عماري
2012-04-28, 15:19
http://www.almokhtsar.com/sites/default/files/styles/fornt/public/1_582.jpg
خسر الرئيس أوباما في أفغانستان، فقد بدأت الحرب هناك تتحول إلى هزيمة كارثية، ومن المتوقع أن تصبح تلك الهزيمة أسوأ من حرب فيتنام. حان الوقت لإعادة القوات العسكرية إلى ديارها وإنهاء هذا الكابوس الوطني.
في الآونة الأخيرة، شنت حركة "طالبان" عملية هجومية كبرى، فاستهدف المتمردون كابول وثلاث مدن أخرى، فتصدت لهم قوات التحالف وعناصر الجيش الأفغاني، لكن تمكنت "طالبان" من التسلل إلى مناطق أمنية كان يُفترض ألا تكون قابلة للاختراق. فشلت الاعتداءات المنسقة على المستوى العسكري، لكن على المستوى الدبلوماسي والنفسي، كانت نتيجتها كارثية.
طوال أشهر، ادعى القادة العسكريون الأميركيون أن "طالبان" بدأت تتراجع وأن الأفغان بدؤوا يبنون سلك الشرطة وقوى الأمن المحلية بنجاح، وأعلن أوباما أن "شعلة الحرب بدأت تخمد".
إنه ادعاء خاطئ، إذ أصبحت أفغانستان مستنقعا عسكريا شائكا. إنها أطول حرب في التاريخ الأميركي، حيث بدأت الولايات المتحدة تنزف على جميع المستويات، فقد قُتل حوالي ألفي جندي أميركي وجُرح أو تشوّه آلاف آخرون.
وكلفت هذه الحرب 500 مليار دولار ولا تزال التكاليف في تصاعد مستمر. على صعيد آخر، زادت مشاعر الكره تجاه الأميركيين في أجزاء واسعة من العالم لأن الناس هناك يعتبرونهم جيشاً محتلاً، كذلك، لم يعد معظم الأميركيين يدعمون الحرب، ما الذي يدفعهم إلى دعمها أصلاً؟ لقد سُحقت "القاعدة" وقُتل أسامة بن لادن، وبدأ البلد يتصدع بسبب الخلافات القبلية.
من المعروف أيضاً أن الحكومة في كابول ضعيفة وفاسدة، كما أن الرئيس كرزاي هو شخص جاحد ولا يتوانى عن انتقاد القوات الأميركية والدعوة إلى الانسحاب الأميركي في أسرع وقت ممكن.
اعتبر أوباما أن أفغانستان، على عكس حرب العراق، كانت "حرب الضرورة"، وبالتالي، كان لا بد من الفوز بها بأي ثمن، لذا أقر خطة زيادة عدد القوات العسكرية، إذ تعتبر الإدارة الأميركية أن مفتاح النصر يتعلق برفع عدد الجنود وتحسين إستراتيجية مكافحة التمرد، لكن تلك السياسة كانت محكومة بالفشل لسبب واحد: لا يمكن أن تنجح خطة بناء الأوطان في بلد مماثل.
أفغانستان هي واحدة من أكثر البلدان فقراً وتخلفاً في العالم. إنها مقبرة الإمبراطوريات! فقد واجهت الإمبراطورية البريطانية وروسيا السوفيتية هزائم كبرى هناك بسبب المقاومة الشرسة المترسخة في ذلك البلد.
يفيض تاريخ أفغانستان بالحروب المتواصلة والصراعات الإثنية العنيفة. ومن الغطرسة أن تُقنع الدول الغربية نفسها باحتمال تحويل هذه الأرض الملعونة إلى نسخة عن سويسرا في جنوب آسيا أو التفكير بتحقيق ذلك عبر التضحية بدماء الأميركيين وأموالهم. فضلاً عن ذلك، كشفت أفغانستان عن درس آخر يجب تعلّمه: لقد جعلت النزعة الليبرالية من الولايات المتحدة بلداً عاجزاً عن الفوز بأي حرب صعبة.
ويتوجس صانعو السياسة من الرأي العام الدولي ويطاردهم هاجس تهدئة مخاوف السكان المحليين. لقد تفوقت التعددية الثقافية على هدف تحقيق النصر، فكان الجنود الأميركيون يقاتلون وفق قواعد واضحة وصارمة، ما مكن "طالبان" من الاختباء في المناطق المكتظة بالسكان المدنيين والهروب من العقاب.
يكرر القادة العسكريون الأميركيون اعتذارهم عن السلوكيات الفاضحة خلال الحروب الكبرى: قام أربعة جنود أميركيين بالتبول فوق جثث عناصر من "طالبان"، كما أحرقوا نسخا من المصحف في إحدى القواعد الأميركية، وكانت الفضيحة الأخيرة التقاط الجنود الأميركيين صور تذكارية إلى جانب أشلاء الانتحاريين، لكن اعتاد القادة الأميركيون على فعل كل ما يلزم لاسترضاء الأعداء فوراً.
في هذا الصدد، قال وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا: "هذه التصرفات لا تعبر عنا ولا تمثل بأي شكل أغلبية العسكريين الذين يخدمون في الجيش".
هل ما صرح به صحيح؟ لم لا يقول هذا لــ"الجيل الأعظم" الذي سحق ألمانيا النازية واليابان الفاشية؟ كانت القوات الأميركية تستعمل قاذفات اللهب للكشف عن أماكن المقاتلين الانتحاريين اليابانيين المختبئين في الكهوف، فاحترق عدد كبير منهم وهم أحياء بينما تشوّه الآخرون.
وقد أشار العقيد المتقاعد "رالف بيترز" إلى أن بعض الجنود أرسلوا جماجم اليابانيين إلى صديقاتهم أو زوجاتهم كهدية من ساحة الحرب. كذلك، شنّت الولايات المتحدة حملة قصف مكثّفة على مدينة دريسدن الألمانية، ما أسفر عن مقتل آلاف المدنيين الألمان. ولو أن الأميركيين طبقوا قواعد القتال الحالية خلال الحرب العالمية الثانية، لما هُزم هتلر والقوات اليابانية مطلقاً.
في هذا السياق، يبرز سؤال مهم: إذا لم يكن لأوباما خطة واضحة لتحقيق النصر، فما الذي دفعه إلى زيادة عدد القوات العسكرية؟ الجواب واضح ومؤسف: كانت مجرد محاولة سافرة لإظهار قوته في مجال الأمن القومي.
أراد الرئيس حماية جناحه اليميني من اتهامات الحزب الجمهوري بأنه متساهل جداً في التعامل مع الملفات الخارجية. لكن مقابل تنامي المعارضة للحرب داخل حزبه وفي أوساط الرأي العام، عاد وسحب الجنود الإضافيين، فأمر بانسحاب مبكر للجنود الذين أضافهم (عددهم 30 ألف عنصر) وسيكتمل هذا الانسحاب في الخريف المقبل، قبل الانتخابات مباشرةً.
أما الطاقم العسكري المتبقي والمؤلف من 90 ألف جندير، فهو يفتقر إلى الموارد أو القوة اللازمة لإرساء الهدوء في البلد. ولا يستطيع هؤلاء الجنود الدفاع عن أنفسهم في مواجهة حركة "طالبان" المتمردة. لقد أهدر أوباما حياة الأميركيين عبثا مع انعدام فرصة النجاح. حتى إنه لا يستطيع الدفاع عن تلك الحرب التي بات يتحمل مسؤوليتها وحده الآن. هذا التصرف لا ينم عن حنكة سياسية بل عن جبن فاضح.
يبدو أن الهزيمة الأميركية حتمية، وعلى عكس فيتنام، ستكون العواقب بعيدة المدى والكلفة أعلى بكثير، وهكذا سيفوز الإسلام المتطرف على "الشيطان الأكبر"، مثبتا للعالم الإسلامي أن الولايات المتحدة تفتقر إلى الإرادة والمنطق كي تفوز بحرب برية طويلة.
وبالتالي، ستُعتبر الولايات المتحدة طرفاً مهزوماً وضعيفاً، وستتحول أفغانستان مجدداً إلى معقل للمجاهدين، وستزداد شجاعة وجرأة الإسلاميين المتشددين في أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وسيكون الانسحاب المذل والمهين من المنطقة، بمثابة نهاية النفوذ الأميركي، حيث أدت حروب العقد الماضي إلى توسع إمبريالي واستنزاف عسكري وإفلاس وطني.
باختصار، تبدو النتيجة مأساوية: سيموت مزيد من الأميركيين في سبيل قضية لا يؤمن بها رئيسهم ولا يستطيعون الفوز بها، لهذا السبب، يجب أن يعود جميع هؤلاء الجنود إلى ديارهم فوراً. وإعادة انتخاب أوباما ليست قضية تستحق الموت في سبيلها!
