منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - اربعة مواضيع جميع الاساتذة يتوقعونها
عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-05-19, 13:32   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
عمرو2009
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

هل يمكن تصور أفكار خارج اطار اللغة ؟
إن الانسان اجتماعي بطبعه يسعى للتواصل مع الاخرين موظفا في ذلك اللغة ، والتي عرفها لالاند : بأنها كل نسق من الاشارات يمكن ان يستعمل للتواصل . ويعرفها آخرون بأنها تلك القابلية التي يتوفر عليها الانسان لاختراع الرموز بكيفية متعمدة . و لما كانت اللغة من بين المواضيع التي اهتم بدراستها الفلاسفة و المفكرين خاصة فيما يتعلق بعلاقتها بالفكر بإعتباره مجموعة من المعاني و التصورات الذهنية الباطنية فهو نشاط ذاتي يعكس شخصية الفرد . و لهذا اعتبره البعض منهم جوهر مستقل عنها . الامر الذي لم يؤيده البعض الآخر معتبرين أن الفكر مرتبط باللغة و متصل بها ولا يمكن تصور وجود له دونها ومن هنا نتسائل : هل يمكن أن توجد أفكار خارج اطار اللغة ، و هل اللغة تعجز عن التعبير عن كامل الفكر ؟
يرى بعض الفلاسفة و المفكرين أن العلاقة بين اللغة والفكر علاقة انفصال و يمثل هذا الاتجاه معظم الفلاسفة الحدسيين أمثالهنري برغسون 1859-1941 الذي يؤكد أن عدم التناسب بين مانملكه من افكار و ما نملكه من الفاظ يعود الى عدة اسباب منها : ان الفكر متقدم عن اللغة كونها رموزا اصطلاحية اجتماعية في حين ان التفكير يتسم بالخاصية الداتية ، فهو انعكاس لشخصية الفرد ، ولما كان التبليغ ضروريا لقيام المجتمع فإن الفرد يضطر إلى سبك افكاره في قوالب اجتماعية ومن ثمة يفقدها حرارتها و اصالتها . ثم ان الالفاظ جامدة وثابتة إذا قيست بتطور المعاني وعلى هذا يصعب التعبير عن الحياة الفكرية الباطنية لأن عالم الافكار متصل أما عالم الالفاظ فهو منفصل . فاللغة أداة تواصل لا تخرج عن كونها الفاظ عادية ساكنة تقف عائقا في وجه الفكر . وقد حاول برغسون اظهار مساوئ اللغة في عدة كتب بأسلوب جذاب و هو القائل في هذا الشأن : * إن الالفاظ لا تسجل من الشيء سوى وظيفته الاكثر شيوعا وسذاجة *. أي ان اللغة تصور الشيء بما ليس هو و لا تقف من العواطف اللطيفة الا وقوفا خارجيا سطحيا، وهذا العجز دفع برجال الفن و الادب الرومانسيين الى التعبير عن خواطرهم بدقة من خلال الرسم و الموسيقى و الرقص ... و هذا ما يؤكد ان اللغة تشوه الفكر أحيانا . و كما يحلوا للرومانسيين القول:* ما أرخص الحب إذا أصبح كلمات *. فاللغة تعجز عن نقل مشاعرنا و تضعف امام حرارة عواطفنا .
إن التجربة السيكولوجية التي يعيشها الفرد أغنى و أوسع من أن تقتنصها اللغة ، إنه يدرك ما لا يدركه العامة و هو الذي يسعى الى ابراز ماهو خاص ، لأن الفكر بمثابة قاموس انساني يحمل الكثير من الذكريات و العواطف التي يخرجها بعبارات و اشارات ، فاللغة ماهي الا وسيلة يقودها الفكر ، فهي تعكس ما يدور فيه و لا تصنعه ، بل هو { الفكر } الذي يصنع منها القوالب المناسبة لمعانيه ، لهذا يقول فاليري1871-1945: * أجمل الافكار هي التي لا نستطيع التعبير عنها *.فالفكر قائد الاشارات كما هو الشأن في المكتشفات العلميية و قدرة الانسان على خلق اكثر المعاني تجريدا كما يحدث في عالم الرياضيات و هذا يؤكد استقلالية اللغة و تبعيتها للفكر ، كما تؤكدها اسبقية فهم اللغة عند الطفل على استخدامها . فالألفاظ منفصلة و محدودة بينما المعاني مبسوطة و ممدودة .
