منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - شرح متن العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-05-04, 10:07   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَهَذِهِ الدَّرَجَةُ مِنَ الْقَدَرِ يُكَذِّبُ بِهَا عَامَّةُ الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ النَّبِيُّ (: مَجُوسَِ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَيَغْلُو فِيهَا قَومٌ مِنْ أَهْلِ الإثْبَاتِ، حَتَّى سَلَبُوا الْعَبْدَ قُدْرَتَهُ وَاخْتِيَارَهُ، وَيُخرِجُونَ عَنْ أَفْعَالِ اللهِ وَأَحْكَامِهِ حُكْمَهَا وَمَصَالِحَهَا).
/ش/ وضلَّ في القدر طائفتان؛ كما تقدم:

الطائفة الأولى: القدرية نفاة القدر، الذين هم مجوس هذه الأمة؛ كما ورد ذلك في بعض الأحاديث مرفوعًا وموقوفًا ، وهؤلاء ضلُّوا بالتفريط وإنكار القدر، وزعموا أنه لا يمكن الجمع بين ما هو ثابت بالضرورة من اختيار العبد في فعله ومسؤوليته عنه، وبين ما دلَّت عليه النصوص من عموم خلقه تعالى ومشيئته؛ لأن ذلك العموم في زعمهم إبطال لمسؤولية العبد عن فعله، وهدمٌ للتكاليف، فرجحوا جانب الأمر والنهي، وخصَّصوا النصوص الدَّالة على عموم الخلق والمشيئة بما عدا أفعال العباد، وأثبتوا أن العبد خالق لفعله بقدرته وإرادته، فأثبتوا خالقين غير الله، ولهذا سمُّوا مجوس هذه الأمة؛ لأن المجوس يزعمون أن الشيطان يخلق الشر والأشياء المؤذية، فجعلوه خالقًا مع الله، فكذلك هؤلاء جعلوا العباد خالقين مع الله.

والطائفة الثانية: يقال لها: الجبرية، وهؤلاء غَلَوا في إثبات القدر، حتى أنكروا أن يكون للعبد فعل حقيقة، بل هو في زعمهم لا حرية له، ولا اختيار، ولا فعل؛ كالريشة في مهبِّ الرياح، وإنما تُسْنَدُ الأفعال إليه مجازًا، فيقال: صلى، وصام، وقتل، وسرق؛ كما يقال: طلعت الشمس، وجرت الريح، ونزل المطر، فاتهموا ربهم بالظلم وتكليف العباد بما لا قدرة لهم عليه، ومجازاتهم على ما ليس من فعلهم، واتّهموه بالعبث في تكليف العباد، وأبطلوا الحكمة من الأمر والنهي، ألا ساء ما يحكمون.



(فَصْلٌ: وَمِنْ أُصُولِ [أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ] أَنَّ الدِّينَ وَالإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، قَوْلٌ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ ، وَعَمَلُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ وَأَنَّ الإيمَانَ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَة) .
/ سبق أن ذكرنا في مسألة الأسماء والأحكام أن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان، وأن هذه الثلاثة داخلة في مسمى الإيمان المطلق.

فالإيمان المطلق يدخل فيه جميع الدين: ظاهرُه وباطنُه، أصولُه وفروعُه، فلا يستحقُّ اسم الإيمان المطلق إلا من جمع ذلك كله ولم ينقص منه شيئًا.

ولما كانت الأعمال والأقوال داخلة في مسمى الإيمان؛ كان الإيمانُ قابلاً للزيادة والنقص، فهو يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية؛ كما هو صريح الأدلة من الكتاب والسنة، وكما هو ظاهرٌ مشاهدٌ من تفاوت المؤمنين في عقائدهم وأعمال قلوبهم وأعمال جوارحهم.

ومن الأدلّة على زيادة الإيمان ونقصه أن الله قسّم المؤمنين ثلاث طبقات، فقال سبحانه:

(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ).

فالسابقون بالخيرات هم الذين أدَّوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرَّمات والمكروهات، وهؤلاء هم المقرَّبون.

والمقتصدون هم الذين اقتصروا على أداء الواجبات وترك المحرَّمات.

والظالمون لأنفسهم هم الذين اجترؤوا على بعض المحرَّمات وقصَّروا ببعض الواجبات مع بقاء أصل الإيمان معهم.

ومن وجوه زيادته ونقصه كذلك أن المؤمنين متفاوتون في علوم الإيمان، فمنهم من وصل إليه من تفاصيله وعقائده خيرٌ كثيرٌ، فازداد به إيمانه، وتمَّ يقينُه، ومنهم من هو دون ذلك، حتى يبلغ الحالُ ببعضهم أن لا يكون معه إلا إيمانٌ إجماليٌّ لم يتيسّر له من التفاصيل شيء، وهو مع ذلك مؤمن.

وكذلك هم متفاوتون في كثير من أعمال القلوب والجوارح، وكثرة الطاعات وقلتها.

وأما من ذهب إلى أن الإيمان مجرَّد التصديق بالقلب، وأنه غير قابل للزيادة أو النقص؛ كما يُروى عن أبي حنيفة وغيره؛ فهو محجوجٌ بما ذكرنا من الأدلة، قال عليه السلام:

((الإيمان بضعٌ وسبعون شعبةً؛ أعلاها: قول: لا إله إلاّ الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق))