الزمزوم
2012-02-11, 22:20
اصمدي يا شام .. لتحمي قبر محمد
التاريخ حكم أن لكل شيء بداية ونهاية في هذا العالم المليء بالمتناقضات ، فالرأسمالية التي بدأت بمحاربة الكنيسة التي كانت معتقداتها تشكل القاعدة المتخشبة لفكر النظام الإقطاعي الرجعي، عادت مع الزمن لتتحالف مع الكنيسة ضد النظام الاشتراكي الذي ولد من رحم الرأسمالية، بل إن الرأسمالية راحت تبحث عن أشد القوى رجعية في العالم لتتحالف معها ضد ذلك النظام الجديد، ولم تتوان حتى عن التحالف مع عتاة الرجعيين والمتخلفين في المرجعيات الإسلامية واستخدمتهم دروعاً واقية أمام موجة التحرر التي اجتاحت العالم العربي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ثم جعلت منهم مجاهدين في أفغانستان كي يكونوا رأس الحربة الموجهة ضد النظام الاشتراكي. وها هي الآن أيضاً، وبعد المسرحيات الدموية بالتعاون مع القاعدة على مدى عقد من الزمن، عادت إلى التحالف مع الإسلاميين وهي تعطيهم اليوم أدواراً جديدة. والرأسماليون حين يفعلون ذلك فليس من منطلق التدين أو الإيمان، بل كوسيلة لتحقيق الربح، خاصة أن فائض القيمة الذي كان في البداية مصدر اغتنائهم لم يعد يشبع نهمهم، ودخلت الرأسمالية مرحلة الإمبريالية، مرحلة نهب خيرات الشعوب مقابل إعطائها الموت والتخلف وأشكالاً مشكّلة من الأمراض والأوبئة.
الرأسمالية التي ألهمت الفكر الديمقراطي في العالم، وكانت تعرّفها بأنها المشاركة في الإنتاج والإستهلاك واختيار نظام الحكم وتنظيم المجتمع، صارت تصدّر ديمقراطية مسمومة إلى العالم كله، ديمقراطية لا علاقة لها بالمشاركة إلا في المآسي والفقر والتفريق والتشتيت والتحارب ضمن البيت الواحد.
والديمقراطية التي فتحت الباب في العالم الرأسمالي أمام الشفافية والعلنية في كل شيء حوّلت العالم الرأسمالي في آخر المطاف إلى ما يشبه قصور السلاطين وبلاطات القياصرة، يجد فيها كل أفاك زاوية وركناً مظلماً، فلا أحد يعرف ماذا يدور في جحورها المظلمة وماذا يحاك فيها من دسائس ومؤامرات، وماذا يتكون فيها من منظمات سرية لدجالي ومشعوذي السياسة والفكر، هذا ناهيك عن وكالات الاستخبارات والأمن التي لا يعرف نشاطاتها لا الشعب ولا البرلمان ولا رئيس الوزراء ولا الملك أو الرئيس.
وقد يكون لكل دولة، حتى لو كانت ديمقراطية، مبررات لأن تكوّن ما تشاء من أجهزة تسهر على حماية أمنها واستقرارها. ولكن .. ولكن ..ولكن أن يصل الأمر حد أن تنتهي مقدرات الرأسمالية نفسها في أيدي منظمات سرية وذات صفة دينية متطرفة، فأمر يستدعي التأمل والتساؤل.
إن ما نراه من تداخل بين الدين والسياسة والتغيرات في العالم من حولنا يجعلنا نتساءل: هل حقاً أتى على الإنسان حين من الدهر انفصلت فيها صراعاته عن الدين؟ هل ما حاولت الماركسية أن تزرعه في رؤوس أجيال من البشر بأن جوهر الصراع في هذا العالم طبقي واقتصادي وهم وأكذوبة كبرى؟ هل تحدد إطار ومسار علاقات شعوب بأسرها بعضها ببعض إلى الأبد في الفترة التاريخية الواقعة بين ظهور اليهودية قبل ثلاثة آلاف سنة وظهور الإسلام قبل ألف وأربعمئة سنة؟ أليس حاخامات اليهود وقساوسة المسيحية وشيوخ الإسلام جميعاً من نسل إبليس الذي {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (لبقرة 16-17)؟ هؤلاء يسممون عالمنا بدل أن تجعله الأديان مشرقاً ينعم بالعدل والسلام والأمان.