لكن هذا الوضع يضعنا امام تساءل حاد : فإذا كان الفكر يتميز عن اللغة بالشمول فهل نملك بديلا آخر عن اللغة . وهل يمكن استبدالها بوسيلة أخرى ؟ إن أي محاولة من هذا القبيل تبدوا فاشلة و لهذا نحكم على هؤولاء انهم بالغوا في موقفهم هذا عندما ميزوا و فصلوا بين اللغة و الفكر ، فإذا كان الفكر سابق عن اللغة من الناحية المنطقية فهو ليس سابق عنها من الناحية الزمانية . بدليل ان الانسان يشعربأنه يفكر و يتكلم في نفس الوقت . كما انهم بالغوا في تمجيد الفكر الامر الذي جعله نشاطا اخرس . و قللوا من اهمية اللغة . و الواقع يثبت ان التفكير لايتم بدون لغة . فبدون هذه الاخيرة يبقى مجرد شعور باطني لا معنى له . لهذا فالمشكلة ليست في اللغة و إنما في الشخص الذي يملك ثروةلغوية للتعبير عن أفكاره . بدليل ان المعنى الواحد قد نعبر عنه بعدة كلمات . و إذا كانت حياة الانسان قد تغيرت فذلك يرجع الى اللغة ، فالازدهار في المجال الفكري يكون دائما مصحوبا بالازدهار في المجال اللغوي . و هذا ماعبر عنه كوندياك في قوله :* نحن لا نفكر بصورة حسنة او سيئة الا لأن لغتنا مصنوعة صناعة حسنة أو سيئة * و عليه لا بد من استخدام الالفاظ استخداما مظبوطا و جيدا .
يرى بعض الفلاسفة و المفكرين أمثال هيجل و هاميلتون و ماكس مولر . أن العلاقة بين اللغة و الفكر هي علاقة إتصال ، فهما شيء واحد لا يمكن أن نضع حدا فاصلا بينهما ، ولا يمكن ان توجد افكار خارج اطار اللغة ،و هذه الاخيرة لا تعجز عن التعبير عن كامل الفكر .معتمدين على المسلمة القائلة : ان اللغة ملتحمة بالفكر و أن الكلام و الفكر ليس سوى مظهرين لعملية نفسية واحدة ، فالمعنى يؤخد من العبارة و العبارة لا توجد خارج المعنى ، ولولا اللغة لما كان للفكر وجود وهذا يعني أن اللغة هي عين الفكر لقول احد الفلاسفة :* ليس ماندعوه فكرا الا وجه من وجهتي القطعة النقدية*. وهذا منطق ينطوي على مبررات أهمها : ان الانسان لا يفكر بمعزل عن اللغة ، فحتى و ان لم يكن يتكلم بصوت مرتفع فهو يخاطب نفسه في صمت ، وهذا دلالة على تطابق اللغة مع الفكر كما يقر علماء النفس ان الطفل يكتسب المعاني بإكتساب الالفاظ أي ان الارتقاء الفكري يطابق نظامه اللغوي . فالطفل يتعلمهما في آن واحد . فاللغة تثري الفكر ، فقد اثبثت الدراسات انه كلما اتسعت ثروة الفرد اللغوية زادت قدرته على التعبير و التفكير وبذلك تزاد نسبة الذكاء ، والاعتقاد بوجود نشاط فكري بدون لغة هو مجرد توهم لأنه مونولوج داخلي . إذ عندما نفكر فنحن نتكلم بصوت خافت و عندما نتحدث فنحن نفكر بصوت عال . وبذلك تكون اللغة هي نفسها الفكر . لهذا يقول هاملتون : * إن المعاني شبيهة بشرارة النار لا تومض الا لتغيب و لا يمكن تثبيتها الا بالالفاظ * . و يمكن تشبيه اللغة بورقة يكون الفكر وجهها و الصوت ظهرها ولا نستطيع ان نقطع الورقة من غير ان نقطع ظهرها . كذلك الامر عن اللغة . لا نستطيع ان نعزل الصوت عن الفكر و لا الفكر عن الصوت . فالفكر بالنسبة للغة كالروح بالنسبة للجسد ولا وجود لأحدهما دون الآخر . وهذا ما قصده ميرلوبونتي في قوله : * الفكر لا يوجد خارج العالم و بمعزل عن الكلمات * . وهذا يؤكد ان اللغة هي حاملة الفكر الى الخارج فهي تصبغه بصبغة اجتماعية تنقله من طابعه الانفعالي الذاتي ليصبح معرفة انسانية قابلة للانتقال بين الافراد و هذا ما جعل هيجل يعتقد ان الكلمة تعطي للفكر وجوده الاسمى و ان الرغبة في التفكير بدون كلمات لمحاولة عديمة المعنى . و هذه الفكرة اشار اليها ارسطو في قوله :* ليس ثمة تفكير بدون رموز لغوية * و هذا يعني ان العلاقة بين الفكر و اللغة ليس علاقة علة بمعلول أو ظاهر بباطن و انما علاقة تداخل . و أخيرا يمكن القول ان الكلام ليس نسخة من شيء اسمه فكر .بل الفكر هو الكلام نفسه . ونحن لا نتعرف على الفكرة صحتها ووضوحها الا لأنها قابلة لأن يتصورها الاخرون ، لهذا فإن التفكير من دون العبارات اللفظية ضرب من الوهم الكاذب .
