منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - أكذوبة القعقاع بن عمرو التميمي
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-10-03, 17:40   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
سامح عسكر
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية سامح عسكر
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

في المحصلة أجد أمامي رواية تاريخية دون رؤية توضح مقدماتها وكيف وأين نشأت بوضوح..حتى تاريخ وفاتها قيل في العام 40 هجرية وهذا يتعارض مع كونه صحابي -مشكوك فيه- حسب من أنكر وجوده"كصحابي"...حتى أن الروايات عنه في أكثرها تبدأ بكلمة.."قيل"....وعليه فكان ذكر النتيجة دون السبب وهو إخلال واضح بتجريد شخصية لإثبات وجودها....

وهنا أو أن أقف وقفة.. أولاً: سيف بن عمر ساقط الرواية وسلوك الاختلاق مُحتمل منه "عقليا" ..ثانياً:أن شخصية القعقاع ليست شخصية مجهولة كي تندثر لدي الرواة المعاصرين لزمن الفتنة بهذا الشكل..أكيد لو كانت موجودة لجاء إلينا خبرها بأكثر من طريق غير سيف بن عمر التميمي..هذه شخصية صُنع عنها مسلسل درامي كامل ..يعني -وحسب العُرف الإنساني -أن الروايات الناقلة لها ولأخبارها كثيرة وكثيرة جدا..لدرجة أنها قد تتجاوز عدد الروايات الناقلة لبعض الصحابة الثابت وجودهم ولا نزاع فيهم...حتى أن ملامح الشخصية نفسها وبواسطة الرؤية التاريخية تستشف منها بطولة غير عادية..وأنها تعدّت كونها شخصية هامشية أو صحابي غير معروف أو حتى تابعي مجهول...أنت أمام قائد معركة تنافس في البطولة مع صحابة أفذاذ كخالد بن الوليد..بل وتعدي بطولته في كثير الروايات الناقلة لآثاره..

منطقيا.. شخصية بهذا المستوي من الشُهرة فلابد من ذكرها أو حتى تواتر أخبارها..وعدم الاكتفاء بذكرها تاريخيا..بل ستُذكر أيضا حديثياً..إذاً هناك منطقة مُظلمة تجعل الفرد منا وهو يقرأ عنها يقعد في حيرة..من هذا المُدخل أري أهمية سلوك الرؤية التاريخية كبديل ولو مؤقت عن الرواية والتي وحتى الآن عجزنا عن وصلها بزمن المتقدمين..

عرضنا هذه الرؤية على المخالف مستشكلاً انفراد سيف بن عمر"الكذاب" في الرواية عن القعقاع.. فقال.." ما كتبه علماء المسلمين قبل سيف بن عمر مما يخص السيرة وأحداث التاريخ الإسلامي الأولى في حكم المفقود والنادر"..وحسب هذا الكلام فالمخالف يقر بأنه لا يوجد دليل يوثق أحداث القعقاع من غير طريق سيف بن عمر، ولكن عزا عدم التوثيق لاندثار وفقدان الأصول التاريخية التي توثق تلك الحقبة..والرد على هذا الادعاء أنه لو كان ذلك يصلح تبريراً فلماذا لم نحمله على كافة الصحابة وأن اندثار وفقدان الأدلة لن يصيب القعقاع بمفرده بل سيطال شخصيات أخرى مؤثرة..

ولكن بعد البحث أكثر تبين أن هناك طريقاً آخر يوثق القعقاع من غير طريق سيف وهو رواية ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق ص 109 وقصر الأمل ص 182 إذ يقول فيها "حدثنا سوار بن عبد الله نا مرحوم بن عبد العزيز نا القعقاع بن عمرو قال : صعد الأحنف بن قيس فوق بيته فأشرف على جاره فقال سوءة سوءة دخلت على جاري بغير إذن لا صعدت فوق هذا البيت أبدا " انتهى...وهذا سند صحيح متصل يثبت وجود القعقاع وصحة روايته-حسب كلام المخالف.

وسنرد على ذلك من وجهين..

الأول: هذا الطريق يُثبت وجود القعقاع بن عمرو من طريق ابن أبي الدنيا عن عبدالله بن سوار عن مرحوم..وهذا طريق عن غير سيف بن عمر ولكنه لم يكن قبل سيف بن عمر بل بعده..وفاة سيف بن عمر التميمي 180 هـ..ووفاة ابن أبي الدنيا 281 هـ..أي بعد وفاة سيف بن عمر بحوالي 100 عام..والسؤال الأبرز كان عن إمكانية الكشف عن ذكر القعقاع قبل زمن سيف وهذا غير موجود.

الثاني: أن سند ابن أبي الدنيا مقطوع لأن مرحوم بن عبدالعزيز والذي من المفترض أنه نقل عن القعقاع عاش في القرن الثاني الهجري بينما -وحسب ترجمة القعقاع- فقد توفي في العام 40 هجرية..وهذا يعني أن السند مقطوع..علاوة علي كون أبي الدنيا جاء بعد زمن سيف..وما دام ذكر مغازي القرنين الأول والثاني ليس متاحا إلا من سيف فهذا يُعزز من توقعي بأن توثيق الذهبي وابن حجر لسيف بن عمر "كمؤرخ" كان لهذا السبب ألا وهو انعدام آثار تلك الحقبة إلا من طريق سيف..وإلا ذكر الحافظين ذكرا في سيف والقعقاع من غير سيف ولو عزواً أو بلاغا.

حتى الآن تبقي الإشكالية كبيرة..أنه لو فرضنا صحة ما ذهب الكثير بعض المحدثين –كالشيخ أبي إسحاق الحويني السلفي الذي قال بأنه لا يوجد صحابي بهذا الإسم-..فهذا يعني أن تاريخ الوفاة الوارد في الترجمة غير صحيح وإلا كان صحابياً..وحتى الآن لم يُثبت له صُحبة أو حياة في زمن الخلفاء الراشدين والفتنة..وعليه فاختلاق الشخصية وارد من جِهة كون وجوده محتملاً في زمن متأخر كتابعي ثم وبحكم كذب سيف بن عمر نسب سيف للرجل بطولات وهمية قد يكون قد وضعه محل بطولات خالد ابن الوليد كما ذكر المؤرخ المدائني خالد في موضع.. ذكر محله الطبري عن سيف القعقاع..

مسألة اختلاق الشخصيات مقبولة عقليا وعلميا..فالتاريخ في الماضي كتُب علي هوى السلطان..ودول مستبدة كالأموية والعبيدية والصفوية..فاق استبدادها السياسة بل تعدي إلي الدين..هذا مؤثر عظيم علي المؤرخ والراوي..حتى اختلاق المكان أيضا جائز عقليا وعلميا..قصة أصحاب الكهف وما روي في تفاسير المسلمين وما توافق بين التفاسير الإسلامية وعقائد المسيحيين حول أسطورة النُوّام السبعة خير مثال..حيث اختلقوا كهفا في أوروبا الشرقية علي أنه الصحيح وهو مكان الحدث..ثم اتضح علمياً أنها كانت أسطورة متداولة من أيام أرسطو أي قبل زمن المسيح..وقد كانت مُدخلا كبيرا للطعن في القرآن لولا سلوك الباحثين بإعادة النظر في القصة بمنظور غير منظور المفسرين واتضح أن الكهف ليس في أوروبا بل في الأردن..وأن القرية التي كان فيها أصحاب الكهف المؤمنين كانت يهودية وليست رومانية وأصحاب الكهف أنفسهم كانوا مسيحيين موحدين..وهذا يُثبت المنهجية التاريخية الضعيفة التي تعاملنا بها مع التاريخ....

الشاهد أن التاريخ يلزمه وصل ثقة -علي الأقل لإثبات الوجود وإلا وقعنا ضحية للتصيد الغير النزيه..مؤرخ متهم بالزندقة يروي تاريخ المسلمين ويُتهم باختلاق شخصيات عجزنا عن إثباتها..هذا تاريخ مسلمين ويجب تحري البحث فيه بدقة..ولو أعملنا قواعد الحديث في التاريخ لكان لدينا رصيد تاريخي أكثر دقة..ولكن التساهل فيه هو ما جلب علينا هذه النكسات..لذلك اعترضت علي منهجية توثيق بعض المؤرخين وإن كانوا ضعفاء وكذابين في الحديث ومن أمثالهم الراوي الذي نحن بصدده المسمى "بسيف بن عمر التميمي" فقد وثقه بعض الفقهاء والمحدثين "فقط كمؤرخ" والسبب كما أسلفت أنه يعد هو الراوي الوحيد صاحب النصيب الأكبر من روايات الفتنة وما عقب وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم..