أخي القارئ لا بد أنك سمعت عن المسيحيين المتصهينين أو المسيحية المتصهينة، ولعلك تساءلت عن معنى ذلك. ما معنى أن يكون شخص مسيحي صهيونياً؟ كيف يمكن أن يحصل هذا؟ فالصهيونية ترتبط باليهودية، ومع هذا فإن الكثير من يهود العالم يتبرأون منها، ويؤكدون أن الصهيونية لا تعني اليهودية وإنما هي نزعة عنصرية تتطفل على اليهودية. ثم حتى لو افترضنا قسراً أن الصهيونية تعني اليهودية فكيف يمكن لمسيحي أن يكون مسيحياً وفي الوقت نفسه صهيونياً؟ هل يمكن أن يكون الشخص مسيحياً وفي الوقت نفسه إرهابياً سعودياً، مثلاً؟ (وهنا طبعاً لا نعاني صعوبة في فهم عكس الحالة الأخيرة، أي أن الإرهابي السعودي والقطري، ملكاً كانا أو أميراً أو شيخاً، يمكن أن يكونا صهيونيين رغم أنهما يدعيان الإسلام - لكن هذه الحالة لا تستحق النقاش فالملك السعودي والشيخ القطري يفعلان ذلك ليس من منطلق عقائدي أو فكري أو سياسي بعيد المدى، بل لمعرفتهم بأن خدمة الصهيونية هي الوسيلة الوحيدة للجلوس على العرش).
لكن هذا حاصل، فهناك مسيحيون متصهينون، أي أن الواحد منهم مسيحي صهيوني. وهذه الظاهرة ليست حاصلة على المستوى الشعبي، فلو أنك تجولت بين المسيحيين في الشرق كله فلن تجد ولا مسيحياً واحداً من هذه الفئة (إلا اللهم جعجع ومن على شاكلته في لبنان)، بل وقد لا تجد بينهم من يعرف بهذه الظاهرة أصلاً لأن هذا الكوكتيل (مسيحي صهيوني) موجود على مستويات عليا فقط، في أروقة الفاتيكان وفي المقرات السرية لسياسيين وأثرياء وجنرالات في منظمات عجيبة غريبة – وحين نقول فقط فليس للتقليل من خطورة الظاهرة، على العكس فهؤلاء الناس وعلى هذا المستوى يمتلكون القوة والنفوذ ويتحكمون بمراكز مفصلية في اتخاذ القرارات في البلدان الرأسمالية.
لعلك تتساءل معي، أخي القارئ، لماذا بذلت البابوية على مدى زمن طويل جهوداً جبارة لمساعدة الرأسماليين في إسقاط الشيوعية في شرق أوروبا؟ أكان ذلك لأن الشيوعية ملحدة والرأسمالية مسيحية؟ أم لأن البابا رأسمالي؟
ولعلك تتساءل لماذا بذلت البابوية في الوقت نفسه جهوداً مضنية لـ "تبرئة اليهود من دم المسيح"؟ من الذي صلب المسيح إذاً إن لم يكن اليهود فعلوا ذلك؟ هل تريد البابوية، مثلاً، تحميل المسلمين مسؤولية صلب المسيح عليه السلام؟
لماذا هذا التداخل في هذا العالم فيصبح المسيحي صهيونياً، خاصة أن الصهيونية تغتصب مهد المسيح وتعمل على إنهاء كل وجود غير يهودي على أرض فلسطين؟ وبالمقابل لماذا تتحالف حركة تتطفل على اليهودية مع رؤوس كبيرة في ديانة أخرى، وهذا رغم أن أوروبا المسيحية أحرقت ستة ملايين يهودي! وبعد أن حققت الصهيونية حلمها في تكوين دولة "قومية" لليهود في فلسطين؟ ما هي المصلحة المشتركة بينهما؟ أهو تقاسم ثروات النفط المنهوبة من العالم؟ أم ماذا؟