لكن القول ان اللغة هي الفكر و الفكر هو اللغة يخالف مبدأ من مبادئ العقل وهو مبدأ الهوية فالشيء يجب ان يكون هو نفسه ، فاللغة يحب ان تكون هي اللغة و لا يمكن ان تكون هي اللغة و هي الفكر . الامر نفسه بالنسبة للفكر . إذا ما اردنا ان نبحث عن معاني اللغة و الفكر في مختلف المعاجم اللغوية و نتساءل: هل دلالة كلمة لغة هي نفسها كلمة فكر ؟ و بعيدا عن هذا فإن التجارب التي نعيشها في حياتنا تؤكد بطلان الفكر مطابق للغة . فالطالب في الامتحان قد تكون بحوزته مجموعة من الافكار يحاول ان يعبر عنها لكن تعبيره يخونه . فقد يعبر عن فكرة بغير ما يقصد و قد تجده يكتب ثم يمسح و قد ينتهي الامر به الى ان لا يكتب شيء و تبقى افكاره حبيسة فكره و عقله لأنه لم يرضى بهذه العبارات و هذا يؤكد وجود تفاوت بين اللغة و الفكر. فقد نجد الانسان غير قادر على الفهم لكنه قادر على التبليغ و هذا ما يثبت انه يفهم معاني اللغة أكثر مما يحسن من الفاظها . وهذا يعود الى عدم قدرة الالفاظ على احتواء المعاني و العواطف لهذا قيل :* إذا كانت كلماتي من ثلج فكيف تحتوي بداخلها النيران *. و من أمثلة عجز اللغة عن التعبير عن كامل الفكر أن الأم عند سماعها بخبر نجاح ابنها قد تلجأ الى الدموع .
وبناءا على ما سبق يمكن القول أن علاقة اللغة بالفكر علاقة جدلية ، فمن جهة اللغة تضع الفكر و من جهة الفكر يضع اللغة ، فنحن نفكر ثم نعبر عن أفكارنا باللغة إي ان هذا لا يعني ان اللغة مجرد وسيلة يمكن استبداله بأخرى ، لأن الافكار ترد الى الذهن و هي تلبس ثوب اللغة ، فلا يمكن القبول بأسبقية الفكر على اللغة .
ويشير آلان ان الطفل في البداية يولد صفحة بيضاء و يكتشف الافكار من اللغة التي يتعلمها ، كما ان اللغة اداة للتواصل فهي على المستوى الانساني اداة لنقل الافكار ، فالفكرة ترد الى الذهن مجسدة في قوالب لغوية و لفهمها يجب صياغتها صياغة لغوية باعتبار اللغة تسجل الافكار و التجارب الانسانية ، وهذا ما أكده لافيل في قوله : *إن اللغة ذاكرة انسانية *. فنحن مطالبون بعدم التحيز الى بعض الاساليب اذا كانت لا تعبر عن حاجاتنا مع تطور ثقافاتنا ، ولا بد ان تتحمل اللغة هذه الاصلاحات كمثل الشجرة الحسنة التي تتقبل التخلي عن أغصانها الجافة كي تستعيد نباتها فلابد أن نتخير ألفاظنا و ننتقي تعابيرنا .
و الرأي الصحيح هو الذي يرى ان اللغة مستقلة عن الفكر ومختلفة عنه ففي بعض الاحيان تعجز عن التعبير أو نقل مشاعرنا و تضعف أمام حرارتها . فاللغة لا تمس من الفكر الا الشعور و لذلك نجد صعوبة في التعبير عن الاشياء التي وراء الشعور بمقدار ما يقوى على التعبير عنها .أما الاشياء التي لا يعيدها فتبقى مكبوتة و قد تعبر عن نفسها في شكل أحلام أو فلتات اللسان .
