منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الجريمة الدولية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-12-30, 00:34   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 الفصل الثاني

الفصـل الثانـي: أركـان الجريـمة الدولـية



تمهـيد:
خلافـا للجريمـة الداخلـية، لا تكتـفي الجريمـة الدولـية بتوافـر الأركـان التقليديـة المعروفـة فقط، والمتمثـلة في الركـن الشرعـي والمـادي والمعنـوي، بل يضـاف لها الركـن الممـيز لها، وهـو طبـعا الركـن الدولـي.
في هـذا السـياق، يحـاول هذا الفصـل تبيـان مـدى تقـبل فقـهاء القانون الدولي الجنائي لتطبيق نفس مبادئ الركـن الشرعـي للجرائم العادية الداخلية على الجريمـة الدولـية، خاصة فيما يتعلق باستخـدام مبـدأ لا جريـمة ولا عقوبـة إلا بنص، نظـرا لخصوصـية وحداثة الدراسات القانونية والقضائية في مجال الجريـمة الدولـية، بعد أن تم التوصـل مؤخـرا فقط إلى تعريف هذا النوع الجديد من الجرائم، عن طريـق الاستقـرار على مـا تواتـر عليه العـرف الدولـي.
لقـد ترتـب عن اعتـبار العـرف الدولـي مصـدرا وحـيدا للجـرائم الدولـية عـدة نتائج، على غـرار غمـوض فكـرة الجـريمة الدولـية، وكيفـية التعامـل مع قاعـدة عـدم الرجعـية فـي القانـون الدولـي الجنائـي، إضافـة إلى اللجـوء للقـياس والتفسـير الموسـع.
وإذا كان الركـن المـادي في الجرائم العادية ينصـرف إلى ماديـات الجريـمة، أي المظهـر الذي تظهـر فيه إلى العالـم الخـارجي، على شـكل سلـوك إيجـابي أو سلبـي. فـإن الأمـر لا يخـتلف كثيـرا فيما يخـص الجـريمة الدولـية، باستثـناء بعـض الفـروق القليـلة، خاصة ما سوف يتضـح من خـلال دراسـة صـور السلـوك المـكون لهـذا الركـن، إضافـة إلى المساهـمة والشـروع فـي الجريـمة الدولـية.
غـير أن الإثـراء الأكـبر الذي سـوف يتوسـع فيه هذا الفصـل يتعـلق بتبـيان كبـرى الاختلافـات بين أركـان الجريـمة الدولـية وأركـان باقـي الجـرائم العاديـة الداخـلية سـوف تتجـلى في الركـن الدولـي، الذي يتدخـل فيه العنصـر السياسـي / الإيديولـوجي، وتدبيـر دولـة مـا، أو مجموعـة من الدول، وتنفـذ الدولـة للجريـمة الدولـية بالاعتـماد على قوتـها وقدرتـها ووسائـلها الخاصـة.
المبحـث الأول: الركـن الشرعـي للجريمـة الدولـية
تقـوم الجريـمة سـواء كانـت داخلـية أو خارجـية على مبـدأ الشرعـية، وذلك لكون القانـون الجنائـي عمومـا مبنـيا على مبـدأ الإنـذار والتحـذير، ولتحـقيق هـذا الركـن الشرعـي يتطـلب أن يكون الفعـل المـادي متعارضـا مع سلطـة يحمـيها القانـون، ويقـر نص تجـريمها، كما يوقـع عقابـا جنائـيا على مرتكبـيها .
وبما أن المصالح الداخـلية للفـرد والمجتـمع داخـل الدولـة الواحـدة يحمـيها القانـون الجـنائي الداخـلي، والمصالح الدولـية يحمـيها القانـون الجنائـي الدولـي، الذي يعـد حديـث النشـأة، فلا بـد من دراسـة الحالتـين تباعـا كمـا يلـي:
المطـلب الأول: مبـدأ الشرعـية فـي القانـون الجـنائي الداخـلي
يمـثل مبـدأ لا جريـمة ولا عقوبـة إلا بنص أساسـا فـي التشريعـات الجنائـية الداخلـية لمخـتلف دول العالم، إذ تنص دسـاتير هـذه الدول على ضـرورة الالتـزام بهـذا المبـدأ، حتى لا تصـدر نصوصـا تشريعـية فيها ما يسـري بأثـر رجعـي على الماضـي.
المطلب الثانـي: مبـدأ الشرعـية فـي القانـون الدولـي الجـنائي
نظـرا لخصوصـية الجريـمة الدولـية، فـإن مبـدأ الشرعـية فـي مجـال القانـون الدولـي الجنائـي يرجـع أصـله إلى العـرف الدولـي، أي أن فكرة الجريـمة الدولـية لا وجـود لها في نصـوص مكتوبـة، وإنما يمكن الاهتـداء إلى تعريفـها والمعاقـبة عليها عن طريـق الاستقـرار على مـا تواتـر عليه العـرف الدولـي .
هناك العـديد من النصـوص الدولـية، كالمعاهـدات والاتفاقـيات الدولـية، التي تم فيها تقنيـن الأعـراف الدولـية السابـقة، وأن دور هـذه المعاهـدات كـان كاشـفا ومؤكـدا للعـرف الدولـي، أمثـلة ذلك مـا جـاء فـي لائحـة (نورمبـورغ) فـي المادة السادسـة الكاشـفة عن الجرائم ضد الإنسانـية، وتضمنـته جريـمة إبـادة الجـنس البشـري لسـنة 1948، واتفاقـيات جنيـف الإنسانـية لعـام 1949، إلا أن مبـدأ الشرعـية المستنـد على ( لا جريمـة ولا عقوبـة إلا بنـص )، أثـار جـدلا فقهـيا بين مؤيدين ومعارضين، وتبلـورت هـذه الآراء في عـدة نظريـات:
- تلتـزم الأولـى بحرفـية نص المبـدأ، فتـرى ضـرورة العمل بـه حرفـيا، والتقـيد بـه سـواء فـي المجـال الداخـلي أو الدولـي.
- ترجـح الثانـية الطابـع النسبـي للمبـدأ، والأخـذ بمقتضـى روح النـص.
- فيما تـرى الثالـثة أنه لا يجـب الالتـزام حرفـيا بالمبـدأ، بل يمـكن التخـلي قليـلا عـن هـذه الحرفـية ومؤقـتا، نظـرا لحداثـة القانـون الدولـي الجنائـي وطبيعـته العرفـية المتطـورة.
- بينما تـرى النظريـة الرابعـة أن مبـدأ الشرعـية يفتـرض وجـود حـياة هادئـة للدولـة، وهـذا مـا لا يتوافـر في الجـرائم الدولـية.
يتبـين من خـلال النظريـات السابقة أنها كلها تتناول مبـدأ الشرعـية، حيث ذهبـت محـكمة نورمبـورغ بهذا الخصوص إلى اعتـماد المفهـوم الواسـع لمبـدأ الشرعـية، أي بروح المبـدأ في مجـال القانـون الدولي الجـنائي، إلى أن يتم تدويـن نصـوص هـذا القانـون، ولكن الفقـه يـرى أن العـرف الدولـي سيبقـى مصـدر التجـريم فـي الجـرائم الدولـية، حتى ولـو نصـت المعاهـدات الدولـية على تجـريم بعض الأفعـال، باعتـبار أن هـذه المعاهـدات لا تنشـئ الجـرائم، وإنما تكشـف عـن العـرف الذي جـرمها .
وهـكذا، فـإن قاعـدة الشرعيـة المكتوبـة لا تجـد مكانها في القانـون الدولـي الجنائـي، إذ يعنـي التمسـك بالقاعـدة حرفـيا أنـه لا جريـمة دولـية بـلا مكتـوب يحـدد ويبين العقوبـات المقـررة لها، ومنه يطـرح التساؤل التالـي: هـل تنـكر القانـون الدولـي الجنائـي لمبـدأ الشرعـية؟
إن أهمـية المبـدأ على المستـوى الدولـي تـوازي أو تفـوق أهميـته على الصعـيد الداخـلي، لأن الأخـذ بهـذا المبـدأ يحـول دون استبـداد السلطـة ويعـزز العدالـة، ويبعـد الانتـقام، ولكن أهـم عائـق يحـول دون تحـقيق ذلك هـو غياب المشـرع الدولـي، إضافـة إلى كـون هـذا القانـون الذي نصبـو إليـه قانون عرفـي ، ومع ذلك فمبـدأ الشرعـية في مجـال القانـون الدولـي الجـنائي يستحـق التناول بمزيـد من الأهمـية، للبحـث في مـدى إمكانـية تطبيـق هـذا المبـدأ من خـلال تحـليل شقـيْ هـذا المبـدأ كالتالي:
أولا: لا جريـمة إلا بنص
يجـد القانـون الدولي الجـنائي غالـبا أحكامـه في العادة التي تكتسـب قـوة العـرف الملـزم باطـراد العمل بها، واقترانـها بعنصـر اليقـين والإلـزام القانوني، إذ غالـبا مـا يشـير الكشـف عن الجريمة الدولـية صعوبـات جـمة، نظـرا لكـون العرف الدولي بغموضـه بسـمح بحريـة واسـعة للتفسـير والقـياس .
وبالرغم من الجـهود المبذولـة من طـرف الأمم المتحـدة بمخـتلف أجهزتها المتخصصـة، فإنها لم تنل نصيبـها من الوضـوح والدقـة، كما هـو عليه الحـال في التشريـعات الوطنـية، نظـرا لما أشرنـا إليه سابـقا إلى افتـقار القانـون الدولـي إلى سلطـة تشريعـية مركـزية تفـرض إرادتـها على الدول بهـذا الخصـوص، مما يجـعل الباب مفتوحـا للقضـاء باللجـوء إلى التفسـير الواسـع والقـياس، وهـو مـا لا تقـره التشريعـات الوطنـية.