الصهيونية لن تخسر شيئاً في امتطاء كل من له مصلحة معها، وسلوكها مفهوم، فهي لم تحقق كل أهدافها بمجرد أنها اغتصبت فلسطين وأقامت إسرائيل. إن إسرائيل كيان قلق غير مطمئن ومنشغل بشكل غير معقول بضمان أمنه واستمراريته. هذا الكيان ليس كأي كيان في العالم. قارن إسرائيل بدولة مثل أفغانستان في آسيا أو أوغندا في إفريقيا أو بوليفيا في أمريكا اللاتينية. هل تمتلك أي من هذه الدول أسلحة نووية وتكنولوجيا وجيش محترف مثل إسرائيل؟ هل تتلقى أي منها من المساعدات الأمريكية والأوروبية مثل إسرائيل؟ هل تحيط بأي منها دول ضعيفة يحكمها حكام خونة مثل الدول العربية؟ ولكن هل تعمل أي منها ما تعمله إسرائيل لتخريب البلدان المحيطة بها وإضعافها مثلما تفعل إسرائيل لأن أمنها يتطلب ذلك؟ هل سمعتم في يوم من الأيام أن أفغانستان أو أوغندا أو بوليفيا تحتاج إلى إلتزام الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بضمان أمنها؟ طبعاً لا. لماذا؟ لأن كل هذه البلدان موجودة بشكل طبيعي، تسكنها شعوبها منذ فجر التاريخ وستبقى، أما إسرائيل فكيان مفتعل لا مستقبل له حتى لو تكفلت قوى الإنس والجن بضمان أمنه.
ولهذا فإن جنون الصهاينة لا حدود له، فهم يعرفون في قرارة أنفسهم أن إسرائيل لن تكون دولة مستقرة طالما بقي نور محمد يشعّ في الكون من قرآنه أو من قبره في يثرب، وطالما كان هناك إنسان واحد لا يعترف بها، بكلمة أخرى طالما بقي على وجه الأرض مسلم واحد. قبل نصف قرن قالت غولدا مائير إن أسوأ خبر تسمعه هو ولادة طفل فلسطيني، لماذا؟ لأن ولادة طفل فلسطيني يعني تجدد واستمرار الخطر على مستقبل إسرائيل.
ولكن لماذا يرتضي أحد لنفسه، وهو الممسك بالسلطة الدينية على ملياري مسيحي في العالم، أن يكون مطية للصهيونية؟ لنجد الجواب علينا أن لا ننسى أبداً ذاك الجنرال الفرنسي، غورو، الذي وقف على قبر صلاح الدين في الشام عام 1920، بعد قرون من طرد أجداده من فلسطين وقال "ها قد عدنا يا صلاح الدين". هل كان ذلك الجنرال جندي الرأسمالية التي جاءت لتحتل وتنهب خيرات الشعوب أم كان جندياً تعتمل في نفسه الأحزان لأن أجداده الصليبيين لم يستطيعوا الثبات في أرض جاءوا ليحتلوها قبل ألف سنة؟
إذا كان جنرال فرنسي يحمل في قلبه ذلك الأسى على هزيمة وقعت قبل ألف سنة، فأية أحزان وحسرات تعتمل إذاً في قلب بابا الفاتيكان وهو يتطلع إلى خارطة أوروبا ويحدق في البوسفور والدردنيل وتلك الدرة التي كان إسمها حتى الأمس القريب "كونستانتينوبل" أو "القسطنطينية" والتي نسميها اليوم "إسطنبول"؟ لقد إنتزعها محمد الفاتح من أيديهم! وإذا كان أيمن الظواهري يتذكر الأندلس ويعدّ خيوله وبغاله لاسترجاعها من الفرنجة، فلماذا لا يحلم البابا وكل أوروبي قرأ تاريخ الامبراطورية الرومانية بأن يقف ذات يوم في مسجد آيا صوفيا ويصلي شكراً للرب على عودتها كاتدرائية.
وفي الحقيقة فإن ما في رأس أيمن الظواهري أضغاث أحلام، فالأولى به أن يسترجع قاعدة العديد في قطر أولاً، خاصة أن شيخ قطر يموّل الآن كل تلامذته في مصر وليبيا وتونس، أما إسطنبول فلا تحتاج لكي تعود تحت أجنحة البابا إلا إلى خطط حكيمة يتعاون في وضعها وتنفيذها مع الصهاينة الذين جمعوا في أيديهم كل أسباب القوة في مفاصل الرأسمالية.