ومنه نستنتج أن اللغة مرتبطة إرتباطا ضروريا بالفكر ، كما أن الفكر يرتبط إرتباطا ضروريا باللغة ، فلا توجد لغة بدون فكر ، و لافكر بدون لغة و العلاقة بينهما ليست علاقة متكافئة لأنها علاقة جدلية أي تفرض التناقض و هكذا يقول دولاكروا : *ان الفكر يضع اللغة في نفس الوقت الذي يضع فيه من طرف اللغة *. فتطور اللغة يبقى رهين النشاط الفكري للانسان الذي أثبت قدرته على وضع المصطلحات الجديدة لكل ابداع فكري و بهذا تتجدد اللغة بتجدد الفكر و تبقى حية طالما كان هناك فكر مبدع ، سواء كان مجال ابداعه الرياضيات أو الفلسفة أو الفن ...إلخ كل هذه الميادين قوامها رموز و الفاظ تشير الى معاني و افكار مختلفة .إذن : فلا سبيل الى الاستغناء عن اللغة فهي وسيلة اساسية يعتمد عليها الانسان من اجل تحقيق التواصل مع الاخرين و بناء العلاقات الاجتماعية تضمن له البقاء و الاستمرارية .

نص السؤال : إذا كنت أمام موقفين متعارضين يقول أولهما : العلاقة بين اللفظ و معناه علاقة طبيعية .و يقـــــول ثانيـــــــــــــــهما : العلاقة بين اللفظ و معناه علاقة إصطلاحية .مع العلم أن كليهما صحيح ضمن سياقه ،و يدفعك القرار إلى أن تفصل في الأمر ، فما عساك أن تصنع؟
مقدمة :
إن الإنسان في بنائه لعلاقاته مع غيره في إطار العلاقات الاجتماعية في حاجة إلى وسيلة للتعبير عن ذلك و لا يتم له ذلك إلا بواسطة اللغة التي تعبر عن حاجياته و أفكاره ، و من هنا تبرز اللغة كأداة فعّالة للقيام بهذه العملية عن طريق إستعمال إشارات و رموز للدلالة على معنى من المعاني ، وبالتالي تصبح كل لفظة تدل على معنى يتم تصوره في الذهن و هذا شيء بديهي ، لكن ما هو بحاجة إلى الدراسة و التحليل هو تلك العلاقة التي تقوم بين هذين العنصرين ، أي بين اللفظة و المعنى أو ما يطلق عليه علماء النفس اللغوي بالدال و المدلول ، هذه المسألة طرحت جدل بين الفلاسفة و علماء النفس حول نوع العلاقة الموجودة بينهما ، حيث نجد هناك من اعتبر أن هذه العلاقة تتحكم فيها الضرورة و بالتالي فهي طبيعية ، والبعض الآخر تجاوز ذلك إلى الإصطلاح .
ومن هنا نتساءل : ما هي طبيعة العلاقة بين الكلمات و معانيها ؟ و هل هي قائمة على الصلة الطبيعية بين صيغة الكلمة و معناها أم أنها نتيجة العرف و الإتفاق و الإصطلاح ؟.
موقف 1 :
يذهب الكثير من العلماء و المفكرين إلى إعتبار العلاقة بين الدال و المدلول علاقة تتحكم فيها الضرورة ، و أنها علاقة تطابق بين الشيء و ما يدل عليه في العالم الخارجي ، و أساس ذلك محاكاة الإنسان لأصوات الطبيعة و هذا ما أكد عليه أفلاطون (427-347ق.م) قديما في محاورة كراتيل (كراطليوس) عندما إعتبر ان العلاقة بين الكلمات و معانيها هي علاقة مادية تحاكي فيه الكلمات أصوات طبيعية ، حيث يكفي سماع الكلمات لمعرفة دلالتها ، كخرير المياه ، نقيق الضفادع ، زقزقت العصافير....إلخ. و في هذا النسق نــــورد نـــــص لأفلاطون يتناول مــــحاورة بين هيرموجين و كراطليوس من جهة و سقراط من جهة أخرى :
هيرموجين: إن كراطليوس الحاضر هنا يزعم يا سقراط أن هناك بالنسبة لكل شيء إسما منسوبا إليه بصورة طبيعية ، و أن هذا الاسم ليس إلا إسما أضفاه عليه بعض الناس بواسطة إتفاق (...) ، ولكن الطبيعة هي التي أضفت على الأسماء معنا خاص (...)أما أنا يا سقراط (...) فلا أستطيع أن أقتنع بأن صواب الاسم شيء آخر غير التواضع و الاتفاق ، يبدو لي أنه مهما كان الاسم الذي يرمز لشيء فإنه هو الاسم الصحيح ، و إنه إذا ما وضعنا مكانه بعد ذلك أسم آخر فقد أعرضنا عن الاول ، و إن الثاني أقل صحة من الأول (..) و ذلك أنه ليس هناك أي شيء يأخذ إسمه من الطبيعة ، بل يأخذه من استعمال عادة أولئك الذين يستعملونه و الذين خلقوا عادة
إستعماله.