أيضاً لدحض أي شبهات تعتري ما وصل إليه البحث وجب علينا للتقريب أن نضرب الأمثلة من الواقع كي تكون الرؤية أكثر وضوحاً بسؤال أو أكثر قاضٍ حاكم..سنسأل سؤال وعلى أي مخالف الإجابة عليه بوضوح.." هناك رجلين الأول عاش في القرن التاسع عشر..والثاني عاش في القرن الحادي والعشرين...ادعى الثاني–كأول شخص يدعي ذلك- أن هناك شخصا يسمي القعقاع بن عمرو معاصرا للأول في القرن التاسع عشر..وكان صاحب بطولات وسجايا قويمة..وزعم له مواقف مع أصحاب الأول...بينما عُرف عن الثاني وثاقته كمؤرخ..ولم يُوثّق كراوي للحديث...سمع الناس من الثاني بطولات عن القعقاع..فهل للناس أن يصدقوه بدون الرجوع لمعاصري الأول بطُرق نقل صحيحة..أم يكتفوا بحكايات الرجل ويصدقونها لأنهم يُحسنون الظن بالثاني أو أنهم يوثقونه كمؤرخ"...انتهى..

إن الإجابة على هذا السؤال ستضع المشرط في الجرح قولاً إما لعلاجه أو لإيذائه ، فالباحث في التاريخ يجب أن يتجرد من أي مرجعية مذهبية أو خلفية أيدلوجية تمنعه من الحياد..وأصل السلوك الإنساني حين البحث في التاريخ هو الحياد والموضوعية وعدم مهابة الأفراد..فنحن لا نعلم وإلي الآن ظروف من أثبتوا حقيقة وجود هذه الشخصية...أو حتى من وثقوا ناقلها تاريخيا..وبينما كذبوه حديثياً وثقوه تاريخياً ومن هنا يأتي التناقض بانتفاء الصدق عن المضمون..

أيضاً فهناك من خاض في قضية "القعقاع بن عمرو التميمي" ومنهم الشيخ حسن بن فرحان المالكي وقد فصل القضية بمقالات مترابطة ضمن أجزاء أطلق عليها.."القعقاع بن عمرو حقيقة أم أسطورة"..وقد اطلعت علي الكتاب وقرأته من بدايته لنهايته والحُجج فيه قوية وجميعها أدلة من التراث السني دون غيره..هناك من رد علي المالكي وأشهرهم د . سليمان بن حمد العودة في كتابه .." الإنقاذ من دعاوى الإنقاذ من التاريخ الإسلامي ".. وقرأت مساجلات ثنائية وردت ضمن سياق صحفي وثقته الصحف السعودية تحت عنوان.." آراء وأصداء حول عبد الله بن سبأ و روايات سيف في الصحف السعودية "....كان حوارا ممتعا، تارة يهدأ وتارة أخري يشتد،ولكن في النهاية كان حوارا ماتعا فصّل المسألة بشكل أكثر حِرفية..

هناك من صنع بحوثاً حول الراوي"سيف بن عمر التميمي" وحاول توثيقه كمؤرخ ثم بدا للقارئ أن هناك بحثاً لم يقف فقط عند توثيق سيف مؤرخاً بل تعداه البحث إلى توثيقه كراوي حديث، وهذا يخالف "إجماع" أئمة الجرح والتعديل. ...كمثال ما صنعه الباحث الكريم الدكتور أحمد معبد في العمل على توثيق سيف تاريخياً فإذا به الحال يصل لتوثيقه حديثياً!!!..ووصل إلى نتيجة مفادها ما يلي.." ما يرويه سيف من الأحاديث النبوية يعتبر ضعيفا بسبب ضعف ضبطه للروايات الحديثية، لانشغاله بالتاريخ، لكنه ضعف قابل للانجبار بما يعضده من متابع أو شاهد كما هو معروف، وذلك إذا لم يكن في الحديث علة أخرى من جهة غيره، كحديث معلموا صبيانكم.. أما رواياته التاريخية فإنه يحتج بها فيما ينفرد به لاعتنائه بضبطها ومعرفتها كما تقدم، وذلك إذا لم يخالف أرجح منه، أو توجد علة أخرى من جهة غيره."انتهى

