، وإن كانا شيئاً والقصيدة في محتواها شيئاً آخر .
والحق أن إدراك هذه العلاقة بين اللفظ والمعنى ، واعتبارهما وحدة متجانسة في دلالتها على الصورة ، يمكن اعتباره امتداداً منطقياً لجزء مهم من رأى الفريق الرابع من فرقاء المعركة .
4 ـ الفريق الرابع : وهذا الفريق يتمثل في عبد القاهر الجرجاني ( ت 471 هـ ) في كتابيه « دلائل الإعجاز » و « أسرار البلاغة » فقد هذب عبد القاهر من المفاهيم المرتجلة لدلالة الألفاظ والمعارف وأقامها على أصل لغوي وعلمي رصين ، وأدرك مسبقاً سر العلاقة القائمة بين اللفظ والمعنى ، ورفض القول بإيثار أحدهما على الآخر ، واعتبرهما بما لهما من مميزات وخصائص واسطة تكشف عن الصورة ، فقال بالنظم تارة ، وبالتأليف تارة أخرى ، مما لم يوفق إليه الفرقاء في النزاع ، والملاحظة عنده أن النظم عبارة عن العلاقة بين الالفاظ والمعاني ، وأنها تناسقت دلالتها وتلاقت معانيها على الوجه الذي اقتضاه العقل (1) .
وقد يخيل للبعض أن عبد القاهر من أنصار المعنى دون اللفظ نظراً لتهجمه على القائلين بأولوية اللفظ ، وليست الألفاظ عنده « إلا خدم المعاني » (2) ، ولكن عبد القاهر يشن هذه الحملات ، ويصول ويجول في قلمه وما يضربه من أمثلة وشواهد ، وما يقرره من قواعد ، لا انتصاراً للمعنى ، وإنما هو تفنيد لآراء القوم وتدليل على مفهوم الصورة عنده
____________
(1) الجرجاني ، دلائل الإعجاز : 40 .
(2) المصدر نفسه ، وأسرار البلاغة : 5 .
________________________________________
( 38 )

بالنظم ، ولا نظم في الكلم وترتيب حتى يعلق بعضها ببعض ، ويبنى بعضها على بعض ، وتجعل هذه بسبب من تلك » (1) .
ويعود عبد القاهر بالنظم إلى أصل قائم على أساس من علم النحو ، وطبيعي أن النحو يعني ببناء الكلمة وإعرابها ، ومعرفة هذه الصيغة ـ وإن كانت منصبة على اللفظ ـ فإنها ترتبط بمعنى اللفظ في وضعه بمكانه من المعنى المراد ، لأن المعاني لا يحل إبهامها ما لم يقصد إليها من خلال الألفاظ ، والألفاظ لا يفهم مؤداها مالم تضبط صياغة وتصريفاً ونحواً بناء وإعراباً على حد سواء ، وهما متعاونان معاً على كشف العلاقة التي عبر عنها بالنظم و « ليس النظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه على النحو ، وتعمل على قوانينه وأصوله ، وتعرف منهاجه التي نهجت فلا تزيغ عنها ، وتحفظ الرسوم التي رسمت لك فلا تخل بشيء » (2) متخذاً بالإضافة إلى هذا التشبيه والمجاز والاستعارة مضماراً لشرح آرائه ، وميداناً لاستدراكاته على أصحاب اللفظ ، وأن النظر إلى هذه المقومات اللفظية بأقسامها وأنواعها لا يعود لألفاظها فحسب ، وإنما للمعاني وما تضفيه على الألفاظ مما يكون حسن النظام وجوده التأليف ، وهو العلاقة المترتبة على فهم القسيمين اللفظ والمعنى (3) .
وحقاً إنك لتجد عبد لقاهر قوي الحجة ، عجيب المناظرة ، في جولته النقدية هذه ، فلا تكاد تنتهي من فصل سفرية حتى تقع في فصل مثله ، يزيدك سخرية بأولئك جرحاً وتقويماً ، وإرجاعاً بآرائهم إلى ما اعتادوه دون روية وتمييز من شغف بالبديع وتعلق بالصناعة ، حتى ليصعب فهم ما يقصدون من الكلام ، فالسامع يخبط في عشواء ، من كثرة التكلف وشدة التمحل ، وهو يقرر هذا المعنى بقوله : إن في كلام المتأخرين كلاماً حمل صاحبه فرط شغفه بأمور ترجع إلى ما له اسم في البديع ، إلى أن ينسى أنه يتكلم ليفهم ، ويقول ليبين ، ويخيل إليه أنه إذا جمع بين أقسام البديع في
____________
(1) دلائل الإعجاز : 43 .
(2) المصدر نفسه : 61 .
(3) الجرجاني ، أسرار البلاغة : 6 .
________________________________________
( 39 )

بيت فلا ضير أن يقع ما عناه في عمياء ، وأن يوقع السامع من طلبه خبط عشواء ، وربما طمس بكثرة ما يتكلفه على المعنى وأفسده كمن يثقل العروس بأصناف الحلي حتى ينالها من ذلك مكروه في نفسهم .
والحملة على المحسنات البديعية لا تقلل من أهمية اللفظ ، ومنزلته في تقويم المعنى ، ولكن الإغراق بأصناف البديع يجعل اللفظ فارغاً إلا من جمال الهيئة الذي قد يعود وبالاً على اللفظ ، كما تعود أشتات الحلي ثقلاً على الحسناء يوردها التلف .
ومن خلال ما تقدم تتضح أبعاد المعركة النقدية بين اللفظ والمعنى ، وقد تجلى فيها أن الجاحظ والعسكري معنيان بحسن الصياغة وجزالة الألفاظ وقد عللنا هذا الرأي بصدوره عن دوافع نفسية وسياسية وقومية ، انتهت بأناقة اللفظ وجرس الكلمة .
ولا حظنا بعد ذلك المقاييس النقدية عند ابن قتيبة بإرجاعها القيمة الفنية إلى القسيمين اللفظ والمعنى ، واتفقنا معه في أصل الحكم والموضوع وناقشنا عن صحة تطبيقه لهذا الحكم .
ووقفنا عند رأي ابن رشيق في عدم الفصل بين اللفظ والمعنى وتكوينهما للوحدة الفنية في أي نموذج أدبي ، وصاحبنا سيرورة هذا الرأي عند القدامى والمحدثين الغربيين والعرب ، واستأنسنا بآراء ثلاثة من النقاد العرب : الشايب وطبانة وضيف ، ووقفنا مع الأخير وقفة المقوم لرأيه والقائل بتفصيله ورسمنا من خلال ذلك انطلاقنا في تحديد أبعاد القضية ، ثم عرضنا لرأي عبد القاهر ، واختتمنا الموضوع بلقطات من كلامه وشذرات من تحقيقاته ، ورأينا أن له الفضل في كشف العلاقة بين اللفظ والمعنى بما لهما من مميزات متنافرة ، وانتهينا عنده بالتعبير بالنظم وحسن التاليف عن الصورة الأدبية .










رد مع اقتباس