بناء عليه، فـإن القانـون الجـنائي الدولي بسمـته التطوريـة يلجـأ في سـد القصـور الذي يشوبـه إلى القانـون الجنائـي الوطنـي، وهـذا ما أشـارت عليه المادة السابـعة من الاتفاقـية الأوروبـية لحـقوق الإنسان، التي تنـص على عـدم جـواز إدانـة أحـد بجريـمة جنائـية عن فعـل أو امتـناع مـا لم يشـكل جريمـة طبـقا للقانـون الدولـي أو الوطـني وقـت الارتكـاب، مضيـفة أنه ليـس في هذه المادة ما يحـول دون محاكـمة أو معاقـبة أي شخـص عن فعـل أو امتـناع، إذا كـان ذلك يعتـبر وقـت ارتكابـه تصرفـا جرمـيا طبـقا للمبادئ العامـة للقانـون، المعترف بها من قبل الدول المتحضـرة أو جماعـة الأمم، وتشـمل هذه العبارة المبادئ العامة للقانـون الدولي، والمبادئ العامة للقانـون الدولي الجـنائي على حـد سواء .
وعليه، فـإن تطبيـق مبـدأ لا جريـمة إلا بنص يجـد بعـض المرونـة في القانـون الدولـي الجـنائي، نظرا للخاصـية العرفـية التي يتسم بها هـذا النظـام، ومع ذلك فتطبـيقه بالشـكل الذي أقرتـه التشريـعات الجنائـية الوطنـية ليس بالأمـر المستبعـد في المستقـبل، والذي يقتـرن وجـوده بإنشـاء قضـاء جنائـي دولـي يتولـى تطبيـق نصـوص جنائـية محـددة سلـفا بموجـب تقنـين دولـي شامـل، خاصـة إذا أخذنـا بعين الاعتـبار كون المبـدأ المذكـور من مبادئ العدالـة، ويدخـل ضمـن البرنـامج الواسـع الذي تبنـته الأمم المتحـدة لحمايـة حـقوق الإنسان على نطـاق دولـي.
جـاء في حيثـيات محكـمة نورمبـورغ ما يـلي: " لابـد أن تبين أولا أن مبـدأ جريـمة ولا عقوبـة إلا بنص هو ليـس قـيدا مفروضـا على السـيادة، بل هو مبـدأ من مبادئ العدالـة، والقول بعـدم معاقـبة أولئك الأشخـاص الذين خالفـوا وتحـدوا المعاهـدات وهاجمـوا الدول المحـايدة دون إنـذار بسبـب عـدم وجـود نص قانونـي صريـح يحـرم أعمالـهم.
إذ كـان ينبغـي أن يدرك أولئك الأشخـاص بأنهم ارتكـبوا أعمـالا غير مشروعـة، وبنفـس المنطـلق فإن عـدم معاقبتـهم هو الآخـر أمـر يتنافـى مع قواعـد العدالـة، إذ كـان ينبغي أن عملـهم هذا مناف لقواعـد القانـون الدولـي عندمـا ارتكـبوا أعمـالا بصـورة متعمـدة، منفذيـن مخططـا للغـزو والعـدوان، وعندمـا تؤخـذ هـذه الناحـية بعـين الاعتبـار يتبيـن للمحكمة أن لا مجـال للأخـذ بمبدأ لا جريـمة ولا عقاب إلا بالنسبة لهـذه القضـية".
تنص المادة 22 من نظـام رومـا الأساسـي على أنه: "لا يسـال الشخـص جنائـيا بموجـب هذا النظـام الأساسي ما لم يشكل السلـوك المعنـي وقـت وقوعـه جريـمة تدخـل في اختصاص المحكـمة، ويـؤول تعـريف الجريـمة تأويـلا دقيـقا، ولا يجـوز توسـيع نطـاقها عن طـريق القـياس.
وفي حالـة الغمـوض، يفسـر التعـريف لصاـلح المتـهم محـل التحـقيق أو المقاضـاة أو الإدانـة، ولا تؤثـر هـذه المـادة على تكييـف أي سلـوك على أنـه سلـوك إجرامـي بموجـب القانـون الدولـي، خـارج إطـار هـذا النظـام الأسـاسي".
ثانـيا: لا عقوبـة إلا بنـص
تبـعا لما تبين سابـقا من خـلال كل مـا أشرنـا إليه بخصـوص المـبدأ الذي ينـص على أنـه لا جريـمة إلا بنـص، فـإن تطبيـق الشـق الأخـير من هـذا المبـدأ وهـو ( لا عقوبـة إلا بنـص ) يمـكن أن يتأثـر بنفـس الاعتـبارات التي أحاطـت بالشـق الأول من المبـدأ.
فإذا كانت اتفاقـية لندن لسـنة 1945 نصـت على تجـريم واضـح لأفعـال معيـنة، وأنشـأت محكـمة دولـية تولـت تطبيـق تلك القواعـد، إلا أن ميـثاق المحكمة لم يتضـمن تحـديد العقوبـات واجـبة التطـبيق من قـبل المحـكمة، بل فوضـت المادة 27 من الميثاق للمحـكمة بأن تحـكم بـأي عقوبـة تـرى أنها عادلـة.
وحـذت لجـنة القانـون الدولـي في إعدادهـا لمشـروع تقنـين الجـرائم ضد أمـن وسلـم البشريـة حـذو المواثـيق السابـقة، فلم يتضمـن هـذا المشـروع تحـديدا للعقوبـات واجـبة التطـبيق، بل تـرك للمحـكمة المختصـة بموجـب المادة 05 من المشروع أن تقـرر مقـدار العقوبـة عند محاكـمة المتهـم بارتكاب أي جريـمة مـن الجـرائم المنصـوص عليها في التقنـين، مع الأخـذ بعين الاعتـبار خطـورة الجريـمة.
يشـكل هـذا النص إقـرارا بأن قاعـدة لا عقوبـة إلا بنص لم تلـق القبـول العـام في القانـون الدولـي الجـنائي، لكن المادة 23 من نظـام رومـا الأسـاسي نصـت بصـورة جلـية على أنـه: "لا يعاقـب أي شخـص بإدانـة المحـكمة إلا وفـقا لهـذا النظـام الأسـاسي".
حـددت المـادة 77 من هذا النظام مختلف العقوبـات واجـبة التطـبيق، وهي السجـن المؤقـت لفتـرة أقصاهـا 30 سنة، والسجـن المؤبـد والغرامـة والمصـادرة، فيما نصـت المادة 80 من نفس النظـام على أنه: "ليس في هذا الباب من النظام الأساسي ما يمنع الدول من توقـيع العقوبـات المنصـوص عليها في قوانينـها الوطنـية، أو يحـول دون تطـبيق قوانـين الدول التي لا تنص على العقوبـات المحـددة في هـذا الباب".
المطلـب الثالث: النتائج المترتـبة على اعتـبار العـرف الدولي مصـدرا وحـيدا للجرائم الدولية
يترتب عن اعتـبار العـرف الدولـي مصـدرا وحـيدا للجـرائم الدولـية عـدة نتائج، سوف تنعكس بدورهـا على فـكرة الجريـمة الدولـية وعلى المبادئ القانونـية التي تحـكمها .
1- غمـوض فـكرة الجـريمة الدولـية:
تفتقـر الجريـمة الدولـية إلى النمـوذج القانـوني لها، والذي يمـكن الاهتـداء بـه في تحـديد أركانها، خاصـة وأن مصـدرها الأسـاسي هـو العـرف الدولـي، وعلـة ذلك أن العـرف هـو دائـما فـي حالـة تطـور مستـمر.
يبقـى مفهـوم الجريـمة الدولـية بالمقابـل عرضـةً للتغـيير، وينعـكس ذلك على عمل القاضـي، الذي يعجـز فـي كثـير من الأحـيان عـن حصـر أركـان الجريمة الدولـية، من خـلال عـدم تمـكنه من تقـدير الوقـائع باعتـبارها جـرائم دولـية أو أنها مجـرد أفعـال لا جـرائم.
وحتى مع وجـود معاهـدات دولـية تجـرم أفعـالا بذاتـها، يثـور الخـلاف حـول تفسـير هـذه الأفعـال وتحـديدها، لـكون تلك المعاهـدات تفتقـر فـي الغالـب إلى صياغـة قانونـية واضحـة تبيـن ماهـية الجريـمة الدولـية التي تدرسـها.
2- قاعـدة عـدم الرجعـية فـي القانـون الدولـي الجنائـي:
تعتبـر قاعـدة عـدم الرجعـية نتيجـة حتمـية لمبـدأ الشرعـية، إذ تنص على عـدم جـواز سريـان القانـون على الأفـعال التي سبقـت وجـوده من حـيث التجـريم، و معنى ذلك أنه يجـب تحـديد زمـن القانـون المجـرم للفـعل، حتى يتمـكن القاضـي استبـعاد تطبيـقه بالنسـبة للأفـعال التي سبقـت صـدوره.
ولكن مـا دام أن مصـدر الجـرائم الدولـية هـو العـرف، وأن الأخـير بالإضافـة إلى صعوبـة تحـديد تـاريخ ميـلاده بالتدقيـق فهـو يتغـير باستمـرار ، وبذلك يتعسـر تطبيـق هذه القاعـدة في مجـال القانـون الدولـي الجنائـي.