الرأسماليون يفكرون بطريقة تجلب لهم الربح والثروة أما المسيحيون المتصهينون فيفكرون بطريقة أخرى تشبه طريقة أيمن الظواهري، فجهود البابا لإسقاط الشيوعية لم تكن لها علاقة بالصراع بين الراسمالية والشيوعية إطلاقاً، بل كانت ترمي إلى شيء واحد: أن يسقط الإتحاد السوفيتي وتتمزق بلدانه فلا تبقى حاجة للغرب إلى تركيا كقلعة أمامية لحلف الناتو في مواجهة السوفيت. وبالتالي لن يحرص الغرب على أن تكون تركيا قوية وموحدة، وعند ذاك لا يحتاج الأمر إلا إلى خلق الفتن والصراعات الداخلية في تركيا حتى ينتهي الأمر بأن ترفرف راية الكنيسة على آيا صوفيا والدردنيل والبوسفور.
قد تفكر أخي القارئ مثلي تماماً، مسلماً كنت أو مسيحياً، بالأممية والصداقة والأخوة وبالحوار والثقافة والإنسانية والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن لا تنس أن العالم يحكمه حتى الآن إرهابيون مجانين، وهؤلاء المجانين يتبوأون مراكز خطرة في العالم، إليك أمثلة حية: الإرهابي أيمن الظواهري، الإرهابي المتصهين بابا الفاتيكان، الإرهابي المسيحي المتصهين دونالد رامسفيلد، الإرهابي المسيحي المتصهين جورج بوش، الإرهابي المتخلف عقلياً حمد بن خليفة، الإرهابي المسموم سعود الفيصل، الإرهابي نتانياهو، الإرهابي شيخ المنافقين يوسف القرضاوي، الإرهابي الغبي شيخ الأزهر، الإرهابي المسيحي المتصهين توني بلير، الإرهابي المتصهين أنس فو راسموسن، الإرهابي ليبرمان، الإرهابي المنبوذ راشد الغنوشي، إلخ.
والآن، لماذا يتكالب كل هؤلاء الإرهابيين المتصهينين على الشام في هذه الأيام؟ هل سوريا فيها نفط يسيل له لعاب الرأسماليين كما كان الأمر في العراق؟ هل سوريا عندها برنامج نووي وأسلحة دمار شامل؟ هل سوريا بلد أقل ديمقراطية من قطر والسعودية؟ هل سوريا تحتل أراضي بلد آخر؟
الجواب واضح. تمعن أخي في الخارطة جيداً، وستجد أن الشام هي رئة إسطنبول، ولو تزعزع استقرار روسيا في الشرق وانتشرت السموم في الشام فإن أول من يستنشقها ستكون إسطنبول. أنظار العالم تتركز على الشام، ولكن في الجحور المظلمة في عالم الرأسمالية الديمقراطية هناك الآن من يهفو قلبه إلى اسطنبول وهو يردد في نفسه "سنعود يا أيا صوفيا ..".
والشام، بعد بغداد، هي آخر قلعة على الطريق إلى يثرب، وبينما أنظار العالم تتركز على الشام، ينظر ليبرمان ونتانياهو جنوباً ويهمس لهما إبليس "بعد الشام تصبح الطريق سالكة نحو يثرب". وما لا يعرفه الإخوان المسلمون هو أنهم ليسوا غير وقود لحرق الشام ولو (لا قدّر الله) استولى المتصيهنون على الشام فلن يسلموها للإخوان المسلمين، كما فعلوا في ليبيا وتونس، بل لمن يختصر الزمن في تهيئة الزحف نحو إسطنبول ويثرب. وهم ما يزالون يعملون على زعزعة استقرار روسيا حتى تفقد تركيا قيمتها الاسترتيجية. وما يزالون يعدّون العدة لضرب إيران حتى لا يكون هناك من يهبّ ليحمي قبر الرسول حين يتوجهون إليها متنزهين على ظهور الأباعر السعودية والقطرية، وهم يحلمون بأن يقولوا "ها قد عدنا إلى يثرب يا محمد".