قلت: أستغرب تبرير الباحث للضعف الحديثي لسيف بعلة انشغاله بالتاريخ..نتيجة دون مقدمات منطقية وإلا جاز لنا -هو راوي ضعيف قابل للانجبار كما يقول..أن لا يحتج بروايته التاريخية لانشغاله بالحديث-منطق معكوس...فالحديث في مضمونه تاريخ ..صحيح البخاري نفسه تاريخ..والرواية إن لم تُنقل بحِرفية وأمانة تساوى مقدار الأمانة والصدق بمعيار الذات وصلاحها أو أهليتها فلا حجة لها..فهذا التبرير السَمِج-وسامحوني على اللفظ فلم أجد غيره لوصف هذا الفعل-يُوجه إليه سؤالاً حاسماً..والسؤال هو كيف عرف ذلك؟!!..ولماذا لا نفترض العكس؟؟!..بكل بساطة إن ما فعله الباحث هو تحكمٌ بلا دليل..حتى طريقة توثيقه لسيف بن عمر ستصل بالرجل حتما لمرتبة لم يصل إليها عند الحُفاظ...وهذا دفاع غير منضبط عن شئ مجهول..وما كان رصدنا لدافعه إلا توثيق لخلفيته التي يتحدث من خلالها.

لكن الباحث نفسه يجيب علي هذا الغبش بقوله في مقدمة بحثه.." "وقد ألف سيف في التاريخ الإسلامي كتابين اشتهرت نسبتهما إليه وهما: كتاب الردة وكتاب الفتوح وموضوع الكتابين كما ترى حساس للغاية، لتعلقه بمرحلتين من أدق وأصعب مراحل تاريخ المسلمين"..انتهى

قلت: هذه هي مرجعية الباحث في بحثه..حساسية المرحلة ودقتها وصعوبتها..إذاً أستنتج أن ذلك هو دافعه من وراء البحث..وبالتالي ليس غريبا أن يقع في الخطأ المنطقي السابق هكذا دون وعي..أيضاً فالباحث يُقر بحِجّية سيف التاريخية ولكنه يربطها بعدم مخالفة الأرجح أو وجود علة أخري من جهة غيره..وهذا يبطل الاستدلال به في قضية "وجود" القعقاع..لأن الأرجح ثابت وهو عدمية ذكر هذه الشخصية من أي مصدر خلافاً لذلك الراوي..والعلة الأخرى المذكورة هي ذاتها ما ثَبُتَ رُجحانه..

أخيراً فالبحث في القضية لن يتجاوز حدود البحث عن شئ مجهول، هذا لأننا نتعامل –في الأصل- مع نصوص ميتة بحاجة للدفاع عنها من أصحابها –وهذا مُحال-لذلك وَجب تحكيم العقل لتجريد المسألة وإعطائها لبوساً منطقياً يصلح لكي يكون دليلاً شرعياً أو تاريخياً، فالمسألة تاريخية بحتة ولكن لها أفرع وذيول تتعداها لأحكام وفقه المذاهب..نعم هذا صحيح..فسقوط رواية"سيف بن عمر" تاريخياً يعني أن الشخصية الثانية التي انحصرت روايتها عنده هي الأخرى مشكوك في صحة وجودها..هذه الشخصية هي"عبدالله بن سبأ اليهودي"..لننظر إذاً لكم المتناقضات والخلافات والأسئلة التي لم توجد لها إجابات..هذا كي نقف على رؤية كاملة الأركان نستطيع بها الوقوف على حقائق التاريخ .









رد مع اقتباس