كما أننا من جـهة أخـرى لا نستطـيع أن نعتـمد على المعاهـدات الدولـية، التي لا تعـد منشـئة للتجـريم، وإنما هي كاشـفة عنه فحـسب، بمعـنى أن التجـريم موجـود فـي العـرف قبل قـيام المعاهـدة، وأن هـذه الأخـيرة لم تفعـل شيـئا سـوى أنها كشفـت عـن العـرف المجـرم وقـامت بتسجـيله.
3- القـياس والتفسـير الموسـع:
إذا كان مبـدأ الشرعـية يقتضـي فـي القانـون الداخـلي عـدم اللجـوء إلى القـياس في نطـاق التجـريم، خشـية أن يؤدي ذلك إلى خـلق جـرائم جـديدة لم ينص عليها القانـون، فإن الأمـر بالنسـبة للجريـمة الدولـية التي مصدرهـا العـرف مختلف عن ذلك، إذ على هـذا الأسـاس، يؤدي انعـدام مشـرع دولـي يواكـب التطـورات بالنسـبة للأفـعال التي تمـس مصلحـة الجماعـة الدولـية وتجريـمها، إلى جعـل القيـاس مجـازا نوعـا مـا، ونفس القـول ينطبـق على مسألـة التفسـير الموسـع، فقد نصـت فلائحـة نورمبـورغ عـددت جـرائم الحـرب في مادتـها السادسـة على سبيل المثال لا الحصـر في مادتـها الخامسـة على ما يلي:
"جـرائم الحـرب هي مخالـفة قوانـين وعـادات الحـرب، دون ذكـر الأمثـلة المذكـورة في اللائحـة نفسـها، وكل هـذا يـدل على إمكانـية إضافـة الأفعـال التي تـرد بالنص عمـلا بالتفسـير الموسـع.
والـرأي الراجـح أنـه كلـما اكتـمل القانـون الدولـي الجنائـي وأخـذ الاتجـاه السلـيم من حيث تعريف الجريمة الدولـية وبيان أركـانها، وتدويـنها بصياغة قانونـية صحيحـة، كلما أصبح الأخـذ بالقياس أمرـا غير مرغـوب فيه، أمـا حالـيا فمـن السابـق لأوانـه القـول بضرورة استبعـاد القياس والتـزام التفسـير الضيـق فـي قانـون عرفـي لا يـزال في طـور التكـوين.
المطـلب الرابـع: ضـرورة وجـود تشريـع جنائـي دولـي مرتبـط بالجريـمة الدولـية
لا يشـبه خضـوع الجريـمة الدولـية لمبـدأ الشرعـية نفس ما يتم تطبيقـه فيما يخص هـذا المبدأ في مجـال القانـون الجنائـي الداخـلي، وبما أن العـرف اعتـبر منذ زمـن طـويل أهم مصـدر في القانـون الدولـي الجـنائي، وفرضـت طبيعتـه اللجـوء إلى التفسـير الواسـع أو القيـاس، فإن المعاهـدات الدوليـة في مجـملها تقنـن العـرف في الغالـب، وتكرسـه وتزيـده إيضاحـا وتحـديدا، وإن كـانت صياغـته تـكون فـي الغالـب غامضـة أو غير دقيـقة، مما يستوجـب الاستعانـة بالتفسـير والقـياس لتحـديد موضوعـها ، ولكن يمـكن التغلـب على هـذه الإشكالـية بطريقتـين، يراهمـا أغلـب الفقـه أكثـر ملاءمـة لتمـكين وتطبيـق مبـدأ الشرعـية في مجـال القانـون الدولـي الجنائـي، وهمـا:
الطريقـة الأولـى: تضمـين الأنظـمة الأساسـية المحـاكم الدولـية الجنائـية بأنـواع الجـرائم الدولـية والعقوبـات المقابـلة لها، وجـعل الاتفاقيـات الدولـية التي تعـالج مسـألة الجريـمة الدولـية دقيـقة فـي تحـديد الجـرائم التي تعالجـها وكذلك العقوبـات المقابـلة لها.
الطريـقة الثانـية: تدعـيم مبـدأ عالمـية حـق العـقاب، بحيث يتوسـع الاختصـاص القانونـي والقضـائي الدولـي بتضمـين التشريـعات الوطنيـة مخـتلف أنـواع الجـرائم الدولـية والعقوبـات المقابـلة لها، حتى إذا عجـز القانـون والقضـاء الجـنائي الدولـي عـن زجـر بعـض تلك الجـرائم تصـدى لها القانـون الداخـلي للدولـة التي يـؤول إليها الاختصاص المـكاني أو الموضـوعي للنظـر ومعالجـة تلك الجـرائم .
المبحـث الثانـي: الركـن المـادي للجريـمة الدولـية
تتضمـن دراسـة الركـن المـادي تعريـفه، ثم صـور السلـوك المـكون لهـذا الركـن، مع دراسـة المساهـمة والشـروع فـي الجريـمة الدولـية.
المطـلب الأول: تعـريف الركـن المـادي
ينصـرف الركـن المـادي إلى ماديـات الجريـمة، أي المظهـر الذي تظهـر فيه إلى العالـم الخـارجي، ويتحـلل الركـن المـادي عـادة إلى ثلاثـة عناصـر: السلـوك (فعـل/أو /امتـناع)، النتيجـة، رابطـة السببـية.
فالسلـوك نشـاط إيجـابي أو موقـف سلـبي، ينسـب صـدوره إلى الجـاني، أما النتيجـة فهـي الأثـر الخـارجي الذي يتجـسد فيه الاعتـداء على حـق يحمـيه القانـون، فيما تعني رابطـة السببـية تلك الصـلة التي تربـط مـا بين السلـوك والنتيجـة، أي العلاقـة التي بمقتضاهـا يمكن تبيـان مـدى الصلـة مـا بين النتيجـة والسلوك، وهي صـلة المسبب بالسبب .
يعتـبر السلـوك البشـري الإرادي ركـنا مـن أركـان الجريـمة الدولـية، التي يمكن أن تقـع في المحـيط الدولـي فتـقع النتيجـة حصيـلة ذلك التصـرف، وهـو مـا يطـلق علـيه بالجريـمة التامـة، أو أنها لا تبـلغ تلك المرحـلة وتقتصـر على أعـمال الإعـداد والتحضـير.
كمـبدأ عـام في التشريـعات الوطنـية، لا يسلـط عقـاب على الأعـمال التحضيريـة، في حين أن هـذه المرحـلة تدخـل ضمـن نطـاق السلـوك الإجـرامي في القانـون الدولي الجـنائي، خاصـة إذا تعـلق الأمـر بذلك النـوع مـن الجـرائم الدولـية التي ترتبـط بصمـيم السـلم والأمـن الدولـييْن.
اعتبـرت أعـمال التحضـير والإعـداد للحـرب العدوانـية تصرفـات معاقـب عليها بموجـب المـادة 07 مـن لائحـة محـكمة طوكـيو، والمادة 6 من لائحـة نورومبـورغ، كذلك اعتـبر مشروع تقـنين الجـرائم ضد أمـن وسـلم البشريـة من ضمن الجـرائم الدولـية:
"كـل تهـديد باللجـوء إلى العـدوان تقـوم به سلطـات دولـة ضد دولـة أخرى" المادة 02/02.
يتحـقق الركـن المـادي للجريمـة فـي التشريعـات الوطنـية بصـورتين، إما التصـرف الايجـابي أو التصـرف السلـبي، ففـي الصـورة الأولى تتحـقق الجريـمة نتيجـة لامتـزاج إرادة الإنسـان بحركـاته العضويـة، منتجـة بذلك عـملا يحظـره القانـون، في حـين يـكون مظـهر الإرادة فـي التصـرف السلـبي هـو الامـتناع عـن إنجـاز حركـات عضويـة يأمـر القانـون بأدائـها ، ومهما يكن فـإن تطـلب الركـن المادي لقـيام الجريـمة أمـر يجـعل من اليسـير إثـبات وقـوع هـذه الجـريمة، وعلى العـكس مـن هـذا فـإن تجـريم النوايـا والعـقاب عليها لا يخـلو من شطـط، إذ من الصعـب إن لم يكن من المستحـيل عملـيا إثـبات هـذه النوايـا .
المطـلب الثانـي: صـور السلـوك المـكون للركـن المـادي
يعتبـر السلـوك كما أشرنـا إلى ذلك سابـقا نشـاطا إيجـابيا أو موقـفا ينسـب صـدوره إلى الجـاني، ونتيجـته هـي الأثـر الخـارجي الذي يتجـسد فيه الاعتـداء على حـق يحمـيه القانـون، ومـن هـذا التعـريف يمـكن أن نستـنتج أن للسلـوك صورتـين سلـوك إيجـابي وآخـر سلـبي.
أولا: السلـوك الإيجـابي
يتمـثل هـذا السلـوك فـي القـيام بعـمل يحظـره القانـون، ويـؤدي إلى قـيام الجريـمة، فالدولـة التي تقـوم بشـن هجـوم على دولـة أخـرى، أو تغزوهـا، أو تضـربها بالقنابـل، أو تفـرض عليها حصـارا بريـا أو بحريـا أو جـويا، تسـلك سلوكـا مخالـفا للقانـون، وتعـد مرتكبة لجريـمة دولـية.
يوجـب العـرف الدولـي على الدولـة أن تمـتنع عن ارتـكاب الأعـمال التي تفضـي إلى الجـرائم الدولـية، وإذا خالفـت دولـة معيـنة مـا أمـر بـه القانـون بالامـتناع عن إتيان فعل معـين، وذلك بأن قامـت به فعـلا عُـدَّ عمـلها هـذا سلوكـا ايجابـيا نجـمت عـنه جريـمة دولـية.
