منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - نظرية النقد العربي رؤية قرآنية معاصرة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-11-13, 02:16   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
lakhdarali66
عضو متألق
 
الصورة الرمزية lakhdarali66
 

 

 
الأوسمة
مميزي الأقسام أحسن عضو لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي



الصورة يكاد ينتقل بنا من المجال الأدبي إلى التدقيق الفلسفي ، فلا يعلم ماذا يراد منه بالضبط ـ هل يراد بالمنهج طريقة العرض والأسلوب ، أو مجموعة العلاقات الاستعارية في النص ؟ وما هي طبيعة هذه الحقائق التي تبينها الصورة ؟ أحقيقة اللفظ ، أم المعنى ، أم الحس ، أم العلاقة القائمة بين الجميع (1) .
ويرى الدكتور جابر أحمد عصفور أن الصورة « طريقة خاصة من طرق التعبير ، أو وجه من أوجه الدلالة ، تنحصر أهميتها فيما تحدثه في معنى من المعاني من خصوصية وتأثير . ولكن أياً كانت هذه الخصوصية أو ذاك التأثير ، فإن الصورة لن تغير من طبيعة المعنى في ذاته . إنها لا تغير إلا من طريقة عرضه ، وكيفية تقديمه » (2) .
فالصورة عنده عرض أسلوبي يحافظ على سلامة النص من التشويه ، ويقدم المعنى بتعبير رتيب ، وهي بعد طريقة لاستحداث خصوصية التأثير في ذهن المتلقي بمختلف وجوه الدلالة التي يستقيها من النص في منهج تقديمه ، وكيفية تلقيه ، وما يحدثه ذلك عنده من متعة ذهنية ، أو تصور تخييلي نتيجة لهذا الغرض السليم .
____________
(1) المؤلف ، الصورة الأدبية في الشعر الأموي : 18 .
(2) جابر أحمد عصفور ، الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي : 392 .


4 ـ مقارنة وتحديد
وخلاصة ما تقدم من جولتي مع القدامى والمحدثين من النقاد ، أكاد أخرج بنتيجة تمليها المقارنة بين النصوص هي : ـ
أ ـ إن النقاد القدامى لم ينهضوا بمفهوم الصورة إلى المجال الاصطلاحي الدقيق ، ولم يخرجوا بها عن مدلولها اللغوي ، ولم يتبلور عندهم بعدها النقدي الأصيل باستثناء عبد القاهر الذي ابتدع لنا في استعمال الصورة دلالة اصطلاحية جديدة ، فكان ما أعطاه ـ وحده ـ جديراً بتحديد الاصطلاح في خطوطه الاولى . ولا يعطينا ذلك استعمال الجاحظ لها ، وقدامة ، والعسكري ، وابن الأثير ، لأمرين مهمين هما :
الأول : أن كل مصطلح مهما كان عريقاً في القدم فإنه لا يأخذ من قدمه هذا صيغة نهائية ، ولا بد له من الصقل والتطوير والتهذيب ، وذلك لتقلب الرواد عليه ، وتمحيصهم له ، وتفريعهم عن أصوله حتى يصل إلى حد التكامل . والصورة إحدى هذه المصطلحات في تكوينها البدائي وقد كان صقلها وبلورتها مما انفرد به عبد القاهر دون سواه ، وقد كان بهذا الصقل والتهذيب موضع تأثير كبير في نظريات النقاد المحدثين من العرب والغربيين والمستشرقين (1) .
الثاني : إن القدامى في معركتهم البلاغية لم يفرغوا من التفريق أو التوفيق بين اللفظ والمعنى ، أو الشكل والمضمون ، أو الصورة والمادة ، للوصول إلى مقياس فني يعتمد عليه في التمييز بين أساليب الكلام الجمالية ، وفي الرجوع بذلك المقياس إلى الصيغة والتركيب ، أو إلى المادة
____________
(1) ظ : في تفصيل ذلك : المؤلف ، الصورة الأدبية في الشعر الأموي : 28 ـ 31 .