سقراط : يتعين إذا تسمية الأشياء ، كما أنه من الطبيعي أن نسمي بالوسيلة الملائمة و ليس كما يحلو لنا ، و ذلك إذا ما أردنا أن نكون على إتفاق مع الخلاصة السابقة ، و بهذه الكيفية ننجح في التسمية و إلا فلا (...) ليس في ملك كل إنسان يا هيرموجين أن ينشئ أسماء (...)
إن كراطليوس على حق في القول إن أسماء الأشياء تشتق من طبيعتها ، و أنه ليس كل إنسان صانعا للأسماء بل هو ذلك الذي تبقى عيناه مركزتين على الاسم الطبيعي لكل الأشياء ، فهو القادر على تجسيد الصورة في الحروف و المقاطع (....). إن الاسم إذا على ما يبدو محاكاة صوتية للشيء المحاكى (..)
ومن هذه المحاورة نجد أن أفلاطون يؤكد و يقرر على لسان سقراط أنه لا دخل للإنسان في تحديد معاني الكلمات و الألفاظ مادامت الأشياء الخارجية هي التي توحي له ذلك ، بحيث يكفي سماع الصوت لتحديد اللفظة و دلالتها فكلمة* الطّرق * مثلا ما هي إلا إنعكاس للصوت الصادر عن إصطدام شيئين ببعضهما البعض ، و هذا إن دل إنما يدل على أنه هناك من أحدث هذا الصوت لغرض معين .
هذا الموقف الذي جسده أفلاطون نجده مجسد في الفكر العربي الاسلامي بلسان إبن فارس (4 ق ه ) من خلال موقفه المدافع عن النظرة التوفيقية ، مستشهدا على ذلك بظاهر معنى الآيـة القرآنـية : ** وعلم آدم الاسماء كلها **
وهذا دليل على أن اللغة ليست من صنع البشر و لا قدرة لهم على إنشائها ، وإنما هي وحي من عند الله منحها للإنسان حتى تسهل عيه معرفة الأشياء و تميزها عن بعضها البعض ، وهذا إن دل إنما يدل على أن الانسان مقيد في كل ما يقوم به ، و لا فعل له مادام كل شيء مقدر عليه من عند الله ، وأن الأشياء لديها صفات تميزها عن غيرها متضمنة لها في ذاتها ، وليس الإنسان هو الذي يحددها و يمنحها إياها نتيجة إتفاقه مع غيره من أفراد المجتمع .
ومن جهة أخرى نجد علماء اللغة في العصر الحديث يؤكدون على الترابط الوثيق بين الدال و المدلول في العلامة اللسانية ، الشيء الذي يؤكد بأن هذا الترابط ما هو إلا نتيجة من نتائج العلاقة الطبيعية بينهما لا العلاقة الإصطلاحية ، و هذا ما أكد عليه إميل بنيفيست في كتابه * مسائل في الألسنية العامة * بقوله : *** أحد مكونات العلامة هي الصورة الصوتية و يشكل الدال ، أما المكون الأخر فهو المفهوم و يشكل المدلول ، إن العلاقة بين الدال و المدلول ليست إعتباطية ، بل هي على العكس من ذلك علاقة ضرورية المفهوم (المدلول) ثوار مماثل في وعيي بالضرورة للمجموعة الصوتية (دال) ثوار و كيف يكون الأمر خلاف ذلك ؟
فكلاهما نقشا في ذهني و كل منهما يستحضر الآخر في كل الظروف ، ثمة بينهما إتحاد وثيق إلى درجة أن المفهوم *ثور* هو بمثابة روح الصورة الصوتية * ثوار * إن الذهن لا يحتوي على أشكال خاوية ، أي لا يحتوي على مفاهيم غير مسماة (..) ***.
وهذا يعني أن العلامة اللسانية شيء واحد يتحد فيه الدال بالمدلول ، و بدونها تفقد خاصيتها ، ومن جهة ثانية نجد أن عقل الإنسان لا يقبل أصوات لاتقبل تمثلا يمكننا من معرفتها ، و لو حدث العكس لأصبحت غريبة و مجهولة ، ثم أننا نجد للمماثلة تأثير في تكوين الألفاظ ، لأن تقليد النداء و أصوات الطبيعة لا يكفي لتوليد الأصوات كلها ، فالفكر يوسع معاني الأصوات بإطلاقها على أصوات الأشياء المشابهة ، و مهما تكن الأشياء بعيدة و متباينة فإن الفكر يكشف عن التشابه بينهما .