اصمدي يا شام .. فداك روحي فأنت من يحمي قبر محمد
وهل لنا غير محمد نستمد منه القوة والقدرة على مواجهة عالم ملأه الإرهابيون ظلماً وجوراً وفساداً؟
من قلم : د. عمر ظاهر
التاريخ حكم أن لكل شيء بداية ونهاية في هذا العالم المليء بالمتناقضات ، فالرأسمالية التي بدأت بمحاربة الكنيسة التي كانت معتقداتها تشكل القاعدة المتخشبة لفكر النظام الإقطاعي الرجعي، عادت مع الزمن لتتحالف مع الكنيسة ضد النظام الاشتراكي الذي ولد من رحم الرأسمالية، بل إن الرأسمالية راحت تبحث عن أشد القوى رجعية في العالم لتتحالف معها ضد ذلك النظام الجديد، ولم تتوان حتى عن التحالف مع عتاة الرجعيين والمتخلفين في المرجعيات الإسلامية واستخدمتهم دروعاً واقية أمام موجة التحرر التي اجتاحت العالم العربي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ثم جعلت منهم مجاهدين في أفغانستان كي يكونوا رأس الحربة الموجهة ضد النظام الاشتراكي. وها هي الآن أيضاً، وبعد المسرحيات الدموية بالتعاون مع القاعدة على مدى عقد من الزمن، عادت إلى التحالف مع الإسلاميين وهي تعطيهم اليوم أدواراً جديدة. والرأسماليون حين يفعلون ذلك فليس من منطلق التدين أو الإيمان، بل كوسيلة لتحقيق الربح، خاصة أن فائض القيمة الذي كان في البداية مصدر اغتنائهم لم يعد يشبع نهمهم، ودخلت الرأسمالية مرحلة الإمبريالية، مرحلة نهب خيرات الشعوب مقابل إعطائها الموت والتخلف وأشكالاً مشكّلة من الأمراض والأوبئة.
الرأسمالية التي ألهمت الفكر الديمقراطي في العالم، وكانت تعرّفها بأنها المشاركة في الإنتاج والإستهلاك واختيار نظام الحكم وتنظيم المجتمع، صارت تصدّر ديمقراطية مسمومة إلى العالم كله، ديمقراطية لا علاقة لها بالمشاركة إلا في المآسي والفقر والتفريق والتشتيت والتحارب ضمن البيت الواحد.
والديمقراطية التي فتحت الباب في العالم الرأسمالي أمام الشفافية والعلنية في كل شيء حوّلت العالم الرأسمالي في آخر المطاف إلى ما يشبه قصور السلاطين وبلاطات القياصرة، يجد فيها كل أفاك زاوية وركناً مظلماً، فلا أحد يعرف ماذا يدور في جحورها المظلمة وماذا يحاك فيها من دسائس ومؤامرات، وماذا يتكون فيها من منظمات سرية لدجالي ومشعوذي السياسة والفكر، هذا ناهيك عن وكالات الاستخبارات والأمن التي لا يعرف نشاطاتها لا الشعب ولا البرلمان ولا رئيس الوزراء ولا الملك أو الرئيس.
وقد يكون لكل دولة، حتى لو كانت ديمقراطية، مبررات لأن تكوّن ما تشاء من أجهزة تسهر على حماية أمنها واستقرارها. ولكن .. ولكن ..ولكن أن يصل الأمر حد أن تنتهي مقدرات الرأسمالية نفسها في أيدي منظمات سرية وذات صفة دينية متطرفة، فأمر يستدعي التأمل والتساؤل.
إن ما نراه من تداخل بين الدين والسياسة والتغيرات في العالم من حولنا يجعلنا نتساءل: هل حقاً أتى على الإنسان حين من الدهر انفصلت فيها صراعاته عن الدين؟ هل ما حاولت الماركسية أن تزرعه في رؤوس أجيال من البشر بأن جوهر الصراع في هذا العالم طبقي واقتصادي وهم وأكذوبة كبرى؟ هل تحدد إطار ومسار علاقات شعوب بأسرها بعضها ببعض إلى الأبد في الفترة التاريخية الواقعة بين ظهور اليهودية قبل ثلاثة آلاف سنة وظهور الإسلام قبل ألف وأربعمئة سنة؟ أليس حاخامات اليهود وقساوسة المسيحية وشيوخ الإسلام جميعاً من نسل إبليس الذي {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (لبقرة 16-17)؟ هؤلاء يسممون عالمنا بدل أن تجعله الأديان مشرقاً ينعم بالعدل والسلام والأمان.