خسر الرئيس أوباما في أفغانستان، فقد بدأت الحرب هناك تتحول إلى هزيمة كارثية، ومن المتوقع أن تصبح تلك الهزيمة أسوأ من حرب فيتنام. حان الوقت لإعادة القوات العسكرية إلى ديارها وإنهاء هذا الكابوس الوطني.
في الآونة الأخيرة، شنت حركة "طالبان" عملية هجومية كبرى، فاستهدف المتمردون كابول وثلاث مدن أخرى، فتصدت لهم قوات التحالف وعناصر الجيش الأفغاني، لكن تمكنت "طالبان" من التسلل إلى مناطق أمنية كان يُفترض ألا تكون قابلة للاختراق. فشلت الاعتداءات المنسقة على المستوى العسكري، لكن على المستوى الدبلوماسي والنفسي، كانت نتيجتها كارثية.
طوال أشهر، ادعى القادة العسكريون الأميركيون أن "طالبان" بدأت تتراجع وأن الأفغان بدؤوا يبنون سلك الشرطة وقوى الأمن المحلية بنجاح، وأعلن أوباما أن "شعلة الحرب بدأت تخمد".
إنه ادعاء خاطئ، إذ أصبحت أفغانستان مستنقعا عسكريا شائكا. إنها أطول حرب في التاريخ الأميركي، حيث بدأت الولايات المتحدة تنزف على جميع المستويات، فقد قُتل حوالي ألفي جندي أميركي وجُرح أو تشوّه آلاف آخرون.
وكلفت هذه الحرب 500 مليار دولار ولا تزال التكاليف في تصاعد مستمر. على صعيد آخر، زادت مشاعر الكره تجاه الأميركيين في أجزاء واسعة من العالم لأن الناس هناك يعتبرونهم جيشاً محتلاً، كذلك، لم يعد معظم الأميركيين يدعمون الحرب، ما الذي يدفعهم إلى دعمها أصلاً؟ لقد سُحقت "القاعدة" وقُتل أسامة بن لادن، وبدأ البلد يتصدع بسبب الخلافات القبلية.
من المعروف أيضاً أن الحكومة في كابول ضعيفة وفاسدة، كما أن الرئيس كرزاي هو شخص جاحد ولا يتوانى عن انتقاد القوات الأميركية والدعوة إلى الانسحاب الأميركي في أسرع وقت ممكن.
اعتبر أوباما أن أفغانستان، على عكس حرب العراق، كانت "حرب الضرورة"، وبالتالي، كان لا بد من الفوز بها بأي ثمن، لذا أقر خطة زيادة عدد القوات العسكرية، إذ تعتبر الإدارة الأميركية أن مفتاح النصر يتعلق برفع عدد الجنود وتحسين إستراتيجية مكافحة التمرد، لكن تلك السياسة كانت محكومة بالفشل لسبب واحد: لا يمكن أن تنجح خطة بناء الأوطان في بلد مماثل.
أفغانستان هي واحدة من أكثر البلدان فقراً وتخلفاً في العالم. إنها مقبرة الإمبراطوريات! فقد واجهت الإمبراطورية البريطانية وروسيا السوفيتية هزائم كبرى هناك بسبب المقاومة الشرسة المترسخة في ذلك البلد.
يفيض تاريخ أفغانستان بالحروب المتواصلة والصراعات الإثنية العنيفة. ومن الغطرسة أن تُقنع الدول الغربية نفسها باحتمال تحويل هذه الأرض الملعونة إلى نسخة عن سويسرا في جنوب آسيا أو التفكير بتحقيق ذلك عبر التضحية بدماء الأميركيين وأموالهم. فضلاً عن ذلك، كشفت أفغانستان عن درس آخر يجب تعلّمه: لقد جعلت النزعة الليبرالية من الولايات المتحدة بلداً عاجزاً عن الفوز بأي حرب صعبة.
ويتوجس صانعو السياسة من الرأي العام الدولي ويطاردهم هاجس تهدئة مخاوف السكان المحليين. لقد تفوقت التعددية الثقافية على هدف تحقيق النصر، فكان الجنود الأميركيون يقاتلون وفق قواعد واضحة وصارمة، ما مكن "طالبان" من الاختباء في المناطق المكتظة بالسكان المدنيين والهروب من العقاب.