و في هذا الشأن يذكر تشارلز داروين أن أحد الأطفال رأى بطة على سطح غدير فأطلق عليها كلمة : كواك باللغة الإنجليزية quack ، ثم وسع معنى هذه الكلمة فأطلقها على الغدير كله ، ثم أطلقها بالتداعي على غير ذلك من مجاري المياه ، و أنواع الطير التي لا عهد له بها من قبل ، و أطلقها أيضا على نسر نابليون الذي يوجد على قطعة نقود فرنسية ، و هذا يدل على أن إدراك التشابه يسوق بالفكر إلى تعميم اللفظ و نقله من شيء لآخر و المماثلة كثيرة في الطبيعة ، فقد تكون بين الأشياء المحسوسة ، أو تكون بين الصور المجردة ، أو تكون بينهما معا كتجريدنا لكلمة الأبيض من مختلف الأشياء المادية التي تشترك في نفس اللون .
وهذا دليل قاطع على أن الإنسان لا دخل له في تحديد مسميات الأشياء ، وحتى عملية التصور لهذه المسميات تستعصي عليه إذا ما إنعدمت هذه الأشياء ، و ما هذا إلا تأكيد و دليل قاطع على العلاقة الضرورية الموجودة بين اللفظة و معناها .
نـــقــد 1 :
لكن القول بأن العلاقة بين الكلمات و معانيها تتحكم فيها الضرورة تصور مخالف لخاصية من خصائص اللغة ، و التي هي عبارة عن نسق من الرموز و الإشارات التي أبدعها الإنسان و تواضع عليها ليستخدمها في التعبير و التواصل ، و بالتالي بإمكانها أن تطلعنا على مفاهيم و تصورات ليس لها وجود محسوس بالضرورة في الواقع كالحركة ، العدل ، الحرية ...إلخ . فلو كانت الكلمات تحاكي الأشياء : فبماذا نفسر تعدد الألفاظ و المسميات للشيء الواحد * الأسد : الشبل ، الضراغم ...إلخ والضرب في الرياضيات عن ما هو في المنطق...؟
موقف 2:
و في مقابل ذلك نجد هناك من يذهب في إتجاه نقيض للإتجاه التوفيقي بين الدال و المدلول ، حيث إعتبر أن العلاقة بينهما إعتباطية إصطلاحية لا مادية طبيعية ، هذا ما أكد عليه أرسطو قديما من خلال إعتبار اللغة ظاهرة إجتماعية ، وأن أصواتها رمز إصطلاحية لا علاقة طبيعية أو مباشرة لها بالمعاني ، و هذا تأكيد على أن اللغة ذات صبغة إجتماعية فرضتها الحاجة الماسة للإنسان إلى وسيلة يعبر بها عن جميع حاجياته التي يحققها لغيره ، فميز كل حاجياته الضرورية بلفظة تميزها عن غيرها .
هذا الموقف الذي أكد عليه ارسطو نجده مجسد في الفكر العربي على لسان إبن جني الذي كان يؤمن بأن للغة إصطلاحية ، فيقول : *** إن أكثر أهل النظر يؤكدون على أن أصل اللغة إنما هو تواضع و اصطلاح لا وحي و توقيف *** . و هو يؤوّل الآية الكريمة : ** و علم آدم الأسماء كلها **
بأن الله سبحانه و تعالى منح آدم القدرة على الكلام و التسمية و ترك له الوضع و الإصطلاح بالنسبة للتفاصيل ، وبهذا تصبح كلمة *علم * تأخذ بمعنى * أقدر* و عليه فإن الإنسان حسب إبن جني يمتلك القدرة على إنشاء الكلمات كلا حسب المعنى الذي يحدده هو ، و أنه لا مجال للقول أن العلاقة بين اللفظ و معناه ضرورية ، و لا دخل للوحي في ذلك ما دام الفرد له القدرة على الإنشاء و التحديد و التمييز ، وهذا ما كان ليكون لولا القدرات العقلية التي يمتاز بها عن سائر الكائنات ، ومن جهة أخرى إذا كانت هذه العلاقة ضرورية فإنها تخضع لنظام ثابت و لا يمكن أن يحمل الشيء أكثر من معنى واحد .
هذه المـسألة أكـد عليـها علماء اللغة في الـعصر الحديث خاصـة بعد ظهور علم اللـسانيات مع دي سوسير بحيث يعتبر أول من تفطن إلى أن اللغة نظام له قواعده الخاصة ، وبالتالي فهو نسق مستقل يتخذه أفراد اللسان الواحد للتواصل فيما بينهما ، وهذا الأخير يقوم أيضا على أساس إتفاق إصطلاحي يمثل كيانا مستقلا من العلاقات الداخلية يتوقف بعضها على بعض و هذا النظام يسمح لنا بإكتشاف عناصر تربطها علاقات التبادل أو التقابل ، وبهذا تصبح اللغة حسب دي سوسير واقع إصطلاحي مكتسب و مؤسسة إجتماعية قائمة بين مجموعة من الأفراد ، وبالتالي فلا مجال للقول بوجود علاقة طبيعية بين الدال و المدلول .