وصـورة الفـعل الايجـابي المؤدي إلى الجريـمة هي الصـورة الغالـبة في القانـون، لكون تجـريم الأفعـال يعنـي النهـي عن إتيانـها.
ولكن السلـوك الايجـابي في مفهـوم القانـون الدولـي الجنائـي يتعـدى مفهومـه في القانـون الوطـني، فيشـمل التهـديد بالقـيام بأعـمال، كما أشرنـا سابـقا من خـلال المادة 02 من مشـروع تقنـين الجـرائم ضد سـلام وأمـن البشريـة (1954).
إذا تناولـنا صـورة مـن صـور الجـرائم الدولـية، كالجـرائم ضـد الإنسانـية، وبالأخـص جريـمة إبـادة الجـنس البشـري، فإن الركـن المـادي لها يتجـسد بصـفة قد تـكون شامـلة في السلـوك الايجـابي، الذي يتجـلى في الأفعـال التي نصـت عليها المادة السادسـة من النظـام الأسـاسي للمحـكمة الجنائـية الدولـية، والتي جـاءت مطابـقة تمامـا لما عليه المادة الثانـية من اتفاقـية سنة 1948 لمنـع جريـمة إبـادة الجـنس البشـري والجـزاء عليها.
ومع ذلك، من حـيث الأفعـال التي يتـكون منها الركـن المـادي لتلك الجـريمة، وحيث جـاء كـما يلـي: "تعـني الإبـادة الجماعـية أي فعـل من الأفعـال التالـية، يرتـكب بقصـد إهـلاك جماعـة قومـية أو إثنـية، أو عرقيـة أو دينـية، بصفـتها هـذه، إهلاكـا كلـيا أو جزئـيا:
1- قـتل أفـراد الجماعـة.
2- إلحـاق ضـرر جسـدي أو نفسـي جسـيم بأفـراد الجماعـة.
3- إخضـاع الجماعـة عمـدا لأحـوال معيشـية يقصـد بها الإهـلاك النفسـي
كلـيا أو جزئـيا.
4- فـرض تدابـير تستهـدف الإنجـاب داخـل الجماعـة.
5- نقـل أطفـال الجماعـة عنـوة إلى جماعـة أخـرى".
ففي الحالـة الأولـى، والمتمثـلة في قـتل أفـراد الجماعـة، يقصـد بهذا السلـوك الايجـابي ضـرورة وقـوع عملـية القـتل الجـماعي، ولا يهـم العـدد هـنا بقـدر أهمـية الفـعل، والإبـادة هـنا جريـمة موجـهة إلى الجـنس البشـري، سـواء مـن الرجـال أو الأطـفال أو النسـاء.
أمـا بخصـوص الحالـة الثانـية، والمتمثـلة في إلحـاق أذى أو ضـرر جسـدي أو عقـلي جسـيم بأعضـاء الجماعـة، فإنها وسيـلة أخـرى من وسـائل الإبـادة، وإن كـانت أقـل وحشـية من القـتل، ولا تـؤدي إلى الإبـادة المطلـقة، إلا أنها تنطـوي على قـدر كـبير من العـدوان الإنسـاني، مثل تعـرض أفـراد الجماعـة للإصابـات بأمـراض معديـة، أو ضربـهم ضربـا مبرحـا يفضـي إلى إحـداث عاهـات مستديـمة بهم، أو تعذيبـهم إلى الحـد الذي يصـيب ملكـاتهم العقلـية، وهي أفعـال تمـهد للإبـادة البطيـئة، مما يفقـد أعضـاء الجماعـة القـدرة على ممارسـة وظـائفهم في الحـياة الاجتماعـية .
ونفـس القـول يشـمل باقـي حـالات وصـور الجـرائم ضد الإنسانـية، حـيث يتجـلى السلـوك الإجـرامي مـن خلالـها فـي أفعـال ماديـة ايجابـية تـؤدي إلـى إلحـاق الأذى الجسـدي أو النفسـاني بالضحايـا.
يقـوم الركـن المادي، الذي يتجـلى في سلـوك إيجـابي في مخـتلف الجـرائم ضد الإنسانـية، عـادة على "مجموعـة من الأفـعال الخطـيرة التي تصـيب المصالح الجوهـرية لإنسان أو مجموعـة من البشـر، يجمعـهم ربـاط واحـد: سياسـي، أو عرقـي، أو دينـي، أو ثقافـي، أو قومـي، أوإثنـي، أو متعـلق بنـوع الجـنس، كما يجب في هذه الحـالات أن ترتـكب الأفـعال الماديـة المذكـورة في إطـار هجـوم واسـع النطـاق أو منهجـي ضد أي مجموعـة مـن السـكان المدنـيين" (المادة 7/1 من نظـام رومـا الأساسـي).
يقصـد بالهجـوم الموجـه ضد مجموعـة مـن السـكان المدنـيين ذلك النهـج السلوكـي المتضـمن "تكـرار الأفـعال المجرمـة ضد أي مجموعـة مـن السـكان المدنـيين، التي تنتـمي إلى إحـدى الروابـط السابـقة، تنفـيذا لسياسـة دولـة أو منظـمة تقضـي بارتـكاب هـذا الهجـوم، أو تعزيـزا لهـذه السياسـة" (م 7/2/أ مـن نظـام رومـا الأسـاسي) وتقع الجريـمة ضـد الإنسانـية بأحـد الأفعـال الماديـة الايجـابية التالية (م7/1 مـن أ إلى ك من نظـام رومـا الأسـاسي):
1 – القـتل العمـد بالسلـوك الإيجـابي، أي كـانت الوسيـلة التي يتحـقق بها إرهـاق الروح.
2 - الإبـادة وقـد أشرنـا إليها سابـقا.
3 - الاسترقـاق، ويعـني ممارسـة أي مـن السلطـات المترتـبة عن حـق الملكـية، أو هـذه السلطـات جميـعها على شخـص مـا، في سبـيل الاتجـار بالأشخـاص، ولا سيـما النسـاء والأطـفال (م7/2/جـ).
4 – إبعـاد السـكان أو النـقل القسـري لهـم، ويعـني نقلـهم قسـرا مـن المنطـقة التي يقيمـون فيها، وذلك عـن طريـق الطـرد، أو أي فعـل قسـري آخـر، دون مبـررات يسـمح بها القانـون الدولـي ( م7/2/د).
5 - السجـن أو الحرمـان الشـديد مـن الحريـة البدنـية دون تهـمة أو محاكـمة.
6 – التعـذيب: ويعـني إلحـاق ألـم شـديد أو معانـاة شـديدة، سـواء بدنـيا أو عقلـيا، بشخـص موجـود تحـت إشـرافه أو سيطـرته، مثل تعـذيب المحـكوم عليهم، أو المعتقلـين في السجـون.
7 – الاغتصـاب والاستعبـاد الجنـسي، أو الإكـراه على البـغاء، أو الحـمل القسـري، أو التعقـيم القسـري، أو أي شـكل مـن أشـكال العنـف الجنـسي على مثل هذه الدرجـة من الخطـورة، مثل هـتك العـرض، على غرار مـا حـدث من الجـنود الصربـيين ضد نسـاء البوسنة والهرسك في يوغسلافـيا السابـقة.
8 - اضطـهاد أي جماعـة محـددة أو مجموعـة محـددة من السـكان لأسـباب سياسـية أو عرقـية أو قومـية أو إثنـية أو ثقافـية أو دينـية، أو متعلقـة بنـوع الجـنس، أو لأسبـاب أخـرى من المسلم عالمـيا أن القانـون الدولـي لا يجـيزها.
ويعـني الاضطـهاد حرمـان جماعـة من السـكان حرمانـا متعمـدا وشـديدا مـن الحـقوق الأساسـية بما يخـالف القانـون الدولـي، وذلك بسبب هويـة الجماعـة، أما الاختـفاء ألقسـري للأشخـاص فيعنـي إلـقاء القبـض على الأشخـاص، أو احتجـازهم، أو اختطـافهم مـن قبل دولـة، أو منظـمة سياسـية، أو بـإذن أو دعـم منها لهـذا الفـعل.
يقصـد بجريـمة الفصـل العنصـري أيـة أفعـال لا إنسانـية، مثل الاضطـهاد المنهجـي من جـانب جماعـة عرقـية واحـدة إزاء جماعـات عرقـية أخـرى، وترتـكب بنـية الإبـقاء على النظـام، إذ يلاحـظ بصـفة عامـة أنـه يشتـرط في الأفـعال السابـقة التي يتكون منها الركـن المـادي في الجريـمة ضـد الإنسانـية أن تكون جسيـمة، وتقديـر درجـة الجسامـة أمـر متـروك للسلطـة التقديريـة للقضـاء الدولـي الجـنائي، وإن كانت بعض الأفعـال السابـقة تعتـبر جسيـمة بطبيعـتها كالقـتل العمـد، والاسترقـاق الجمـاعي المتـكرر .
من تطبيـقات ذلك القـتل الجـماعي الذي اقترفـته النازيـة خـلال الحـرب العالمـية الثانـية، فقد اعتـرف القائـد الألمانـي "essoH" عند محاكمـته بقتـل ثلاثـة ملايـين مـن البشـر، أن الخطـة التي وضعـها كانت تقضـي بقـتل مليونـين ونصـف ليـس إلا!!
كما علـق على ذلك القائـد "Frank" عند محاكمـته أيضـا بأن هـذا الاعتـراف بقـتل هذا العـدد الكـبير من الأبريـاء سيظـل مدعـاة للخـزي والعـار، ولـن يغيـب عن ذاكـرة الناس قبـل ألف عـام.