يكرر القادة العسكريون الأميركيون اعتذارهم عن السلوكيات الفاضحة خلال الحروب الكبرى: قام أربعة جنود أميركيين بالتبول فوق جثث عناصر من "طالبان"، كما أحرقوا نسخا من المصحف في إحدى القواعد الأميركية، وكانت الفضيحة الأخيرة التقاط الجنود الأميركيين صور تذكارية إلى جانب أشلاء الانتحاريين، لكن اعتاد القادة الأميركيون على فعل كل ما يلزم لاسترضاء الأعداء فوراً.
في هذا الصدد، قال وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا: "هذه التصرفات لا تعبر عنا ولا تمثل بأي شكل أغلبية العسكريين الذين يخدمون في الجيش".
هل ما صرح به صحيح؟ لم لا يقول هذا لــ"الجيل الأعظم" الذي سحق ألمانيا النازية واليابان الفاشية؟ كانت القوات الأميركية تستعمل قاذفات اللهب للكشف عن أماكن المقاتلين الانتحاريين اليابانيين المختبئين في الكهوف، فاحترق عدد كبير منهم وهم أحياء بينما تشوّه الآخرون.
وقد أشار العقيد المتقاعد "رالف بيترز" إلى أن بعض الجنود أرسلوا جماجم اليابانيين إلى صديقاتهم أو زوجاتهم كهدية من ساحة الحرب. كذلك، شنّت الولايات المتحدة حملة قصف مكثّفة على مدينة دريسدن الألمانية، ما أسفر عن مقتل آلاف المدنيين الألمان. ولو أن الأميركيين طبقوا قواعد القتال الحالية خلال الحرب العالمية الثانية، لما هُزم هتلر والقوات اليابانية مطلقاً.
في هذا السياق، يبرز سؤال مهم: إذا لم يكن لأوباما خطة واضحة لتحقيق النصر، فما الذي دفعه إلى زيادة عدد القوات العسكرية؟ الجواب واضح ومؤسف: كانت مجرد محاولة سافرة لإظهار قوته في مجال الأمن القومي.
أراد الرئيس حماية جناحه اليميني من اتهامات الحزب الجمهوري بأنه متساهل جداً في التعامل مع الملفات الخارجية. لكن مقابل تنامي المعارضة للحرب داخل حزبه وفي أوساط الرأي العام، عاد وسحب الجنود الإضافيين، فأمر بانسحاب مبكر للجنود الذين أضافهم (عددهم 30 ألف عنصر) وسيكتمل هذا الانسحاب في الخريف المقبل، قبل الانتخابات مباشرةً.
أما الطاقم العسكري المتبقي والمؤلف من 90 ألف جندير، فهو يفتقر إلى الموارد أو القوة اللازمة لإرساء الهدوء في البلد. ولا يستطيع هؤلاء الجنود الدفاع عن أنفسهم في مواجهة حركة "طالبان" المتمردة. لقد أهدر أوباما حياة الأميركيين عبثا مع انعدام فرصة النجاح. حتى إنه لا يستطيع الدفاع عن تلك الحرب التي بات يتحمل مسؤوليتها وحده الآن. هذا التصرف لا ينم عن حنكة سياسية بل عن جبن فاضح.
يبدو أن الهزيمة الأميركية حتمية، وعلى عكس فيتنام، ستكون العواقب بعيدة المدى والكلفة أعلى بكثير، وهكذا سيفوز الإسلام المتطرف على "الشيطان الأكبر"، مثبتا للعالم الإسلامي أن الولايات المتحدة تفتقر إلى الإرادة والمنطق كي تفوز بحرب برية طويلة.
وبالتالي، ستُعتبر الولايات المتحدة طرفاً مهزوماً وضعيفاً، وستتحول أفغانستان مجدداً إلى معقل للمجاهدين، وستزداد شجاعة وجرأة الإسلاميين المتشددين في أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وسيكون الانسحاب المذل والمهين من المنطقة، بمثابة نهاية النفوذ الأميركي، حيث أدت حروب العقد الماضي إلى توسع إمبريالي واستنزاف عسكري وإفلاس وطني.
باختصار، تبدو النتيجة مأساوية: سيموت مزيد من الأميركيين في سبيل قضية لا يؤمن بها رئيسهم ولا يستطيعون الفوز بها، لهذا السبب، يجب أن يعود جميع هؤلاء الجنود إلى ديارهم فوراً. وإعادة انتخاب أوباما ليست قضية تستحق الموت في سبيلها!