أخي القارئ لا بد أنك سمعت عن المسيحيين المتصهينين أو المسيحية المتصهينة، ولعلك تساءلت عن معنى ذلك. ما معنى أن يكون شخص مسيحي صهيونياً؟ كيف يمكن أن يحصل هذا؟ فالصهيونية ترتبط باليهودية، ومع هذا فإن الكثير من يهود العالم يتبرأون منها، ويؤكدون أن الصهيونية لا تعني اليهودية وإنما هي نزعة عنصرية تتطفل على اليهودية. ثم حتى لو افترضنا قسراً أن الصهيونية تعني اليهودية فكيف يمكن لمسيحي أن يكون مسيحياً وفي الوقت نفسه صهيونياً؟ هل يمكن أن يكون الشخص مسيحياً وفي الوقت نفسه إرهابياً سعودياً، مثلاً؟ (وهنا طبعاً لا نعاني صعوبة في فهم عكس الحالة الأخيرة، أي أن الإرهابي السعودي والقطري، ملكاً كانا أو أميراً أو شيخاً، يمكن أن يكونا صهيونيين رغم أنهما يدعيان الإسلام - لكن هذه الحالة لا تستحق النقاش فالملك السعودي والشيخ القطري يفعلان ذلك ليس من منطلق عقائدي أو فكري أو سياسي بعيد المدى، بل لمعرفتهم بأن خدمة الصهيونية هي الوسيلة الوحيدة للجلوس على العرش).
لكن هذا حاصل، فهناك مسيحيون متصهينون، أي أن الواحد منهم مسيحي صهيوني. وهذه الظاهرة ليست حاصلة على المستوى الشعبي، فلو أنك تجولت بين المسيحيين في الشرق كله فلن تجد ولا مسيحياً واحداً من هذه الفئة (إلا اللهم جعجع ومن على شاكلته في لبنان)، بل وقد لا تجد بينهم من يعرف بهذه الظاهرة أصلاً لأن هذا الكوكتيل (مسيحي صهيوني) موجود على مستويات عليا فقط، في أروقة الفاتيكان وفي المقرات السرية لسياسيين وأثرياء وجنرالات في منظمات عجيبة غريبة – وحين نقول فقط فليس للتقليل من خطورة الظاهرة، على العكس فهؤلاء الناس وعلى هذا المستوى يمتلكون القوة والنفوذ ويتحكمون بمراكز مفصلية في اتخاذ القرارات في البلدان الرأسمالية.
لعلك تتساءل معي، أخي القارئ، لماذا بذلت البابوية على مدى زمن طويل جهوداً جبارة لمساعدة الرأسماليين في إسقاط الشيوعية في شرق أوروبا؟ أكان ذلك لأن الشيوعية ملحدة والرأسمالية مسيحية؟ أم لأن البابا رأسمالي؟
ولعلك تتساءل لماذا بذلت البابوية في الوقت نفسه جهوداً مضنية لـ "تبرئة اليهود من دم المسيح"؟ من الذي صلب المسيح إذاً إن لم يكن اليهود فعلوا ذلك؟ هل تريد البابوية، مثلاً، تحميل المسلمين مسؤولية صلب المسيح عليه السلام؟
لماذا هذا التداخل في هذا العالم فيصبح المسيحي صهيونياً، خاصة أن الصهيونية تغتصب مهد المسيح وتعمل على إنهاء كل وجود غير يهودي على أرض فلسطين؟ وبالمقابل لماذا تتحالف حركة تتطفل على اليهودية مع رؤوس كبيرة في ديانة أخرى، وهذا رغم أن أوروبا المسيحية أحرقت ستة ملايين يهودي! وبعد أن حققت الصهيونية حلمها في تكوين دولة "قومية" لليهود في فلسطين؟ ما هي المصلحة المشتركة بينهما؟ أهو تقاسم ثروات النفط المنهوبة من العالم؟ أم ماذا؟