ثانـيا: السلـوك السلبـي
يجـرم القانـون الدولـي الجـنائي سلـوك الامتـناع لذاتـه، ويعتـبره تصرفـا جرمـيا، فقد نص مشـروع تقنـين الجـرائم ضد أمـن وسـلم البشريـة على عـدد من الجـرائم السلبـية، مثال ذلك مـا نصـت علـيه (المـادة 2 الفقـرة 4) حـول امتنـاع سلطـة الدولـة عـن منـع العصابـات المسلحـة من استخـدام إقليـمها كقاعـدة للعملـيات، أو كنقطـة للإغـارة على إقلـيم دولـة أخـرى، إضافـة إلى مـا نصـت عليه أيضـا الفقـرة السابعـة من نفـس المادة بشـأن امتـناع الدولـة عـن الحـد من التسـلح، الذي اعتبرتـه إخـلالا بالتـزام دولـي يفـرض هـذا التحـديد.
جـاءت المادة الأولـى من الأنظمـة الملحـقة باتفاقـية لاهـاي الرابعـة لسنة 1907 بعـبارة (الشخص المسؤول) مشـيرة إلى مسؤوليـته عن أعمال تابـعة، كما أقـرت لجـنة المسؤوليات المنبثـقة عن مؤتمـر السـلام التمهـيدي لسنة 1919 مسؤولية الرؤسـاء عن جرائم مرؤوسيـهم، وبنـتْ تلك المسؤولـية على علم الرئيـس بالجـرائم التي يرتكـبها مرؤوسـوه وعلى إمكانـية منعـهم لها.
وعندمـا قـدم الأستـاذ "Spiro Polaus" المقـرر الخـاص للجـنة القانـون الدولـي بشـأن مشـروع تقنـين الجـرائم ضد أمـن وسـلم البشريـة تقريـره إلى اللجـنة، اقتـرح فيه بعـد أن أشـار إلى مـا جـرى عليه العـرف الدولـي بشأن تجـريم التصـرف السلـبي وضـع النص التالـي: " أي شخـص يشغـل مركـزا رسمـيا أم مدنـيا يقصـر في اتخـاذ الإجـراءات اللازمـة بموجـب سلطـاته، وفي ضمـن اختصاصـه لمنـع التصرفـات المعاقـب عليها بموجـب مشـروع التقـنين، سـوف يسـأل طبـقا للقانـون الدولـي ويكون عرضـة للعـقاب" .
وقد حـذت معظـم هـذه الاتفاقـيات الوطنـية الخاصـة بمعاقبـة مجـرمي الحـرب والتي صـدرت عقـب الحـرب العالمـية الثانـية حـذو هـذه النصـوص القانونـية الدولـية، فأعلنـت عن مبـدأ من مبادئ القانـون تم بموجـبه فـرض التـزام على القائـد بمـنع مرؤوسيه من اقتـراف جـرائم الحـرب.
وتثـبت المسؤولـية الجنائـية بحـقه في حـال امتناعـه عـن إتيـان ذلك التصـرف، حيث يعتـبر فاعـلا أصلـيا أو شريـكا حسـب الأحـوال، ويجـب لكي تثبـت المسؤولـية الجنائـية بحـقه أن يتوافـر لديـه علـم بأن مرؤوسـيه عازمـون على ارتكاب الجـرائم، أو أنهم قد ارتكبوهـا ولم تتجـه إرادتهم بالتصـرف لمنع تلك الجـرائم ومعاقـبة مرؤوسـيه عنها .
أقـر القضـاء أن الوطنـي والدولـي هـذه الفكـرة فـي قضايـا كثـيرة بعـد الحـرب العالمـية الثانـية، ففـي قضـيةHaigh Command Trial التي نظرت فيها المحـكمة العسكريـة الأمريكـية نورمبـورغ عـام 1948 أعلـنت المحكمة صراحـة على أن: "القائـد يجـب أن يعلم بالجـرائم التي يرتكبها مرؤوسـوه، و يقـبل أو يشترك أو بهـمل إهمالا خطيرا في منع ارتكابها".
أما في قضـية الجـنرال Yamashite التي نظرت فيها المحكمة الأمريكية العلـيا، فقد أوضحـت التهـمة بأن الشخـص المذكـور خـلال الفتـرة الممتـدة 1944 و1945 عندمـا قصـر قائـد القـوات المسلحـة اليابانـية في حـربها ضد الولايـات المتحـدة وحلفائـها بشكل غير مشـروع، فأهمـل في أداء واجباتـه بالسيطـرة على العملـيات التي نفذهـا مرؤوسـوه، وذلك بأن سمح لهم بارتكاب مجـازر وحشـية وجرائم أخـرى مروعـة ضد شعـب الولايـات المتحـدة وحلفائها والأقطار التابعة لها، وخاصة في الفليبين، لـذا يعتبـر بعمـله هـذا قد خـرق قانـون الحـرب.
كما جـاء في حيثـيات حـكم المحـكمة أنه قد دفـع أمام المحـكمة أن التهـمة لم توضـح حقيقة كون المتـهم قد ارتكب أو أمـر بارتكاب تلك الأفعـال، وبالنتيجة لا يمكن اتهامه بتهمة خرقـه لقوانيـن الحـرب، ولكن هذا الاعتراف تجاهـل حقيقة كون جوهـر التهـمة الموجـهة إليه هي ليست كذلك، بل عن تقصيره في أداء الواجـب الملقى على عاتقه كقائـد عسكري، وذلك بعدم السيطرة على العملـيات التي يرتكبها الجـند الذي يأتمـرون بإمـارته، وعن سماحـه لهم بارتكـاب جـرائم على نطـاق واسـع.
تدور المسألـة إذن فيما إذا كـان قانـون الحـرب يفـرض على كل قائـد عسكري واجـب اتخـاذ كل الإجـراءات الفعالـة ضمـن نطـاق سلطـاته بالسيطـرة على الجـند التابعـين لـه، بحيث تحـول بينهم وبين صـدور أي فعـل ينتـهك قوانـين الحـرب، وفيما إذا كان بالإمكان مساءلته شخصـيا عن تقصـيره باتخـاذ تلك الإجـراءات عند وقـوع تلك الخـروق.
وقـد خلصـت المحكمة إلى أن كل قائـد عسكري مكلف بواجـب اتخـاذ الإجـراءات التي في وسـعه اتخـاذها ضمـن نطـاق سلطـته، وطبـقا للظـروف، من أجل حـماية أسـرى الحـرب والسكان المدنيين، مشـيرة بذلك إلى المـواد من 1 إلى 43 من أنظـمة لاهـاي الملحـقة باتفاقـية لاهـاي الرابعة لسنة 1907، والمادة 26 من اتفاقية جنيف لسنة 1929، وبذلك أعتبر الجنرال Yamashite مسئولا عن تلك الجـرائم.
من الحكم السابق، يبدو أن المحكمة اعتبـرت المتهم مسؤولا عن الجـرائم التي ارتكبها مرؤوسـوه بامتناعـه عن الإهمـال في اتخـاذ الإجـراءات الضروريـة لمنعـهم من اقترافـها، وعليه أعتـبر الامتناع مساويـا للتصـرف الايجـابي بموجـب نص المادة 13/1 من اتفاقية جنيف الثالثة لسنة 1949 والتي جاء فيها: "أي عمل غير مشروع أو امتناع من قبل السلطة المحتجزة يسبب الموت، أو يعـرض امتنـاع أسـرى الحـرب للخطـر يعتـبر ممنوعـا ويعـد من الخـروق الخطيرة لهذه الاتفاـقية".
قـد لا يقع تصـرف الدولة مثلا أو مسئوليها تحـت صـورة السلـوك الايجـابي أو السلـوك السلبي، ولكنها مع ذلك تمتـنع عن عمـل لـو قامـت به لمنعـت حـدوث الجريـمة، ويقـدم الفقه عن ذلك عـدة أمثلة كالقتل عن طريق الامتناع عن تقديم الطعام للأسير، أو عدم تقديم الدواء للمجـرم من الأعداء الذين أوقعـوه في الأسـر، أو منع بيع الدواء لإقليم العـدو الذي تحـتله الدولـة، ففي هذه الأحـوال تقـوم الجريمة الدولية بمجـرد الامتناع.
ويفـرق الفقه بين هـذه الصـورة من السلـوك – أي مجـرد الامتنـاع – وبين صـورة السلـوك السلبي نفسـه، ففي جـرائم السلـوك بالامتناع لا تقـوم الجـريمة إلا إذا تحـققت النتيجـة، إذ أن الامتناع نفسه ليس جرمـا إلا في صـورة السلـوك السلبي، أمـا في جـرائم السلـوك السلبـي فـإن الدولـة تحجـم عن عمل من واجـبها القـيام به، لذلك فامتناعـها نفسه هـو المقصـود بالتجـريم بغـض النظـر عن تحـقق النتيجـة أو عـدم تحـقق النتيجـة.
ومـرد تجـريم النتائج التي حدثـت بسبب الامتنـاع يعـزى إلى تنكـر الدولة لالتزامها بموجـب العـرف والمعاهـدات الدولـية، وعليه فإن امتناع الدولـة عن التصـرف بما يمنـع الجريـمة بغيـاب أي عرف يلزمها بذلك لا يكون جريمة الامتناع ولو حـدثت الجريـمة المنهـي عليها، وعلى هذا الأساس فإننا لا نخـرج عما هو معـروف في القانـون الجنائي الداخلي، حيث لا يعتبر الممتنع مسئولا ولـو حـدثت الجريـمة، إلا إذا خالـف التزامـا قانونـيا أو تعاقديـا أو حتى التزامـا أدبيـا يقع على عاتقـه .