ومن جهة أخرى يؤكد دي سوسير على أن الرمز شيء إعتباطي و هذا من ناحيتين ، فالدال شيء إعتباطي لأنه ليست هناك علاقة طبيعية بينه و بين ما يدل عليه ( و هو غير المدلول في هذه الحالة ) بل هناك علاقة يقبلها الناس بحكم التقليد أو العرف ، إذا ليس هناك من خاصية تشترك فيها كل الأشجار مثلا ، حيث يقتضي المنطق أو الضرورة أن ندعوها أشجارا ، لكن هذا ما ندعوها به لأننا إتفقنا على ذلك ، كما أن اللغة تتصف بالإعتباطية على مستوى المدلول أيضا ، لأن كل لغة قومية تقسم بطرق مختلفة كلا حسب ما يمكن أن يعبر عنه بكلمات كما يتضح لكل من يمارس الترجمة من لغة إلى أخرى ، فهذه تضم مفاهيم لا تضمها تلك و المثال الذي يحب اللغويون أن يعطوه للتمثيل على هذه الإعتباطية هو مثال إصطلاحات الألوان ، وهي إصطلاحات تختلف بشدة من لغة إلى أخرى حتى لو شكلت الألوان ذاتها سلسلة متصلة و كانت ظاهرة عامة لأنها تتحدد بشكل طبيعي بواسطة ذبذبات موجاتها ، و النتيجة البالغة الأهمية و التي يستخرجها دي سوسير من هذه الإعتباطية المزدوجة هي أن اللغة ليست نظام من الأمور الجاهزة الثابتة بل من الأشكال غير المستمرة ، إنها نظام من العلاقات بين الوحدات التي تشكلها ، هذه الوحدات ذاتها تتشكل هي الأخرى من الإختلافات التي تميزها عن عن سواها من الوحدات التي لها علاقة معينة ، و هذه الوحدات لا مكن أن يقال إن لها وجودا بذاتها بل تعتمد في هويتها على أندادها ، فالمحل الذي تحتله وحدة ما سواء كانت صوتية أو معنية في النظام اللغوي هو الذي يحدد قيمتها ، و هذه القيم تتغير لأنه ليس هناك ما يمسك بها و يثبتها ، و النظام اعتباطي بالنسبة للطبيعة و ما هو إعتباطي قد يتغير ، و في هذا المجال يؤكد دي سوسير على هذه العلاقة من خلال مقولة مشهورة مفادها : *** اللغة للكل و ليست جوهرا ***.و لهذا فليس من الضروري القول بأنه هناك علاقة ضرورية بين الدال و المدلول ما دام وجودها مرتبط بوجود الإنسان الذي هو بمثابة الشرط الضروري لوجود معاني الأشياء ، لهذا فمن يقارن بين الألفاظ و معانيها لا يجد أي وجه للشبه بينهما ، و لعل أوضح دليل على ذلك هو إختلاف اللغات ذاتها ، و قدرة الإنسان على إختراع لغات جديدة ، و هذا إن دل على شيء إنما يدل على أن اللغة نظام أو نسق من الإشارات و الرموز ذات خاصية إجتماعية ، لذلك يستطيع الإنسان أن يخترع لغة جديدة متى أراد و لا شرط في ذلك سوى اتفاقه مع غيره ، و في هذا المجال يقول الفيلسوف الفرنسي هنري دولاكروا : *** اللغة هي جملة من الاصلاحات تتبناها هيئة إجتماعية ما تنظم بواسطتها عمل التخاطب بين أفرادها ***.
و يقول في موضع آخر : *** إن الجماعة هي التي تعطي للإشارة اللغوية *الكلمة* دلالتها و في هذه الدلالة يلتقي الأفراد ***. لهذا فاللغة مكتسبة و عمل إجتماعي نتيجة اتفاق أفراد المجتمع حول معان تطلق على الأشياء بهدف تسهيل عمل التخاطب بينهم ، و ما إختلاف اللغات و حتى اللهجات داخل البلد الواحد إلا دليل على ذلك دون الخضوع إلى عوامل خارجية تمكنهم من تحديد مختلف المصطلحات حول الشيء الواحد ، بدليل أن الشيء الواحد يحمل عدة مصطلحات ، فكلمة * أخت * مثلا هي تتابع للأصوات التالية : أ.خ.ت. و هذا هو الدال أما المدلول فهو معنى الأخت ، لذلك لا توجد ضرورة عقلية أو تجريبية فرضت على اللغة العربية مثلا التعبير عن هذا المعنى بهذه الأصوات بل تم اقتراحه من طرف جماعة معينة من أفراد المجتمع للتعبير به عن شخص معين ، و قد نجده في مجتمع آخر لديه مدلول آخر ، هذا ما يسمى بالتواضعية الإعتباطية أو التحكمية .