الصهيونية لن تخسر شيئاً في امتطاء كل من له مصلحة معها، وسلوكها مفهوم، فهي لم تحقق كل أهدافها بمجرد أنها اغتصبت فلسطين وأقامت إسرائيل. إن إسرائيل كيان قلق غير مطمئن ومنشغل بشكل غير معقول بضمان أمنه واستمراريته. هذا الكيان ليس كأي كيان في العالم. قارن إسرائيل بدولة مثل أفغانستان في آسيا أو أوغندا في إفريقيا أو بوليفيا في أمريكا اللاتينية. هل تمتلك أي من هذه الدول أسلحة نووية وتكنولوجيا وجيش محترف مثل إسرائيل؟ هل تتلقى أي منها من المساعدات الأمريكية والأوروبية مثل إسرائيل؟ هل تحيط بأي منها دول ضعيفة يحكمها حكام خونة مثل الدول العربية؟ ولكن هل تعمل أي منها ما تعمله إسرائيل لتخريب البلدان المحيطة بها وإضعافها مثلما تفعل إسرائيل لأن أمنها يتطلب ذلك؟ هل سمعتم في يوم من الأيام أن أفغانستان أو أوغندا أو بوليفيا تحتاج إلى إلتزام الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بضمان أمنها؟ طبعاً لا. لماذا؟ لأن كل هذه البلدان موجودة بشكل طبيعي، تسكنها شعوبها منذ فجر التاريخ وستبقى، أما إسرائيل فكيان مفتعل لا مستقبل له حتى لو تكفلت قوى الإنس والجن بضمان أمنه.
ولهذا فإن جنون الصهاينة لا حدود له، فهم يعرفون في قرارة أنفسهم أن إسرائيل لن تكون دولة مستقرة طالما بقي نور محمد يشعّ في الكون من قرآنه أو من قبره في يثرب، وطالما كان هناك إنسان واحد لا يعترف بها، بكلمة أخرى طالما بقي على وجه الأرض مسلم واحد. قبل نصف قرن قالت غولدا مائير إن أسوأ خبر تسمعه هو ولادة طفل فلسطيني، لماذا؟ لأن ولادة طفل فلسطيني يعني تجدد واستمرار الخطر على مستقبل إسرائيل.
ولكن لماذا يرتضي أحد لنفسه، وهو الممسك بالسلطة الدينية على ملياري مسيحي في العالم، أن يكون مطية للصهيونية؟ لنجد الجواب علينا أن لا ننسى أبداً ذاك الجنرال الفرنسي، غورو، الذي وقف على قبر صلاح الدين في الشام عام 1920، بعد قرون من طرد أجداده من فلسطين وقال "ها قد عدنا يا صلاح الدين". هل كان ذلك الجنرال جندي الرأسمالية التي جاءت لتحتل وتنهب خيرات الشعوب أم كان جندياً تعتمل في نفسه الأحزان لأن أجداده الصليبيين لم يستطيعوا الثبات في أرض جاءوا ليحتلوها قبل ألف سنة؟
إذا كان جنرال فرنسي يحمل في قلبه ذلك الأسى على هزيمة وقعت قبل ألف سنة، فأية أحزان وحسرات تعتمل إذاً في قلب بابا الفاتيكان وهو يتطلع إلى خارطة أوروبا ويحدق في البوسفور والدردنيل وتلك الدرة التي كان إسمها حتى الأمس القريب "كونستانتينوبل" أو "القسطنطينية" والتي نسميها اليوم "إسطنبول"؟ لقد إنتزعها محمد الفاتح من أيديهم! وإذا كان أيمن الظواهري يتذكر الأندلس ويعدّ خيوله وبغاله لاسترجاعها من الفرنجة، فلماذا لا يحلم البابا وكل أوروبي قرأ تاريخ الامبراطورية الرومانية بأن يقف ذات يوم في مسجد آيا صوفيا ويصلي شكراً للرب على عودتها كاتدرائية.
وفي الحقيقة فإن ما في رأس أيمن الظواهري أضغاث أحلام، فالأولى به أن يسترجع قاعدة العديد في قطر أولاً، خاصة أن شيخ قطر يموّل الآن كل تلامذته في مصر وليبيا وتونس، أما إسطنبول فلا تحتاج لكي تعود تحت أجنحة البابا إلا إلى خطط حكيمة يتعاون في وضعها وتنفيذها مع الصهاينة الذين جمعوا في أيديهم كل أسباب القوة في مفاصل الرأسمالية.