المطلـب الثالـث: المساهـمة والشـروع في الجريـمة الدولـية
أولا: المساهـمة في الجريـمة الدولـية
يتمـيز القانـون الدولـي الجنائـي بوجـود نظريـة عامـة تحـكم نظريـة المساهـمة الجنائـية، وتقـوم على وجـوب المساواة التامـة بين جمـيع المساهمين في اقتراف الجريمة الدولـية، وهذا ما تأكـد في بعض المواثيـق الدوليـة التي نذكر منها خصوصـا ما نصت عليه المادة السادسة من لائحـة نورمبرغ في فقرتها الأخـيرة: "إن للمدبـرين والمنظمـين والمحضـرين والشركاء الذين ساهمـوا في تجهـيز أو تنفـيذ خطـة مرسومـة، أو مؤامـرة لارتكاب إحـدى الجـرائم الدولـية يعـدون مسئولين عن كل الأفعـال المرتكبة من جميع الأشخـاص تنفيـذا لتلك الخطـة".
ونفس الاتجـاه ذهبـت إليه عـدة نصـوص دولـية، من أهمـها المادة 05 الفقـرة الأخـيرة من لائحـة طوكـيو، والمادة 03 من اتفاقـية منع إبـادة الجـنس البشـري لسنة 1948، والمادة الثانـية فقـرة 13 من مشـروع قانـون الجرائـم ضد سـلام وأمـن البشرية 1954 .
ولذلك، فإن الأخـذ بهـذا المفهـوم يؤدي إلى وضـع جمـيع المساهمـين في الجريمة منزلـة الفاعـل الأصـلي، وعليه فإن السلـوك الإجـرامي في نطـاق القانـون الدولـي الجنائـي يأخـذ صـورة أوسـع من الصـورة التي هي عليه في القانون الداخـلي، إذ يشمـل التآمـر وتدمـير الخطـة، والتنظـيم والمساعـدة والتحـريض، وكل صـور المشاركـة الأخـرى بالإعـداد للجريـمة أو اقترافـها.
ثانـيا: الشـروع في الجريـمة الدولـية
الشـروع في جريـمة ناقصـة غير مكتمـلة، وهو جريـمة توافـر لها الركـن المعنـوي، ولكن تخـلف فيها الركـن المادي بصـورة كلـية أو جزئـية فهو جريـمة ناقصـة ، وهذا النقص في البيـان القانونـي للجريـمة يتعـلق بماديـات الجـريمة، وينصـب تحـديدا على النتيجـة الإجرامـية التي لم تقع لسبب لا دخـل لإرادة الفاعل به، مع توافـر القصـد الجـنائي كصـورة للركـن المعنـوي في هـذه الجريمة، وعلي ذلك الأساس كانت حكـمة تجريم الشروع، الذي يتمـثل في النـية الإجرامـية التي توافـرت لـدى الجـاني، والتي اقتـرنت بالسلـوك الإجرامـي.
وفي مجـال القانـون الدولـي الجنائـي، أخـذ الاتجـاه الفقهـي السائـد بالنظريـة الشخصـية التي تربـط الشـروع بنـية الجـاني، فـإذا دلـت أعمالـه وظروفـه على أنه مقـدم على ارتكاب الجريـمة لا محالـة، اعتبـر أنه شـرع في الجريـمة.
فطالـما أن القانـون الدولـي يجـرم الأعمـال التحضيريـة والأمـثلة عـديدة على ذلك، فقد تم تجـريم الإعـداد أو التحضـير أو التخـطيط أو التدبيـر للحـرب العدوانـية، أو التآمـر أو حتى الدعايـة الإعلامـية للحـرب، وكلها أعمال تحضيريـة جـرمها العـرف الدولـي وسجلـتها المعاهـدات الدولـية .
نشـير أخـيرا إلى أن عـدول الشخـص عن إتمـام الجريـمة عـدولا اختياريـا، أو يكون حائـلا بأي وسيـلة أخـرى دون ارتكاب هذه الجريـمة يكون سـببا معفـيا من العـقاب، حسب مـا نصت عليه المادة 25 من النظـام الأسـاسي للمحـكمة الجنائـية الدولـية .
المطلـب الرابـع: أسـباب الإباحـة النافـية للجريـمة الدولـية
إن المقصـود بأسباب الإباحـة في القانـون الداخـلي هـو توافـر الظـروف والوقائـع التي بوجودهـا يتم نفي الصـفة غير المشروعـة عن الفعل المجـرم بموجـب نص جزائـي، فأسباب الإباحـة إذن تفترض أن الفعل قد توافـرت فيه كافة العناصـر والأركـان اللازمـة لقيام الجريـمة، والمبينـة في نص التجـريم، ثم ينحصر دورهـا في إخـراج هذا الفعل من نطاق التجـريم، حيث تنتفي عنه صـفة عدم المشروعـية فيصـبح مباحـا .
إن أسباب الإباحـة يجـد مصـدره في أن العـلة من التجـريم هي حمايـة حـقوق ومصـالح اجتماعـية جـديرة بالحماية الجنائـية، غير أن الفعل قد يرتكب في ظـروف تنتـفي معها عـلة التجـريم، بحيث تصـبح المصلحـة المحمـية مع توافـر تلك الظـروف غير جـديرة بالحـماية، ولذلك فحـالات الإباحـة تجـد وعلـة وجـودها في انتـفاء عـلة التجـريم إذا وقع الفعل مع أحـد تلك الحالات.
يسايـر القانـون الدولـي الاتجـاه السابـق، فيقـر أسبـاب الإباحـة التي تتمـثل في المعامـلة بالمـثل والدفـاع الشرعـي، وحالـة الضـرورة وطاعـة الأمـر الصادر من رئيس ورضـا المجني عليه، والحـق المستند من قانـون الشعوب، وحـق التدخـل لصالح الإنسانـية .
أولا: المعامـلة بالمـثل
تتمـثل أساسا في رد فعل الدولـة المعتـدى عليها ضد الدولـة المعتديـة بعمل غير شرعـي مماثـل، فالعمل الذي قامـت به الدولـة كـرد فعـل هو عمل غير مشـروع من حيث الأصل، لكنه بحسـب بعض الآراء المؤيـدة لمبـدأ المعامـلة بالمـثل يعد عمـلا مبـررا يخـلو من معنى الاعتـداء، إذ يقصـد منه مجـرد مقابـلة الشـر بشـر مثله، وبذلك فإن المعامـلة بالمثل ليست معاملة خاصـة، أو عدالـة خاصة ترتكـز على شريعـة القصـاص أو أخـذ الحـق باليـد.
هناك تعريفـات متعـددة لمبدأ المعامـلة بالمثل، أو ما يصطـلح عليه بالأعـمال الانتقامـية، فقد عرفها الفقـيه "أوبنهايم" بأنها: "أفـعال غير مشروعـة دولـيا ومضـرة تتخـذ من قبل دولـة ضد دولـة أخـرى، كاستثـناء مسمـوح به لإكـراه الدولـة الأخـيرة حتى توافـق على التسويـة المناسـبة للخـلاف الناجـم عن جريـمة دولـية" .
يمكن للأفـعال الانتقامـية أن تأخـذ أي شكل غير مشـروع فيه اعتـداء على أشخـاص وممتلكات الدولة المعتديـة، إلا أنه يظـهر حـاليا في الفقه الحـديث للقانـون الدولي اتجـاه نحو عدم الاعتـراف بالأعمال الانتقامـية باعتبارهـا سببا من أسباب الإباحـة، يشـمل كل الأعـمال الانتقامية سـواء أكانت في وقت الحـرب أو في وقت السـلم، ويكون ذلك العمـل لا يتماشـى مع الأعـراف المستجـدة التي تمنع الدول اللجـوء إلى الحـرب لتسويـة خلافـاتها مع الدول الأخرى، كما تمت مؤاخـذة هذا المبدأ على كونه مجـافيا لفكرتـي العدالـة والأخـلاق، كونه يصيب الأبرياء من جـهة، واعتـباره تطبيق عملـي للفـكرة الممقوتة القائـلة بان الغاية تبـرر الوسيلة .
وبالرغم مما سبق ذكـره، فإن الرأي السائـد في الفقه يذهـب إلى اعتبار المعامـلة بالمثل عملا مبـررا تقتضيه الضروريـات العملية في الحياة الدولـية، حيث لا تستطيع الدولـة المعتدى عليها أن تلجـأ إلى مخاصـمة الدولة المعتدية قضائـيا، نظـرا لغـياب القانـون الدولي الجنـائي، وافتـقار العالم لأداة فعلـية تنفـذ الحـكم القضائـي إن وجـد، وقد تحـددت شـروط تطـبيق هذا المبـدأ على النحـو التالـي:
1- أن يكون الفعل غير المشـروع الذي قامـت به الدولـة ردا على فعل غير مشـروع سبقه من قبل الدولـة الأخرى.
2- أن يكون هذا الفعل غير المشـروع متناسـبا مع العـدوان الذي تعرضـت له الدولـة.
3- أن يكون اختـيار الدولـة لقيامـها بالعـمل غير المشـروع مبنـيا على أسـاس استحالـة حصولـها على رد العـدوان، أو الحصول على حقـها المهـدور بالوسـائل السلمـية.
وإذا مـا توافـرت هـذه الشـروط، عـد عمـل الدولـة غير المشـروع ردا على الاعتـداء الذي سبقه عمـلا مبـررا، وانتفـى الجـرم عنه، وأخـيرا أصبح الشك يتسـرب إلى أهمـية هـذا المبـدأ ومـدى ضـرورة الأخـذ به خاصة في زمـن السلم، لكون العمل الانتقامـي حينها سوف يكون محفوفـا بالمخاطـر، حيث سيرد عليه بالقـوة أيضا، وهذه هي الحـرب بعينها .