والمضمون ، أو لهما معاً ، مما جعل عبد القاهر يرفض التطرف في الرأيين وينفرد بإدراك العلاقة القائمة بين الشكل والمحتوى ، فيعود بذلك إلى ما أسماه بالنظم تارة ، وبالتأليف تارة أخرى (1) ، وهو لا يريد بهذا إلا الصورة الفنية في كثير من حدود صيغتها الاصطلاحية وليستدل من بعد هذا على أن الصورة غير منفردة دون فن ، وإنما تشمل فنون القول بعامة ، أي إنها لا تنطبق على الشعر فحسب بل تتعداه إلى العمل الأدبي بشقيه ، إذا توافقت أصوله ، وحسن تأليفه وتناسب نظمه ، وبذلك تستوعب الصورة صنوف البيان ، بدليل إخضاع مفهومها عنده لآيات القرآن الكريم ، وإثبات إعجازه ، كما هو واضح لمن استقرأ دلائل الإعجاز ، وأسرار البلاغة . فعبد القاهر الجرجاني أول منظر لمصطلح الصورة ، وأول قائل بها .
وعليه فالصورة الفنية جزء لا يتجزأ من حضارة الأمة العربية في القرنين الرابع والخامس قبل الهجرة ، قبل أن تستحدث دلالتها المعاصرة عند الأوروبيين بعدة قرون .
ب ـ إن مصطلح الصورة عند النقاد المحدثين لا سيما الأوروبيين ممن عرضنا لآرائهم وتعاريفهم قد بدا متأرجحاً بين مداليل لا التقاء بين أكثرها وقد يتخلل تعبيرها الغموض وعدم التحديد ، وألفاظها وإن كانت لا تخلو من طرافة ونعومة إلا أنها عاجزة عن تحديد المصطلح تحديداً علمياً ، فالضلال ، والألوان ، والحركة ، والحس ، والرسم ، والمشهد ، والعشوى ، الكائن ، والحي ، والإيحاء ، والشحن ، والعاطفة ، والفكرة ، وفوق المنطق .. كل أولئك من الكلمات التي حشرت لتفسير معنى الصورة ، ولا يتم معها الضبط العلمي ، ولا يعلم المراد منها على وجه التحقيق ، إلا إنها تحوم حول المصطلح ولا تفصح عنه .
ولعل أقرب التعاريف وجهاً ـ فيما يبدو لي ـ وهو تعريف الأستاذ أحمد الشايب ، وأن استنبطه عن الشكل والمضمون ، وبحث عن العنصر الثالث المفقود واعتبره الصورة .
ولا شك أن تعريف الدكتور داود سلوم للصورة امتداد طبيعي لنظرية
____________
(1) الجرجاني : أسرار البلاغة : 7 .


الامام عبد القاهر الجرجاني ، وعصري يجمع بين الدلالتين اللفظة والمعنوية في مدى تلاؤمها بتصور ذهني .
ولعل أحدث مقياس لدلالتها ما أكده الدكتور جابر أحمد عصفور باعتبارها طريقة من طرق التعبير الذي تحدث في المعنى ميزة ، وتكسبه طابعاً تأثيرياً في منهج أسلوبه عند تقديم العمل الأدبي ، إلا أنه بهذا يلصقها بالمعنى دون النظر لأهمية الشكل ، ولعله بذلك يفصل بين اللفظ والمعنى ، أو اللغة والفكرة ، قصد لذلك أو لم يقصد .
فالصورة ـ كما تبدو لي من خلال هذه المقارنة ـ عبارة عن العلاقة القائمة بين اللفظ والمعنى في نص أدبي ، والحصيلة عن اقترانهما ، فهي غيرهما منفصلين ، وهي امتداد لهما مجتمعين ، فليست هي اللفظ بمفرده شكلاً فارغاً رناناً ، ولا المعنى بذاته مضموناً ذهنياً مجرداً ، ولكنها الخصائص المشتركة بينهما ، والتي تتقوم بها شخصية النص الأدبي ، وتتميز عن غيرها من النصوص بما تحمله من أحاسيس وانفعالات قد لا يوحي ظاهر اللفظ ، ولا يحققها مجرد المعنى ، ولكنها مزيج بين دلائل اللفظ ، وإيحائية المعنى في تحقيق نموذج أدبي ، أو تمييز نص عن نص ، بما تضفيه صياغة الشكل في علاقاته الاستعارية ، وما تمليه خصائص المعنى في تأثيره وأحاسيسه .
أو هي ـ بإيجاز ـ مجموعة العلاقات اللغوية والبيانية والإيحائية القائمة بين اللفظ والمعنى ، أو الشكل والمضمون .
وعلى هذا فالصورة أداة فنية لاستيعاب أبعاد الشكل والمضمون بما لهما من مميزات . وما بينهما من وشائج تجعل الفصل بينهما مستحيلاً .
فالصورة ـ إذن ـ وحدة لا تنفصم ، ذات طرفين : إطار ومادة ، ولا يتقوم الجهد الأدبي إلا بلحاظ طرفيه ، ولا يتم تفسيره إلا بمواجهتهما معاً ، وإلا فالنتاج الأدبي عمل جاف لا ينبض بالحس ، ولا يتسم بالحياة ، والجفاف لا يكون أثراً صالحاً في مقياس فني .

يتبع =









رد مع اقتباس