إضافة فإننا نجد آرنست كاتسير ( 1874-1995 فيلسوف ألماني معاصر ) يقول : *** إن الاسماء الواردة في الكلام الانساني لم توضع لتشير إلى أشياء مادية بل على كائنات مستقلة بذاتها ***. أي أنها وضعت لتدل على معان مجردة و أفكار لا يمكن قراءتها في الواقع المادي ، بل إن الكلمة أو الرمز أو الإشارة لا تحيل في حد داتها إلى أي معنى أو مضمون إلا إذا اصطلح عليه المجتمع ، ومن ثمة وضعها الإنسان ليستخدمها في التعبير و التواصل عن طريق ما اصطلح عليه المجتمع .
نــقـــد 2 :
صحيح أن للمجتمع دور في تحديد معاني الألفاظ ، لكن صفة الإعتباطية و الإصطلاحية لا تعني أن للفرد الحرية في وضع العلامات و استعمالها حسب هواه ، كما أن الدراسات التي قام بها علماء اللغة المختصين في دراسة اللهجات اللغوية بينت مدى تعّقد الظواهر التي يفظيها مصطلحا الإنشقاق اللغوي و الإفتراض اللهجي على وجه الإجمال ، فاللغة التي درست بدقة أظهرت أن الانقسامات اللهجية الجغرافية هي في حالة تقلب مستمر و بعيدة عن الوضوح ، فالقواعد التي تتحكم في لغة الجماعة تعسفية بداتها لأن المرء إذا تابع الخلافات في التفاصيل على كل المستويات بما فيها ، فإن اللهجة عندئذ تصبح لهجة الفرد لا الجماعة إضافة إلى ذلك نجد أن الكثير من الأفراد يملكون في مقدرتهم اللغوية أكثر من لهجة إجتماعية مختلفة ، الشيء الذي يؤدي إلى إنحراف صيغ الكلمات عن تطورها الصوتي النظامي المتوقع بسبب التعارض الجنسي ، هذا ما يؤدي إلى صعوبة تحليل المعاني نتيجة عدم إستعمالها بشكل صحيح .
التركيب :
و مما تم ذكره سابقا يمكننا القول بأن اللغة في نشأتها كانت خاضعة لتأثير أصوات الطبيعة ، هذا راجع إلى المرحلة التي يكون فيها الفرد ، لهذا أخذت العلاقة بين الدال و المدلول الصفة الطبيعة نتيجة فكرة الضرورة ، و هذه الحالة لا تكون إلا عندما يكون الفرد في معزل عن غيره من أفراد المجتمع ، لكنها تغيرت فيما بعد نتيجة الطابع الإجتماعي الذي أصبح يغلب على حياة الفرد ، بحيث أصبح أفراد المجتمع هم الذين يصطلحون على الأشياء معان تدل عليها و تميزها عن غيرها حتى تسهل عليهم عملية الإتصال و التفاهم و إبداء الرأي ، هذا الموقف تم الإقرار به مند القديم على لسان آبيقور (341-270 ق م ) متخذا منه موقفا وسطا بين الإتجاه التوفيقي المقر بالعلاقة الطبيعية ، والإتجاه المعارض المؤكد للإتباطية و الإصطلاحية بين اللفظة و معناها و هذا من خلال إعتقاده بأن صيغ الكلمات قد نشأت بشكل طبيعي ، ولكنها تغيرت عن طريق العرف و بشكل أكثر أهمية في تاريخ علم اللغة .
الإستنتاج :
ومن هذا كله نصل إلى أن التعارض الموجود في طبيعة العلاقة بين الدال و المدلول لا يعني أنه لا وجود لصلة بينهما ، ففي بعض الأحيان يستعين الفرد بأصوات الطبيعة لتمييز الأشياء و تبليغ الرغبة للغيـر إلا أن الصـلة الإصطلاحـية تبقى هي السمـّـة المـميزة لهذه العلاقة لأنها غير مرتبطة بفتـرة زمنية معينة .










رد مع اقتباس