والمفروض في وقت السلم هـو اللجـوء إلى الوسـائل السلمـية لحـل المنازعات الدوليـة، وذلك من إتـيان تلك الأعمال الانتقامـية التي تتعـارض مفاهيمـها مع مبادئ الأمم المتحـدة وميثاقـها ومجـمل المعاهـدات والمواثيـق الدولـية الأخـرى، أمـا في زمـن الحـرب فإن للمـبدأ أهمـية خاصة في ردع المعتـدي، الذي يخـشى من الأفعال المضـادة المماثلة، ومع ذلك يجـب الاجتـهاد لتجنـيب الأبريـاء من الطرفـين مغـبة الجـرائم المقترفـة، فلا يجـوز أن يكون هؤلاء وسيـلة للعمـل الانتقامـي، وإلا عـد ذلك من الجـرائم الدولـية مهما كانت أسبابها، ولا يجـوز إباحـتها تحـت أي ظـرف كـان.
ثانـيا: الدفـاع الشرعـي
يتمثل في الحـق الذي يقـرره القانـون الدولي لدولـة أو لمجموعـة دول باستخـدام القـوة لصـد عـدوان مسلح حـال، يرتـكب ضد سلامـة إقليمـها، أو استقـلالها السياسـي، شـرط أن يكون استخـدام القـوة هـو الوسيـلة الوحـيدة لدرء ذلك العـدوان ومتناسـبا معه، ويتوقـف حين يتخـذ مجـلس الأمـن التدابـير اللازمـة لحـفظ السـلم والأمـن الدولـيين .
ترسـخ مبـدأ الدفـاع الشرعـي في القانون الدولي الجـنائي منذ فترة بعيـدة، فقد عرض الفقـيه "بادفان" في أحـد مؤلفاتـه حادثتين مهمتين، تعـدان مرجـعا لمبـدأ الدفـاع الشرعـي في نطـاق القانـون الدولي الجـنائي .
إحـداهما حادثـة الكارولين 1837 وتتخـلص في لجـوء بعض المتمـردين الكنـديين إلى الولايـات المتحـدة، ثم جـهزوا وبمساعدة بعض المواطنين الأمريكيين مركـبا اسمه الكارولين، لكي يعـودوا إلى كندا، ويقدمـوا يد العـون لمن يبقى منهم في كندا، وعندما علمت الحكومـة الكندية بالأمـر أرسلت إلى الأراضي الأمريكية قـوات انجليزيـة، فهاجمت المركب وهو راسٍ في أحـد الموانئ الأمريكـية وحطمـته وأرسلته في مياه شـلالات نياجـارا، وقد احتجـت واشنطـن على ذلك، فردت الحكومـة الكندية عليها بأن تصرفـها هذا مبرر على أسـاس الدفـاع الشرعي، واعتبـر vanteD asP أن الدفـاع الشرعـي مثار في هذه الحالـة لتبرير تصـرف غير مشروع طبقا لقاعدة القانون الدولي، وهي واجـب احـترام إقلـيم الغـير.
تكـرس هـذا الاتجـاه بعـد أكـثر مـن قـرن على وقـوع هـذه الحادثـة بنص المادة 51 من ميـثاق الأمم المتحـدة، التي جـاء فيها ما يلي: "ليس في هـذا الميـثاق مـا أو ينقـص الحـق الطبيعـي للدول فـرادى أو جماعـات في الدفـاع عن أنفسـهم، إذا اعتـدت قـوة مسلحـة على أحـد أعضـاء هـذه الهيـئة، وذلك عـلى أن يتخـذ مجـلس الأمـن التدابـير اللازمـة لحـفظ السـلم والأمـن الدولـيين".
كما جـاء نص المادة الثامـنة من مشـروع تقنـين الجـرائم ضد سـلم وأمـن البشريـة 1954 مكرسـا لهـذا الحـق على النحـو التالي:
"لا يعـد جريمـة دولـية كـل عـدوان يتضـمن استخـدام الدولـة لقواتـها المسلحـة ضـد دولـة أخـرى، لأغـراض الدفـاع الشرعـي أو الجـماعي، أو تنفـيذا أو تطبيـقا لتوصـية هيـئة مختصـة من هيـئات الأمم المتحـدة".
وبذلك، فقد تأكـد الدفـاع الشرعـي في القانـون الدولي الجـنائي أسـوة بما هـو منصـوص عليه في القانـون الداخـلي، ليضـمن للدولـة المعـتدى عليـها حـقها في استعـمال القـوة اللازمـة والمناسـبة لصـد العـدوان الموجـه ضدهـا، ولا يجـرم عملـها هـذا مـا دام أن حـياة الدولـة كحـياة الأفـراد.
يقـول الفقـيه "مونتيسكيو" عند استعراضـه فـي أحـد مؤلفاتـه لمسألـة الدفـاع الشرعـي وتطبيـقه في نطـاق القانـون الدولـي الجـنائي: "فكما يحـق للناس أن يقتـلوا في حالـة الدفـاع الشرعـي عن النفس، يحـق للدول أيضا أن تحـارب دفاعـا عن نفسـها، فالدولـة لها الحـق في أن تؤمـن بقـاءها، لأنـه حـق ككل بقاء أخـر".
أمـا إذا نظـرنا إلى النصـوص الدولـية الحـديثة فـي مجـال القانـون الدولـي الجـنائي، فإننا نجـد أن حالـة الدفـاع الشرعـي مكرسـة بموجـب المـادة 14 مـن مشـروع مدونـة الجـرائم المخـلة بسـلم الإنسانـية وأمنها، بعنـوان الدفـاع الشرعـي والإكـراه وحالـة الضـرورة، حيث نصـت هـذه المادة على أنـه: "لا تعتـبر جريـمة الأفـعال المرتكـبة في معـرض الدفـاع الشرعـي أو تحـت الإكـراه أو في حالـة الضـرورة" .
ومـا يلاحـظ على هـذا النـص أنـه جعـل حالـة الدفـاع الشرعـي وحالـة الإكـراه والضـرورة أسبابـا لإباحـة الفعل المعـتبر جريـمة دولـية في حالـة انتفـاء تلك الأسـباب، على خـلاف مـا ذهبـت إليه المـادة 31 فقـرة (جـ) و (د) من نظـام رومـا الأسـاسي للمحكمة الجنائـية الدولـية، حيث اعتـبرت توافـر حالـة من هـذه الحـالات سبـبا مانـعا للمسؤولـية الجنائـية الدولـية عن الجـاني، وليـس من أسباب الإباحـة، التي تعـتبر ذات موضوعـية تتعـلق بتقـييم الفـعل في علاقـته بالمصـالح المحمـية جنائـيا، ولا دخـل لها في تكويـن الركـن المعنـوي للجـريمة.
ثالـثا: حالـة الضـرورة
تتمـثل في الحالـة التي تـكون فيها الدولـة مهـددة بخـطر جسـيم حـال، أو على وشـك الوقـوع مما قد يعـرض بقاءهـا للخـطر، ويجـب أن لا يـكون لها دخـل في نشـوء ذلك الخـطر، ولا يمـكن دفعـه إلا بإهـدار مصـالح أجنـبية محمـية بمقتـضى القانـون الدولـي .
وشهـدت الحـرب العالمـية الثانـية سلسـلة مـن الاعتـداءات الألمانـية باسـم الضـرورة، فقد اكتسحـت القـوات النازيـة سـنة 1940 الدانمـرك والنـرويج، ثم هولنـدا وبلجيـكا، ولم تـكن أي من هـذه الدول الأربعـة طرفـا في الحـرب، كما أنه لم يصـدر منها أي تصـرف مخـالف لقواعـد الحـياد، و بتعـبير آخـر كانت دولا بريـئة.
كما ذكـر الوزيـر الألمانـي " فـون بيتـمان هولـويج" في 04/08/1944 أن احـتلال بلجـيكا كـان ظلـما، ولكن الضـرورة لا يحكـمها قانـون.
مما سبـق، يتضـح أن استعـمال القـوة ضـد دول بريـئة لا يعـد سببا من أسـباب إباحـة الجـرم، وتعـد الدولـة المعتديـة قد ارتـكبت جـريمة دولـية كامـلة الأركان، ويجـب مساءلتـها جنائـيا.
ولذلك، اشتـرط الفقـه لحالـة الضـرورة توافـر شـروط محـددة سبـبا من أسـباب الإباحـة، وهـذه الشـروط هـي:
أولا: شـروط الخطـر
تتمـثل في: أ – الخطـر الجسـيم: وشـرط الجسامـة مسألـة موضوعـية تطـلق على الخطـر من حـيث درجـة مساسـه بالمصلحـة المحمـية.
ب – محـل الخطـر: وهو المسـاس بالسلامـة أو السيادة الإقليمـية والاستقلال السياسي للدولـة.
جـ - الخطـر الحـال أو الوشـيك الوقـوع: ويتوجـب أن يكون الخطـر الجسـيم حـالا، أو على وشـك الوقـوع، فالخطـر المستقـبل أو الخطـر الذي حصل في الماضـي وانتهى، لا يمكن الارتكان إليه لارتكاب أفعـال ضروريـة.
ثانـيا: شـروط الفعـل الضـروري
تتمـثل في: أ – اللـزوم: يشتـرط لتوافـر حالـة الضـرورة أن يكون الالتجـاء إلى العـدوان من قبل الدولـة المتمسـكة بحالـة الضـرورة هو الوسيـلة الوحـيدة لتلاقـي ذلكم الخطـر المحـدق بها.