الرأسماليون يفكرون بطريقة تجلب لهم الربح والثروة أما المسيحيون المتصهينون فيفكرون بطريقة أخرى تشبه طريقة أيمن الظواهري، فجهود البابا لإسقاط الشيوعية لم تكن لها علاقة بالصراع بين الراسمالية والشيوعية إطلاقاً، بل كانت ترمي إلى شيء واحد: أن يسقط الإتحاد السوفيتي وتتمزق بلدانه فلا تبقى حاجة للغرب إلى تركيا كقلعة أمامية لحلف الناتو في مواجهة السوفيت. وبالتالي لن يحرص الغرب على أن تكون تركيا قوية وموحدة، وعند ذاك لا يحتاج الأمر إلا إلى خلق الفتن والصراعات الداخلية في تركيا حتى ينتهي الأمر بأن ترفرف راية الكنيسة على آيا صوفيا والدردنيل والبوسفور.
قد تفكر أخي القارئ مثلي تماماً، مسلماً كنت أو مسيحياً، بالأممية والصداقة والأخوة وبالحوار والثقافة والإنسانية والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن لا تنس أن العالم يحكمه حتى الآن إرهابيون مجانين، وهؤلاء المجانين يتبوأون مراكز خطرة في العالم، إليك أمثلة حية: الإرهابي أيمن الظواهري، الإرهابي المتصهين بابا الفاتيكان، الإرهابي المسيحي المتصهين دونالد رامسفيلد، الإرهابي المسيحي المتصهين جورج بوش، الإرهابي المتخلف عقلياً حمد بن خليفة، الإرهابي المسموم سعود الفيصل، الإرهابي نتانياهو، الإرهابي شيخ المنافقين يوسف القرضاوي، الإرهابي الغبي شيخ الأزهر، الإرهابي المسيحي المتصهين توني بلير، الإرهابي المتصهين أنس فو راسموسن، الإرهابي ليبرمان، الإرهابي المنبوذ راشد الغنوشي، إلخ.
والآن، لماذا يتكالب كل هؤلاء الإرهابيين المتصهينين على الشام في هذه الأيام؟ هل سوريا فيها نفط يسيل له لعاب الرأسماليين كما كان الأمر في العراق؟ هل سوريا عندها برنامج نووي وأسلحة دمار شامل؟ هل سوريا بلد أقل ديمقراطية من قطر والسعودية؟ هل سوريا تحتل أراضي بلد آخر؟
الجواب واضح. تمعن أخي في الخارطة جيداً، وستجد أن الشام هي رئة إسطنبول، ولو تزعزع استقرار روسيا في الشرق وانتشرت السموم في الشام فإن أول من يستنشقها ستكون إسطنبول. أنظار العالم تتركز على الشام، ولكن في الجحور المظلمة في عالم الرأسمالية الديمقراطية هناك الآن من يهفو قلبه إلى اسطنبول وهو يردد في نفسه "سنعود يا أيا صوفيا ..".
والشام، بعد بغداد، هي آخر قلعة على الطريق إلى يثرب، وبينما أنظار العالم تتركز على الشام، ينظر ليبرمان ونتانياهو جنوباً ويهمس لهما إبليس "بعد الشام تصبح الطريق سالكة نحو يثرب". وما لا يعرفه الإخوان المسلمون هو أنهم ليسوا غير وقود لحرق الشام ولو (لا قدّر الله) استولى المتصيهنون على الشام فلن يسلموها للإخوان المسلمين، كما فعلوا في ليبيا وتونس، بل لمن يختصر الزمن في تهيئة الزحف نحو إسطنبول ويثرب. وهم ما يزالون يعملون على زعزعة استقرار روسيا حتى تفقد تركيا قيمتها الاسترتيجية. وما يزالون يعدّون العدة لضرب إيران حتى لا يكون هناك من يهبّ ليحمي قبر الرسول حين يتوجهون إليها متنزهين على ظهور الأباعر السعودية والقطرية، وهم يحلمون بأن يقولوا "ها قد عدنا إلى يثرب يا محمد".
اصمدي يا شام .. فداك روحي فأنت من يحمي قبر محمد
وهل لنا غير محمد نستمد منه القوة والقدرة على مواجهة عالم ملأه الإرهابيون ظلماً وجوراً وفساداً؟
من قلم : د. عمر ظاهر