ب – التناسـب: لا تقـوم حالـة الضـرورة إلا إذا كان العـدوان المقتـرف من حيث الجسامـة هو الوسيـلة الوحـيدة التي تكون بوسـع الدولـة ارتكـابها.
ويـرى البعـض من الفقـهاء أن توافـر شـروط الضـرورة على الصعـيد الدولـي يبـرر للدول الأخـذ بها، أسـوة بما هو معـروف ومأخـوذ به في القانـون الداخـلي، وقد انحـاز إلى هـذا الرأي بعض الفقـهاء الألمان على وجـه الخصـوص، الذين يؤكـدون على أن الدولـة تستطـيع الاحتجـاج بحالـة الضـرورة، للمحافظـة على نفسها أو صيانـة لمصالحـها أو حفاظـا على كيانها، ولـو أدى الاحتجـاج بحالـة الضـرورة هذه إلى القـيام بعـمل عدوانـي على دولـة ثالـثة بريـئة، ومن هـذا المنطـلق بـرر الألمـان غـزوهم لبلجـيكا وهولـندا والدانمـرك والنـرويج عـام 1940 كما سبـق وأن أشرنـا إليـه .
غير أن غالبـية الفقـه تعـارض هـذا الرأي، وتمـيل إلى وجـوب استبـعاد حالـة الضـرورة من التطـبيق في المجـال الدولـي، مستنديـن إلى عـدة اعتـبارات، منها:
أ – اخـتلاف الدولـة كشخـص معنـوي عن الأفـراد الطبيعـيين: فمـيل الإنسان لرعـاية مصالحـه الجوهـرية عند تعرضـها للخـطر هو ميل طبيعـي أو مؤسس على حـب البـقاء كحالـة يتسـامح فيها القانـون، ولكن هـذا الأمـر لا يمـكن تعميـمه على الدولـة لأنها شخـص معنـوي تنقصـه الغرائـز الطبيعـية التي يملـكها الأفـراد.
ب – الخشية من أن تستغل الدولة حالة الضـرورة للقيام بالاعـتداء على غيرهـا من الدول: ففي غياب السلطة القضائية الدولية التي يمكنها التحـقق من توافـر حالـة الضـرورة قد تلجـأ الدولـة إلى تفسـير شـروط حالـة الضـرورة على هواهـا ومع ما يتناسب مع مصالحـها.
ت – إن الأخـذ بقاعـدة الضـرورة يؤدي إلى موقـف متناقـض: فعـند اعترافـنا للدولـة بحـق القـيام بعـمل عدوانـي ضد دولـة ثالـثة بريـئة بدعـوى الضـرورة، فإنـه من الواجـب أن تعـترف من بـاب أولـى بأن لهـذه الدولة الثالـثة حـق رد العـدوان، الذي وقـع عليها عمـلا بحـقها في الدفـاع الشرعـي، وهنا نقـع في تناقـض حيث أجـزنا العـدوان كحالـة الضـرورة، ثم أجـزنا رد الفعل عليه كدفـاع شرعـي، وتلك نتيجـة تؤدي إلى نشـوب حـرب بين الدول بهـدف القانـون الدولـي إلى منعـها وتلافيـها .
رابـعا: إطاعـة الأمـر الصـادر من الرئيـس
طبـقا للقانـون الداخـلي، فـإن الرئيـس المطـاع في الاستجابـة للأوامـر التي يصدرهـا يعـد سـببا معفـيا للمرؤوس، ويبيـح الفعـل المرتـكب إذا كان تنفيـذه لذلك الأمـر قد تم بحـسن نـية وبشـروط معيـنة.
وفي القانـون الدولـي الجنائـي، يـرى البعض بأن تنفـيذ الأمـر الصـادر من رئيس تجـب طاعـته يعد سـببا للإباحـة بفعـل واجـب الطاعـة الذي يلتزم به المرؤوس، في حين يرى الاتجـاه الغالـب من الفقـه بأن تنفـيذ الأمـر الصـادر من رئيس يعـد مانـعا للمسؤولـية وليس سـببا للإباحـة .
وقـد تعـرض الفقـه الدولـي لهـذه المسألـة في عـدة مناسـبات، أهمـها:
- مـا جـاء في تقـرير الجمعـية الدولـية في لندن، المنشـور في ديسمبر 1943: "إنه فيما تعلـق بالمرؤوسـين، لا يعـتبر أمـر الدولـة أو أمـر الرئيـس عـذرا، إلا إذا كان هـذا الأمـر يمـثل حالـة الضـرورة".
- مـا جـاء في لائحـة محكـمة نورمبـرغ المادة الثامنة: "لا يعـد سببا معفـيا من المسؤولية دفـاع المتـهم بأنه كان يعـمل بناء بتعليـمات رئيـس أعـلى، وإنما يعتـبر هذا سببا مخـففا للعقوبـة إذا رأت المحـكمة أن العدالـة تقتضـي ذلك".
جـاء في المادة الرابـعة من مشـروع تقنـين الجـرائم ضد سـلام وأمـن البشريـة 1954 أنـه: "لا يعـفى من المسؤولـية فـي القانـون الدولـي المتـهم في جريـمة من الجـرائم الدولـية إذا كان يعـمل بأمـر من حكومـته أو رئيسـه الأعـلى، بشـرط أن يكون لديه مكانـة عـدم إطاعـة الأمـر في الظـروف التي أرتكب فيها الفعـل".
كما أكـد المقـرر الخـاص بتقنين الجرائم ضد سـلام وأمـن البشريـة (1987) النص على هـذا المبدأ كمانع من موانع المسؤولـية، إذ نصت المادة التاسعة من اقتراحـه على ما يلي: "يشـكل استثـناءا على مبـدأ المسؤولـية الأمر الصادر من حكومـة أو رئيس إداري، إذا كان الفاعل غير قـادر معنويـا على الاختـيار، وأصبح الفقه يقـر بعـدم مسؤولية الفـرد الذي ينفـذ أمـر رئيسـه، إلا إذا كان لديه إمكانـية عـدم إطاعـة الأمـر".
وعلى ذلك، فإننا نجـد أنه من العدالـة بمـكان وجـوب مراعـاة الشخصـية، ومـدى إمكانية الشخـص في أن يخـالف الأمـر الصـادر له، وترك ذلك للمحكمة التي عليها أن تقدر كل هذه الظـروف، في سبيل البـث في مسؤولـية المرؤوس الذي يحـتج عن الأمـر الصـادر له.
مما سبق ذكـره، يتضـح لنا أن الاحتجـاج بتنفـيذ الأوامـر العـليا لا يعـد سببا من أسباب الإباحـة أو عـذرا معفـيا من العـقاب، بل يمكن أن يكون ظـرفا من ظـروف التخـفيف كما أجـمع عليه غالبية الرأي من فقـهاء القانـون الدولـي، وقد يكون مانـعا من موانـع المسؤولية في حـالات حصريـة، أساسها عدم القدرة المعنويـة على الاخـتيار.
المبحـث الثالـث: الركـن المعنـوي للجريـمة الدولـية
المطلب الأول: القصـد الجنائـي للركـن المعنـوي
ليست الجريمـة ظاهـرة ماديـة خالصـة قوامـها الفـعل فقط، ولكنها كذلك كـيان نفسـي / معنوي / اجتماعي، ومن ثم استقـر في القانـون الجـنائي الحـديث ذلك المبدأ الذي يقضـي بأن ماديـات الجريمة لا تنشئ مسؤولـية، ولا تستوجـب عقابـا مـا لم تتوافـر إلى جانبها العناصر النفسـية التي يتطلـبها كـيان الجـريمة ، إذ تجـتمع هذه العناصـر في ركن يختـص بها، ويحـمل اسم "الركـن المعنـوي للجـريمة".
وللقصـد الجـنائي مكانـة هامـة في الركـن المعنـوي للجريـمة، فإذا قلـنا أن الإرادة هي جوهـر الركـن المعنـوي، فإنها كذلك جوهـر القصـد الجـنائي، إذ أجـمع أغـلب فقـهاء القانـون على أن الركـن المعنـوي للجـريمة هو الذي يوفـر الرابطـة المعنويـة بين الجـاني والجريـمة المقترفـة، وتتخـذ تلك الرابطـة في الأصل مظـهر العمـد، وفي بعض الأحـيان مظهـر الخـطأ غير العمـدي .
يمكن لاشتـراط أن تتوافـر هذه الرابطـة المعنويـة أو الصلة النفسـية لقـيام الجـريمة أن يمكننا من تمييز الأفعـال التي يجـب المساءلة عنها عن الأفعال التي لا تكون موضـوع مساءلـة قانونـية، إذ بتوافـر هذه الصـلة، تقـوم المسؤولـية وتنعـدم بعـدم توافرهـا.
يعـد اشتـراط الركـن المعنـوي لقـيام الجـريمة وترتـب المسؤولـية ضمانـا لتحـقيق العدالـة، التي تقضي بتوقـيع الجـزاء على المخطـئ، ولا يعـد مخطـئا إلا من قام بإرادته بارتـكاب الفعل المجـرم.
ولكي توصـف إرادة الإنسان بأنها إرادة آثـمة، يتطـلب القانـون الجـنائي الداخـلي بعض الشـروط، التي يجـب توافـر هـذه الإرادة حتى يمـكن الاعتـداد بها، وتتمـثل هذه الشـروط في أن تكون تلك الإرادة هي إرادة شخـص طبيعـي، ممـيز، عاقـل وحـر الاختـيار، فهل يتطـلب القانون الدولـي الجـنائي مثل هذه الشـروط لقيام الركـن المعنـوي في الجرائم الدولـية؟










رد مع اقتباس